«الوحدة» الليبية أمام «اختبار الصمود» بعد توقيف واستقالة بعض وزرائها

وسط ضغوط الخصوم وغضب الشارع

الدبيبة خلال متابعته خطة وزارة الداخلية للمجاهرة بالأمن (الوحدة)
الدبيبة خلال متابعته خطة وزارة الداخلية للمجاهرة بالأمن (الوحدة)
TT

«الوحدة» الليبية أمام «اختبار الصمود» بعد توقيف واستقالة بعض وزرائها

الدبيبة خلال متابعته خطة وزارة الداخلية للمجاهرة بالأمن (الوحدة)
الدبيبة خلال متابعته خطة وزارة الداخلية للمجاهرة بالأمن (الوحدة)

تشهد حكومة «الوحدة» الليبية اختباراً جديداً لمدى صمودها، وذلك على خلفية توقيف وزير التعليم علي العابد، والحكم على وزراء آخرين، إلى جانب استقالة بعضهم من مناصبهم، وهو ما أعاد إلى الواجهة أسئلة كثيرة حول مدى قدرة الحكومة على الحفاظ على تماسكها، ومواجهة الضغوط السياسية المتزايدة.

وكانت النيابة العامة في ليبيا قد أمرت بتوقيف العابد، وزير العمل والمكلف أيضاً بوزارة التربية والتعليم في الحكومة، بتهمة «الإهمال في التعاقد على طباعة الكتاب المدرسي»، ليكون بذلك خامس وزير يتم توقيفه منذ تولي حكومة «الوحدة» إدارة البلاد عام 2021.

محمد عون وزير النفط السابق (الشرق الأوسط)

ومن واقع تجربته داخل الحكومة لأكثر من 3 سنوات وزيراً للنفط، توقع محمد عون أن يسارع الدبيبة إلى «احتواء الموقف بعد سجن العابد، عبر تكليف وكلاء الوزارات بالمهام أو تسمية وزراء مكلفين».

وقال عون لـ«الشرق الأوسط» إن «المنطق يقتضي ألا يتولى الوكيل مهام الوزارة إلا لفترة قصيرة، كون الوزير أقسم أمام مجلس النواب. أما الوكيل فلا، ولكن الدبيبة لا يلتزم بالمنطق ولا بالتشريعات، ويعدّها عائقاً للعمل». واتهم الدبيبة «بمحاولة التحكم في قرارات الوزراء وتجاوز صلاحياتهم».

الاتهامات نفسها بمحاولة الدبيبة «التحكم في كافة القرارات داخل الحكومة»، وجّهها وزير الدولة السابق للشؤون الاقتصادية، سلامة الغويل، الذي أشار إلى أن رئيس الحكومة «وضع مستشارين موالين له في أغلب الوزارات السيادية أو ذات الميزانية الضخمة، ينسقون معه سير العمل داخلها، بعيداً عن الوزراء أنفسهم».

واعتبر الغويل أن «تكرار أزمة الكتاب المدرسي، وسجن وزيرين للتعليم خلال فترة قصيرة، يعكسان غياب التنسيق، وضعف الكفاءة في تلك الحكومة»، متوقعاً أن يعمد الدبيبة إلى تكليف شخصيات جديدة، أو توزيع مهامه على من تبقى من الوزراء.

في المقابل، ركّز مؤيدو حكومة «الوحدة» في منشوراتهم على مواقع التواصل على أن ملاحقة وزرائها قضائياً دليل على خضوعها للقانون، كما حرصوا على التذكير بأن البرلمان هو من فرض أسماء هؤلاء الوزراء على الدبيبة عند تشكيلها في مارس (آذار) 2021.

غير أن الغويل اعتبر هذا التبرير «تجاهلاً لحقيقة أن معظم الوزراء، الذين أقسموا أمام البرلمان، استقالوا لاحقاً، إما احتجاجاً على أداء الحكومة مثله؛ أو دعماً لمشروع سياسي آخر مثل الحكومة التي شكّلها البرلمان، برئاسة فتحي باشاغا في مارس 2022، بعد سحب الثقة من حكومة الدبيبة عقب مرور 6 أشهر من تشكيلها».

فتحي باشاغا (الشرق الأوسط)

أما وكيل وزارة الخارجية الأسبق، حسن الصغير، فرأى أن الدبيبة «قد يوظف الأزمة كورقة تفاوض جديدة لتشكيل حكومة مشتركة مع القوى السياسية والعسكرية في الشرق الليبي».

وقال الصغير لـ«الشرق الأوسط» إن الدبيبة «يحاول منذ فترة طرح مقترحات لدمج الحكومتين في حكومة موحدة برئاسته، ومع تقلص عدد الوزراء سيجدد طرحه هذا ليتخلص من مأزقه الراهن، ويبقي على نفسه لاعباً رئيسياً، ويقطع الطريق أيضاً أمام مسار البعثة الأممية». مضيفاً أنه «في حال رفض مقترحاته كما حدث من قبل، سيلجأ إلى تسيير الوزارات بشخصيات بديلة».

ورغم إقراره بأن الانتقادات الأخيرة صبّت إعلامياً وشعبياً لصالح الحكومة المنافسة في الشرق، برئاسة أسامة حماد، التي قال إنها «تحقق إنجازات ملموسة على الأرض»، رأى الصغير أن الدبيبة «لم يبلغ بعد حدّ الخطر الحقيقي لغياب البديل».

وكانت مظاهرات شعبية طالبت بإقالة رئيس الحكومة ومحاسبته، على خلفية أزمات سياسية واقتصادية.

أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من البرلمان (الاستقرار)

من جهته، يرى الباحث القانوني الليبي، هشام الحاراتي، أن الانتقادات والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي من حكومة «الوحدة تعبر عن سخط شعبي تجاه مجمل الطبقة السياسية»، مشيراً إلى أن «الشارع فقد الثقة في جميع المتصدرين للمشهد، ويرى فيهم شركاء في تعطيل الانتخابات واستمرار الفساد».

وانتقد الحاراتي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ما آلت إليه الأوضاع بـ«تحول الخدمة العامة إلى غنيمة، والمحاصصة إلى قاعدة للتعيين في المناصب العليا»، وقال إن الوزارات «باتت رهينة التوازنات المناطقية والقبلية والسياسية، لا الكفاءة، ومع الانقسام السياسي والمؤسسي، ضعفت الرقابة وتوسع الفساد».

الدبيبة يتلقى تكريماً من وفد اتحاد عمال النفط والغاز (الوحدة)

ورغم تراجع نشاط الدبيبة الخارجي، وما تواجهه حكومته من غضب وانتقادات، يرى الحاراتي أن «استمرار الاعتراف الأممي به، وخضوع وزرائه للقضاء يمنحه هامشاً ليس بالهين للبقاء»، مشيراً إلى أن «انتقادات المواطنين لتجاهل أحكام القضاء في المنطقة الشرقية، وعدم تكشف بعض حوادث اختفاء بعض الرموز السياسية بها».


مقالات ذات صلة

حفتر: قوت المواطن الليبي «خط أحمر لا يمس»

شمال افريقيا اجتماع حفتر مع حمّاد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب فى بنغازي (القيادة العامة)

حفتر: قوت المواطن الليبي «خط أحمر لا يمس»

شدد المشير حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي خلال اجتماعه مع رئيس الحكومة أسامة حمّاد، على ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية وراء أزمتي نقص السيولة والوقود.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من جلسات «الحوار المهيكل» الذي ترعاه البعثة الأممية في طرابلس الاثنين (البعثة الأممية)

ليبيا: تضارب وشكوك تلاحق «الحوار الأممي المهيكل»

يرى محللون سياسيون وأحزاب ليبية في آلية اختيار الأعضاء «سرية وتخبطاً وتكراراً لوجوه سابقة، واتهامات بإعادة إنتاج الأزمة بدلاً من حلها».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من مظاهرات سابقة خرجت في طرابلس للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة 22 مايو الماضي (إ.ب.أ)

ليبيا: حراك شعبي في مصراتة يطالب بـ«إسقاط» حكومة الدبيبة

حضّ حراك شعبي جميع أطياف الليبيين على المشاركة في «اعتصام مفتوح في طرابلس للمطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة بعيداً عن الحزبية والجِهوية والقبلية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من «جهاز مكافحة التهديدات الأمنية» (أرشيفية)

استنفار أمني في صبراتة الليبية بعد مقتل «العمو»

هيمنت أجواء الاستنفار الأمني على مدينة صبراتة، الواقعة على بعد 70 كيلومتراً غرب طرابلس، بعد مقتل الميليشياوي أحمد الدباشي المعروف بـ«العمو»، المطلوب دولياً.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه (البعثة الأممية)

انطلاق «الحوار المهيكل» برعاية أممية يفجّر جدلاً حاداً في ليبيا

يترقب الليبيون، الأحد، في طرابلس، انطلاق أولى جلسات «الحوار المهيكل»، أحد أبرز مسارات خريطة الحل السياسي التي طرحتها المبعوثة الأممية، هانا تيتيه قبل 4 أشهر.

جاكلين زاهر (القاهرة )

قوى سودانية تُوقّع «إعلان مبادئ» لإنهاء الحرب


جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)
جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)
TT

قوى سودانية تُوقّع «إعلان مبادئ» لإنهاء الحرب


جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)
جانب من اجتماع القوى السودانية في نيروبي (الشرق الأوسط)

وقَّعت القوى السياسية والمدنية في «تحالف صمود» السوداني، بالعاصمة الكينية نيروبي، أمس (الثلاثاء)، على إعلان مبادئ مشترك مع حركة «جيش تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد النور، وحزب «البعث العربي الاشتراكي» (الأصل)، لوقف الحرب في السودان، وتصفية نظام «الحركة الإسلامية» نهائياً من المشهد السياسي. ويُعد هذا أول تقارب يجمع غالبية الأطراف السودانية المناهضة للحرب، وجاء بعد مشاورات واتصالات استمرت أشهراً طويلة.

وشدد «إعلان المبادئ» على أنَّ «وقف الحرب فوراً يمثل أولوية وطنية قصوى»، مؤكداً أهمية ممارسة مزيد من الضغوط على طرفَي الحرب: الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، للالتزام بخريطة الطريق التي طرحتها دول «الرباعية»، (الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، ومصر)، في أغسطس (آب) الماضي.

ويناشد «إعلان المبادئ»، الأطراف المتحاربة التنفيذ السريع لمقترح الهدنة الإنسانية لمدة 3 أشهر، والوقف الفوري لإطلاق النار دون قيد أو شرط، والعمل على تطويره إلى وقف إطلاق نار دائم.


«الصحة العالمية» قلقة إزاء احتجاز طواقم صحية ومدنيين في جنوب غرب السودان

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)
شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية» قلقة إزاء احتجاز طواقم صحية ومدنيين في جنوب غرب السودان

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)
شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

أعربت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء عن قلقها إزاء تقارير تفيد باحتجاز أكثر من 70 من أفراد طواقم صحية وحوالى خمسة آلاف مدني بشكل قسري في نيالا في جنوب غرب السودان.

وأسفرت الحرب المتواصلة في السودان منذ 15 أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو عن مقتل عشرات الآلاف. ودفعت الحرب نحو 12 مليونا إلى النزوح داخل البلاد أو اللجوء إلى خارجها، وأدت إلى تدمير البنية التحتية، مما جعل السودان يعاني «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم بحسب الأمم المتحدة.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس على إكس «نشعر بالقلق إزاء التقارير الواردة من نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور السودانية، والتي تفيد باحتجاز أكثر من 70 عاملا في مجال الرعاية الصحية بالإضافة إلى حوالى خمسة آلاف مدني». وأضاف «بحسب شبكة أطباء السودان، فإن المعتقلين محتجزون في ظروف غير صحية، كما هناك تقارير عن تفشي الأمراض».

وتحالفت قوات الدعم السريع وفصيل «الحركة الشعبية لتحرير السودان-الشمال» في وقت سابق من هذا العام، وشكلت ائتلافا مقره نيالا.

وقال تيدروس «تقوم منظمة الصحة العالمية بجمع معلومات إضافية عن عمليات الاحتجاز وظروف المحتجزين. ويزيد استمرار انعدام الأمن الوضع تعقيدا». وتابع «إن التقارير التي تفيد باحتجاز عاملين في المجال الصحي وآلاف الأشخاص الآخرين تثير قلقا بالغا. يجب حماية العاملين في المجال الصحي والمدنيين في كل الأوقات، ونطالب بالإفراج الآمن وغير المشروط عنهم».

وسجّلت منظمة الصحة العالمية 65 هجوما على مرافق للرعاية الصحية في السودان هذا العام، أسفرت عن مقتل 1620 شخصا وإصابة 276.


الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)
الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)
TT

الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)
الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)

تواجه الجزائر نزيفاً ملحوظاً في العملة الصعبة نتيجة الاستغلال غير المشروع لمنحة السفر السياحية، وتعاني قلقاً رسمياً من خروج كميات مهمة من النقد الأجنبي خارج الأطر القانونية، في حجم الحالات المسجلة وطبيعة التنقلات الشكلية؛ الأمر الذي استدعى اتخاذ تدابير جديدة، تهدف إلى كبح التلاعب بالعملة ومحاصرة السوق الموازية.

وزير الداخلية والنقل أثناء رده على أسئلة النواب حول منحة السياحة (البرلمان)

أكد وزير الداخلية والنقل، سعيد سعيود، الاثنين، أمام نواب «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية السفلى)، وجود «شبكة احتيال منظمة»، تستغل، حسبه، حق السفر الذي أقرّته الدولة لفائدة المواطنين، بناءً على منحة تقدر بـ750 يورو تصرف سنوياً.

وأوضح سعيود أن هذا الإجراء الاجتماعي، الذي وُضع لتسهيل تنقل الجزائريين إلى الخارج، «انحرف عن أهدافه بفعل ممارسات غير قانونية، قادها سماسرة وشبكات منظمة، تورط فيها وسطاء وبعض وكالات السفر»؛ ما اضطر السلطات إلى فرض قيود على مستوى المعابر الحدودية.

وكان سعيود يرد على أسئلة للنواب تخص الضغط، الذي تشهده المعابر الحدودية مع تونس، حالياً، من قِبل آلاف الأشخاص الذين استفادوا من «منحة السياحة» بغرض قضاء عطل في الجارة الشرقية، مشدداً على أن الحكومة «أجرت تقييماً دقيقاً وشاملاً للوضع بالتنسيق مع السلطات التونسية»، وذلك خلال زيارة رسمية رافق فيها الوزير الأول سيفي غريب إلى تونس، نهاية الأسبوع الماضي.

وقد كشف هذا التقييم، حسبه، النقاب عن «تورط بعض وكالات الأسفار في تنظيم تنقلات مشبوهة لمواطنين جزائريين، بالاعتماد على أساليب احتيالية، هدفها الأساسي الاستحواذ غير المشروع على العملة الصعبة».

«تهريب» 7.5 مليون يورو

أكد الوزير سعيود أن «أسلوب الاحتيال المعتمد يقوم على إدخال مواطنين جزائريين إلى الأراضي التونسية بطريقة قانونية وختم جوازات سفرهم، ثم إعادتهم بسرعة إلى الجزائر، عبر معابر حدودية مراقبة، دون استيفاء مدة الإقامة القانونية، ليُعاد إدخال الأشخاص أنفسهم مجدداً بالطريقة ذاتها؛ بهدف تكرار عملية الختم والاستفادة المتعددة من منحة السفر المقدّرة بـ750 يورو». لافتاً إلى أن هذه الأموال «لم تنفع لا الاقتصاد الجزائري ولا الاقتصاد التونسي، بل ذهبت حصرياً إلى جيوب سماسرة وشبكات غير قانونية».

حافلات سياح جزائرية تنتظر الانتقال إلى الجانب التونسي (وكالات سياحية)

ووصف الوزير الأرقام المسجلة بـ«المقلقة للغاية»، مشيراً إلى رصد ما يقارب مائة ألف حالة خلال شهر ونصف شهر فقط، «غالبيتهم من العاطلين عن العمل، الذين يتم استغلالهم كأدوات في هذه العمليات العابرة للحدود». وبعملية حسابية تم تهريب ما يقارب 7.5 مليون يورو خلال 45 يوماً فقط، دون أن يذكر الوزير المدة بالتحديد.

وللتصدي لهذه «التجاوزات»، أعلن سعيود عن حزمة من الإجراءات الرقابية الاستعجالية، من بينها فرض تراخيص مسبقة على حافلات وكالات السفر الناشطة عبر الحدود. وأوضح أن هذه الخطوة «كشفت عن حجم الممارسات غير القانونية، بعد عجز بعض الوكالات عن تقديم أي التزامات، أو ضمانات تتعلق بإعادة مواطنين جزائريين عالقين في تونس».

وشدد الوزير على عدم وجود أي قرار لإلغاء منحة السفر؛ «فهي حق مكفول للمواطن الجزائري». غير أنه أوضح أن الحكومة تعمل على استحداث «أطر قانونية وتنظيمية محكمة لمنع أي استغلال غير مشروع لها، والحفاظ على طابعها الاجتماعي».

منحة 750 يورو السياحية تفجّر جدلاً كبيراً في الجزائر (ناشطون في السياحة)

في هذا السياق، أشار الوزير إلى بحث مقترح لاعتماد «بطاقة دفع مسبقة»، يتم من خلالها صب منحة 750 يورو، بما يسمح بالتحكم في كيفية صرفها، وتتبع استعمالها، وضمان توجيهها مستقبلاً نحو الأهداف، التي أُقرّت من أجلها.

شروط صارمة بالمعابر الحدودية

منذ إعادة تقييم منحة السفر إلى 750 يورو في 20 يوليو (تموز) 2025، بعدما كانت 95 يورو، شهدت حركة المسافرين الجزائريين نحو تونس عبر الطرق البرية ارتفاعاً كبيراً. وأمام ما تعدّه السلطات «تجاوزات» و«تحويلاً للعملة الصعبة نحو السوق الموازية»، تم اعتماد مجموعة من القواعد الجديدة لتنظيم النقل الجماعي الدولي عبر الطرق؛ ما فجّر موجة احتجاجات في أوساط مهنيي وكالات السفر، حسبما نشره الموقع الإخباري الاقتصادي «ماغرب إمرجنت»، الذي نقل عن بعضهم، أن فرض توفير طاقم قيادة مزدوج، واستعمال حافلات لا يتجاوز عمرها عشر سنوات - وهي شروط يصعب التقيد بها - «مناورة تهدف إلى تقييد الاستفادة من منحة السفر السياحية، المقدرة خاصة بالنسبة للرحلات المتجهة إلى تونس».

ازدحام في حركة المرور بمعابر الحدود الشرقية (ناشطون في السياحة)

وتضع الأحكام الجديدة قيوداً ثقيلة على الرحلات المنظمة بالحافلات والحافلات الصغيرة، في مقابل مرونة واضحة لا تزال ممنوحة للسيارات الخاصة التي يقل عدد ركابها عن ثمانية. وقد دخل الإجراء الأساسي حيز التنفيذ، منذ أسبوع دون إشعار مسبق؛ ما أدى إلى تشديد غير مسبوق في المتطلبات الإدارية والعملية.

وبموجب هذه الإجراءات، بات كل سفر بالحافلة يستدعي «ترخيصاً دولياً خاصاً ومؤقتاً»، يجب طلبه من مديريات النقل بالولايات قبل موعد السفر بخمسة عشر يوماً على الأقل. يضاف إلى ذلك إلزام توفير مرشد مرافق لسائق الحافلة مصرح به لدى الضمان الاجتماعي؛ الأمر الذي يرفع بشكل كبير تكاليف الوكالات، ويقلص هامش الربح لديها، والهدف من ذلك ثنيهم عن تنظيم الرحلات.

وأوضح أحد مسيري وكالات الأسفار للموقع الإخباري نفسه أن «تراكم هذه الشروط يعادل غلقاً تاماً لإمكانية حصول زبائننا المسافرين بالحافلات على العملة الصعبة، وبهذا أصبح من شبه المستحيل الاستمرار في هذا النوع من العروض».

ومن خلال استهداف النقل الجماعي، تسعى السلطات بوضوح إلى كبح «الاندفاع» نحو منحة 750 يورو، وهو مبلغ ترى كلٌ من الجزائر وتونس أنه يسهم في تغذية السوق الموازية للعملة، بدلاً من أن يُخصص حصرياً للنشاط السياحي.