تغلَّب على «دوامة الخجل» بسبب نقص المعرفة بالذكاء الاصطناعي

«الكرامة الرقمية» تبدأ بتهيئة مساحات آمنة للتعلم والاعتراف بالجهل

تغلَّب على «دوامة الخجل» بسبب نقص المعرفة بالذكاء الاصطناعي
TT

تغلَّب على «دوامة الخجل» بسبب نقص المعرفة بالذكاء الاصطناعي

تغلَّب على «دوامة الخجل» بسبب نقص المعرفة بالذكاء الاصطناعي

في خضمّ جنون محو أمية الذكاء الاصطناعي، يغدو التواضع أهم مهارة بشرية - القدرة على الاعتراف بما لا نعرفه.

ومع إعادة تشكيل الذكاء الاصطناعي للصناعات وأماكن العمل، تمنع ثقافة الخجل المتنامية المرتبطة بالجهل، الناس من طرح الأسئلة والتجريب والتعلم. والنتيجة هي «دوامة خجل» تُخمد حب الاطلاع وتُقوّض الإمكانات البشرية والتبني المسؤول للذكاء الاصطناعي، كما كتبت كريستينا مانشيني(*).

الذكاء الاصطناعي وحالة عدم اليقين لدى العاملين

خلال العام الماضي، أصبح الذكاء الاصطناعي المصطلح المهني الأكثر رواجاً. فقد ارتفعت نسبة ذكر مصطلحات مثل «الذكاء الاصطناعي الوكيل» و«قوى العمل الذكية» و«العمل الرقمي» بنسبة 800 في المائة في تقارير أرباح الشركات.

ويتزايد طلب أصحاب العمل على وثائق إثبات الإتقان للذكاء الاصطناعي، بينما يسارع الموظفون لمواكبة التقنيات التي تتطور بوتيرة أسرع من قدرتهم على تعلمها. ومع ذلك، فإن المشكلة لا تكمن في نقص الفهم، بل في ثقافة تتسم بعدم اليقين، إذ يُشار إلى الأفراد، أو يوصفون، بعدم الكفاءة إذا لم يتمكنوا من إتقان أدوات الذكاء الاصطناعي فوراً. وهذا ما يثنيهم عن التحدث أو طلب المساعدة.

أكبر نقاط ضعف الذكاء الاصطناعي... قول: «لا أعرف»

لخص رائد الأعمال مارك كوبان هذه المفارقة بإيجاز قائلاً: «إن أكبر نقاط ضعف الذكاء الاصطناعي هي عدم قدرته على قول: (لا أعرف)». ولذا ينبغي على البشر الاستفادة من هذه القوة – أي استعدادنا للاعتراف بعدم اليقين- أي أننا أيضاً لا نعرف - والتعلم منه.

ومع ذلك، غالباً ما تُشجع الثقافات السائدة في أماكن العمل الحديثة على عكس ذلك، فهي وكأنها تشجع على مقولة: «تظاهر بالأمر حتى تنجح فيه». وهذا النهج يُغذي الخوف والصمت، مما يخلق حاجزاً غير مرئي يمنع الحوار الهادف حول آثار الذكاء الاصطناعي.

«دوامة الخجل» بسبب الجهل بالتكنولوجيا الجديدة

تتجلى «دوامة الخجل» في جميع القطاعات. إذ يشعر العديد من المهنيين - بنسبة 35 في المائة وفقاً لـمنصة «لنكد إن» - بالتوتر الشديد من مناقشة الذكاء الاصطناعي في العمل، بينما يعترف ثلثهم بالشعور بالحرج من معرفتهم المحدودة.

ولهذا الصمت عواقبه. إذ يُضيّع العاملون فرصاً، ليس لعجزهم، بل لأن الشركات تُغيّر الأدوار أسرع من تدريبها للموظفين. وبعضها، مثل شركة التكنولوجيا المالية «كلارنا»، سرّحت موظفين ثم أعادت توظيفهم بعد إدراكها قصور أنظمة الذكاء الاصطناعي. وداخل المؤسسات، تفلت خوارزميات معيبة أو متحيزة من التدقيق في أثناء عمليات الموافقة على استخدامها، لعدم شعور أحد بالسلطة لمساءلتها.

أمثلة على فشل توظيف الذكاء الاصطناعي

هذا النقص في المشاركة ينطوي على مخاطر واقعية. وهناك عدة أمثلة على فشل الذكاء الاصطناعي: فقد تخلّت «أمازون» عن نظام التوظيف الخاص بها بعد ثبوت تمييزه ضد المرأة؛ وتواجه «ووركداي» دعوى قضائية تزعم أن خوارزمياتها استبعدت المتقدمين من كبار السن وذوي الإعاقة؛ وبدأ روبوت الدردشة «تاي» من «مايكروسوفت»، الذي تعرض للمتصيدين عبر الإنترنت، في نشر محتوى يحض على الكراهية في غضون يوم من إطلاقه.

خطر السماح للأنظمة الآلية بالعمل دون ضوابط

تُبيّن هذه الإخفاقات خطر السماح للأنظمة الآلية بالعمل دون ضوابط. وعندما يتجنب الناس طرح الأسئلة خوفاً أو إحراجاً، فإنهم يُبعدون أنفسهم فعلياً عن عملية صنع القرار، ويتنازلون عن سيطرتهم لصالح تقنيات غامضة.

محو أمية الذكاء الاصطناعي- مشاركة ووعي أخلاقي

ولتغيير المسار، ينبغي حث المؤسسات على إعادة تعريف محو أمية الذكاء الاصطناعي، ليس كإتقان تقني، بل كمشاركة وفضول ووعي أخلاقي. ينبغي أن يكون الهدف نقل الأفراد من القلق إلى القدرة على التصرف. وما يُمكّن هذا التحول في النجاح ليس المزيد من التدريب التقني، بل الإذن - الإذن بأن نكون مبتدئين، وأن نطرح أسئلة ساذجة، وأن نجرب دون خوف من الأحكام.

«الكرامة الرقمية»

إن «الكرامة الرقمية» تبدأ بتهيئة مساحات آمنة للتعلم والاعتراف بالجهل.

تجني الشركات التي تُعزز هذا الانفتاح ثماره بالفعل. فقد بنى بنك «جي بي مورغان» بيئات «منخفضة المخاطر» حيث يمكن للمديرين اختبار أدوات الذكاء الاصطناعي ومناقشة التحديات بصراحة، مما عزز الثقة وسرّع من تبنيها. ودعت شركة جونسون آند جونسون إلى إجراء تجارب عبر الإدارات، مما أدى إلى توليد ما يقرب من 900 مبادرة متعلقة بالذكاء الاصطناعي وأدوات جديدة مثل روبوت محادثة داخلي للموظفين، وطرق مُحسّنة لتنويع التجارب السريرية. في كلتا الحالتين، قدّم القادة نموذجاً للضعف والفضول، ممهدين الطريق للابتكار المسؤول.

أزمة ثقافية... وليست فجوة في المهارات

في النهاية، فإن هذه ليست مجرد فجوة في المهارات، بل أزمة ثقافية. إذا استمر الصمت والخجل في الهيمنة، فسيعكس الذكاء الاصطناعي أسوأ عادات البشرية - التحيز وعدم المساواة والإقصاء - بدلاً من أن يكون قوةً للتغيير. والترياق بسيط ولكنه جذري: تطبيع قول «لا أعرف»، فهذه الكلمات الأربع كفيلةٌ بإثارة حوارٍ صادق، وتعلمٍ جماعي، وابتكارٍ أكثر تعمقاً.

ولصياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي - ومستقبل العمل بشكلٍ منصف، يجب أن يكون للجميع «مقعدٌ على الطاولة ويدٌ على القلم». وأن أقوى ما يمكننا قوله ليس «أنا أفهم الذكاء الاصطناعي»، بل «لا أعرف - لكنني أريد أن أتعلم».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

تكنولوجيا ستبقى شركة «أوبن إيه آي» اليافعة من سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة رمزاً للعبقرية التي أطلقت الذكاء الاصطناعي التوليدي وأتاحته على أوسع نطاق (رويترز)

هيمنة شركة «أوبن إيه آي» على سوق الذكاء الاصطناعي تهتز بعد 3 سنوات صدارة

بعد ثلاث سنوات من الصدارة، باتت منصة شركة «أوبن إيه آي» للذكاء الاصطناعي - تطبيق «تشات جي بي تي» - مهددة بفعل اشتداد المنافسة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شهدت الدورة الحالية للمسابقة تقديم أكثر من 10 آلاف مشروع مبتكر تعتمد كلها على تقنيات الذكاء الاصطناعي (الشرق الأوسط)

السعودية تتوّج بالمركز الأول في أضخم مسابقة دولية في الذكاء الاصطناعي

تُوِّجت السعودية بالمركز الأول عالمياً في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب (WAICY 2025)، بعد تحقيقها 26 جائزة في المسابقة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

إتقان فن التعاون بين الذكاء الاصطناعي وبين الإنسان سيؤدي إلى الازدهار

إتقان فن التعاون بين الذكاء الاصطناعي وبين الإنسان سيؤدي إلى الازدهار
TT

إتقان فن التعاون بين الذكاء الاصطناعي وبين الإنسان سيؤدي إلى الازدهار

إتقان فن التعاون بين الذكاء الاصطناعي وبين الإنسان سيؤدي إلى الازدهار

هيمنت على النقاش الدائر حول الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل فكرةٌ مبسطة مفادها أن الآلات ستحل حتماً محل البشر. إلا أن المؤسسات التي تحقق نتائج ملموسة بفضل الذكاء الاصطناعي قد تجاوزت هذا التصور تماماً. فهي تدرك أن أفضل تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تقوم على الاستبدال، بل على التعاون، كما كتب فيصل حقّ (*).

تتطور العلاقة بين الموظفين وأنظمة الذكاء الاصطناعي عبر مراحل متميزة، لكل منها خصائصها وفرصها ومخاطرها. لذا؛ فإن فهم موقع مؤسستك على هذا الطيف - وإلى أين تتجه - أمرٌ بالغ الأهمية للاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي وتجنب مخاطره.

المرحلة الأولى: الأدوات والأتمتة

هذه هي المرحلة التي تبدأ بها معظم المؤسسات. في هذه المرحلة، تؤدي أنظمة الذكاء الاصطناعي مهامَ روتينية محددة، بينما يحتفظ البشر بالسيطرة الكاملة وسلطة اتخاذ القرار. يعمل الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي بوصفه أداةً لزيادة الإنتاجية، حيث يتولى مهام محددة بدقة وفق معايير واضحة.

تتعدد الأمثلة هنا: أنظمة تصنيف المستندات التي تفرز المراسلات الواردة تلقائياً، وبرامج الدردشة الآلية التي تجيب عن استفسارات العملاء المعتادة، والمساعدة في جدولة ترتيبات الاجتماعات، وأتمتة إدخال البيانات التي تستخرج المعلومات من النماذج.

السمة الرئيسية لهذه المرحلة هي أن الذكاء الاصطناعي يعمل ضمن حدود ضيقة. إذ يُدير البشر سير العمل العام ويتخذون جميع القرارات الجوهرية، بينما يتولى الذكاء الاصطناعي المهام الروتينية؛ ما يُتيح للبشر التفرغ لأعمال ذات قيمة أعلى.

الاعتبارات الأخلاقية الأساسية تتمثل في هذه المرحلة في ضمان الدقة ومنع الضرر الناجم عن العمليات الآلية. عندما يُوجّه نظام الذكاء الاصطناعي شكاوى العملاء تلقائياً أو يُشير إلى الطلبات للمراجعة، قد تؤثر الأخطاء على أشخاص حقيقيين. يجب على المؤسسات تطبيق ضوابط الجودة والمراقبة لاكتشاف الأخطاء قبل أن تُسبب ضرراً، لا سيما للفئات الأكثر عرضة للخطر التي قد تكون أقل قدرة على التعامل مع أخطاء النظام.

المرحلة الثانية: التعزيز وتقديم المشورة

مع ازدياد ثقة المؤسسات بأنظمة الذكاء الاصطناعي، فإنها عادةً ما تنتقل إلى نماذج لا يقتصر فيها الذكاء الاصطناعي على تنفيذ المهام فحسب، بل يُقدم أيضاً تحليلات وتوصيات تُسهم في اتخاذ القرارات البشرية.

تحليلات تنبؤية. في هذه المرحلة، قد تُحدد أدوات التحليلات التنبؤية أنماطاً ناشئة في سلوك العملاء؛ ما يُتيح استراتيجيات أعمال أكثر استباقية. قد تُحلل أنظمة تقييم المخاطر البيانات التاريخية لتحديد مشكلات الامتثال المحتملة. وقد تُشير التشخيصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى أسباب محتملة لأعطال المعدات أو أعراض المرضى.

يكمن الفرق الجوهري في أنه بينما يستطيع الذكاء الاصطناعي توليد رؤى لا يستطيع البشر التوصل إليها بمفردهم من خلال إيجاد أنماط في مجموعات بيانات ضخمة يصعب على أي شخص تحليلها، يبقى الحكم البشري هو المرجع النهائي لتفسير هذه الرؤى واتخاذ الإجراءات بناءً عليها.

مخاطر جديدة: هنا تبرز مخاطر جديدة. إذ يُصبح الاعتماد المفرط على توصيات الذكاء الاصطناعي خطراً حقيقياً. وقد يتسلل التحيز التأكيدي، حيث يقبل البشر بشكل انتقائي رؤى الذكاء الاصطناعي التي تتوافق مع آرائهم المسبقة، بينما يرفضون تلك التي تُشكك في افتراضاتهم.

يتطلب النهج المسؤول في هذه المرحلة من البشر فهم كيفية توصل الذكاء الاصطناعي إلى توصياته - ما هي البيانات التي دُرّب عليها، وما الذي قد يكون تغير منذ التدريب، وما إذا كان هناك أي سبب يدعو إلى الشك في وجود تحيز. وقد يكون الأمر إشكالياً بالقدر نفسه عندما يرفض البشر نصائح الذكاء الاصطناعي الجيدة لعدم فهمهم لها أو عدم ثقتهم بها، كما هو الحال عندما يقبلون النصائح السيئة دون تفكير.

المرحلة الثالثة: التعاون والشراكة

تمثل هذه المرحلة تحولاً أكثر جوهرية. إذ وبدلاً من وجود فصل واضح بين مهام الآلة وقرارات الإنسان، يعمل البشر والذكاء الاصطناعي كفريقين يتمتعان بقدرات متكاملة ومسؤولية مشتركة.

علاقة ديناميكية. تصبح العلاقة ديناميكية وتفاعلية. وهنا تتكيف أنظمة الذكاء الاصطناعي باستمرار بناءً على ملاحظات البشر، بينما يُعدّل البشر أساليبهم بناءً على الرؤى التي يُولدها الذكاء الاصطناعي. يتلاشى الحد الفاصل بين «عمل الذكاء الاصطناعي» و«عمل الإنسان».

لنأخذ على سبيل المثال سيناريوهات الاستجابة للطوارئ، حيث تعمل فرق بشرية جنباً إلى جنب مع أنظمة الذكاء الاصطناعي أثناء الأزمات. يراقب الذكاء الاصطناعي باستمرار تدفقات بيانات متعددة - أنماط الطقس، وحالة المرور، وتوافر الموارد، وبيانات الاستجابة السابقة - ويقترح تخصيص الموارد. ويقبل البشر هذه الاقتراحات أو يُعدّلونها أو يرفضونها بناءً على معرفة سياقية غير متاحة للنظام. يتعلم الذكاء الاصطناعي من هذه التدخلات البشرية؛ ما يُحسّن توصياته المستقبلية. يطور البشر حدساً حول متى يثقون بالذكاء الاصطناعي ومتى يعتمدون على حكمهم الخاص.

أهمية تحديد المسؤولية. هنا يصبح تحديد المسؤولية أمراً معقداً حقاً. عندما تنتج النتائج عن عمل مشترك بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، من يتحمل مسؤولية الأخطاء؟ إذا أوصى الذكاء الاصطناعي بمسار عمل، ووافق عليه إنسان، ثم ساءت الأمور، فإن مسألة تحديد المسؤولية ليست واضحة على الإطلاق.

تحتاج المؤسسات العاملة في هذه المرحلة إلى أطر حوكمة جديدة تحافظ على وضوح خطوط المساءلة البشرية مع تمكين شراكات مثمرة. يتجاوز هذا مجرد تحديد المسؤولية القانونية؛ فهو أساسي للحفاظ على الثقة، داخل المنظمة ومع أصحاب المصلحة الخارجيين.

المرحلة الرابعة: الإشراف والحوكمة

• وضع المعايير. يتضمن نموذج العلاقة الأكثر تطوراً قيام البشر بوضع المعايير، والإشراف، وإدارة الاستثناءات، بينما تتولى أنظمة الذكاء الاصطناعي العمليات الروتينية بشكل مستقل.

يمثل هذا تطوراً كبيراً عن المراحل السابقة. ينتقل دور البشر من التنفيذ المباشر للمهام أو اتخاذ القرارات إلى دور يركز على وضع الحدود، ومراقبة الأداء، والتدخل عند الضرورة.

قد يقوم نظام الذكاء الاصطناعي بمعالجة مطالبات التأمين بشكل مستقل وفقاً للسياسات المعمول بها، مع مراجعة البشر للحالات غير الاعتيادية فقط أو القرارات المختارة عشوائياً لضمان مراقبة الجودة. قد تُنفذ خوارزمية التداول المعاملات ضمن معايير محددة، مع قيام المشرفين البشريين بمراقبة أي شذوذ وتعديل القيود مع تغير ظروف السوق.

يمكن أن تكون مكاسب الكفاءة هائلة، ولكن المخاطر كذلك.

خطر «الرضا عن الأتمتة». يزداد هذا الخطر بشكل كبير في هذه المرحلة. فقد يفشل المشرفون البشريون في الحفاظ على اليقظة اللازمة تجاه أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعمل عادةً بشكل صحيح. فعند الإشراف على نظام يتخذ القرار الصحيح بنسبة 99 في المائة من الوقت، يصبح من الصعب نفسياً البقاء متيقظاً للنسبة المتبقية (1 في المائة) من الحالات التي تتطلب تدخلاً. لذا؛ يجب على المؤسسات تطبيق آليات إشراف فعّالة تُبقي العنصر البشري منخرطاً بشكل هادف بدلاً من الاقتصار على دور إشرافي شكلي. وقد يُقدّم استخدام أسلوب اللعب في تحديد الأخطاء وتصحيحها مساراً قيّماً في هذا الصدد، من خلال إضافة طبقة من الأخطاء في لعبة لكشف المشرفين «النائمين» إلى أنظمة عالية الموثوقية، ونادراً ما تُخطئ.

التنقل بين مراحل التطور

لا تحتاج كل مؤسسة إلى المرور بالمراحل الأربع جميعها، ولا ينبغي أن تكون جميع وظائف المؤسسة في المرحلة نفسها. فالمستوى الأمثل للتعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي يعتمد على المخاطر المترتبة، ونضج تقنية الذكاء الاصطناعي، وقدرة المؤسسة على الحوكمة.

تستدعي القرارات المصيرية - تلك التي تؤثر على حقوق الأفراد أو سلامتهم أو مصالحهم المالية المهمة - عموماً مشاركة بشرية أكبر من المهام الإدارية الروتينية، بينما تتطلب التطبيقات الجديدة للذكاء الاصطناعي- حيث لا تزال حدود هذه التقنية مفهومة جيداً بعد - إشرافاً بشرياً أدق من التطبيقات الراسخة ذات السجلات الحافلة بالإنجازات.

مبادئ عامة تنطبق على الجميع

وبغض النظر عن موقع مؤسستك على هذا الطيف، فإن هناك مبادئ عامة تنطبق على الجميع، تشمل:

• فهم قدرات الذكاء الاصطناعي وحدوده. في كل مرحلة، يتطلب التعاون الفعال وجود أفراد يفهمون، ليس فقط ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله، بل أيضاً مواطن قصوره المحتملة. ويزداد هذا الفهم أهميةً مع ازدياد استقلالية أنظمة الذكاء الاصطناعي.

• الحفاظ على مساءلة بشرية فعّالة. لا يتغير المبدأ الأساسي المتمثل في ضرورة بقاء البشر مسؤولين عن القرارات المصيرية مع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي. ما يتغير هو كيفية هيكلة هذه المساءلة وممارستها.

• تصميم الأعمال لمواكبة التطور. العلاقة بين البشر وأنظمة الذكاء الاصطناعي ليست ثابتة. ينبغي للمؤسسات بناء أطر حوكمة قابلة للتكيف مع تطور قدرات الذكاء الاصطناعي، ومع ازدياد فهمها لكيفية عمل التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي في سياقها الخاص.

• الاستثمار في العنصر البشري. لا يُقدم نظام الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً قيمةً تُذكر إذا لم يفهم البشر العاملون معه كيفية التعاون بفاعلية. يُعدّ التدريب والتطوير الثقافي والتصميم التنظيمي عناصر لا تقل أهمية عن التكنولوجيا نفسها.

لن تكون المؤسسات التي تزدهر في عصر الذكاء الاصطناعي هي تلك التي تكتفي بنشر أحدث الأنظمة، بل تلك التي تُتقن فنّ التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، أي التي تُدرك متى تعتمد على قدرات الذكاء الاصطناعي، ومتى تُفعّل الحكم البشري، وكيفية بناء شراكات تستفيد من نقاط القوة المُميزة لكليهما.

* مقتبس من كتاب «إعادة تصور الحكومة: تحقيق وعد الذكاء الاصطناعي» Reimagining Government: Achieving the Promise of AI، تأليف فيصل هوك، وإريك نيلسون، وتوم دافنبورت، وآخرون. دار نشر بوست هيل. سيصدر في يناير (كانون الثاني) 2026.

مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»


بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟
TT

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟

بين جينات الأجداد وكيمياء العصر: لماذا تُصاب بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي؟

تشير دراسة علمية جديدة أجراها باحثون من جامعة بورنموث البريطانية إلى أن مزيجاً من اختلافات جينية موروثة من أسلاف البشر القدماء، ومن التعرّض لمواد كيميائية شائعة في حياتنا اليومية، قد يفسّر سبب إصابة بعض النساء بالانتباذ البطاني الرحمي المعروف أيضاً ببطانة الرحم المهاجرة أكثر من غيرهن.

مرض شائع... وتشخيص صعب

يُعدّ الانتباذ البطاني الرحمي Endometriosis من أكثر الأمراض النسائية غموضاً وإيلاماً؛ إذ يصيب نحو واحدة من كل عشر نساء في سن الإنجاب متسبباً في آلام مزمنة واضطرابات في الدورة الشهرية، وقد يصل في الحالات الشديدة إلى العقم. ورغم ازدياد الوعي بالمرض في السنوات الأخيرة لا يزال تشخيصه المبكر صعباً، وتبقى أسبابه الدقيقة غير مفهومة بالكامل. غير أن أبحاثاً علمية حديثة بدأت تكشف خيوطاً جديدة قد تفسر لماذا تكون بعض النساء أكثر عرضة للإصابة به، ولماذا تعاني أخريات أشكالاً أكثر حدة.

وفي دراسة حديثة نُشرت في «المجلة الأوروبية لعلم الوراثة البشرية» European Journal of Human Genetics في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، أشار الباحثون إلى أن التفاعل بين متغيرات جينية موروثة من أسلاف البشر القدماء والتعرّض لمواد كيميائية حديثة قد يلعبان دوراً مهماً في تطور المرض. وقد راجع الباحثون دراسات سابقة وحددوا خمسة جينات يُحتمل ارتباطها بالانتباذ البطاني الرحمي، وهي جينات معروفة بحساسيتها لمواد كيميائية تؤثر في الهرمونات والجهاز المناعي.

البحث عن الجذور الجينية

وباستخدام بيانات من قاعدة Genomics England التابعة لهيئة الصحة البريطانية، قارن الفريق التركيب الجيني لـ19 امرأة مصابة بالمرض مع نساء غير مصابات. وأسفر التحليل عن تحديد ستة متغيرات جينية كانت أكثر شيوعاً لدى المصابات، بعضها يعود في أصله إلى إنسان النياندرتال وسلالات بشرية قديمة أخرى. ويعتقد الباحثون أن هذه المتغيرات الجينية التي ظلت جزءاً من الجينوم البشري لآلاف السنين دون ضرر واضح قد تصبح مشكلة عند تفاعلها مع بيئة كيميائية حديثة لم يعرفها أسلافنا.

وتكمن أهمية هذه النتيجة في أن الجينات المكتشفة تتفاعل مع مواد كيميائية تُستخدم اليوم على نطاق واسع وتوجد في البلاستيك ومستحضرات التجميل ومنتجات التنظيف والمواد المنزلية اليومية. ويُرجّح أن هذا التفاعل قد يُربك الجهاز المناعي ويُحفّز الالتهابات المزمنة المرتبطة بالانتباذ البطاني الرحمي.

حين تتفاعل الجينات مع البيئة

وفي سياق متصل، تعزز دراسة أخرى نُشرت في مجلة Environmental Health Perspectives في 13 أغسطس (آب) 2025 هذه الفرضية البيئية. فقد ركزت الدراسة التي أُجريت في جامعة جورج ميسون في فرجينيا بالولايات المتحدة بقيادة الدكتورة جوانا ماروكين، الباحثة في مجال الصحة العامة وعلم الأوبئة، على مجموعة من المركبات الصناعية تُعرف باسم المواد الكيميائية الأبدية (PFAS)، وهي مواد مقاومة للتحلل، وتبقى في البيئة وجسم الإنسان لفترات طويلة.

وللمرة الأولى، فحص الباحثون وجود هذه المواد مباشرة داخل أنسجة بطانة الرحم لدى النساء. وأظهرت النتائج أن تلك المواد كانت موجودة لدى نساء مصابات وغير مصابات بالانتباذ البطاني الرحمي؛ ما يشير إلى أنها لا تزيد من خطر الإصابة بالمرض بحد ذاته. إلا أن المفارقة ظهرت عند النظر إلى شدة المرض؛ إذ ارتبطت المستويات المرتفعة لبعض أنواع المواد بزيادة خطر الإصابة بمراحل متقدمة وأكثر تعقيداً من الانتباذ البطاني الرحمي لدى المصابات.

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى صورة أكثر تعقيداً للمرض؛ فالانتباذ البطاني الرحمي قد لا يكون ناتجاً من عامل واحد، بل عن تراكب الاستعداد الجيني مع التعرّض المزمن للمواد الكيميائية الحديثة؛ ما يؤثر ليس فقط على ظهور المرض، بل على تطوره وحدّته.

أمل في التشخيص المبكر

وتؤكد الباحثة أميليا وارن، التي قادت الدراسة الأولى من قسم علوم الحياة والبيئة جامعة بورنموث البريطانية، أن كثيراً من النساء يعانين لسنوات دون تشخيص؛ لأن آلام الحوض تُعدّ في كثير من الأحيان «طبيعية»، ولا تُظهر الفحوص التقليدية العلامات المبكرة للمرض. بينما ترى المشرفة على البحث الدكتورة آنا مانتزوراتاو من قسم علوم الحياة والبيئة جامعة بورنموث أيضاً، أن فهم هذا التفاعل بين الجينات والبيئة قد يفتح الباب أمام تشخيص مبكر وتحديد النساء الأكثر عرضة للخطر قبل تفاقم الأعراض.

في المحصلة، تعكس هذه الأبحاث تحولاً مهماً في فهم الانتباذ البطاني الرحمي من كونه لغزاً طبياً غامضاً إلى حالة صحية معقّدة تتأثر بتاريخنا الجيني وواقعنا البيئي المعاصر. ومع تزايد الأدلة تتعزز الدعوات إلى تقليل التعرّض للمواد الكيميائية الضارة ودعم الأبحاث التي تنصت أخيراً لمعاناة ملايين النساء، وتبحث بجدية عن إجابات طال انتظارها.


6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ

6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ
TT

6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ

6 ثوانٍ حاسمة: الذكاء الاصطناعي لاعب جديد في الطوارئ

في لحظات الطوارئ، لا يملك الطبّ رفاهية التفكير الطويل. فالقلب لا ينتظر، والرئتان لا تنتظران، والمريض نفسه قد لا يمنح الطبيب أكثر من ثوانٍ معدودة قبل أن ينزلق إلى منطقة رمادية بين الوعي والغياب. هنا، لا تكون المشكلة نقص المعرفة، بل ضيق الزمن. فكم من قرار صائب أُجهض لأن الإشارة ظهرت متأخرة؟ وكم من حياة فُقدت لأن التحذير جاء بعد فوات الأوان؟

لاعب جديد في غرف الطوارئ

في هذه المساحة الحرجة بين الحياة والموت، يدخل الذكاء الاصطناعي لاعباً جديداً في غرف الطوارئ — لا ليحلّ محل الطبيب، بل ليكون «عيناً زمنية» ترى ما يتشكّل قبل أن يظهر، وتلتقط ما يهمس به الجسد قبل أن يصرخ. ذكاء لا ينافس الحدس الطبي، بل يسبقه بثوانٍ... قد تكون الفارق بين إنقاذ مريض أو فقدانه.

هذا التحوّل لم يعد فكرة مستقبلية، بل واقعاً بحثياً موثّقاً. ففي دراسات حديثة قادتها فرق من جامعة هارفارد بالتعاون مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، طُوّرت نماذج ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل الإشارات الحيوية في أقسام الطوارئ — من تخطيط القلب، وتقلب النبض، وأنماط التنفس، وتغيّرات معدلات الأكسجين في الدم - لا لاكتشاف الخطر عند وقوعه، بل للتنبؤ بانهيارات قلبية وتنفسية قبل دقائق من حدوثها. وهي نماذج لا تبحث عن علامة واحدة صاخبة، بل عن نمط خفي يتشكّل عبر الزمن.

وفي السياق نفسه، كشفت دراسات منشورة عام 2025 في مجلات طبية متخصصة، إلى جانب تقارير بحثية من جامعة جونز هوبكنز، عن أن خوارزميات التعلّم الآلي باتت قادرة على تحديد المرضى الأكثر عرضة لتوقّف القلب المفاجئ داخل المستشفى بدقة تفوق التقييم السريري التقليدي، عبر قراءة متزامنة لآلاف البيانات في ثوانٍ — مهمة يستحيل على الإنسان إنجازها تحت ضغط الطوارئ.

هنا، لا يتعلّق الأمر بسرعة الحوسبة فقط، بل بإعادة تعريف القرار الطبي نفسه. فغرفة الطوارئ لم تعد مكاناً لردّ الفعل وحده، بل صارت ساحة للتنبؤ والاستباق. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس: هل سيُستخدم الذكاء الاصطناعي في الطوارئ؟ بل: هل يستطيع الطبّ الحديث أن يتجاهل ذكاءً يرى الخطر قبل أن يراه الزمن نفسه؟

ومع هذه القفزة، يفرض السؤال نفسه بقوة: هل نحن أمام لحظة تعيد تعريف طبّ الطوارئ؟ وهل يصبح الذكاء الاصطناعي — للمرة الأولى — قادراً على التفكير أسرع من الخطر ذاته، لا لإنقاذ البيانات، بل لإنقاذ الحياة.

اللحظة الحاسمة: حين يسبق الذكاءُ الاصطناعي الانهيار

في أروقة الطوارئ المزدحمة، يعمل الطبيب تحت ضغط لا يرحم. عشرات الوجوه، عشرات الشكاوى، وزمن يضيق مع كل نبضة قلب: ألم صدري غامض، ضيق تنفّس متسارع، اضطراب نظم مفاجئ، صدمة تحسسية، نزيف لا ينتظر. في هذه اللحظات، لا يكون التحدي في نقص المعرفة، بل في فيض الإشارات وضيق الوقت.

هنا، يتقدّم الذكاء الاصطناعي بطريقة مختلفة تماماً. فالخوارزمية — المدرَّبة على ملايين السجلات الحيوية — لا تتوتر تحت ضغط الطوارئ، ولا تُربكها الفوضى السريرية، ولا تُغفل إشارة لأن التعب غلب الانتباه.

إنها تُنصت إلى ما لا يُسمع: تذبذبات دقيقة في نبض القلب، تغيّرات طفيفة في تشبّع الأكسجين، انحرافات شبه غير مرئية في تخطيط القلب الكهربائي، أنماط تنفّس غير منتظمة لا يلتقطها النظر العابر. إشارات تبدو — كلٌّ على حدة — بلا معنى، لكنها حين تُقرأ معاً، تكشف بداية الانهيار الصامت.

في التجارب السريرية المتقدّمة، تمكّنت هذه الخوارزميات من التنبؤ بحدوث الانهيار القلبي قبل وقوعه بست دقائق كاملة. ست دقائق لا تعني شيئاً في الزمن العادي، لكنها في الطوارئ تعني الفرق بين إنعاش ناجح... وذكرى متأخرة.

هنا، لا «يحلّ» الذكاء الاصطناعي محل الطبيب، بل يمنحه أثمن ما يمكن أن يُعطى في الطوارئ: الزمن. زمن إضافي لاتخاذ القرار، لتجهيز الفريق، ولمنح المريض فرصة لم يكن ليحصل عليها لولا أن الخوارزمية سبقت الخطر بخطوة.

من استجابة الطوارئ... إلى طوارئ تتنبّأ بنفسها

ستّ دقائق... قد تبدو قصيرة، لكنها في لغة الطوارئ تُعادل عمراً كاملاً.

لطالما كانت أقسام الطوارئ ساحات «ردّ فعل». يدخل المريض، فتبدأ عملية الفرز، ثم الفحص، ثم العلاج. لكن الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة:الطوارئ لم تعد تنتظر الخطر... بل تتوقّعه.

وأظهر البحث أنّ النظام قادر على:

• التنبؤ بنوبة الربو قبل تفاقمها بـ15 دقيقة

• رصد انخفاض ضغط الدم قبل الوصول إلى مرحلة الصدمة

• اكتشاف تدهور التنفّس لدى مرضى الالتهاب الرئوي بدقّة أعلى من الطبيب بنسبة 30 في المائة

ليس لأن الطبيب أقل مهارة، بل لأن العقل البشري محدود بالزمن والانتباه، بينما الخوارزمية تمتلك انتباهاً لا ينام.

الذكاء الاصطناعي لا يهدف إلى إقصاء الطبيب... بل حمايته

يشير تقرير صادر عن «هارفارد غازيت» (Harvard Gazette – الجريدة الرسمية لجامعة هارفارد) عام 2025 إلى أن معظم الأخطاء في أقسام الطوارئ لا تنبع من نقص المعرفة الطبية، بل من تزاحم القرارات في اللحظات الحرجة.

فالطبيب يمتلك الخبرة، لكنه يواجه في الثانية الواحدة عشرات الإشارات المتغيّرة التي تتطلب قراراً فورياً. وحين تتدفق البيانات بلا توقف، يصبح الذكاء الاصطناعي — كما وصفه باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا «عيناً ثالثة لا تتعب، وأذناً لا تغفل، وذاكرة لا تنسى».

تجربة ميدانية تغيّر قواعد اللعبة

في تجربة سريرية داخل وحدة طوارئ ذكي تضم 24 سريراً في «عيادة مايو» (Mayo Clinic)، حقق النظام نتائج لافتة:

• انخفاض حالات التدهور المفاجئ بنسبة 22 في المائة

• تسريع الاستجابة لنداء «الإنعاش القلبي الرئوي» (Code Blue) بمقدار 18 ثانية

• تقليل الحاجة إلى الإنعاش الكامل بنسبة 12 في المائة

• ارتفاع دقة تقدير خطورة الحالة من 78 في المائة إلى 92 في المائة

ومن أصل 126 حالة انهيار قلبي محتمل، نجحت الخوارزمية في اكتشاف 119 حالة قبل وقوعها.

مستقبل غرف الطوارئ: نظام ذكي يستيقظ قبل أن يستيقظ الألم

يتصوّر الفريق البحثي بيئة طوارئ مختلفة جذرياً:

• شبكة استشعار ذكية تراقب المرضى لحظة بلحظة

• لوحة توقّعات آنية تُعيد ترتيب أولويات العلاج

• مساعد معرفي رقمي يراجع الأدوية والتداخلات

• إنذار مبكر يخفّض 30 – 40 في المائة من حالات التدهور الحاد

فرصة ذهبية للشرق الأوسط

تُظهر البنى الرقمية المتسارعة في المملكة العربية السعودية، من الملفات الصحية الموحّدة، إلى سحابة الصحة الوطنية، ومشاريع الذكاء الاصطناعي السيادية، أن المنطقة لا تلاحق المستقبل... بل تتهيأ لصناعته. فهنا تتوافر الشروط لبناء أول نظام عربي متكامل للطوارئ الذكية، نظام لا ينتظر الخطر حتى يقع، بل يرصده وهو في طريقه إلى الظهور.

حين ينتصر الطب على الزمن

يكتب فريق البحث في ختام دراسته: «الذكاء الاصطناعي لا يمنع الموت... لكنه يمنح الحياة وقتاً أطول». وفي غرف الطوارئ، حيث تُقاس القرارات بالثواني، وحيث يفصل الخطأ الواحد بين النجاة والفقد، يصبح هذا الوقت الإضافي أثمن ما يمكن تقديمه للمريض.

وحين يتخذ الذكاء الاصطناعي قراراً قبل ستّ ثوانٍ من انهيار الجسد، فإنه لا يحلّ محل الطبيب، ولا يسلبه إنسانيته، بل يحميه من قسوة الزمن... ويمنحه فرصة أن يفعل ما يجيده أكثر من أي خوارزمية: إنقاذ حياة إنسان ينتظره من يحبّ.