كبير أساقفة الجزائر يدعو فرنسا إلى «اعتراف كامل بجرائم الاستعمار»

شدَّد على «صُلح الذاكرتين» وسط مؤشرات انفراج سياسي وقضائي

رئيس أساقفة الجزائر مع الرئيس الجزائري (الحكومة الجزائرية)
رئيس أساقفة الجزائر مع الرئيس الجزائري (الحكومة الجزائرية)
TT

كبير أساقفة الجزائر يدعو فرنسا إلى «اعتراف كامل بجرائم الاستعمار»

رئيس أساقفة الجزائر مع الرئيس الجزائري (الحكومة الجزائرية)
رئيس أساقفة الجزائر مع الرئيس الجزائري (الحكومة الجزائرية)

اقترح رئيس أساقفة الجزائر، الكاردينال جان بول فاسكو، على السلطات الفرنسية، إعلان «اعتراف كامل بجرائم الاستعمار في الجزائر»، بوصفه مدخلاً لعودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، ولإزالة التوترات الدبلوماسية الحادة التي تشهدها حالياً؛ بينما توقّع مراقبون إمكانية تخفيف عقوبة السجن بحق صحافي فرنسي متهم بالإرهاب، على خلفية ما وصفوه بمؤشرات إيجابية تدل على انفراج محتمل في الأزمة.

وصرَّح رجل الدين المسيحي الكاثوليكي لصحيفة «آفاق» الحكومية الجزائرية التي تصدر باللغة الفرنسية، بأن سبب المشكلات التي تحول دون علاقات عادية بين فرنسا ومستعمرتها القديمة «يتمثل في عدم اعتراف الفرنسيين بماضيهم الاستعماري في الجزائر»، في إشارة إلى إنكار جريمة الاحتلال الذي دام 132 سنة، ورفض تحمُّل مسؤولية الجرائم التي ارتُكبت.

وأكد فاسكو أن «كل استعمار هو عنف، هو اغتصاب لشعب. والمأساة تكمن في أن هذا العنف لم يُعترف به بالكامل. هذا الصمت هو ما يُبقي التوترات بين الجزائر وفرنسا حية حتى اليوم». وقال: «يجب أن نجرؤ على تحقيق مصالحة الذاكرتين، ليس من أجل الاتهام؛ بل لتحرير الأجيال القادمة».

الرئيسان الجزائري والفرنسي على هامش قمة «السبعة الكبار» بإيطاليا يوم 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

عقبات في طريق «مصالحة الذاكرتين»

وطُرحت فكرة «مصالحة الذاكرتين» أو «سلام الذاكرتين»، في 2017، إثر وصول إيمانويل ماكرون إلى الرئاسة في فرنسا. وتم تداولها عندما زار الجزائر مرشحاً للرئاسة عشية الانتخابات، ثم رئيساً في 2022؛ حيث أكد أنه لا يجد أي حرج في كسر التابوهات (المحظورات) المرتبطة بالاستعمار ورواسبه، بعكس الرؤساء الذين سبقوه، على أساس أنه لا ينتمي إلى الجيل الذي له صلة بهذه القضية. ولكنه مع الوقت واجه صعوبات في تخطي عقبات كثيرة، من بينها إصرار الجزائريين على أن يُعلن إدانة صريحة للاستعمار الفرنسي، يتبعها بتقديم اعتذار للجزائر، في مقابل رفض قاطع من الطيف السياسي الفرنسي بكل مشاربه؛ خصوصاً اليمين التقليدي واليمين المتطرف، لإقدامه على هذه الخطوة الجريئة.

وحسب كبير أساقفة الجزائر: «حان الوقت لنتعرف بعضنا على بعض، ونسعى لبناء أخوَّة حقيقية. هذه ليست مجرد كلمات رجل دين؛ بل كلمات إنسان متمسك بالحقيقة وبالصداقة بين الشعوب... أقول ذلك عن اقتناع».

وأشار جان بول فاسكو إلى أن هناك في الجزائر «جرحَ ذاكرة عميقاً مرتبطاً بالتاريخ الاستعماري»، موضحاً أن «هذه الذاكرة لم تُشفَ بعد. بعد أن عشت هنا أكثر من عشرين عاماً، أشعر بهذا الألم: إنه ليس مجرد ألم تاريخي؛ بل ألم شخصي ووجداني».

وتحفَّظ الكاردينال عن الخوض في تفاصيل اللقاء الذي جمعه بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، مكتفياً بالقول: «كان لقاء أخوياً، وعلامة على الثقة. ولهذا لم أدلِ بأي تصريح علني احتراماً لطبيعة هذا اللقاء».

ويأتي نداء الكاردينال فاسكو لمعالجة «آلام الذاكرة» في وقت تتعالى في فرنسا أصوات متزايدة، ترفض أي اعتراف رسمي بجرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر بين عامي 1830 و1962.

وكان آخر من عبَّر عن معارضته لمثل هذه الخطوة، وزير النقل فيليب تابارو، نجل أحد قادة «منظمة الجيش السري» التي نفَّذت اعتداءات وتفجيرات في الجزائر وفي فرنسا، عقب الإعلان عن استفتاء تقرير المصير الذي مهَّد للاستقلال في 5 يوليو (تموز) 1962؛ إذ قال يوم الجمعة الماضي على قناة «سي نيوز» المقرَّبة من اليمين المتشدد: «لا يجب أن نعتذر؛ لا عن الماضي ولا عن الحاضر». ويعكس تصريح تابارو معارضة قطاع من الأوساط السياسية الفرنسية لأي مصالحة أو اعتراف بالجرائم الاستعمارية في الجزائر.

مؤشرات إيجابية

وتمرُّ العلاقات بين البلدين، منذ صيف 2024، بأسوأ مرحلة منذ الاستقلال، وتحديداً عندما أعلن «الإليزيه» اعترافه بمغربية الصحراء. فقد كان هذا الموقف سبباً في تجميد العلاقات، وإثارة ملفات قديمة متعلقة بالاستعمار و«الذاكرة» وأوضاع المهاجرين الجزائريين في فرنسا (نحو 5 ملايين)، و«اتفاق 1968» الذي يضبط مسائل الإقامة والدراسة والتجارة و«لم الشمل العائلي» بالنسبة للجزائريين في فرنسا.

الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وفي سياق متصل، أعلن محامي الصحافي الرياضي الفرنسي، كريستوف غليز الذي حُكم عليه في الدرجة الأولى بالسجن لمدة 7 سنوات في الجزائر، بحسابه على «فيسبوك»، أن جلسة استئنافه ستُعقد في 3 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بمحكمة تيزي وزو (110 كيلومترات شرق العاصمة).

وحُكم على غليز (36 عاماً) الذي تعاون مع مجلتَي «سو فوت» و«سوسايتي» الفرنسيتين، في 29 يونيو (حزيران) بالسجن، بتهم تشمل «تمجيد الإرهاب» و«حيازة منشورات بهدف الدعاية التي تضر بالمصلحة الوطنية».

وتتهمه السلطات الجزائرية بأنه كان على اتصال بأحد مسؤولي نادي الشباب الرياضي القبائلي لكرة القدم الذي يشغل أيضاً منصب مسؤول في «حركة الحكم الذاتي في القبائل»، المصنَّفة كمنظمة إرهابية.

ويتوقع محامون وحقوقيون تخفيف الحكم في الدرجة الثانية، أو استفادة الصحافي من البراءة، كخطوة إيجابية مفترضة من طرف القضاء الجزائري؛ خصوصاً أن دلالات مشجعة بعثت بها السلطات الفرنسية منذ أيام؛ حيث صرَّح وزير الداخلية الجديد لوران نونييز بأن باريس «بحاجة إلى استئناف التعاون الأمني مع الجزائر» الذي تأثر بالأزمة السياسية، عادّاً أن هذا التعاون «يساعدنا على إحباط أعمال إرهابية محتملة في فرنسا».


مقالات ذات صلة

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

شمال افريقيا رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

دعا حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي الجزائري المعارض الرئيس عبد المجيد تبون إلى إطلاق «حوار شامل يفضي إلى مصالحة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا البرلمان الجزائري (متداولة)

الجزائر: سلاح تشريعي جديد لمواجهة الانفصاليين و«عملاء» الخارج

عرض نائب جزائري من «الأغلبية الرئاسية»، اليوم الأربعاء، مقترحاً على لجنة برلمانية خاصة، يتمثل في تعديل قانون الجنسية.

شمال افريقيا الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)

الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

تواجه الجزائر نزيفاً ملحوظاً في العملة الصعبة نتيجة الاستغلال غير المشروع لمنحة السفر السياحية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الفرنسي والجزائري على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا يوم 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تعيد ملف الاستعمار الفرنسي إلى الواجهة عبر قانون جديد

يرتكز مشروع القانون المقترح على حق الشعوب في العدالة التاريخية وعدم الإفلات من العقاب، ويهدف إلى «حماية الذاكرة الوطنية ومواجهة محاولات تزييف التاريخ».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

توتر بين «الدعم السريع» وقوات جنوب السودان

صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)
صورة ملتقطة من فيديو وزعته «الدعم السريع» في أبريل 2023 لمقاتلين في منطقة شرق النيل بالخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

بينما أكدت تقارير في جوبا حدوث توتر بين «قوات الدعم السريع» وقوات دفاع جنوب السودان، في منطقة هجليج النفطية بولاية جنوب كردفان، نفت «الدعم السريع» وقوع أي اشتباكات مسلحة بين الجانبين.

وأفادت صحيفة «جوبا بوست» بأن توتراً حادّاً حدث ليل السبت - الأحد بين القوات الجنوبية الموكَلة إليها حماية حقول النفط في هجليج - باتفاق ثلاثي بين جوبا وبورتسودان ونيالا - و«قوات الدعم السريع» التي سيطرت على المنطقة، بعد انسحاب الجيش السوداني منها إلى الدولة الجارة.

لكن الباشا طبيق، مستشار قائد «الدعم السريع»، قال في تغريدة على «فيسبوك» إن ما تناولته صحفٌ ووسائل إعلام سودانية موالية للجيش بشأن وقوع «اشتباكات في هجليج لا أساس له من الصحة». من جهة أخرى، تواصلت عمليات إجلاء العاملين في المنظمات الإنسانية والأممية من كادوقلي، عاصمة ولاية جنوب كردفان، التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» بالاشتراك مع حليفتها «قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو».


تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
TT

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)
جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

جدد مجلس الأمن الدولي ولايةَ «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026، وسط مسار سلام يراوح في مكانه رغم تعدد الاتفاقات، مع عودة العنف مجدداً إلى صدارة المشهد.

هذه الخطوة الدولية، التي تضمنت دعوات إلى انسحاب حركة «23 مارس (إم 23)» المتمردة من مناطق احتلتها، يراها خبير في الشؤون الأفريقية، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، دفعةً لجهود السلام في شرق الكونغو الذي يعاني صراعات على مدى عقود عدة، موضحاً أن «غيابها يعني مزيداً من الفوضى؛ لكن مع التمديد يمكن تقديم دعم إضافي لمسار السلام المتعثر حالياً، على الرغم من الاتفاقات؛ لأسباب مرتبطة بعدم وجود تفاهمات حقيقية على الأرض».

وتتصدر أزمة شرق الكونغو، الممتدة منذ 3 عقود، الاهتمامات الأفريقية. وبحث وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره الرواندي، أوليفييه أندوهونجيريهي، في لقاء بالقاهرة، سبلَ إرساء الاستقرار والسلم والأمن في منطقة شرق الكونغو، مؤكداً دعمَ مصر الكامل الجهودَ كافة الرامية إلى تثبيت الأمن والاستقرار، وفق بيان من «الخارجية المصرية» الأحد.

وجاء اللقاء عقب قرار مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر 2026، مع الحفاظ على سقف القوات المصرح به عند 11 ألفاً و500 فرد عسكري، و600 مراقب عسكري وضابط أركان، و443 فرد شرطة، و1270 فرداً من وحدات الشرطة المشكّلة، ومطالبة رواندا بوقف دعمها حركة «إم 23» المتمردة.

ويرى المحلل السياسي التشادي الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، أن تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» يمكن أن يشكل دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو، «إذا اقترن بتغييرات عملية في أسلوب عملها، وتعاون حقيقي مع السلطات المحلية والمجتمعات المتضررة... فالوجود الأممي يوفر غطاء دولياً لحماية المدنيين، ودعماً لوجيستياً ومؤسساتياً للجيش والشرطة، كما يساهم في مراقبة حقوق الإنسان، وتهيئة بيئة أفضل أمناً للعمل الإنساني والحوار السياسي. لكن نجاح التجديد لا يعتمد على الاستمرار الشكلي، إنما على معالجة أسباب الصراع المزمنة، مثل ضعف الدولة، وتعدد الجماعات المسلحة، والتنافس على الموارد، وانعدام الثقة بين السكان والبعثة»، وفق عيسى.

وإذا ركزت «مونوسكو» على «دعم حلول سياسية محلية، وتعزيز المصالحة، وبناء قدرات مؤسسات الدولة، والاستجابة لمطالب السكان بشأن الحماية والشفافية، فقد ينعكس التجديد إيجاباً على الاستقرار»؛ يضيف عيسى، موضحاً: «أما إذا استمر الشعور بعدم الفاعلية أو غياب التنسيق، فقد يحد ذلك من أثرها... لذلك؛ يكون التجديد فرصة حقيقية للسلام عندما يُستثمر لإصلاح الأداء وتوجيه الجهود نحو جذور الأزمة».

ويسلط القرار الدولي الضوء على «الأزمة الأمنية والإنسانية المتدهورة بسرعة» في شرق الكونغو الديمقراطية بسبب هجوم حركة «23 مارس» في شمال وجنوب كيفو «بدعم وبمشاركة مباشرة من قوات الدفاع الرواندية»، وفق بيان «المجلس».

وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة، جنيفر لوسيتا، مساء الجمعة، إن «المفاوضات التي تقودها تعطلت مرة أخرى بسبب تقدم حركة (23 مارس) المدعومة من قوات الدفاع الرواندية».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود، وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتَين في الإقليم. وشنّت «23 مارس»، بدعم من رواندا، هجوماً جديداً في بداية ديسمبر الحالي بإقليم جنوب كيفو شرق البلاد على طول الحدود مع بوروندي، وأحكمت سيطرتها على بلدة أوفيرا الاستراتيجية في 11 ديسمبر الحالي.

وجاء التقدم الأخير للحركة في شرق الكونغو الغني بالمعادن بعد أسبوع من لقاء الرئيسَين؛ الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي الرئيسَ الأميركي دونالد ترمب في واشنطن خلال وقت سابق من هذا الشهر، وأكدا التزامهما اتفاق سلام توسطت فيه الولايات المتحدة.

ووسط أنباء عن انسحاب الحركة من المنطقة المحتلة حديثاً، قال مسؤولون في «الصليب الأحمر»، الخميس الماضي، إن «شهر ديسمبر هو الأعلى حدة في النزاع».

ويعدّ الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية بواشنطن في مطلع ديسمبر الحالي هو الأحدث ضمن سلسلة «تفاهماتٍ بإطار» أُبرمت خلال يونيو (حزيران) الماضي في واشنطن، إضافة إلى «إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة»، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاقٍ يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن المطالب الدولية بانسحاب «23 مارس» من المناطق التي سيطرت عليها في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، تعبر عن ضغط سياسي ودبلوماسي متصاعد، «لكنها لا تعني بالضرورة أن الانسحاب يمكن تحقيقه قريباً». وأوضح أن «الحركة» ما زالت «تمتلك قوة عسكرية على الأرض، وتستفيد من تعقيدات المشهد الإقليمي، وضعف سلطة الدولة في بعض المناطق؛ مما يجعل استجابتها للضغوط وحدها أمراً غير مضمون».

وأضاف: «كما أن تجارب سابقة أظهرت أن بيانات الإدانة والمطالب الدولية لا تتحول سريعاً إلى واقع ميداني ما لم تُدعم بآليات تنفيذ واضحة، مثل عقوبات فعالة، أو ضغط إقليمي من الدول المؤثرة، أو تقدم حقيقي في المسارات التفاوضية».

في المقابل؛ قد يصبح الانسحاب ممكناً، وفق صالح إسحاق عيسى، «إذا ترافقت هذه المطالب مع تحرك منسق من (الاتحاد الأفريقي)، ومع ضمانات أمنية وسياسية تعالج دوافع الحركة، إضافة إلى تعزيز قدرات الدولة الكونغولية على بسط سيطرتها بعد أي انسحاب؛ لتفادي فراغ أمني». لذلك؛ «يبقى تحقيق الانسحاب القريب مرتبطاً بمدى جدية المجتمعَين الدولي والإقليمي في الانتقال من المطالبة إلى الفعل، وبإيجاد تسوية أوسع تعالج جذور الصراع»؛ وفق ما خلص إليه عيسى، وسط تفاقم الأزمة بشرق الكونغو.


ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
TT

ليبيا: «مفوضية الانتخابات» لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من استحقاق البلديات

صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)
صورة وزعتها مفوضية الانتخابات لمركزها للعد والإحصاء الأحد (مفوضية الانتخابات)

تستعد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لإعلان نتائج المرحلة الثالثة من انتخابات المجالس البلدية التي أُجريت مؤخراً في مدن شرق البلاد وجنوبها.

وأعلنت المفوضية في بيان، الأحد، أن مركزها للعدّ والإحصاء استكمل إدخال جميع بيانات استمارات النتائج الواردة من المكاتب الانتخابية، في إطار الإجراءات الفنية المعتمدة و«وفق أعلى معايير الدقة والمراجعة»، مشيرة إلى أن «العمل حالياً متوقف عند انتظار أحكام القضاء المختص بشأن الطعون المقدمة؛ التزاماً بمبدأ سيادة القانون، وضماناً لنزاهة وشفافية العملية الانتخابية».

ونفت المفوضية ما جرى تداوله بشأن صدور النتائج الأولية لهذه الانتخابات، مؤكدة أن الإعلان عن أي نتائج سيتم فقط عبر القنوات الرسمية للمفوضية، وبعد استكمال جميع المراحل القانونية والإجرائية، مجددة «التزامها بإطلاع الجميع على أي مستجدات في حينها وبكل شفافية».

وتنتظر المفوضية أحكام المحاكم المختصة في 7 طعون بالبلديات التي أجريت بها عملية الاقتراع السبت الماضي؛ لإعلان النتائج الأولية.

من جهة أخرى، أدانت لجنة متابعة الأجهزة الرقابية بمجلس النواب بشرق ليبيا، الهجوم الذي استهدف مقر «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» في مدينة جنزور بالعاصمة طرابلس، وعدّته «اعتداءً خطيراً على مؤسسات الدولة، ومحاولة لإفشال جهود مكافحة الفساد وتقويض ثقة المواطنين».

وطالبت اللجنة، في بيان مساء السبت، بفتح تحقيق عاجل وشفاف لملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة، مع اتخاذ إجراءات لحماية المؤسسات الرقابية، مؤكدة تضامنها الكامل مع العاملين بالهيئة، واستمرار دعمها لمسار الإصلاح وبناء دولة القانون.

وكان مقر هيئة مكافحة الفساد في جنزور بغرب ليبيا، تعرض لهجوم الأسبوع الماضي، أدى إلى أضرار مادية دون إصابات بشرية، وسط تعهدات بتحقيق سريع وإدانات رسمية؛ باعتباره استهدافاً مباشراً لمؤسسة رقابية معنية بحماية المال العام.

وفي شأن يتعلق بالأرصدة الليبية المجمدة في الخارج، قال رئيس لجنة التحقق من الأموال الليبية المجمّدة بالخارج بمجلس النواب، يوسف العقوري، إنه «يتابع باهتمام بالغ، إحاطة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت الجمعة، وذلك في إطار متابعة ملف الأموال الليبية المجمّدة في الخارج، وما يحيط به من تجاوزات خطيرة».

ونقل العقوري مساء السبت، عن السفير عمار بن جمعة، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، قوله إن «الأرصدة المالية الليبية المجمّدة تتعرض للتآكل وسوء الاستخدام من قبل بعض المؤسسات المالية الأجنبية المودعة لديها، في خرق واضح للقانون الدولي وللقرارات الأممية ذات الصلة».

وقال العقوري إن السفير الجزائري، طالب باسم بلاده وباسم المجموعة الأفريقية، «بضرورة إجراء عملية محاسبة شاملة وشفافة، ومساءلة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، مع إلزامها بتعويض الدولة الليبية عن أي خسائر لحقت بهذه الأرصدة».

ورحب العقوري بـ«الدعم الدولي لموقف ليبيا الذي يطالب بتدقيق مالي لجميع الأرصدة، وتعويضها عن أي مخالفات بشأنها»، وأضاف أن «أي تلاعب أو سوء إدارة لهذه الأرصدة، يُعدّ اعتداءً مباشراً على السيادة الليبية وحقوق الأجيال القادمة».

وانتهى إلى أن اللجنة «لن تتهاون في هذا الملف، وستتخذ كل الإجراءات البرلمانية والقانونية والدولية اللازمة لملاحقة المتسببين، وضمان حماية الأموال الليبية واسترداد حقوق الدولة كاملة بالتنسيق الكامل مع الدول الصديقة الأعضاء في مجلس الأمن».