الجزائر لتجاوز خلافاتها مع «الأوروبي» عبر شراكة ضمن «ميثاق المتوسط»

بعد انسداد الحوار بين الطرفين وتلويح «المفوضية» باللجوء إلى التحكيم الدولي

السفير الأوروبي لدى الجزائر مع وزير خارجيتها (الخارجية الجزائرية)
السفير الأوروبي لدى الجزائر مع وزير خارجيتها (الخارجية الجزائرية)
TT

الجزائر لتجاوز خلافاتها مع «الأوروبي» عبر شراكة ضمن «ميثاق المتوسط»

السفير الأوروبي لدى الجزائر مع وزير خارجيتها (الخارجية الجزائرية)
السفير الأوروبي لدى الجزائر مع وزير خارجيتها (الخارجية الجزائرية)

تبحث الجزائر والاتحاد الأوروبي سبل تجاوز نزاع اقتصادي حاد، ذي خلفية سياسية، من خلال إيجاد مجالات جديدة للتعاون في إطار ما يُعرف بـ«الاتحاد من أجل المتوسط»، في وقت تتجه فيه العلاقات بين الجانبين نحو مزيد من التعقيد، بعد تهديد المفوضية الأوروبية باللجوء إلى التحكيم الدولي؛ بسبب توقف الجزائر عن استيراد عدد من المواد والسلع الأوروبية.

تحت مسمى «شراكة استراتيجية متميزة»، تناولت جرائد جزائرية، يومي الأربعاء والخميس، خلاصة لقاء جرى في العاصمة بين سفير الاتحاد الأوروبي في الجزائر دييغو ميلادو وصحافييها، حيث أكد الدبلوماسي أن المفوضية الأوروبية تقترح على الجزائر «تحالفاً مميزاً من خلال ميثاق من أجل البحر الأبيض المتوسط»، وهو مشروع أعلنت عنه حكومة الاتحاد في 16 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تقترح من خلاله «تحديثاً للشراكة الأوروبية المتوسطة، حتى يصبح التعاون أكثر فاعلية» بين أوروبا وجنوب المتوسط.

سفير الاتحاد الأوروبي في الجزائر أثناء لقائه عدداً من الصحافيين (سفارة الاتحاد)

وأوضح ميلادو، وفق ما نقلته الصحف، أن المفوضية «تريد تحالفاً مع الجزائر يرتكز على الاقتصاد والاستثمار والتجارة، على أن يتم الحفاظ على اتفاق الشراكة»، الذي تم التوقيع عليه في 2022، وبدأ تنفيذه في 2005.

* «أوروبا لا تعتزم نقض اتفاق الشراكة مع الجزائر»

قال ميلادو إن اتفاق الشراكة «مستمر وهو من المكاسب القائمة. والكثير من عناصر هذا الاتفاق مذكورة في الميثاق الجديد»، مؤكداً على «ضرورة الالتزام بالتعهدات عبر إنجازات ملموسة وبناء روابط جديدة»، ومشيراً إلى أن الهدف «هو تطوير وتحديث وتعميق ما هو قائم بالفعل»، في إشارة إلى اتفاق الشراكة والعلاقات في مجال الطاقة تحديداً، بحكم أن الجزائر تعد من الشركاء الأساسيين للاتحاد الأوروبي في هذا المجال.

وأوضح الدبلوماسي الأوروبي أن «المكتسبات الحالية مهمة، وهذا الميثاق يشكل إطاراً جديداً لاتفاق الشراكة، حيث يمكن من خلاله تحسين الكثير من الجوانب التجارية»، مع التركيز على البعد الجيوسياسي، وأهمية طمأنة المستثمرين الأوروبيين.

رئيس «المجلس الأوروبي» خلال زيارته الجزائر 5 سبتمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

والهدف من هذا الميثاق، حسب ميلادو، هو بناء تنافس مشترك يحترم السيادة الاقتصادية للدول، في إطار مشروع ينتظر اعتماده سياسياً من طرف دول الاتحاد الأوروبي وشركائه في جنوب المتوسط خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بمناسبة الذكرى الثلاثين لما يعرف بـ«عملية برشلونة»، وهي إطار للتعاون والشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب البحر الأبيض المتوسط، أُطلقت عام 1995 في مدينة برشلونة بإسبانيا.

وسيتم في العام المقبل الإعلان عن خطة عمل للميثاق، الذي يعتمد أساساً على المقاربة الثنائية. وفي هذا السياق قال ميلادو: «سيتعين على الدول الشريكة للاتحاد مناقشة كل خطوة مع الاتحاد بوصفه كتلةً إقليمية». مبرزاً أن «البعد الثنائي في هذا الميثاق مهم جداً، فلا يمكننا الاعتماد بعد الآن على بعض العلاقات السابقة، بل يجب بناء علاقات جديدة. هذا قرار من الاتحاد الأوروبي».

بسبب تصاعد الأزمات الجيوسياسية في أوروبا، وتنامي سياسات الحماية الاقتصادية، يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز وجوده في مناطق جديدة، حسب ما جاء في مقال صحيفة «الوطن»، الذي تناول اللقاء مع السفير الأوروبي، مؤكدة أن الجزائر «بادرت بتقديم مقترحات أكدت فيها على أهمية أن تقوم العلاقات على مبدأ المساواة والندية». وبهذا الخصوص، قال السفير الأوروبي إن الجزائر كانت من أوائل الدول التي قدمت خريطة طريقها للميثاق، وهي تمتلك رؤية واضحة واستراتيجية. هذه معادلة جديدة تصب في صالح الجزائر»، خاصة في ظل تركيز الميثاق على تعزيز العلاقات في مجال الطاقة، ودعم الجزائر في التحول الطاقوي ومكافحة آثار التغير المناخي.

ولم يستبعد ميلادو زيارة محتملة للمفوض الأوروبي للطاقة إلى الجزائر، كما أشار إلى اهتمام الاستثمارات التعدينية الفنلندية والسويدية بالجزائر، ضمن أولويات الاتحاد الأوروبي، التي تم عرضها يوم 16 أكتوبر الحالي من قِبل المفوضية الأوروبية.

الجزائر تشكو من «عبء الاتفاق مع أوروبا»

يُطرَح هذا المقترح الجديد للتعاون، حسب مراقبين، بوصفه حلاً لتجاوز الخلاف العميق الذي يميز علاقات الجزائر والاتحاد الأوروبي منذ أكثر من عام. ففي 20 مارس (آذار) 2024، أعلنت المفوضية الأوروبية عن فتح إجراء رسمي لتسوية نزاع مع الجزائر استناداً إلى اتفاق الشراكة، يستهدف سياسات تجارية وتنظيمية تبنتها الجزائر منذ عام 2021، يراها الاتحاد الأوروبي مخالفة لمبادئ حرية التجارة والمساواة في المعاملة.

ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي السابق في لقاء سابق مع الرئيس الجزائري (الرئاسة الجزائرية)

وفي 17 من يوليو (تموز) الماضي، أبلغت المديرية العامة للتجارة في المفوضية الأوروبية السلطات الجزائرية ببدء إجراء تحكيم رسمي، على خلفية ما عدّته قيوداً على التجارة والاستثمار تنتهك أحكام الاتفاق.

وتركز اعتراضات الاتحاد الأوروبي على الجزائر، أساساً، حول نظام رخص الاستيراد، الذي تبنته السلطات الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، والذي تعدّه بروكسل تمييزياً؛ إذ أدى عملياً إلى منع استيراد فئات عدة من السلع، مثل السيارات والمعدات، والمنتجات الزراعية المحّلة. كما تنتقد أوروبا الشروط المحلية للإنتاج، ونسب الإدماج المرتفعة المفروضة على المستثمرين الأجانب، خصوصاً في قطاع السيارات، إضافة إلى تحديد سقف لحصة المساهمة الأجنبية في شركات الاستيراد؛ وهو ما أجبر الكثير من الشركات الأوروبية على فقدان السيطرة على فروعها، أو الانسحاب من السوق الجزائرية.

وتشمل المآخذ الأوروبية أيضاً عوائق غير جمركية، تصفها المفوضية الأوروبية بأنها «غامضة أو تعسفية»، مثل التأخيرات الإدارية، والمعايير التقنية المقيِّدة، والإجراءات الجمركية غير المنتظمة. ويرى الاتحاد الأوروبي أن «هذه الممارسات تتعارض مع اتفاق الشراكة الأورومتوسطي»، الذي ينص على التبادل المتكافئ وإزالة الحواجز التجارية تدريجياً بين الطرفين.

الرئيس الجزائري أكد خلال اجتماعه بحكومته مطلع السنة الحالية رغبة بلاده في تقاسم الأرباح مع أوروبا (الرئاسة)

وعبَّر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في يوليو الماضي، عن استغرابه من قرار الاتحاد الأوروبي اللجوء إلى التحكيم «بشكل متسرع وأحادي»، موضحاً في تصريحات للصحافة بأن «ستة من أصل ثمانية ملفات خلافية كانت في طريقها للحل، والجزائر قدمت مقترحات عملية بشأن ما يؤخذ دون تلقي رد أوروبي».

وانتقد عطاف «تجاوز الاتحاد لمجلس الشراكة»، عادَّاً ذلك «مخالفاً لروح ونص الاتفاق»، ودعا إلى عقد دورة عاجلة للمجلس «لإجراء تقييم شامل ومتوازن للقضايا ضمن الإطار القانوني للشراكة».

وكان عطاف قد تناول في مؤتمر صحافي عقده نهاية 2024، قضية «اختلال التوازن في تنفيذ اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي»، موضحاً أن الجزائر تكبَّدت خسائر تفوق 30 مليار دولار خلال 20 سنة بسبب تفكيك الرسوم الجمركية، مقابل استثمارات أوروبية لا تتعدى 13 مليار دولار، حسبه. لافتاً إلى أن الشركات الأوروبية حولت نحو 12 مليار دولار من الأرباح، منذ بدء تطبيق اتفاق الشراكة؛ ما جعل العائد الفعلي للجزائر لا يتجاوز مليار دولار فقط، ووصف الاتفاق بأنه «عبء على الجزائر».


مقالات ذات صلة

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

شمال افريقيا اجتماع لقيادات «حمس» الإسلامية (إعلام حزبي)

الجزائر: المعارضة الإسلامية تدعو لـ «مصالحة شجاعة» وتحذر من «الانتقام»

دعا حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي الجزائري المعارض الرئيس عبد المجيد تبون إلى إطلاق «حوار شامل يفضي إلى مصالحة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا البرلمان الجزائري (متداولة)

الجزائر: سلاح تشريعي جديد لمواجهة الانفصاليين و«عملاء» الخارج

عرض نائب جزائري من «الأغلبية الرئاسية»، اليوم الأربعاء، مقترحاً على لجنة برلمانية خاصة، يتمثل في تعديل قانون الجنسية.

شمال افريقيا الوزير الأول الجزائري مع رئيسة الحكومة التونسية 12 ديسمبر الحالي (الوزارة الأولى الجزائرية)

الجزائر تتحرك لمواجهة استنزاف عملتها الصعبة

تواجه الجزائر نزيفاً ملحوظاً في العملة الصعبة نتيجة الاستغلال غير المشروع لمنحة السفر السياحية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الفرنسي والجزائري على هامش قمة مجموعة السبع في إيطاليا يوم 14 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

الجزائر تعيد ملف الاستعمار الفرنسي إلى الواجهة عبر قانون جديد

يرتكز مشروع القانون المقترح على حق الشعوب في العدالة التاريخية وعدم الإفلات من العقاب، ويهدف إلى «حماية الذاكرة الوطنية ومواجهة محاولات تزييف التاريخ».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

فرنسا تمنع إعلان «استقلال القبائل» لإنقاذ العلاقات مع الجزائر من الانهيار

لم يكن ممكناً، في تقدير المراقبين، أن تسمح فرنسا بمبادرة كانت ستتسبب في انهيار التقارب الذي شهدته العلاقات الثنائية في المدة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

وأشارت تيتيه خلال تقديم إحاطتها، أمس، أمام أعضاء مجلس الأمن، إلى أنَّ الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذ «خريطة الطريق» تمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أنَّ الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تُفضِ حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات». ورأت تيتيه أنَّ «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين».


سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

أحيا مدنيون سودانيون ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام التيار الإسلامي، بوقفات احتجاجية في عدد من مدن البلاد، وإسفيرية (عبر الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت)، طالبوا خلالها بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وفي غضون ذلك، أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على بلدة «برنو» القريبة من مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، وعززت انتشارها في المنطقة التي كان الجيش قد استعاد سيطرته عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وقالت «الدعم السريع»، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن قواتها بعد معارك شرسة، حققت الجمعة، انتصارات ميدانية مهمة، في بلدة «برنو» التابعة لمحلية الريف الشمالي الشرقي بولاية جنوب كردفان. وأوضحت أن الجيش هاجم مواقعها القريبة من بلدة «برنو» بالمدفعية الثقيلة والمدرعات، فتصدت له قواتها المرابطة قريباً من البلدة، وألحقت به هزيمة كبيرة، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ثم تقدمت وبسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة ودخلت وسط «برنو»، وارتكزت في محيطها، معززة انتشارها وتأمين مواقعها الحيوية.

وتقع منطقة «برنو» بولاية جنوب كردفان السودانية، وهي منطقة زراعية مهمة تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 30 كيلومتراً، وكان الجيش قد سيطر على البلدة بعد اشتباكات عنيفة مع «قوات الدعم السريع» وحليفته الحركة الشعبية - الشمال، 17 نوفمبر الماضي.

حصار مدن كردفان

وتحاصر «قوات الدعم السريع» وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان تيار عبد العزيز الحلو، معظم مدن ولاية جنوب كردفان المهمة، بما فيها العاصمة «كادوقلي» والمدينة الثانية في الولاية «الدلنج»، فيما تسيطر الحركة الشعبية على منطقة «كاودا» جنوب شرقي العاصمة كادوقلي، وتبعد عنها بنحو 96 كيلومتراً في جهة الجنوب الشرقي.

ومنذ استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفرقة 22 بابنوسة (ولاية غرب كردفان)، كثفت «قوات الدعم السريع» حصارها على ولاية جنوب كردفان، ودأبت على قصف مدنها الرئيسية المحاصرة، بالمدفعية الثقيلة والمسيّرات، خاصة مدينتي كادوقلي والدلنج، ويرد الجيش هو الآخر بقصف مدفعي وقصف المسيّرات على تمركزات «قوات الدعم السريع».

وخلال هذا الأسبوع، واصلت «قوات الدعم السريع» شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على عدة مدن وبلدات في ولايتي شمال وجنوب كردفان، خاصة مدن كادوقلي والدلنج والأبيض، لقي خلالها العشرات مصرعهم، من بينهم 6 من جنود قوات الأمم المتحدة في بعثة حفظ السلام «يونيسفا». وقصفت مسيّرات «الدعم السريع»، الخميس، مدينة «عطبرة» بشمال السودان، بأعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية، أودت بحياة خمسة أشخاص على الأقل، واستهدفت محطة الكهرباء بالمدينة، ما أدى لانقطاع التيار من عدد من ولايات البلاد.

ذكرى 19 ديسمبر

وفي وقت تضيق فيه الحرب المجال العام، أحيا ناشطون سودانيون ذكرى انطلاق ثورة ديسمبر، بدعوات لمواكب ووقفات احتجاجية، و«تظاهرات إسفيرية» على منصات التواصل، جددوا خلالها دعوتهم لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وعلى الأرض، تداول ناشطون وتنسيقيات مرتبطة بـ«لجان المقاومة» منشورات تعبئة وتوثيق رمزي للذكرى.

بوستر نشر على موقع «فيسبوك» احتفالاً بذكرى ثورة 19 ديسمبر

وفي مدينة أم درمان، فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات الشباب الذين تجمعوا في بعض ميادين المدينة، وهتفوا بشعارات ديسمبر «حرية وسلام وعدالة»، و«العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن العشرات من لجان المقاومة تجمعوا في «ميدان الخليفة» بوسط أم درمان، وهتفوا بشعار الثورة «سلمية... سلمية... حرية وسلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وإن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، فيما طاردت الشرطة مجموعات أخرى بساحة «الأزهري» قرب جسر شمبات.

تظاهرات في بورتسودان

وفي بورتسودان خرج العشرات من المحتجين ورفعوا لافتات طالبوا فيها بوقف الحرب، فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين في ولاية القضارف طالبوا بوقف الحرب. وبالتوازي مع ذلك، حضرت الذكرى على الإنترنت، وروجت مجموعات وصفحات متعددة لـ«تظاهرة إسفيرية»، وسط دعوات للنشر بالوسوم والشعارات، تؤكد أن الحرب استهدفت مكتسبات الثورة، واعتبرت إحياء ذكراها، تجديداً للتمسك بخيار الدولة المدنية وعودة العسكر للثكنات.

واعتبرت الاحتجاجات تحدياً لحملات القمع والتخوين التي يشنها أنصار النظام السابق والإسلاميون، وقال نشطاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الوقفات الاحتجاجية المحدودة التي خرجت في بعض أنحاء البلاد، تعتبر تحدياً مباشراً لمناخ القمع والترهيب الذي يستهدف الرافضين للحرب والأصوات المدنية، وحملات التخوين والتنمر، والاتهامات بالتعاون مع «قوات الدعم السريع».

ويوافق يوم 19 ديسمبر تاريخ انطلاق موجة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في 19 ديسمبر 2018 بمدينة عطبرة باحتجاجات طلابية على الغلاء وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لثورة شاملة في أنحاء البلاد كافة، انتهت بسقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وأصبحت بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ذكرى سنوية تستحضر مطالب السودانيين: «حرية، وسلام، وعدالة، الثورة خيار الشعب».


القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)

أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى لبنان هدفها اقتصادي؛ لكنها تحمل في جعبتها هدفاً استراتيجياً وسياسياً يتعلق بدعم لبنان ورسالة بأن مصر شريك وحليف استراتيجي له، كما تؤكد وقوف القاهرة معه لحين حل كل أزماته، فضلاً عن أن الرؤية المصرية تنطلق من أن تعاون الجميع في حل الأزمات الاقتصادية، بالقطع سينعكس على القضايا الأخرى، ويخلق أجواء إيجابية تسمح بتقريب وجهات النظر حولها».

وشدد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، على أن «هناك تكليفات رئاسية واضحة للأجهزة المصرية والحكومة بتقديم كل سبل الدعم للأشقاء في لبنان، وتقديم الاستشارات اللازمة في كل الملفات، وهذا ينطلق من جهود القاهرة خلال الفترة الماضية، للعمل على حلحلة كل القضايا الساخنة في محيطها العربي وبمنطقة الشرق الأوسط، الذي يخلق ذرائع تدفع إلى تدخلات واعتداءات من جانب إسرائيل على وجه الخصوص، وبدعم من أميركا».

ونوه بأن «مصر في الملف اللبناني تحديداً تتمتع بقبول جميع الأطراف، وهو ما يعطيها ميزة للتحرك بقوة من أجل تحقيق الحلول التي تمنع تفجر الأوضاع، وهناك مؤشرات إيجابية ظهرت في كل المناقشات المصرية - اللبنانية على إمكانية تحقيق تقدم كبير في سياق الحل خلال الفترة المقبلة».

المصدر المصري شدد كذلك على أن القاهرة حريصة على أن «يكون الحل في لبنان نابعاً من توافق اللبنانيين أنفسهم، وبدعم مصري وعربي دون ضغوط أو تدخلات أطراف أخرى لها أغراض معروفة بالمنطقة».

وخلال اجتماعات عديدة عقدتها القاهرة على مستويات مختلفة مع مسؤولين لبنانيين منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طرحت القاهرة ما يُعرف بـ«المبادرة المصرية» لحل الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية، وتهدف إلى تسوية شاملة للأزمة وتثبيت وقف إطلاق النار، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من 5 نقاط في جنوب لبنان، وفق بيانات رسمية سابقة.

وقال مدبولي في تصريحات إعلامية عقب لقائه رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، في بيروت، الجمعة، إن «الرئيس عبد الفتاح السيسي كلفه بالتوجه إلى لبنان، حاملاً رسالة تؤكد دعم مصر الكامل لشقيقتها دولة لبنان في مختلف المجالات الممكنة، في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها». وأوضح أنه «حرص خلال اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين على نقل موقف الرئيس السيسي الداعم سياسياً ولوجيستياً واقتصادياً، والتأكيد على استعداد مصر لتلبية كل ما يطلبه الأشقاء اللبنانيون خلال هذه المرحلة».

مدبولي أكد أن هناك توجيهاً من الرئيس المصري بدعم لبنان سياسياً واقتصادياً (مجلس الوزراء المصري)

وأشار مدبولي إلى أنه في ضوء توقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان، جرى استعراض خطط واضحة لإعادة إعمار جنوب لبنان، مؤكداً «استعداد مصر للمشاركة عبر شركاتها الوطنية لتقديم الدعم والخبرات الفنية واللوجيستية؛ سواء بشكل منفرد أو بالشراكة مع الشركات اللبنانية، وأن مصر تقف بجانب لبنان بشكل كامل، وتحرص على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه، وتدعم مؤسسات الدولة اللبنانية لبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، ووقف أي ممارسات عدوانية تهدد أمن واستقرار البلاد».

وزير خارجية لبنان سابقاً، عدنان منصور قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر لما لها من ثقلها العربي والعالمي وتقدير الجميع لها سواء في لبنان أو خارجه، فإن جهودها حالياً للعمل على حلحلة الأزمة اللبنانية المتعلقة بسلاح (حزب الله) والذرائع التي تستغلها إسرائيل للعدوان على لبنان، هي جهود مقدرة من الجميع، وتوشك على تحقيق تقدم كبير في هذا الأمر وفق ما يرشح من معلومات في الداخل اللبناني».

فيما يرى الخبير في الشؤون اللبنانية، فتحي محمود، أن «الدور المصري في لبنان يكتسب أهميته من أنه يحظى بقبول كل الأطراف اللبنانية، ويحظى أيضاً بقبول الأطراف الإقليمية والدولية، وبدأت مصر تكثيف دورها في لبنان بزيارة رئيس المخابرات العامة، حسن رشاد، إلى بيروت يوم 28 أكتوبر الماضي، عقب زيارة قام بها إلى إسرائيل، والتقى خلالها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو».

وخلال زيارته إلى بيروت، طرح رشاد مجموعة من المقترحات والأفكار التي يمكن أن تشكل مبادرة إذا وافقت عليها كل الأطراف؛ منها «التفاهم على هدنة تمتد لأكثر من 3 أشهر، وإيجاد صيغة سياسية - أمنية برعاية دولية لمشكلة سلاح (حزب الله) شمال الليطاني، وإجراء ترسيم للحدود عبر لجنة (الميكانيزم) التي تراقب وقف إطلاق النار»، وقد استجاب لبنان لأحد المقترحات المصرية بتعيين شخصية دبلوماسية ممثلاً له في اللجنة؛ وهو السفير سيمون كرم، وفقاً لمحمود.

وأوضح محمود، وهو عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة التي واجهت هذا الدور، هي التعنت الإسرائيلي واستمرار الاعتداءات، وربط الوضع اللبناني بالملف الإيراني، وهو أمر يؤدى لإطالة أمد النزاع، ومن ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء المصري إلى بيروت في إطار دعم التعاون الثنائي اقتصادياً لمحاولة إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، والتأكيد للجميع أن مصر لها مصالح مشتركة مع لبنان، مما يدفع جهود حل الأزمة قدماً».

مدبولي خلال لقاء مع رجال الاقتصاد والاستثمار في بيروت (مجلس الوزراء المصري)

أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، ليلى نقولا، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر حالياً لما لها من علاقات طيبة تتمتع بثقة جميع اللبنانيين، وكذلك بالأطراف المتشابكة مع لبنان، فهي بما حققته من زخم بنجاحها في تحقيق اتفاق السلام بغزة، تعمل حالياً على قيادة وتزعّم جهد عربي لحل الأزمة في لبنان، لأنها ترى أن أمن لبنان مرتبط بالوضع في فلسطين وغزة الذي يؤثر بالقطع على الأمن المصري».

وأشارت إلى أن «مصر قدمت أفكاراً تتعلق بنزع السلاح على مراحل، وفيما بعد يتم نزع كامل للسلاح في جنوب الليطاني، ويكون حصراً في يد الدولة والمراقبين الدوليين، بينما في شمال الليطاني يكون هناك جهود لتجميد أو ضبط السلاح، وبذلك حفظ ماء وجه (حزب الله) بأن السلاح لم ينزع منه بالقوة، بمعنى أن يكون نزع السلاح برضا الجميع، ومقابل ذلك تنسحب إسرائيل ويستعاد الأسرى، وأن تشارك الدول الخليجية والمانحة في إعادة إعمار المناطق المتضررة، بالإضافة إلى ترسيم الحدود بشكل كامل بين إسرائيل ولبنان لينتفي الاحتلال الذي يتم التذرع به للاحتفاظ بالسلاح».

وشددت نقولا على أنه «لا يمكن القول كما يتردد، إن مصر تنقل رسائل من أميركا وإسرائيل، فأميركا على وجه الخصوص ليست في حاجة لنقل رسائل عبر وسطاء، فهي لها مبعوثوها وممثلوها التي تنقل عبرهم مباشرة ما تريد، ولكن الجانب المصري له علاقات قوية بكل الأطراف ووزن كبير أيضاً، وبالتالي يستخدم ذلك في محاولة التوصل إلى صيغة تقرب وجهات النظر وتنتهي بالحل، كما تم التوصل إلى الاتفاق بالطريقة نفسها في غزة».