يشهد قطاع الطيران في الجيش الأميركي أحد أهم تحولاته منذ عقود، حيث تُعيد الأتمتة وضغوط التكلفة والتقنيات الجديدة، صياغة كيفية تدريب الطيارين والأدوار التي سيلعبونها في الحروب المستقبلية، كما كتب توماس نوفلي (*).
قلق الطيارين
يشعر العديد من الطيارين الحاليين بالقلق بشأن مستقبلهم، مع تبني الجيش للأنظمة غير المأهولة واستعداده لتقليص قوة طائرات الهليكوبتر، بينما يأمل آخرون أن يُؤدي نظام تدريب مُجدد - يُطلق عليه اسم «مدرسة الطيران التالية» Flight School Next- إلى جيل من الطيارين أقل عدداً ولكنه أكثر كفاءة من الطيارين الحاليين.
خفض أعداد الأفراد والنفقات
يأتي هذا التحول في ظل تخفيضات تنظيمية شاملة. إذ يخطط الجيش للتخلص من 6500 من أصل 30 ألف جندي طيران بحلول عام 2027، وذلك إلى حد كبير من خلال إزالة سرب واحد من سلاح الفرسان الجوي لكل لواء طيران قتالي يعمل في الخدمة الفعلية.
ويجادل القادة بأن هذه الخطوة ستُنشئ «قوةً أكثر كفاءةً وفتكاً» من خلال التخلص من المنصات القديمة والاستثمار في التكنولوجيا. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الطيارين، فإنها تُشير إلى احتمال تآكل أدوار الطيران التقليدية وعقود من الخبرة المكتسبة بشق الأنفس.
جنود لطائرات «درون» لـ«قوة أكثر فتكاً»
يُؤكد التقدم السريع للطائرات ذاتية القيادة هذه المخاوف، إذ قامت شركة سيكورسكي أخيراً بتدريب جندي مُجنّد - بدلاً من طيار - على قيادة إحدى طائرات بلاك هوك الذاتية القيادة في رحلة بطول 70 ميلاً بحرياً باستخدام واجهة جهاز لوحي فقط.
تهميش الطيارين
وأوضحت هذه التجربة كيف يُمكن تهميش الطيارين البشريين بشكل متزايد مع توسع الجيش في أسطوله من الطائرات دون طيار. يُقر بعض الطيارين بأن الأتمتة ستقلل حتماً من المخاطر والتكلفة، لكنهم يُحذرون من تجاهل الخبرة المكتسبة عبر الأجيال اللازمة لإدارة المهام المعقدة في ظل ظروف القتال. في الوقت نفسه، لا يريد الجيش عدداً أقل من الطيارين فحسب، بل يريد أيضاً طيارين أفضل.
«مدرسة الطيران التالية»
ستُحوّل مبادرة «مدرسة الطيران التالية» تدريب المروحيات الأساسي من نموذج تديره الحكومة إلى نموذج تملكه وتُشغّله شركات المقاولات، ما قد يوفر المال ويُحسّن النتائج. وتتنافس شركات الدفاع مثل بوينغ وليوناردو وبيل وإم دي هليكوبترز وروبنسون وإنستروم وإيرباص على توفير الطائرات والمدربين.
وتَعِد كلٌّ منها ببرنامج أكثر كفاءةً وفاعليةً من حيث التكلفة باستخدام طائرات هليكوبتر أحادية المحرك، وهي أرخص وأكثر ملاءمةً لممارسة المناورات الرئيسية - مثل الدوران التلقائي والتحكم المضاد لعزم الدوران - من طائرة إيرباص يو إتش-72 لاكوتا الثنائية المحرك الحالية.
تراجع كفاءة الطيارين... بسبب التكنولوجيا
أقرّ اللواء كلير جيل، رئيس مدرسة الطيران التابعة للجيش، بتراجع كفاءة الطيارين في السنوات الأخيرة. ففي السنة المالية 2024، سجّل الجيش 17 حادثاً من الفئة إيه، وهو أسوأ سجل سلامة له منذ عام 2007. ويُرجع جيل هذا الاتجاه جزئياً إلى عدم كفاية منصات التدريب والاعتماد المفرط على الأنظمة الآلية، ما يجعل الطيارين الجدد «جيدين جداً في عمليات الأنظمة» ولكنهم «ليسوا جيدين جداً في أساسيات الطيران».
ويأمل جيل، من خلال العودة إلى الطائرات أحادية المحرك، استعادة مهارات الطيران اليدوي الأساسية مع خفض التكاليف التشغيلية.
تكنولوجيا لمعارك المستقبل
وتُقدّم الشركات مقترحاتها بقوة. على سبيل المثال، تُسلّط شركة بيل الضوء على تاريخها الطويل في تدريب طياري الجيش منذ عام 1946، وعلى سهولة استخدام مروحيتها 505 وسعرها المناسب. وقد تعاونت بوينغ وليوناردو لتقديم «حل جاهز مبتكر» يجمع بين طائرة التدريب«إيه دبليو 119 تي» AW119T من ليوناردو وخبرة بوينغ في طائرات أباتشي. وتُصرّ إيرباص، مُدافعةً عن طائرتها UH-72 لاكوتا، على إمكانية تعطيل ميزات الأتمتة فيها لإجراء تدريب أكثر صرامة، مُستشهدةً بسجلّ السلامة القوي للطائرة.
يبدأ شركاء الجيش الصناعيون بالفعل في التكيف مع هذا المستقبل. فقد كشفت بوينغ أخيراً عن مفهوم لطائرة دون طيار مُجهزة بمراوح قابلة للتعديل، مصممة للعمل جنباً إلى جنب مع طائرات الهليكوبتر المأهولة، ما يعكس كيف ستمزج ساحات القتال المستقبلية على الأرجح بين الموارد البشرية والأنظمة الذاتية التشغيل.
لحظة محورية
في الوقت الحالي، يجد طيارو الجيش أنفسهم عالقين بين حقبتين، مصممين على الحفاظ على أهميتهم حتى مع تحول التكنولوجيا في مهنتهم. وكما قال أحد طلاب الطيران: «سننظر إلى هذا العام على أنه لحظة محورية... بينما نركز على الأنظمة غير المأهولة، ما زلنا نحاول توفير تدريب جيد ومكثف للطيارين لدينا». في جوهره، فإن التحول في مجال الطيران في الجيش هو بمثابة عمل متوازن: احتضان الأتمتة والكفاءة من حيث التكلفة دون فقدان المهارات البشرية وحكمة الإنسان.
* مجلة «ديفينس وان»، خدمات «تريبيون ميديا».



