الانتخابات الأميركية: اختبار مبكر لمستقبل ترمب والديمقراطيين قبل منتصف 2026

قلق أوروبي من أن خسارة الجمهوريين قد تدفع الرئيس الأميركي إلى تشدد خارجي أكبر

سيدة تحمل لافتة تدل الناخبين على مركز الاقتراع بمدينة ميامي (أ.ب)
سيدة تحمل لافتة تدل الناخبين على مركز الاقتراع بمدينة ميامي (أ.ب)
TT

الانتخابات الأميركية: اختبار مبكر لمستقبل ترمب والديمقراطيين قبل منتصف 2026

سيدة تحمل لافتة تدل الناخبين على مركز الاقتراع بمدينة ميامي (أ.ب)
سيدة تحمل لافتة تدل الناخبين على مركز الاقتراع بمدينة ميامي (أ.ب)

فتحت صناديق الاقتراع في طول ولايات الساحل الشرقي للولايات المتحدة، صباح الثلاثاء، في مشهدٍ يتجاوز حدود المنافسات المحلية المعتادة، ليتحول إلى امتحان سياسي مبكر لإدارة الرئيس دونالد ترمب، بعد تسعة أشهر على عودته إلى البيت الأبيض.

والواضح أن سلسلة الانتخابات المحلية تلك تتجاوز بأهميتها الطابع المناطقي، لتتحول إلى استفتاء سياسي مبكر على أداء الإدارة الجمهورية وعلى قدرة الديمقراطيين، في المقابل، على إعادة تنظيم صفوفهم.

فمن انتخابات حكام ولايتيْ فيرجينيا ونيوجيرسي، إلى الاستفتاء في كاليفورنيا حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، تتقاطع هذه الاستحقاقات في كونها مقياساً دقيقاً، وبروفة وطنية لمزاج الناخب الأميركي، ومؤشراً على الاتجاهات التي قد تحكم الانتخابات النصفية عام 2026، التي قد تحدد ملامح النصف الثاني من ولاية ترمب الثانية.

فيرجينيا: معركة في «حديقة ترمب الخلفية»

تتجه الأنظار أولاً إلى فيرجينيا، الولاية التي كانت دوماً مقياساً لاتجاه الرياح السياسية في واشنطن. فالتاريخ الانتخابي للولاية يُظهر أن الحزب الذي يخسر البيت الأبيض، غالباً ما يفوز بحكمها في العام التالي، وهو ما يضع الديمقراطية أبيغيل سبانبرغر، النائبة السابقة وعميلة الاستخبارات السابقة، في موقع مريح نسبياً في مواجهة الجمهورية وينسوم إيرل-سيرز، نائبة الحاكم الحالية ذات الأصول الجامايكية، التي تخوض معركة صعبة في ظل انقسام قاعدتها بسبب الرئيس ترمب.

هذه الانتخابات تُعدّ تاريخية، على أي حال، فمهما كانت النتيجة، ستشهد فيرجينيا أول حاكمة امرأة في تاريخها، مع احتمال أن تصبح سيرز أول امرأة سوداء تتولى هذا المنصب في أي ولاية أميركية. لكن خلف الرمزية الجندرية والعِرقية، تتوارى معركة أعمق حول هوية الحزبين الكبيرين واتجاهاتهما المقبلة.

مركز اقتراع في نيوجيرسي (أ.ب)

في مقالة افتتاحية لصحيفة «واشنطن بوست»، وُصفت سبانبرغر بأنها تمثل «النزعة البراغماتية» في الحزب الديمقراطي، في مقابل صعود الجناح اليساري المتأثر بأسماء، مثل زهران ممداني في نيويورك. وسبانبرغر، التي دعت سابقاً الديمقراطيين، إلى الكف عن استخدام كلمة «اشتراكية»، تمثل بوضوح التيار الوسطي، الذي يسعى قادة الحزب إلى تعزيزه في مواجهة اليسار الشعبوي. أما سيرز فتكابد ثقل ارتباطها السابق بترمب، الذي وصفته، قبل عامين، بأنه «عبء على الحزب»، قبل أن تضطر إلى طلب دعمه الانتخابي المتأخر في الأيام الأخيرة من الحملة.

ووفق مراقبين، فإن أهمية انتخابات فيرجينيا تتجاوز حدود الولاية لأنها تقع في «فناء ترمب الخلفي»؛ حيث يعيش عشرات الآلاف من الموظفين الفيدراليين والعاملين في العقود الحكومية الذين تأثروا مباشرة بسياسات تقليص الجهاز الحكومي والإغلاق الإداري الأطول في التاريخ الأميركي. وبالتالي، ستكون نسب التصويت في ضواحي شمال فيرجينيا، القريبة من واشنطن، مؤشراً على مدى الغضب الشعبي من سياسات ترمب الاقتصادية والإدارية.

ويقول المحلل الجمهوري ويت آيرز، للصحيفة: «إذا ارتفعت نسبة المشاركة في شمال فيرجينيا، مقارنة بالسنوات السابقة، فسنكون أمام رد فعل حقيقي على أداء ترمب في الحكم». وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم سبانبرغر بنحو 10 إلى 12 نقطة، في وقتٍ يبدو الجمهوريون أقل حماسة، مقارنة بانتخابات 2021 التي أوصلت غلين يونغكن إلى الحكم.

ناخب وصل باكراً إلى مركز الاقتراع في نيوجيرسي (رويترز)

نيوجيرسي: اختبار الأعصاب للديمقراطيين

في ولاية نيوجيرسي المجاورة، يخوض الجمهوري جاك شاتاريلي، في محاولته الثالثة، معركة متقاربة أمام الديمقراطية ميكي شيريل، النائبة السابقة وطيارة البحرية السابقة التي تمثل الجيل الجديد من الديمقراطيين الوسطيين.

ورغم أن الولاية تميل تاريخياً إلى المعسكر الديمقراطي، فإن ارتفاع تكلفة المعيشة، وتآكل الثقة بالحكومة المحلية ذات الأغلبية الديمقراطية، جعلا السباق أكثر احتداماً مما كان متوقعاً.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن شيريل تتقدم بفارق ضئيل يتراوح بين 3 و5 نقاط فقط، وهو ما يثير قلقاً في صفوف الحزب، الذي يخشى تكرار تجربة عام 2021، حين خسر حاكم الولاية الديمقراطي فيل مورفي شعبيته، وكاد يهزم في اللحظات الأخيرة أمام شاتاريلي نفسه. ووفق «واشنطن بوست» فإن الجمهوري نجح في «اختراق القواعد الديمقراطية التقليدية»، عبر التركيز على الفئات اللاتينية والسوداء العاملة، التي انزلقت نحو ترمب عام 2024، مدفوعة بشعور الإحباط من الأداء الاقتصادي والضرائب المرتفعة.

في المقابل، تُراهن شيريل على سيرتها المهنية المنضبطة، وخطابها الوسطي الذي يركز على الأمن الاقتصادي، منتقدة سياسات ترمب التجارية التي أسهمت في رفع الأسعار، ومهاجمة منافِسها، بسبب علاقات شركته السابقة مع شركات الأدوية المصنِّعة للأفيونيات. وتحولت حملتها، في الأسابيع الأخيرة، إلى هجوم مباشر، إذ اتهمت خصمها بأنه «مسؤول عن وفاة عشرات الآلاف من الأميركيين» جراء الترويج الخاطئ لتلك العقاقير، ما أدخل السباق في منطقة توتر غير مسبوقة.

لكن خلف هذا الاشتباك المحلي، يرى مراقبون أن السباق في نيوجيرسي هو معركة على استعادة ثقة الطبقة الوسطى في الحزب الديمقراطي، وسط مؤشرات على اهتزاز الدعم بين الناخبين المستقلين. وإذا خسر الديمقراطيون الولاية أو فازوا بفارق ضئيل، فسيُعد ذلك تحذيراً مبكراً لقيادتهم قبل الانتخابات النصفية المقبلة.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

كاليفورنيا: معركة الخرائط والمقاعد

في الساحل الغربي، يراقب البيت الأبيض باهتمام نتائج الاستفتاء على إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في كاليفورنيا، الذي قد يغير خريطة التمثيل في مجلس النواب بشكل جذري.

الاقتراح المدعوم من الحاكم الديمقراطي غافن نيوسوم يهدف إلى تعزيز حصة الحزب في الكونغرس، عبر إعادة رسم بعض الدوائر بما قد يُقصي ما بين أربعة إلى خمسة نواب جمهوريين ويُحصّن مقاعد ديمقراطية هشة.

الاستفتاء يأتي في سياق «سباق تسلح سياسي» بين الولايات، حيث تعمل حكومات جمهورية في تكساس ونورث كارولاينا وميزوري على تمرير خرائط انتخابية أكثر انحيازاً لحزبها. ويقول محللون إن الجمهوريين قد يجنون، في المدى القصير، مكاسب تتراوح بين مقعدين وستة، لكن في حال أقرّت كاليفورنيا خريطتها الجديدة، قد تتغير المعادلة بالكامل، مما يجعل السيطرة على مجلس النواب في 2026 مرهونة بنتائج هذا التصويت تحديداً.

وإلى جانب أثره الوطني، يحمل الاستفتاء في طياته جدلاً دستورياً متنامياً. فإذا ما قررت المحكمة العليا إلغاء المادة الثانية من «قانون حقوق التصويت»، فقد تزول أي قيود فيدرالية تمنع الولايات من رسم حدود انتخابية تمنح حزباً واحداً السيطرة الكاملة على مقاعدها التشريعية، وهو سيناريو يقول خبراء إنه قد «يعيد أميركا إلى خرائط القرن التاسع عشر».

دلالات سياسية أوسع

من وجهة نظر الحزبين، هذه الانتخابات تمثل بروفة وطنية قبل منتصف 2026. فالديمقراطيون يرون فيها فرصة «للنهوض مجدداً» بعد سلسلة نكسات انتخابية، كما قال كين مارتن، رئيس اللجنة الوطنية للحزب، الذي أكد، أن فوز حزبه في فيرجينيا أو نيوجيرسي «سيمنحنا رياحاً خلفية قوية نحو الانتخابات المقبلة». أما الجمهوريون فيسعون إلى تقليل التوقعات، إذ قال رئيس اللجنة الوطنية جو غروترز إن«النتائج في ولايات زرقاء لا تعني شيئاً على المستوى الوطني»، وعَدَّ أن مجرد بقاء المنافسة متقاربة «دليل على أننا أفضل حالاً مما كنا عليه».

أفراد من جهاز الخدمة السرية الأميركي يراقبون السياج المحيط بالبيت الأبيض في واشنطن (أرشيفية-رويترز)

لكن من الواضح أن هذه الانتخابات تتجاوز معادلة الربح والخسارة، فهي أول اختبار لمدى عمق الانقسام الأميركي، بعد عودة ترمب إلى الحكم، ومدى قدرة الديمقراطيين على بناء خطاب اقتصادي واقعي يجمع بين مقاومة سياسات البيت الأبيض، واستعادة ثقة الطبقة العاملة.

كما أنها تقدم قياساً لمستقبل التيارات داخل الحزب الديمقراطي نفسه: هل ينتصر نهج الوسطيين من أمثال سبانبرغر وشيريل، الذين يرفعون شعار الواقعية والتوازن، أم يفرض اليسار الراديكالي منطقه كما في تجربة نيويورك. وإجمالاً، يرى المحللون أن نتائج يوم الثلاثاء الطويل ستعطي إشارات مبكرة حول التحالفات الجديدة داخل الحزبين، وما إذا كان الأميركيون مستعدين بعد عام من حكم ترمب الثاني، للعودة إلى الاعتدال أم لمزيد من الاستقطاب.

وتجري هذه المعارك المحلية على خلفية غير مسبوقة من الجمود الفيدرالي، إذ لا يزال الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة يُلقي بظلاله على الحياة اليومية لملايين الموظفين الفيدراليين، خصوصاً في ولايات كفيرجينيا وميريلاند ونيوجيرسي. وبينما يتبادل ترمب والديمقراطيون الاتهامات حول المسؤولية، يجد الناخب الأميركي نفسه أمام خيار رمزي: إما تأييد سياسة الصدام مع المؤسسات التقليدية، أو منح فرصة للقوى الوسطية لاستعادة التوازن.

قلق الحلفاء

لا تتابع أوروبا هذه الانتخابات بوصفها شأناً داخلياً فحسب، بل باعتبارها مؤشراً على استقرار الشريك الأميركي في مرحلةٍ تشهد اضطراباً متزايداً في النظام الدولي.

ونقلت صحف عدة عن دبلوماسيين أوروبيين قلقهم من أن تؤدي الخسارة المبكرة للجمهوريين في ولايات أساسية إلى دفع إدارة ترمب نحو تشدد أكبر في السياسة الخارجية، سواء عبر تصعيد المواجهة الاقتصادية مع الصين أم إعادة النظر في التزامات واشنطن داخل حلف «الناتو»، كما يخشى الأوروبيون أن تتكرر تجربة عام 2018، حين لجأ ترمب إلى التصعيد التجاري والعسكري الخارجي لتعويض التراجع الشعبي الداخلي. أما إذا حقق الجمهوريون مكاسب رمزية، فقد يُعد ذلك تفويضاً غير مباشر لاستمرار النهج الأحادي الذي يُقلق الحلفاء، خصوصاً بعد خفض المساهمات الأميركية في برامج الدفاع المشترك.

في كل الأحوال، يدرك الأوروبيون أن نتائج الانتخابات المحلية الأميركية لم تعد شأناً داخلياً، بل مؤشر على الاتجاه الذي ستسلكه القوة العظمى في تعاملها مع العالم، خلال العامين المقبلين.


مقالات ذات صلة

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الولايات المتحدة​ المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز) play-circle

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني…

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حفل في «معهد الولايات المتحدة للسلام» في العاصمة الأميركية واشنطن في 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

استراتيجية ترمب الجديدة تقوم على تعديل الحضور الأميركي في العالم

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي ترمب في استراتيجية جديدة أن دور الولايات المتحدة على الصعيد الدولي سينتقل إلى التركيز أكثر على أميركا اللاتينية ومكافحة الهجرة.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ صورة من جامعة هارفارد الأميركية... الأستاذ الجامعي الذي أُلقي القبض عليه يدرّس في هارفارد (رويترز - أرشيفية)

اعتقال أستاذ جامعي في أميركا استخدم بندقية خرطوش قرب كنيس يهودي

ألقت سلطات الهجرة الأميركية القبض على أستاذ زائر في كلية الحقوق بجامعة هارفارد هذا الأسبوع، بعد أن اعترف باستخدامه بندقية خرطوش خارج كنيس يهودي في ماساتشوستس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (إ.ب.أ) play-circle

أميركا تخطط لزيادة عدد الدول على قائمة حظر السفر لأكثر من 30

قالت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم، الخميس، إن إدارة الرئيس دونالد ترمب تخطط لزيادة عدد الدول التي يشملها حظر سفر إلى أكثر من 30 دولة.

الولايات المتحدة​ وزيرة العدل الأميركية بام بوندي (أ.ب)

وزيرة العدل الأميركية تكلف «إف بي آي» بإجراء تحقيقات تتعلق بالإرهاب الداخلي

أمرت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي، الخميس، سلطات إنفاذ القانون الاتحادية بتكثيف التحقيقات بشأن حركة (أنتيفا) المناهضة للفاشية وغيرها من «الجماعات المتطرفة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
TT

انقسام غربي وتخوّف أوروبي من «سلام أميركي متسرّع» في أوكرانيا

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس خلال اجتماع في شرم الشيخ حول حرب غزة (أ.ف.ب)

تعيش العواصم الأوروبية وكييف توتراً دبلوماسياً متزايداً، بعدما كشفت تقارير صحافية مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أظهرت حجم القلق الأوروبي من النهج الأميركي الجديد في إدارة مفاوضات السلام مع موسكو. فالتسارع الأميركي الملحوظ، خصوصاً بعد زيارة المبعوثَين ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر إلى موسكو من دون تنسيق مسبق مع الحلفاء، عزَّز مخاوف من «اتفاق متعجِّل» قد يدفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات غير مضمونة، قبل تثبيت أي التزامات أمنية صلبة تمنع روسيا من استغلال ثغرات مستقبلية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متوسطاً المستشار الألماني فريدريتش ميرتس (يمين) ورئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانيز خلال اجتماع في جوهانسبرغ على هامش قمة العشرين... 22 نوفمبر 2025 (د.ب.أ)

المكالمة التي نشرتها صحيفة «دير شبيغل» الألمانية ونقلتها لاحقاً غالبية الصحف الأميركية، لم تكن محادثةً بروتوكوليةً. فقد حذَّر ميرتس مما وصفها بـ«ألعاب» واشنطن، ومن «احتمال خيانة واشنطن لكييف»، في حين أشار ماكرون إلى احتمال أن تتعرَّض كييف لضغط غير مباشر لقبول تسويات حدودية قبل الاتفاق على منظومة ردع حقيقية. ورغم نفي باريس استخدام عبارات قاسية، فإن الرسالة الأوروبية باتت واضحة: لا ينبغي لأوكرانيا الدخول في تسوية مع بوتين بوعود عامة أو ضمانات غير مكتملة.

وردَّت موسكو بسخرية على ما نُسب إلى المستشار الألماني. وكتب كبير المفاوضين الروس كيريل دميترييف على منصة «إكس»: «عزيزي ميرتس، أنت لست حتى في اللعبة... لقد أخرجت نفسك من اللعبة عبر التحريض على الحرب، ونسف السلام، ومقترحات غير واقعية، وانتحار الحضارة الغربية، والهجرة، والغباء العنيد».

المستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزعماء أوربيون آخرون يطالبون بتعديلات جذرية على الخطة الأميركية (رويترز)

ومن جانبه، قال متحدث باسم الحكومة الألمانية في برلين: «أرجو تفهم أنني لا أعلق على تقارير إعلامية فردية. علاوة على ذلك، لا يمكننا من حيث المبدأ الإدلاء بمعلومات عن محادثات سرية».

وأشار المتحدث إلى تصريحات ميرتس في المؤتمر الصحافي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، الاثنين الماضي. وكان ميرتس قد تحدَّث خلالها عن مكالمة هاتفية مشتركة مع الرئيس الأوكراني، والرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني، وشركاء أوروبيين آخرين، وقال إنهم يحافظون على تماسك المجتمع عبر الأطلسي قدر الإمكان.

مصادر دبلوماسية أوروبية تشير إلى أن الخشية الأساسية لا ترتبط فقط بسرعة التحرك الأميركي، بل بتصاعد شعور بأن واشنطن باتت تتعامل مع ملف الحرب بوصفها قوةً منفردةً، متجاوزةً شركاءها في «الناتو» والاتحاد الأوروبي. فاجتماعات المفاوضين الأميركيين الأخيرة في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وغياب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو عن اجتماع وزراء خارجية «الناتو» الذي ناقش الخطة الأميركية، عزَّزا الانطباع بأن إدارة ترمب «تعمل أولاً وتتشاور لاحقاً»، أو «لا تتشاور إطلاقاً».

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس مع الرئيس الأوكراني (أ.ف.ب)

الأوروبيون الذين يدفعون ثمن الحرب أمنياً واقتصادياً وسياسياً، يخشون أن يتحول أي اتفاق هش إلى عبء عليهم وحدهم إذا اختارت واشنطن إعادة ترتيب أولوياتها أو اعتماد مقاربة براغماتية تجاه موسكو. ولهذا يطالب عدد من القادة، كما نقلت الصحف الغربية، بتوضيح صريح من الولايات المتحدة حول طبيعة التزاماتها الدفاعية تجاه كييف، وشكل الرد المشترك في حال خرق روسيا الاتفاق.

تصدعات داخل الغرب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتحدث خلال مؤتمر صحافي في نيودلهي (إ.ب.أ)

التسريبات وحدّة النقاشات الأخيرة أعادت إلى الواجهة سؤالاً محورياً: هل بدأت تظهر شقوق فعلية داخل الجبهة الغربية بشأن كيفية التعامل مع موسكو؟ رغم التأكيدات الرسمية على وحدة الموقف، فإن الوقائع تكشف خلافات عميقة. الأوروبيون يعدّون الحرب تهديداً مباشراً لأمنهم، ويخشون أن أي تنازل غير مضمون سيشجع روسيا على اختبار صبر الغرب مجدداً. أما واشنطن، فتبدو أكثر تركيزاً على حساباتها العالمية، من ضبط التوتر مع الصين إلى موازنة الأزمات الإقليمية المختلفة، إضافة إلى هامش المناورة الذي يمنحه ترمب لنفسه بوصفه «وسيطاً مستقلاً» لا يمثل بالضرورة إجماع «الناتو».

هذا التباين تُرجم في مواقف ملموسة، كان أبرزها تقليص الاتحاد الأوروبي خطته لاستخدام مليارات الدولارات من الأصول الروسية المجمّدة، وترك جزء منها في الاحتياط قد تستغله واشنطن لاستمالة موسكو نحو الاتفاق. خطوةٌ فسّرها كثيرون على أنها مؤشر إلى هشاشة التنسيق داخل الغرب أكثر مما هي تنازل تكتيكي.

المستشار الألماني فريدريتش ميرتس في حديث جانبي مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك في لواندا بأنغولا بمناسبة القمة الأوروبية - الأفريقية (د.ب.أ)

زيلينسكي بين ضغط التفاوض وهشاشة الضمانات

الرئيس الأوكراني، المنشغل أيضاً بأزمة فساد داخلية هزّت فريقه، ظهر متحفظاً حيال الاندفاع الأميركي. فبعد التسريبات شدَّد زيلينسكي على ضرورة «الشفافية»، ملمّحاً إلى أنه لن يقبل بتكرار تجارب تفاوضية سابقة جرت من خلف ظهر أوكرانيا. كما أعاد التأكيد على أن كييف تحتاج إلى فهم «الأسس» التي ستقوم عليها الضمانات الأمنية، خصوصاً مع تداول مقترحات تتعلق بانتشار قوات أوروبية داخل أوكرانيا ضمن «قوة طمأنة» لا تزال تفاصيلها غامضة. هذا الوضع يضع كييف أمام معادلة معقدة: من جهة هناك ضغطان عسكري ومالي يفرضان التفكير في حلول سياسية، ومن جهة أخرى هناك خشية من أن أي خطوة غير محسوبة قد ترسم مستقبل البلاد الجيوسياسي لعقود طويلة.

وأجرى زيلينسكي، الخميس، محادثات مع مرشحين محتملين ليحلوا محل رئيس أركانه، أندريه يرماك، الذي استقال الأسبوع الماضي وسط تحقيق في فساد. وفي خطابه المصور الليلي، قال زيلينسكي إن المناقشات ركزت على كيفية عمل المكتب الرئاسي في المستقبل، والتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى. وقال:«سيتم اتخاذ قرار بشأن الرئيس الجديد للمكتب في المستقبل القريب». وتنحى يرماك، الحليف القديم للرئيس، بعد أن أجرت سلطات مكافحة الفساد عمليات تفتيش في مقره. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المداهمات مرتبطة بما وُصفت بأنها «أكبر قضية فساد في البلاد منذ بدء الحرب»، والتي تنطوي على رشاوى مزعومة في المشتريات المتعلقة بالطاقة.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس ووزير الدفاع داخل البوندستاغ خلال جلسة التصويت على قانون التجنيد (رويترز)

جولة مباحثات أميركية - أوكرانية في ميامي

قالت قناة «سوسبيلن» التلفزيونية الأوكرانية الرسمية الجمعة، نقلاً عن مصادر في وفد كييف، إن المحادثات في الولايات المتحدة بين المبعوثين الأوكرانيين والأميركيين قد انتهت. وقام بتمثيل أوكرانيا في المحادثات التي أُجريت في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، رستم عميروف سكرتير مجلس الأمن القومي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة أندري هناتوف. وقال الرئيس الأوكراني، الخميس، إن الوفد الأوكراني بالولايات المتحدة يسعى لاستيضاح ما تمَّت مناقشته في موسكو، الثلاثاء الماضي، بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثَي الولايات المتحدة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر. وناقش مطلع الأسبوع الحالي فريق بقيادة عميروف في فلوريدا الخطوات المحتملة لإنهاء الحرب مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وويتكوف، وكوشنر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

ورغم ساعات طويلة من النقاش في موسكو، فإن المحادثات الأخيرة لم تحقق اختراقاً. كما أن اجتماع المفاوض الأوكراني رستم عميروف مع ويتكوف لن يغيّر، على الأرجح، من حقيقة أن الخلافات البنيوية بين كييف وموسكو، ومن ورائهما الغرب، أكبر من أن تُحل باندفاعة دبلوماسية منفردة. لكن كثافة التحركات الدبلوماسية في بروكسل وبرلين وباريس تعكس أن نافذة التفاوض قد فُتحت فعلاً، وأن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.

قال الكرملين، الجمعة، إن روسيا والولايات المتحدة تحرزان تقدماً في محادثات السلام، وإن موسكو مستعدة لمواصلة العمل مع الفريق الأميركي الحالي. وقال المساعد بالكرملين يوري أوشاكوف، الذي شارك في محادثات الثلاثاء في موسكو، لصحيفة «زفيزدا» الجمعة: «إننا، في رأيي، نحرز تقدماً في المفاوضات الأساسية التي ينخرط فيها رئيسانا. إن هذا مشجع، ونحن مستعدون لمواصلة العمل مع هذا الفريق الأميركي». ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن أوشاكوف قوله: «نحن الآن في انتظار رد فعل زملائنا الأميركيين على المناقشة التي أجريناها يوم الثلاثاء».


المحكمة العليا تنتصر لترمب في ترسيم الخريطة الانتخابية لتكساس

مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)
مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)
TT

المحكمة العليا تنتصر لترمب في ترسيم الخريطة الانتخابية لتكساس

مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)
مبنى المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)

منحت المحكمة العليا الأميركية الرئيس دونالد ترمب نصراً جديداً مهماً، إذ مهّدت الطريق أمام المشرعين في تكساس لاستخدام خرائط انتخابية أُعيد ترسيمها حديثاً لتصب في مصلحة الجمهوريين في الانتخابات النصفية للكونغرس لعام 2026.

ويلغي هذا القرار، على الأقل حالياً، حكماً أصدرته محكمة أدنى يمنع المشرعين في هذه الولاية من استخدام الخرائط في انتخابات الكونغرس المقبلة، بعدما رجحت أن تكون الخرائط الجديدة تلاعباً غير دستوري بالدوائر الانتخابية لإعطاء الجمهوريين أفضلية على منافسيهم الديمقراطيين.

وكان قاضيا المحكمة الجزئية الأميركية، جيفري براون وديفيد غواديراما، قد رجّحا أن تضعف خطة إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية النفوذ السياسي للناخبين السود واللاتينيين، في انتهاك للدستور.

قرار «مؤقت»

ويأتي أمر المحكمة العليا، التي أصدرت قرارها بغالبية أعضائها المحافظين، قبل أيام من الموعد النهائي المحدد الاثنين 8 ديسمبر (كانون الأول) المقبل لتقديم طلبات الترشح لمناصب في تكساس. وهذا انتصار للرئيس ترمب الذي حضّ الولايات التي يقودها الجمهوريون على مراجعة خرائطها التشريعية سعياً إلى ضمان فوز حزبهم في الانتخابات النصفية. يُضاف هذا الحكم إلى قائمة من الانتصارات القانونية المتزايدة لإدارة ترمب، ولا سيما في إطار القضايا التي تُنظر دون مرافعات شفوية، إذ يُقصد بأوامر المحكمة أن تكون مؤقتة فحسب. ويشير المنتقدون إلى هذه القضية باعتبارها «ملف الظل»، معتبرين أن القرارات المؤقتة قد تكون لها عواقب واسعة النطاق.

ويُرتقب أن تصدر المحكمة العليا حكماً نهائياً عندما تجتمع بكامل أعضائها التسعة، علماً بأنه خلال مداولات الأمر الأولى، أثار القضاة شكوكاً حول قرار المحكمة الأدنى درجة بأن العرق لعب دوراً في رسم الخريطة الجديدة.

وخالفت القاضية إيلينا كاغان الرأي، وكتبت نيابة عن القضاة الليبراليين الثلاثة أنه ما كان ينبغي لزملائها التدخل في هذه المرحلة. وأضافت أن القيام بذلك «يضمن وضع العديد من مواطني تكساس، من دون سبب وجيه، في الدوائر الانتخابية بسبب عرقهم. وهذه النتيجة، كما أعلنتها هذه المحكمة عاماً بعد عام، تعد انتهاكاً للدستور».

وكتب الخبير في قانون الانتخابات بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، ريتشارد هاسين، أن تصويت المحكمة العليا «يُعطي الضوء الأخضر لمزيد من إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، ورسالة قوية للمحاكم الأدنى للتراجع».

وكان قضاة المحكمة العليا قد عرقلوا أحكاماً سابقة للمحاكم الأدنى في قضايا إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في الكونغرس، وكان آخرها ما صدر قبل أشهر من الانتخابات في ألاباما ولويزيانا.

معركة وطنية

ووضعت خريطة الكونغرس في تكساس خلال الصيف الماضي بناءً على طلب ترمب لمنح الجمهوريين خمسة مقاعد إضافية في مجلس النواب. وأثارت الجهود المبذولة للحفاظ على الأكثرية الجمهورية الضئيلة في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، معركة وطنية لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية.

وكانت تكساس أول ولاية تلبي مطالب ترمب، فيما تحوّل إلى معركة وطنية واسعة حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية. وتبعتها ميزوري ونورث كارولينا بخرائط جديدة تضيف مقعداً جمهورياً إضافياً لكل منهما. ولمواجهة هذه التحركات، وافق ناخبو كاليفورنيا على مبادرة اقتراع لمنح الديمقراطيين خمسة مقاعد إضافية هناك.

وتواجه الخرائط المعاد رسمها طعوناً قضائية في كاليفورنيا وميزوري. وسمحت لجنة من ثلاثة قضاة باستخدام خريطة نورث كارولينا الجديدة في انتخابات عام 2026.

وترفع إدارة ترمب دعوى قضائية لمنع خرائط كاليفورنيا الجديدة، لكنها دعت المحكمة العليا إلى إبقاء دوائر تكساس المعاد رسمها كما هي. وينظر القضاة بشكل منفصل في قضية من لويزيانا يمكن أن تزيد من تقييد الدوائر الانتخابية القائمة على العرق بموجب قانون حقوق التصويت.

ومن غير الواضح كيف ستتأثر الجولة الحالية من إعادة تقسيم الدوائر بنتيجة قضية لويزيانا. وقال المدعي العام في تكساس كاين باكستون إن قرار المحكمة العليا «دافع عن حق تكساس الأساسي في رسم خريطة تضمن تمثيلها من الجمهوريين»، واصفاً قانون إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية بأنه «الخريطة الكبيرة الجميلة». وقال إن «تكساس تمهد الطريق لاستعادة بلادنا، مقاطعة تلو أخرى، وولاية تلو أخرى»، مضيفاً: «تعكس هذه الخريطة المناخ السياسي في ولايتنا، وهي فوز ساحق لتكساس ولكل محافظ سئم من رؤية اليسار يحاول قلب النظام السياسي بدعاوى قضائية زائفة».

وأصدر حاكم تكساس غريغ أبوت بياناً قال فيه: «فزنا! تكساس رسمياً - وقانونياً - أكثر تأييداً للحزب الجمهوري». أمّا رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية كاين مارتن فقال، في بيان، إن قرار المحكمة «بالسماح لجمهوريي تكساس بتطبيق خرائطهم الانتخابية المزورة والمتلاعب بها عنصرياً هو قرار خاطئ - أخلاقياً وقانونياً. مرة أخرى، منحت المحكمة العليا ترمب ما أراده بالضبط: خريطة مزورة لمساعدة الجمهوريين على تجنب المساءلة في انتخابات التجديد النصفي لتجاهلهم الشعب الأميركي».


لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)
ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)
TT

لماذا يُثير حصول ترمب على «جائزة فيفا للسلام» جدلاً؟

ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)
ترمب وإنفانتينو في حديث سابق حول المونديال (أ.ف.ب)

يُتوقع أن يُسلّم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو، للرئيس الأميركي دونالد ترمب، «جائزة الفيفا للسلام» عند إجراء قرعة كأس العالم، يوم الجمعة.

ومع رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذا الأسبوع، لمقترح ترمب للسلام في أوكرانيا، ذكر أوكرانيون بارزون ونشطاء في مجال حقوق الإنسان لصحيفة «تلغراف» البريطانية أن تقديم الجائزة قد يكون قراراً غير حكيم، في حين يواجه إنفانتينو مزاعم بـ«التودُّد» لترمب، فهذا ما يحدث.

ما جائزة «فيفا للسلام»؟

بعد أسابيع من رفض لجنة نوبل منح ترمب جائزة السلام الشهيرة، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن إطلاقه جائزة «الفيفا للسلام - كرة القدم توحِّد العالم».

في بيان نشره إنفانتينو بحسابه على «إنستغرام»، قال: «في عالم يزداد اضطراباً وانقساماً، من الضروري الاعتراف بالمساهمة المتميزة لأولئك الذين يعملون بجد لإنهاء النزاعات، وجمع الناس في روح السلام».

وأعلن «الفيفا» أن الجائزة ستُمنح سنوياً، وسيتم تقديم الجائزة الافتتاحية في قرعة كأس العالم بواشنطن، وستُمنح للأفراد الذين «ساهموا في توحيد شعوب العالم في سلام، وبالتالي يستحقون تقديراً خاصاً وفريداً».

رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو والرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض (رويترز)

لماذا سيحصل ترمب على الجائزة؟

سيكون هذا بمثابة إهانة كبيرة، إذا لم يكن «ضيف شرف (الفيفا)» يوم الجمعة، هو الفائز.

وشارك ترمب في مقترحات سلام لروسيا وأوكرانيا، لكن يبدو أن الجائزة تُشير، على الأرجح، إلى نجاحه في المساعدة على التوصل لوقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

وأُطلقت الجائزة بعد ثلاثة أسابيع فقط من استنكار البيت الأبيض لتجاهل ترمب لـ«جائزة نوبل»، متهماً اللجنة النرويجية بـ«تفضيل السياسة المكانية على السلام».

وأُشيد بترمب لدفعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الموافقة على شروط كان قد رفضها سابقاً.

وتتطلب المرحلة التالية من خطة ترمب للسلام المكونة من 20 نقطة سد الثغرات، في إطار العمل الذي ينص على أن قطاع غزة سيكون منزوع السلاح، ومؤمّناً، وتديره لجنة تضم فلسطينيين.

رئيس «فيفا» جياني إنفانتينو والرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

لماذا تُثير الجائزة جدلاً؟

أعرب منتقدو ترمب وجماعات حقوق الإنسان عن غضبهم، وأُثيرت مخاوف بشأن توقيتها نظراً لعدم تبلور خطة السلام بين أوكرانيا وروسيا بعد.

وقال إيفان ويتفيلد، لاعب الدوري الأميركي السابق رئيس تحالف حقوق الإنسان لكرة القدم ومقره الولايات المتحدة: «كثيرٌ منا، نحن الأميركيين، لا نرى رئيسنا جديراً بجائزة السلام. لا ينبغي لـ(فيفا) أو أي منظمة أخرى أن تُكافئ الرئيس ترمب بأي نوع من جوائز السلام. (فيفا) تُمثل كرة القدم العالمية، وعليها أن تؤدي هذا الدور بصدقٍ وصدقٍ من أجلنا جميعاً، وليس فقط من هم في مناصب نافذة».

وقال ألكسندر رودنيانسكي، المخرج الأوكراني المرشح لجائزة الأوسكار المعارض البارز للكرملين: «سيكون من الرائع لو مُنحت جوائز للإنجازات التي تحققت بالفعل».

وأضاف: «إذا فاز ترمب بهذه الجائزة بالفعل، فسيُنظر إليها على أنها إهانة لمئات الأوكرانيين الذين ما زالوا يموتون يومياً - سواء على خطوط المواجهة أو تحت قصف الصواريخ الروسية في منازلهم. بينما لا تزال الحرب مستعرة، يناقش مبعوث ترمب صفقات مربحة محتملة مع موسكو. من ناحية أخرى، ترمب اليوم هو الشخص الوحيد في العالم الذي يحاول بأي طريقة جادة وقف الحرب في أوكرانيا. لقد حصل أوباما على جائزة نوبل للسلام مُسبقاً، ونحن نعيش عواقب رئاسته، ومنها هذه الحرب... يستحق ترمب الثناء على غزة، لكن الأمور مع أوكرانيا لم تنتهِ بعد».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس «فيفا» جاني إنفانتينو في شرم الشيخ (أ.ف.ب)

وأضاف ابنه ألكسندر، أستاذ الاقتصاد المشارك في كمبردج المستشار الرئاسي لأوكرانيا حتى 2024: «ليس من شأني الحكم على ما إذا كان الوقت قد حان لفوز ترمب بجائزة السلام أم لا. ربما يكون ذلك أكثر ملاءمة، بعد أن نتوصل فعلياً إلى اتفاق في أوكرانيا يُعتبر ناجحاً وترتيباً قابلاً للاستقرار».

كما لاقت الجائزة ردود فعل متباينة داخل «فيفا» نفسها، وهناك اقتراحات تشير إلى عدم استشارة بعض أعضاء اللجنة بشأن خطط إطلاق الجائزة قبل صدور البيان، في 5 نوفمبر (تشرين الثاني).

ومع ذلك، ردّت شخصيات بارزة على المنتقدين، حيث قالت برايان سوانسون، مدير العلاقات الإعلامية في «فيفا»: «لا يمكن انتقاد (فيفا) إلا لتقديرها لمن يريدون السلام العالمي. ومن الواضح أن أعضاء (فيفا) راضون عن أداء إنفانتينو لوظيفته؛ فقد أُعيد انتخابه دون معارضة في عام 2023».

ما العلاقة بين إنفانتينو وترمب؟

يصف إنفانتينو صداقته مع ترمب بأنها «وثيقة». وقال في أكتوبر (تشرين الأول): «أنا محظوظ حقاً»، بعد استضافته في البيت الأبيض في مناسبات قليلة هذا العام وحده.

في منتدى الأعمال الأميركي في ميامي مؤخراً، أشاد إنفانتينو بمزايا سياسات ترمب. وقال: «عندما تكون في ديمقراطية عظيمة كالولايات المتحدة الأميركية، يجب عليك أولاً احترام نتائج الانتخابات، أليس كذلك؟ لقد انتُخب بناءً على برنامج... وهو ينفّذ فقط ما وعد به. أعتقد أنه يجب علينا جميعاً دعم ما يفعله لأنني أعتقد أنه يُبلي بلاءً حسناً».

وكان ترمب، خلال ولايته الأولى في الرئاسة، استضاف إنفانتينو في البيت الأبيض في 2018، لكن المراقبين يقولون إن علاقتهما توطدت في 2020 في حفل عشاء أُقيم ضمن فعاليات القمة الاقتصادية العالمية بدافوس، بالقرب من مقر «فيفا» في زيوريخ، وصف إنفانتينو ترمب في البداية بأنه «صديقي العزيز».