مصر تتأهب لافتتاح «المتحف الكبير» وسط حضور دولي وزخم غير مسبوق

المتحف المصري الكبير يطل على الأهرامات (الشرق الأوسط)
المتحف المصري الكبير يطل على الأهرامات (الشرق الأوسط)
TT

مصر تتأهب لافتتاح «المتحف الكبير» وسط حضور دولي وزخم غير مسبوق

المتحف المصري الكبير يطل على الأهرامات (الشرق الأوسط)
المتحف المصري الكبير يطل على الأهرامات (الشرق الأوسط)

تتأهب مصر لافتتاح «المتحف الكبير»، مساء السبت، وسط حضور دولي وزخم رسمي وشعبي وإعلامي غير مسبوق، احتفاء بصرح حضاري وثقافي، استغرق بناؤه أكثر من عقدين، بتكلفة تجاوزت المليار دولار، وتأجل افتتاحه أكثر من مرة لظروف جيوسياسية وأحداث دولية.

وواصلت مصر استعداداتها لحفل الافتتاح المنتظر أن «يشهد مشاركة دولية غير مسبوقة بحضور ما لا يقل عن 40 رئيس دولة وملك ورئيس حكومة، فضلاً عن عدد كبير من الوزراء وكبار المسؤولين من عدة دول»، بحسب تصريحات متلفزة للمتحدث باسم الحكومة المصرية محمد الحمصاني.

داخل المتحف يعكف القائمون على تنفيذ حفل الافتتاح على وضع اللمسات النهائية على فقراته، بعد أسابيع من التحضيرات والبروفات المكثفة وسط تكتم شديد على تفاصيل الحفل، تزامناً مع تداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من البروفات، من بينها عروض ضوئية في السماء لمجسمات فرعونية وسط حديث إعلامي عن احتمال مشاركة الفنانة المعتزلة شريهان في تقديم الحفل.

تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف الكبير (الشرق الأوسط)

ويقود المايسترو ناير ناجي الأوركسترا التي تضم موسيقيين مصريين وعرباً.

ومن المقرر أن يلقي وزير الثقافة الأسبق وصاحب فكرة المشروع فاروق حسني كلمة في الافتتاح. وكذلك يلقي الجراح المصري مجدي يعقوب كلمة أخرى، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط».

وتحوّل المتحف في الأيام الأخيرة منذ إغلاقه في 15 أكتوبر (تشرين الثاني) 2025 إلى خلية نحل بين آثاريين يضعون اللمسات الأخيرة على سيناريو العرض، ومهندسين يعدون خطط الإضاءة وفنانين وموسيقيين يجرون بروفات الحفل، في وقت كانت فيه الأعمال جارية في المنطقة المحيطة بالمتحف لتجهيز الطرق وتنظيفها وتزيينها بأعلام الدول التي سيحضر ممثلوها حفل الافتتاح.

وتمهيداً للافتتاح تفقد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، المهندس كامل الوزير، الجمعة، «جميع الطرق والمحاور الرئيسية المؤدية للمتحف للتأكد من جاهزيتها لاستقبال زوار المتحف المصري الكبير»، بحسب إفادة رسمية لوزارة النقل، أكدت «الانتهاء من أعمال تطوير الرؤية البصرية للطريق الدائري، التي تضمنت دهان المباني على جانبي الطريق بألوان متناسقة وتكثيف اللوحات الإرشادية مع إضافة بعض العناصر المميزة من النباتات والأشجار والإنارة وشاشات العرض وتوزيعها بشكل يعكس الحضارة المصرية».

تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف خلال الفترة الماضية (الشرق الأوسط)

بينما أعدت وزارة الداخلية خطة لتأمين الحفل، تضمنت، بحسب تصريحات مصدر أمني رفيع المستوى لـ«وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية المصرية، الجمعة، «تأمين محيط المتحف بميدان الرماية، مروراً بطرق انتقال وإقامة الوفود المشاركة في الاحتفال، وكذلك وسائل الإعلام العالمية المشاركة في تغطية هذا الحدث العالمي». إلى جانب «تدريب العناصر المشاركة في تنفيذ الخطة وفقاً لنموذج محاكاة، وتوزيع عناصر من الشرطة النسائية على عدد من الخدمات التأمينية الأخرى في محيط موقع الاحتفال، وتكثيف الانتشار الأمني بمحيط المتحف المصري الكبير، سواء من جانب الطريق الدائري، أو ميدان الرماية، وكذلك شارع الهرم وشارع الملك فيصل، وكذلك ميدان الرماية وطريق الفيوم، بالإضافة إلى طريق (مصر/ إسكندرية) الصحراوي، نظراً لحضور العديد من الوفود إلى البلاد عبر مطار سفنكس الدولي».

وقال محافظ الجيزة، المهندس عادل النجار، في بيان صحافي الجمعة، إن «الدولة المصرية بقيادة رئيس الجمهورية أولت مشروع المتحف المصري الكبير اهتماماً غير مسبوق»، مؤكداً «العمل على خروج حفل الافتتاح بالصورة اللائقة التي تعكس مكانة مصر الحضارية أمام العالم».

ووضعت المحافظات شاشات عرض في الميادين تتيح للمواطنين متابعة فعاليات الحفل، في وقت تستعد أندية ومراكز الشباب الكبرى في مختلف المحافظات لاستقبال المواطنين الراغبين في متابعة الحفل عبر الشاشات.

الانتهاء من تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف (رئاسة مجلس الوزراء)

ويحظى حفل الافتتاح باهتمام سياسي، حيث عقد الرئيس، عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي اجتماعاً ضمّ عدداً من المسؤولين الكبار لمتابعة تحضيرات الحفل. وشدد، بحسب بيان للرئاسة، على ضرورة تنظيم حفل افتتاح «يليق بمكانة مصر، ويعكس ريادتها في مجال المتاحف والثقافة العالمية، ويسهم في تعزيز الترويج السياحي للبلاد». وأكد «ضرورة أن تعكس صورة الاحتفالية ليس فقط عظمة هذا الصرح العالمي، بل أيضاً حجم الإنجاز والتطور الذي تشهده الدولة المصرية في مختلف المجالات، بما يتناسب مع مكانتها الحضارية أمام العالم». كما زار رئيس الحكومة مصطفى مدبولي المتحف مساء الثلاثاء لمتابعة «اللمسات النهائية» على الحفل.

وبينما تتواصل الاستعدادات الرسمية، يترقب مصريون حفل الافتتاح وينتظرون إبهاراً يفوق حفلات أثرية سابقة، حيث تحول افتتاح المتحف إلى ترند يشارك فيه مصريون صورهم بالأزياء الفرعونيّة، ويتداولون مقاطع من البروفات.

افتتاح المتحف تجريبياً لعدة قاعات سابقاً (الشرق الأوسط)

وعدّ وزير الآثار الأسبق وعالم المصريات، الدكتور زاهي حواس، افتتاح المتحف «رسالة للعالم كله بأن مصر تصون آثارها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المتحف سيضع مصر على قمة العالم»، متوقعاً أن يحقق عائدات كبيرة خلال الفترة المقبلة تغطي تكلفته التي وصلت إلى ملياري دولار.

ووُضع حجر أساس المتحف المصري الكبير عام 2002، وافتتحت مرحلتيه الأولى والثانية اللتين شملتا مخازن الآثار ومركز الترميم عام 2010، ثم تعطل التنفيذ بسبب أحداث 2011، قبل أن يتم استئناف العمل مجدداً عام 2014، وكان من المقرر افتتاحه عام 2020 لكن جائحة «كوفيد 19» تسببت في تعطيل المشروع وتأجيل الافتتاح، الذي تأجل أيضاً بعد ذلك بسبب «حرب غزة»، وأعلنت مصر عزمها على افتتاحه في 3 يوليو (تموز) الماضي، قبل أن تؤجل الحفل بسبب الهجمات الإسرائيلية على إيران.

وفي ظل التأجيلات المتكررة افتتح المتحف تجريبياً على ثلاث مراحل بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، عبر السماح بإقامة حفلات في منطقة «البهو العظيم» الذي يقف في مدخله تمثال رمسيس الثاني، وفي الأول من ديسمبر (كانون الأول) عام 2023، افتتحت منطقة «الدرج العظيم»، التي تتوزع عليها عدد من القطع الأثرية الضخمة، ثم أخيراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حيث افتتحت 12 قاعة عرض أثري أمام الجمهور للمرة الأولى، بينما ظلت أبرز قاعاته؛ قاعة «توت عنخ آمون» مغلقة حتى الافتتاح الرسمي.

يضم المتحف آلاف القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

ويروي المتحف المقام على مساحة 500 ألف متر مربع، قصة الحضارة المصرية عبر آلاف القطع الأثرية النادرة والضخمة من مختلف العصور، ويعرض للمرة الأولى المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك «توت عنخ آمون»، منذ اكتشاف مقبرته في وادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر) عام 1922، وتضم أكثر من 5000 قطعة أثرية، وتعول مصر على المتحف لزيادة عائداتها السياحية، وتروج له بعدّه «أكبر متحف لحضارة واحدة»، مع توقعات أن يتجاوز عدد زوار المتحف الكبير 5 ملايين زائر سنوياً.

وحققت مصر أرقاماً قياسية في أعداد السائحين خلال العامين الماضيين، فوصل عددهم في 2024 إلى 15.7 مليون سائح. وتستهدف مصر وصول الرقم إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2031، معولة على المتحف الكبير من بين مشروعات أثرية وثقافية أخرى.

ويحظى افتتاح المتحف بزخم شعبي وإعلامي غير مسبوق حيث كان الخبر الرئيسي في وسائل الإعلام المحلية على مدار الأيام الماضية، وتصدر الترند على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أعلنت الحكومة يوم الافتتاح إجازة رسمية.

وأبدى حواس سعادته بــ«الوعي الأثري الذي تسبب فيه حفل افتتاح المتحف بين المصريين»، مشيراً إلى «اهتمام العالم كله بالمتحف وافتتاحه، لا سيما معروضات (الفرعون الذهبي) توت عنخ آمون التي تعد درة تاج المتحف الكبير».

واحتفت السلطات ووسائل الإعلام المصرية بالمتحف، واصفة إياه بأنه «هدية مصر للعالم»، وعدّت افتتاحه «حدثاً تاريخياً»، و«فصلاً جديداً في تاريخ الحضارة المصرية»، و«حلماً يليق بمصر، وبحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين». وتداولت تصريحات لمسؤولين سابقين وحاليين وفنانين ومثقفين تبرز أهمية المتحف.

كما نشر عدد من الوزرات والمؤسسات مقاطع فيديو توعوية عن المتحف والحضارة المصرية، وبدا أن الدولة بكل أجهزتها تكرس جهودها لإنجاح حفل الافتتاح، عبر توجيهات من وزارة التربية والتعليم بتخصيص فقرات في الإذاعة المدرسية عن المتحف، وجولات بعربات مكشوفة في شوارع العاصمة، واحتفالات في مختلف الميادين.


مقالات ذات صلة

«اللوفر» يحصّن نافذة استُخدمت في سرقة مجوهرات

أوروبا خلال العمل على تحصين النافذة التي استُخدمت لسرقة مجوهرات من متحف اللوفر (أ.ب)

«اللوفر» يحصّن نافذة استُخدمت في سرقة مجوهرات

عزّز متحف اللوفر في باريس إجراءات الأمن عبر تركيب شبكة حماية على نافذة زجاجية استُخدمت في عملية سرقة مجوهرات في 19 أكتوبر (تشرين الأول).

«الشرق الأوسط» (باريس )
أوروبا زوار يصطفون قرب الهرم الزجاجي لمتحف اللوفر للدخول (رويترز)

بعد تعليق إضراب العاملين... «اللوفر» يعيد فتح أبوابه مجدداً

أعلنت إدارة متحف اللوفر في باريس، والنقابات المعنية، فتح أبواب المتحف بالكامل أمام الزوار.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا أشخاص يصطفّون لدخول متحف اللوفر (رويترز) play-circle

«اللوفر» يفتح أبوابه جزئياً رغم تصويت موظفيه على تمديد الإضراب

أعلن متحف اللوفر بباريس إعادة فتح أبوابه جزئياً، الأربعاء، رغم استمرار الإضراب، الذي صوّت عليه الموظفون في اجتماع الجمعية العامة خلال وقت سابق من اليوم.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا لوحة إعلانية تُشير إلى تأجيل فتح أبواب متحف اللوفر الأكثر زيارة في العالم (أ.ب)

بسبب إضراب... متحف اللوفر في باريس يغلق أبوابه

أغلق متحف اللوفر الشهير بباريس، صباح الاثنين، بسبب إضراب، وفق ما أفاد عناصر أمن، في وقتٍ تواجه المؤسسة العريقة صعوبات منذ عملية السرقة الصادمة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)

مصر تنفي وجود عيوب في تصميم «المتحف الكبير»

نفت الحكومة المصرية، السبت، وجود عيوب في تصميم المتحف المصري الكبير، بعد تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف خلال الأيام الماضية.

رحاب عليوة (القاهرة )

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

رفضت الجامعة العربية اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال، ما يسمى «إقليم أرض الصومال»، مشددة على الوقوف ضد «أي إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل بغية تسهيل مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني أو استباحة موانئ شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».

وعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، أمس (الأحد)، دورةً غير عادية، أكد فيها «الموقف العربي الثابت والواضح بشأن عدّ إقليم الشمال الغربي بالصومال جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي محاولة للاعتراف بانفصاله بشكل مباشر أو غير مباشر».

وطالب البيان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بـ«وضع خطة عمل عربية - أفريقية مشتركة تحُول دون إحداث أي تغيير في الوضع الأمني والجيوسياسي القائم، ومنع أي تهديد لمصالح الدول العربية والأفريقية في هذه المنطقة الحيوية».


«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
TT

«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)

نقلت تسريبات إسرائيلية عن مسؤولين أمنيين كبار أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجاهل مخاوف وتحذيرات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، معتمداً على «سلسلة من التقارير الكاذبة أضرت بالعلاقات مع القاهرة»، خاصة فيما يتعلق بتسليح الجيش المصري في سيناء، وهو ما اعتبره دبلوماسيون وعسكريون سابقون بمصر «دعماً للموقف المصري»، مؤكدين أن «تجاهل نتنياهو كان متعمداً في إطار خطة تكتيكية لخدمة مصالحه الشخصية، ولو على حساب علاقات إسرائيل بمصر».

وبحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، فقد شملت هذه التقارير مزاعم بأنّ مصر تُشيِّد قواعد هجومية في سيناء، وهو ما ردّده السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، وأيضاً مزاعم بأنّ شخصيات بارزة في المخابرات المصرية كانت تتقاضى عمولات من تهريب الأسلحة إلى سيناء، وبأنّ مصر كانت متواطئة في خداع إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).

واحتجّت مصر على حملة التشويه، وأثارت القضية في اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين، ولكن دون جدوى. وقد تسبب ذلك في تصاعد الخلاف بين مصر وإسرائيل.

في سبتمبر الماضي أعلن نتنياهو مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء (رويترز)

يقول السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، إن «التجاهل من جانب نتنياهو لم يكن صدفة، لكنه تجاهل تكتيكي في إطار خطته وسعيه لخدمة نفسه ومصالحه، وتصوير أن هناك خطراً داهماً ودائماً يهدد إسرائيل».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تصوير الخطر على الحدود من جانب مصر مسألة تجعل الرأي العام في إسرائيل يحتشد خلفه تحت تأثير الخوف».

ونوّه هريدي بأن «نتنياهو نفسه وهو يردد الاتهامات ضد مصر يعلم تماماً أنها زائفة، لكنه ينظر لما يجنيه من جراء تلك الأكاذيب من مصالح تصرف النظر عن أي اتهامات توجّه له في ملفات الحرب على غزة، أو غيرها من اتهامات بالفساد، كما أنه يستغل ذلك في إطار الضغوط على مصر التي تقف حجر عثرة أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة».

هريدي أشار كذلك إلى أن «ظهور مثل هذه التسريبات التي تكشف تجاهل نتنياهو للتحذيرات الأمنية من الاتهامات الزائفة لمصر، قد يكون مقصوداً بغرض محاولة تهدئة الأجواء مع القاهرة قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وغير مستبعد أن يعود نتنياهو مرة أخرى لترديد اتهاماته عن الحشد العسكري المصري في سيناء، وغيرها من الاتهامات، ما دام ذلك يخدمه سياسياً في الداخل الإسرائيلي وفي تحركاته الإقليمية الأخرى».

وتثار حالياً خلافات بين مصر وإسرائيل تتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، وتحميل مصر لإسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية في أن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والوجود الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا»، والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية.

وبين الحين والآخر يخرج الجيش الإسرائيلي ببيانات رسمية يشير فيها إلى أنه «أسقط طائرة مُسيَّرة كانت تُهرّب أسلحة من الأراضي المصرية إلى إسرائيل»، وحدث ذلك أكثر مرة في أكتوبر الماضي قبل قرار تحويل الحدود إلى «منطقة عسكرية مغلقة».

وسبق أن عدَّ رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، أن «اتهامات إسرائيل بتهريب السلاح من مصر خطاب مستهلك»، وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن القاهرة «سئمت من هذه الادعاءات التي تُستخدم لإلقاء المسؤولية على أطراف خارجية كلّما واجهت الحكومة الإسرائيلية مأزقاً سياسياً أو عسكرياً».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو «مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء»، وردت «الهيئة العامة للاستعلامات» بتأكيدها على أن «انتشار القوات المسلحة جاء بموجب تنسيق كامل مع أطراف معاهدة السلام».

وأشارت «الهيئة» حينها إلى أن «القوات الموجودة في سيناء في الأصل تستهدف تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب».

مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، اللواء سمير فرج، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يتأكد للجميع زيف ما يردده نتنياهو وإعلامه، وصدق الرواية المصرية، وأن ما يقوله ما هو إلا خطة من أجل خدمة نفسه انتخابياً في الفترة المقبلة، وتصوير أن مصر العدو الرئيسي ولا بد من الاستعداد لها ونسيان أي أمور أخرى تتعلق بالاتهامات الموجهة له».

وأشار إلى أن «تحذيرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل لنتنياهو من مغبة هذه الادعاءات ضد مصر؛ لأن تلك الأجهزة تعلم، وكذلك نتنياهو نفسه يعلم، أن مصر قضت تماماً على الأنفاق التي كانت تهدد الأمن القومي المصري، كما أن التحركات المصرية في سيناء تتم من أجل حفظ الأمن وليست لتهديد أحد».

بدوره، قال وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «طريقة الإسرائيليين هي إطلاق تصريحات مستفزة للتغطية على خروقاتهم، ومصر تعي ذلك جيداً، ولن تنجر إليه؛ فهم يريدون صرف الأنظار عن مخالفتهم لاتفاق غزة في شرم الشيخ، ورغبتهم في عدم الالتزام به».

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، أوضح: «كل ما تطلقه إسرائيل من اتهامات يعتبر استمراراً لتشويه سمعة مصر؛ لأنها الحاجز القوي لأطماعها في الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان، وهذا ليس جديداً. وستستمر هذه الاتهامات الزائفة، والتقارير الإسرائيلية المنشورة حديثاً تؤكد ذلك».

وشدد رشاد على أن «الأجهزة المصرية تعلم جيداً أغراض نتنياهو وما يردده ضد القاهرة؛ لذلك لا تنجر إلى الأرض التي يريد جرها إليها، وتتعامل بحكمة وقوة وحزم، والأيام تثبت صحة وعقلانية الموقف المصري».


احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
TT

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

عاشت العاصمة الليبية، طرابلس، ليلة جديدة على صفيح ساخن، مع تجدُّد موجة احتجاجات غاضبة ضد حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالتزامن مع انضمام ما تُعرف بـ«كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» إلى مطالب المحتجين التي تجاوزت الدعوة لإقالة الحكومة إلى المطالبة بإسقاط جميع «الأجسام السياسية» الحاكمة، في بلد يرزح منذ سنوات تحت وطأة الانقسام السياسي والأمني.

وحسب شهود عيان ووسائل إعلام محلية، شهدت طرابلس، مساء السبت، إغلاق الطريق السريع وطريق الشط من قبل محتجين على حكومة عبد الحميد الدبيبة، مع إشعال إطارات في وسط العاصمة، وخروج مظاهرات ليلية بعدة أحياء، احتجاجاً على ما وُصف بتفشي الفساد وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.

ونقل الدبلوماسي الليبي محمد خليفة العكروت مشهداً اتسم بقطع طرق وحرق إطارات وارتباك في حركة المرور، وازدحام خانق أسفر عن اصطدام عدد من السيارات.

إطارات محترقة في أحد شوارع العاصمة طرابلس (لقطة مثبتة)

ودخلت الاحتجاجات يومها الثاني بعد تظاهرات مماثلة يوم الجمعة في طرابلس، ترافقت مع مظاهرات أخرى في مدينتي مصراتة والزاوية؛ حيث ندد المحتجون بتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والأمنية، مطالبين بإنهاء المرحلة الانتقالية.

وأعلن قادة «كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» تأييدهم الكامل لما وصفوه بـ«انتفاضة شعبية»، مطالبين بـ«إسقاط كل الأجسام السياسية المسؤولة عن معاناة الوطن»، ودعوا الليبيين إلى الخروج للشوارع، كما وجَّهوا نداءً للأجهزة الأمنية والعسكرية في مصراتة للوقوف إلى جانب المحتجين.

ويبدو أن إشارة البيان إلى «الأجسام السياسية» تشمل مجلسَي النواب والأعلى للدولة، إضافة إلى حكومة الوحدة في طرابلس، والحكومة المكلفة من البرلمان في شرق البلاد.

وتبرأ قادة «الكتائب» في بيان لهم من وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، معتبرين أنه «لا يمثلهم»، وأنه لم يقم بأي دور يُذكَر «في الدفاع عن حقوق الثوار»، أو في التعاطي مع حادثة وفاة رئيس الأركان محمد الحداد، إثر سقوط طائرة كانت تقله وقادة عسكريين بعد قليل من إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة، الثلاثاء الماضي، منتقدين صمته حيالها.

كما استنكروا ما وصفوه بالموقف «الهزيل» لحكومة الوحدة، بسبب غياب بيان نعي رسمي متلفز أو مؤتمر صحافي يوضح ملابسات تحطم الطائرة، عادِّين ذلك «إهانة للمؤسسة العسكرية وتضحيات الثوار».

وتُعتبر «كتائب ثوار مصراتة» أكبر وأقوى القوى العسكرية المنظمة في غرب ليبيا، ولعبت منذ بروزها خلال ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، دوراً محورياً في العمليات العسكرية التي أسهمت في إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافي؛ خصوصاً في جبهات مصراتة وسرت وطرابلس.

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الليبي في بنغازي (مكتب إعلام المجلس)

وعلى مدى السنوات اللاحقة، احتفظت هذه التشكيلات بنفوذ عسكري ملحوظ داخل مصراتة وخارجها، مستندة إلى تنظيمها القتالي وتسليحها وقاعدتها الاجتماعية الواسعة، إضافة إلى حضورها في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية للدولة.

في هذه الأثناء، تجددت الحرائق الغامضة في مدينة الأصابعة بغرب البلاد؛ حيث اندلعت نحو 3 حرائق متزامنة، ما أعاد تسليط الضوء على سلسلة الحرائق التي شهدتها المدينة في 19 فبراير الماضي، وأسفرت عن احتراق عشرات -وربما مئات- المنازل.

وناشد المجلس البلدي لمدينة الأصابعة الجهات المعنية توفير سيارة إطفاء إضافية وأخرى للإسعاف، لتعزيز قدرات فرق السلامة الوطنية في ظل محدودية الإمكانات، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الليبية (وال) نقلاً عن مدير مكتب الإعلام بالمجلس، الصديق المقطف.

وأكد المقطف أن أسباب الحرائق «لا تزال مجهولة»، ودعا إلى «تكثيف المتابعة واتخاذ تدابير لحماية السكان؛ خصوصاً مع تكرار الحوادث منذ فبراير الماضي، بعد توقف مؤقت في مايو (أيار)».

أما في شرق البلاد، فيسود تكتم حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقررة في بنغازي يومي الاثنين والثلاثاء، وسط ترجيحات بمناقشة 3 ملفات رئيسية، تشمل اعتماد ترشيحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح لتعيينات إدارية، وتعديل جدول مرتبات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، إضافة إلى إعادة انتخاب هيكل قيادي جديد للمجلس.