فضيحة تجسس أوروبية... والشبهات تحوم حول بودابست

مسؤولون في الاتحاد يرجحون أن تكون شبكة التجسس المجرية أخطر بكثير مما تم كشفه

أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)
TT

فضيحة تجسس أوروبية... والشبهات تحوم حول بودابست

أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)
أعلام الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)

ليس سرّاً أن العاصمة البلجيكية، التي تستضيف جميع مؤسسات الاتحاد الأوروبي والمقر الرئيسي لحلف شمال الأطلسي، فضلاً عن عدد كبير من الوكالات الإقليمية والدولية، هي مرتع لعملاء المخابرات الروسية والأميركية والصينية والإيرانية والإسرائيلية الذين ينشطون للحصول على معلومات سرّية، أو للتأثير في قرارات تلك المؤسسات ودفعها باتجاهات معيّنة.

آخر فضائح التجسس التي كشفتها معلومات صحافية هذا الأسبوع وهزّت الأوساط الدبلوماسية في بروكسل، تدور حول التحقيقات التي تجريها المفوضية لمعرفة ما إذا كان مفوّض شؤون الصحة والاستهلاك، المجري أوليفر فارهلي، ضالعاً في أنشطة شبكة تجسس تديرها حكومة فيكتور أوربان منذ سنوات في العاصمة الأوروبية، يشتبه في أنها تستخدم عملاء تحت غطاء دبلوماسي منذ كان فارهلي سفيراً لبلاده لدى الاتحاد الأوروبي.

Hungarian Prime Minister Viktor Orban holds an international press conference in Budapest, Hungary, December 21, 2024. (Reuters)

وكانت صحيفة «Direkt36» المجرية، بالتعاون مع وسائل إعلام ألمانية وبلجيكية، كشفت أن البعثة الدبلوماسية المجرية في بروكسل كانت تدير شبكة تجسس واسعة في المؤسسات الأوروبية منذ عام 2013، لكن حكومة بودابست سارعت إلى نفي الخبر، وقالت إنه يهدف إلى تشويه سمعتها ضمن حملة تقف وراءها جهات مشبوهة، سيما وأن المفوض المجري الذي يتولى منصبه منذ عام 2019 معروف بانتقاداته العلنية القاسية لرئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين. وأفاد ناطق باسمها بأنها استنطقت المفوض المجري حول ما إذا كان على علم بأنشطة التجسس المذكورة، ونفى ذلك.

وجاء في التحقيق الذي نشرته الصحيفة أنها استقت معظم معلوماتها من عميل سابق في جهاز المخابرات المجري، الذي أفاد بأن حكومة بودابست كانت علـى تواصل دائم مع موظفين مجريين، ومن جنسيات أوروبية أخرى، بهدف الحصول منهم على معلومات سرية تتعلق خاصة بملفات خلافية بين المفوضية وحكومة فيكتور أوربان، وأن العميل المذكور كان يتواصل مباشرة مع السفير فارهلي «الذي كان في الواقع رئيس خلية التجسس» المجرية في بروكسل.

أوربان يتحدث إلى زيلينسكي خلال قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل 27 يونيو 2024 (رويترز)

من المسلّم به أنّ المسؤولين في المؤسسات الأوروبية، على اختلاف درجات مسؤولياتهم، يراعون بشكل أو بآخر مصالح البلدان التي ينتمون إليها رغم أنهم يعلنون الولاء الحصري للمشروع الأوروبي ويدافعون عن المصالح المشتركة. لكن في الحالة المجرية تختلف الأمور تماماً، وتطرح تساؤلات مقلقة جداً حول مآل المعلومات التي جمعتها شبكة التجسس التي تديرها حكومة بودابست، والأهداف البعيدة التي يمكن أن ترمي إليها.

زيلينسكي يصافح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان في بروكسل (أ.ف.ب)

فالمجر، رغم عضويتها في الاتحاد، ليست مصنّفة «دولة صديقة» للمشروع الأوروبي بسبب التقارب العميق بين حكومة الشعبوي المتطرف فيكتور أوربان والكرملين من جهة، وعلاقته الوثيقة برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والحركات اليمينية المتطرفة التي تعمل لتدمير المشروع الأوروبي. يضاف إلى ذلك أن ثمة خلافات ما زالت مفتوحة بين بروكسل وبودابست حول انتهاك الحكومة المجرية أحكام القوانين الأوروبية والمبادئ المؤسسة للاتحاد، وهي خلافات كلّـفت حكومة أوربان إلى اليوم ما يزيد على مليار يورو نتيجة عقوبات وغرامات لعدم تراجعها عن قوانين تتعارض مع استقلالية القضاء، وحرية الرأي والدفاع عن الأقليات.

وكان من نتائج هذه الخلافات بين بروكسل وبودابست، وانحياز حكومة أوربان الواضح إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، أن قلة ضئيلة من المواطنين المجريين تتولّى مناصب ذات مسؤولية عالية في مؤسسات الاتحاد منذ وصول أوربان إلى الحكم. وهذا ما دفع بودابست إلى تكليف الشبكة التي يجري التحقيق حولها، جمع المعلومات حول الملفات الخلافية، ونقل محاضر اجتماعات مغلقة تفيد تسريبات التحقيق الأولى بأنها تتناول اجتماعات مغلقة حول العقوبات علـى روسيا وسياسة الاتحاد من الحرب في أوكرانيا، وأيضاً الموقف الأوروبي من الحرب في غزة.

زيلينسكي وفون دير لاين لدى مشاركتهما في القمة الأوروبية ببروكسل الخميس الماضي (د.ب.أ)

كما يستفاد من التسريبات أيضا أن شبكة التجسس المجرية كانت تنشط أيضاً في أوساط الوكالة الأوروبية لمكافحة الفساد والاحتيال، التي كانت تحقق في اتهامات تطول إحدى الشركات التي يملكها أوربان، وحصلت على مساعدات أوروبية ضخمة.

بعض المسؤولين في الاتحاد يرجحون أن تكون قضية شبكة التجسس المجرية أخطر بكثير مما كشفت عنه حتى الآن المعلومات الصحافية وما تبيّن من التحقيقات الأولى، ويطالبون رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين بإقالة المفوّض المجري وإحالته إلى محكمة العدل الأوروبية «حفاظاً على صدقية المفوضية وثقة المواطنين بمؤسسات الاتحاد». وينبّه هـؤلاء بأن شركات مجرية، وراءها رؤوس أموال خارجية مشبوهة، تسعى منذ فترة إلى امتلاك مؤسسات أوروبية ناشطة في قطاعات حساسة مثل الاتصالات والأمن السيبراني والصناعات الدفاعية المتطورة.


مقالات ذات صلة

تحذيرات إسرائيلية من «رسائل نصية خبيثة» لتجنيد جواسيس لإيران

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت (أرشيفية - رويترز)

تحذيرات إسرائيلية من «رسائل نصية خبيثة» لتجنيد جواسيس لإيران

حذّرت هيئة الأمن السيبراني في إسرائيل، الخميس، من هجمة رسائل نصية وصلت إلى آلاف الإسرائيليين سعياً لتجنيدهم للتجسس لصالح إيران.

نظير مجلي (تل أبيب)
أوروبا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك (الثاني من اليمين) يزور خط السكة الحديد الذي تعرض للتخريب بالقرب من ميكا - بولندا 17 نوفمبر 2025 (أ.ب) play-circle

مسؤولون غربيون: روسيا تحاول إغراق أوروبا بحملة تخريب واسعة

يقول مسؤولون غربيون إن روسيا تحاول إغراق أوروبا بحملة تخريب واسعة النطاق تشمل عدداً من الدول الأوروبية، أبرزها دول مجاورة لروسيا ودول داعمة لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا القطة لويزا

كشف جاسوسة روسية بفضل رقم الشريحة الإلكترونية لقطتها

كشف رقم الشريحة الإلكترونية لقطة أليفة هوية جاسوسة روسية عاشت متخفية في إيطاليا لسنوات، وتسللت إلى أوساط قريبة من «الناتو» قبل اختفائها.

«الشرق الأوسط» (روما)
أوروبا البابا ليو بابا الفاتيكان (إ.ب.أ)

بابا الفاتيكان يطالب المخابرات الإيطالية بعدم تشويه سمعة السياسيين والصحافيين

حث البابا ليو (بابا الفاتيكان) أجهزة المخابرات الإيطالية على تجنب «تشويه سمعة الشخصيات العامة والصحافيين».

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية عناصر من الشرطة الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران تعلن محاكمة إيراني أوروبي اعتُقل خلال الحرب مع إسرائيل بتهمة التجسّس

أعلنت السلطة القضائية في إيران أنّ مواطناً إيرانياً أوروبياً اعتُقل خلال الحرب الأخيرة التي استمرّت 12 يوماً مع إسرائيل، أُُحيل إلى المحاكمة بتهمة التجسّس.

«الشرق الأوسط» (طهران)

بوتين يشيد بالمكاسب الروسية في أوكرانيا... ويقول إن كييف غير مستعدة للسلام

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في نهاية العام بموسكو 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في نهاية العام بموسكو 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بوتين يشيد بالمكاسب الروسية في أوكرانيا... ويقول إن كييف غير مستعدة للسلام

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في نهاية العام بموسكو 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في نهاية العام بموسكو 19 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قواته في أوكرانيا تتقدّم على طول الجبهة، مشيداً بالمكاسب التي حققها الجيش الروسي مؤخراً.

وقال بوتين أثناء مؤتمره الصحافي السنوي في موسكو، إن «قواتنا تتقدم على طول خط التماس بأكمله... العدو يتراجع في كل الاتجاهات».

وصرّح ‌بأن موسكو لا تعتقد أن أوكرانيا مستعدة لإجراء ⁠محادثات سلام.

وأضاف أن ‍روسيا «مستعدة وراغبة» ‍في إنهاء النزاع في أوكرانيا سلمياً، ​استناداً إلى المبادئ التي قال ⁠إنه حددها في وزارة الخارجية في عام 2024، وفق ما نقلته وكالة «رويترز» للأنباء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مؤتمره الصحافي السنوي في نهاية العام بموسكو 19 ديسمبر 2025 (رويترز)

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد بدأ جهوداً دبلوماسية واسعة النطاق لإنهاء نحو أربع سنوات من القتال بعد أن أرسلت روسيا قوات إلى أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، لكن جهود واشنطن اصطدمت بمطالب متضاربة بشدة من قِبل موسكو وكييف.

وحذّر بوتين هذا الأسبوع من أن موسكو ستسعى لتوسيع مكاسبها في أوكرانيا إذا رفضت كييف وحلفاؤها الغربيون مطالب الكرملين في محادثات السلام.

ويريد الزعيم الروسي الاعتراف بأربع مناطق رئيسية سيطرت عليها قواته، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم، التي تم ضمها من طرف واحد في عام 2014، بصفتها أراضي روسية.

وأصر أيضاً على انسحاب أوكرانيا من بعض المناطق في شرق أوكرانيا، التي لم تسيطر عليها قوات موسكو بعد، وهي مطالب رفضتها كييف.


مبعوث بوتين يرحّب بقرار الاتحاد الأوروبي بعدم استخدام الأصول الروسية المجمدة

صورة أرشيفية لكيريل ديمترييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
صورة أرشيفية لكيريل ديمترييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
TT

مبعوث بوتين يرحّب بقرار الاتحاد الأوروبي بعدم استخدام الأصول الروسية المجمدة

صورة أرشيفية لكيريل ديمترييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
صورة أرشيفية لكيريل ديمترييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

قال ​كيريل ديمترييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشؤون الاستثمار والتعاون الاقتصادي، ‌اليوم (الجمعة)، ‌إن «‌القانون ⁠وصوت العقل» ​انتصرا، ‌بعد أن قرر قادة الاتحاد الأوروبي اقتراض أموال لتمويل أوكرانيا بدلاً من ⁠استخدام الأصول ‌الروسية المجمدة.

وكتب ديمترييف على «إكس»، في إشارة إلى رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون ​دير لاين: «ضربة كبيرة لدعاة ⁠الحرب في الاتحاد الأوروبي بقيادة أورسولا الفاشلة» واختص بالذكر كذلك في منشور آخر المستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وتابع: «أصوات العقل في الاتحاد الأوروبي منعت الاستخدام غير القانوني للاحتياطيات الروسية ‌لتمويل أوكرانيا».

وكتب ديميترييف: «لقد حالت بعض الأصوات العقلانية داخل الاتحاد الأوروبي حتى الآن دون استخدام الاحتياطات الروسية بشكل غير قانوني لتمويل أوكرانيا».

وكان رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا قد قال في وقت سابق، إن الاتحاد الأوروبي وافق على تزويد أوكرانيا بمبلغ 90 مليار يورو (105.5 مليار دولار) لعامي 2026 و2027.

وقال كوستا في منشور على منصة التواصل الاجتماعي «إكس» في الساعات الأولى من صباح اليوم الجمعة: «لقد توصلنا إلى اتفاق. تمت الموافقة على قرار تقديم دعم بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا للفترة 2027-2026. لقد التزمنا، وأوفينا».

وتوصل قادة الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل إلى حل وسط بعد أن فشلت خطط استخدام مليارات اليورو من أصول الدولة الروسية المجمدة لتغطية احتياجات التمويل لأوكرانيا في السنوات المقبلة في الحصول على الدعم اللازم.


الاتحاد الأوروبي يوافق على دعم بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (ا.ب)
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (ا.ب)
TT

الاتحاد الأوروبي يوافق على دعم بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (ا.ب)
رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا (ا.ب)

قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، إن الاتحاد الأوروبي وافق على دعم بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا على مدى العامين المقبلين.

وقال كوستا: «لقد التزمنا، وأوفينا».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي على هامش اجتماع المجلس الأوروبي في بروكسل (ا.ف.ب)

وتوصل قادة الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل إلى حل وسط بعد أن فشلت خطط استخدام أصول الدولة الروسية المجمدة لتغطية احتياجات التمويل لأوكرانيا في السنوات المقبلة في الحصول على الدعم اللازم.

المستشار الألماني ​فريدريش ميرتس (ا.ب)

من جهته قال المستشار الألماني ​فريدريش ميرتس، في وقت مبكر من اليوم (الجمعة)، إن قادة الاتحاد الأوروبي قرروا ‌بالإجماع تقديم ‌قرض ‌لأوكرانيا ⁠بدون ​فوائد قيمته ‌90 مليار يورو (105.53 مليار دولار) لتغطية احتياجاتها التمويلية للجيش والميزانية للعامين ⁠المقبلين.

وذكر ميرتس بعد ‌اجتماع مطول ‍لقادة ‍الاتحاد الأوروبي في ‍بروكسل، أن أوكرانيا لن تضطر إلى سداد القرض إلا ​إذا دفعت روسيا تعويضات عن حربها، بينما ⁠يحتفظ الاتحاد الأوروبي بالحق في استخدام الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي للسداد إذا لم تدفع روسيا التعويضات.