وضع قائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، شروطاً لأي مفاوضات سلام قادمة، خصوصاً فيما يتعلق بخريطة الطريق التي اقترحتها «الآلية الرباعية» التي من المقرر أن تعقد اجتماعاً مهماً حول السودان في العاصمة الأميركية واشنطن نهاية الشهر الجاري. وتضم «الآلية الرباعية» كلاً من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وهي تسعى لوقف الحرب التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع».
وقال البرهان في كلمة بمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل الشمالية، إن الجيش «لن يتراجع عن العهد الذي قطعه مع الشعب. فالرباعية أو غيرها، أو كل من أراد أن يتفاوض معنا بما يصلح حال السودان وينهي هذه الحرب، بصورة تعيد للبلاد كرامتها ووحدتها، وتُبعد عنها كل احتمال للتمزق؛ فنحن نمضي معه».
وأكد البرهان رفضه لأي تفاوض غير مشروط، قائلاً: «لا تفاوض مع أي جهة، ولا أحد يفرض علينا سلاماً أو حكومة أو أشخاصاً الشعب رفضهم». واشترط البرهان لمن يأتي للسلام ينبغي أن يخضع لما سماه «إرادة الشعب»، قائلاً: «نرحب به، لكن لا وصاية على السودان». وأعلن قائد الجيش السوداني استعداده لأي تفاوض يضمن «إنهاء التمرد» وعدم فرض شخصيات مرفوضة شعبياً عليه.
«نبرة أكثر حدة»

وجاءت تصريحات البرهان بعد أيام من زيارته المفاجئة إلى القاهرة الأسبوع الماضي، ولقائه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي أكد خلالها أهمية الدورين المصري والإقليمي في دعم جهود السلام في السودان، وأبدى البرهان انفتاحاً على مبادرة «الآلية الرباعية» واعتبرها «مظلة» لوقف الحرب واستئناف العملية السياسية.
لكن خطاب البرهان في مدينة عطبرة، أتى بنبرة مختلفة وأكثر حدة وتشدداً تجاه مبادرة «الرباعية»، قائلاً: «إذا كانت رباعية أو غيرها، لا يستطيع أحد أن يفرض علينا السلام. فالدماء التي قدمها الشعب السوداني ما كانت رخيصة، ولن نسمح لأحد أن يبدد آماله أو يرمي تضحياته خلف ظهره».
ورهن البرهان بشكل واضح قبوله بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع «قوات الدعم السريع»، بتحقيق أهداف الجيش المتمثلة في إنهاء «التمرد بشكل كامل»، رافضاً أي تسوية لا تحقق هذه الشروط أو تفرض ما يعتبره «إملاءات خارجية على السودان».
وجاءت التصريحات الأخيرة للبرهان، في ظل أجواء نشطت فيها مؤخراً «الآلية الرباعية»، وطرحت خريطة طريق تبدأ بهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تمهيداً لعملية سياسية شاملة تستغرق تسعة أشهر، وتفضي إلى مرحلة انتقالية تقودها حكومة مدنية ذات قبول شعبي واسع.
وكان البرهان قد كشف في العاصمة القطرية الدوحة، على هامش مشاركته في «القمة العربية الإسلامية الطارئة» الشهر الماضي، أنه قدم مبادرة للأمين العام للأمم المتحدة، أبدى فيها استعداده للدخول في عملية سياسية، تنسحب بموجبها «قوات الدعم السريع» من المدن وتتجمع في مواقع يتم الاتفاق عليها في إقليم دارفور، قبل بدء أي مفاوضات.
وأثار التضارب بين تصريحات البرهان في القاهرة وعطبرة، الكثير من التساؤلات بين المراقبين بشأن موقفه الرسمي من مبادرة «الآلية الرباعية» التي ينتظر أن تعقد اجتماعها خلال الشهر الجاري في العاصمة الأميركية واشنطن.
ولا يُعرف بعد ما إذا كانت حكومته ستشارك في الاجتماع المرتقب، وإن فعلت ما إذا كانت مستعدة للقبول بما قد يخرج به ذلك الاجتماع، أم أن البرهان سيتمسك باللهجة التصعيدية الأخيرة التي تحدث بها أثناء أدائه مراسم العزاء في أحد ضباط جيشه قتل في معارك مدينة الفاشر، أكبر مدن إقليم دارفور.
قبيلة «المجانين»

على صعيد آخر، وفي تلميح للاتهامات التي وُجهت للجيش بالضلوع في مقتل عدد من قادة قبيلة «المجانين»، يوم الجمعة، بمدينة المزورب في شمال إقليم كردفان، قال البرهان إن «الجيش لا يستهدف قبائل ولا مناطق ولا شعوباً، بل يقاتل الأعداء فقط». وتابع: «أينما وجد العدو، فالقوات المسلحة ستصل إليه، ومعها القوات المساندة والشعب السوداني، سيصلون إلى مكان العدو».
وقصفت مسيرة قتالية، يوم الجمعة، اجتماعاً ضم قيادات أهلية لقبيلة «المجانين» التي تقف على الحياد بين الطرفين المتقاتلين، وكان من بين الضحايا ناظر القبيلة سليمان جابر سهل، وعدد من كبار الشخصيات في القبيلة.
واتهم الجيش «قوات الدعم السريع» بارتكاب «هذه الجريمة»، بينما قالت «الدعم السريع» إن تلك المنطقة تقع تحت سيطرة الجيش، واتهمته صراحة بارتكاب «المجزرة»، بينما اتهمت قوى سياسية وأهلية أخرى، بما فيها تحالف «صمود»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء المدني السابق عبد الله حمدوك، الجيش بارتكاب «الجريمة البشعة».




