شبح العراق وأفغانستان يطارد القوات الأميركية... إلى غزة

مخاوف داخلية من انزلاقها إلى عمليات قتالية في القطاع

جندي إسرائيلي بقطاع غزة في 3 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي بقطاع غزة في 3 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

شبح العراق وأفغانستان يطارد القوات الأميركية... إلى غزة

جندي إسرائيلي بقطاع غزة في 3 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي بقطاع غزة في 3 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

ترافق اتفاق شرم الشيخ مع تساؤلات كبيرة حول الدور الأميركي في غزة، من دون أجوبة واضحة حول ما تحمله المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الإعلان عن مشاركة مائتي عنصر عسكري في الإشراف على الاتفاق، ورئاسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لـ«مجلس السلام» الذي سيدير قطاع غزة، وفقاً للخطة.

يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، دور القوات الأميركية التي ستشرف على وقف إطلاق النار، والمخاوف الداخلية من انزلاقها إلى عمليات قتالية، بالإضافة إلى الدور الذي سيلعبه الرئيس ترمب في «مجلس السلام».

لا قوات أميركية على الأرض؟

قائد القيادة الوسطى الأميركية براد كوبر مع رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي في 11 أكتوبر 2025 (رويترز)

سعى نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، إلى طمأنة الأميركيين حيال دور مائتي عنصر من القيادة المركزية الأميركية في الإشراف على اتفاق السلام، خاصة في ظل مخاوف من تكرار سيناريوهات العراق وأفغانستان.

وأكد فانس أن هذه القوات لن توجد على الأرض لا في غزة ولا في إسرائيل، لكن كبير المستشارين العسكريين السابق في وزارة الخارجية الأميركية، الكولونيل المتقاعد عباس داهوك، يرجح أن تكون هذه القوات في تل أبيب لتوفير الخدمات اللوجستية والهندسية والاستخباراتية، ويشير إلى أن هذه القوات ستخدم تحت لجنة تسمى اللجنة المدنية العسكرية، يرأسها جنرال أميركي بثلاث نجوم تم تعيينه، ولكن لم يتم الإعلان عن اسمه بعد، مضيفاً: «تحت هذه اللجنة، ستكون هناك قوة استقرار دولية لا يزال حجمها ونطاقها وسلطتها والبلدان المشاركة فيها غير معروفة، وستكون هذه القوة الدولية داخل غزة على خلاف القوات الأميركية التي ستكون بمثابة حلقة الوصل بين جميع القوات».

أدولفو فرانكو، مستشار السيناتور الجمهوري السابق جون ماكين والخبير الاستراتيجي الجمهوري، يرى أن دور القوات الأميركية سيكون رمزياً، مذكّراً بوعود ترمب بعدم الانخراط في حروب خارجية، وعدم تغيير الأنظمة ضمن سياسة «أميركا أولاً» التي تعد انعزالية. لكن فرانكو يشير إلى أن ترمب أراد من خلال وجود القوات الأميركية إثبات أن أميركا ملتزمة بحل الأزمة، وأنه شخصياً ملتزم بأن يكون الضامن للسلام.

ترمب ونتنياهو بالبيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

لكن تصريحات ترمب الأخيرة، التي قال فيها إنه إن لم تنزع «حماس» أسلحتها فسوف «نقوم بالمهمة»، أثارت مخاوف بشأن دور القوات الأميركية في ذلك، واحتمال انزلاقها إلى مواجهة ميدانية، إلا أن فرانكو يعتبر أن ترمب قصد بذلك أنه سيعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لاستئناف عملياتها، وأنه لم يقل إن الأميركيين سيتخذون إجراءات بأنفسهم... «لأن الانخراط في حروب خارجية يتعارض مع مبادئ (حركة ماغا) وفلسفة ترمب»، معقباً بالقول: «نحن فقدنا 300 جندي من مشاة البحرية في لبنان، في عهد الرئيس (رونالد) ريغان، والشعب الأميركي بالإضافة إلى أنصار ترمب والجمهوريين مترددون جداً في أي تدخل خارجي».

وبينما يوافق الرقيب الأول المتقاعد في سلاح الجو الأميركي والمستشار السابق في وزارة الدفاع، ويس براينت، على أن مهمة القوات الأميركية هي رمزية حالياً، تقضي بالتنسيق المدني العسكري لضمان الاستقرار والأمن وإعادة الإعمار، فإنه يحذر من احتمال نشوب صراع أوسع تنزلق فيه القوات الأميركية في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ويعطي مثالاً على ذلك بالحملة الأميركية ضد «داعش»، والتي أذن بها الرئيس الأسبق باراك أوباما، ويقول: «كان عددهم 300، هكذا بدأنا حملة الضربات ضد (داعش)؛ لذا يمكن أن يتطور موضوع غزة إلى شيء أكبر رغم أنه حالياً لا أرى أي مؤشرات على ذلك، لكن عندما ننظر إلى ما تفعله إدارة ترمب على الصعيد الدولي، وكيف أنها توسع استخدام القوة العسكرية الفتاكة، على عكس ما تم الإعلان عنه من سياسات (أميركا أولاً)؛ فهناك احتمال كبير أن يتحول ذلك إلى صراع مسلح».

ترمب «رئيس مجلس السلام»

ترمب لدى التوقيع على اتفاق غزة بشرم الشيخ في 13 أكتوبر 2025 (د.ب.أ)

تتضمن خطة غزة مجلساً للسلام يترأسه ترمب. وعن هذا الدور يقول داهوك إنه سيشرف كذلك على عمل العناصر الأميركية، مضيفاً: «من الواضح أنه ملتزم جداً بهذه الخطة، وأنه سيفعل كل ما في وسعه كرئيس للولايات المتحدة التي تمتلك أقوى جيش في العالم لضمان تحقيق ذلك».

وشدد داهوك على أهمية الضغط على «حماس» لنزع أسلحتها، مشيراً إلى أن وجود ترمب في رئاسة المجلس ومشاركته الشخصية، سوف يشكل ذلك ضغطاً كبيراً على «حماس» لتسليم أسلحتها. ويضيف مشككاً: «نزع السلاح مهمة صعبة؛ فنحن ما زلنا نحاول نزع سلاح (حزب الله) في لبنان. ما زلنا نحاول نزع سلاح (الحشد الشعبي) في العراق. ما زلنا نحاول نزع سلاح الحوثيين. هذه ليست مهمة سهلة. علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت (حماس) ستنزع سلاحها بالفعل».

ويعتبر فرانكو أن وجود ترمب في هذه العملية، على هذا المستوى من المرجعية، هو مؤشر لـ«حماس» إلى أنه «سيكون من الصعب عليها الاحتفاظ بالأسلحة أو إعادة التجمع بوسائل أخرى». ويضيف: «في الوقت نفسه، أعتقد أن (حماس) يجب أن تنظر إلى وجود ترمب على أنه ضابط لأي انتهاكات إسرائيلية محتملة للاتفاق؛ لذا أعتقد أن مشاركة الرئيس ترمب هي مصدر ارتياح لكلا الجانبين». ويذكر فرانكو أن ترمب ينظر إلى اتفاق غزة على أنه «إرثه»؛ ولهذا السبب سيكون منخرطاً وملتزماً جداً، مضيفاً: «إذا فشل الاتفاق، فإن كل التقدير والمديح الذي يحظى به سينعكس؛ لذا فهو ملتزم بإنجاحه». لكن براينت يتخوف من انهيار الخطة المؤلفة من 20 نقطة، رغم الالتزام الأميركي، مشككاً بالجانب الإسرائيلي الذي «انتهك القانون الدولي مراراً وتكراراً، وتسبب في كارثة إنسانية في غزة»، ويتحدث على وجه التحديد عن موضوع إقامة دولة فلسطينية رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشكل تام، مضيفاً: «هذه نقطة تقلقني كثيراً، وأعتقد أن الكثير من الناس قلقون بشأنها. نتنياهو أوضح بشكل لا لبس فيه أن الفلسطينيين لن يحصلوا أبداً على دولة، كما قام بتشويه صورة الشعب الفلسطيني بأسره، ولم يقتصر الأمر على (حماس) فقط، عندما قال: إن إعطاء فلسطين دولة هو مثل إعطاء (القاعدة) دولة بجوار مدينة نيويورك... وعندما نشهد عقلية مماثلة لا أرى كيف يمكن أن تكون الخطة فعالة على المدى الطويل».


مقالات ذات صلة

وزارة العدل الأميركية: قد نحتاج «بضعة أسابيع أخرى» لإنهاء الإفراج عن ملفات إبستين

الولايات المتحدة​ الملياردير جيفري إبستين (أ.ب)

وزارة العدل الأميركية: قد نحتاج «بضعة أسابيع أخرى» لإنهاء الإفراج عن ملفات إبستين

قالت وزارة العدل الأميركية، اليوم (الأربعاء)، إنها قد تحتاج إلى «بضعة أسابيع أخرى» لإنهاء الإفراج عن ملفات الملياردير جيفري إبستين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا سعى مئات آلاف الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة إلى مغادرة البلاد (إ.ب.أ)

خوف وقلق بين أفغان الولايات المتحدة بعد هجوم واشنطن وتشديد سياسات الهجرة

بعدما عملوا لسنوات إلى جانب القوات الأميركية في أفغانستان، وجد آلاف الأفغان الذين أعادت الولايات المتحدة توطينهم في أراضيها، أنفسهم فجأة موضع شك.

«الشرق الأوسط» (آناهايم (الولايات المتحدة))
الولايات المتحدة​ خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

قال مسؤول أميركي ومصدر مطلع لـ«رويترز» إن خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا يطاردها ​منذ يوم الأحد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم المفوض الأوروبي السابق تييري بروتون (أ.ف.ب)

تنديد أوروبي بفرض واشنطن حظر تأشيرات على شخصيات أوروبية

أدانت المفوضية الأوروبية ومسؤولون في الاتحاد الأربعاء بشدة العقوبات الأميركية المفروضة على خمس شخصيات أوروبية ذات صلة بتنظيم قطاع التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
الولايات المتحدة​ ناقلة النفط «إيفانا» راسية عند ميناء في فنزويلا يوم 21 ديسمبر (أ.ب)

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

نقلت القوات الأميركية المزيد من طائرات النقل والشحن إلى منطقة الكاريبي، مضيقة الخناق عسكرياً ونفطياً على حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو.

علي بردى (واشنطن)

وزارة العدل الأميركية: قد نحتاج «بضعة أسابيع أخرى» لإنهاء الإفراج عن ملفات إبستين

الملياردير جيفري إبستين (أ.ب)
الملياردير جيفري إبستين (أ.ب)
TT

وزارة العدل الأميركية: قد نحتاج «بضعة أسابيع أخرى» لإنهاء الإفراج عن ملفات إبستين

الملياردير جيفري إبستين (أ.ب)
الملياردير جيفري إبستين (أ.ب)

قالت وزارة العدل الأميركية، اليوم (الأربعاء)، إنها قد تحتاج إلى «بضعة أسابيع أخرى» لإنهاء الإفراج عن ملفات الملياردير جيفري إبستين، رغم الموعد النهائي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الذي حدّده الكونغرس.

ووفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، قالت الوزارة إن مكتب المدعي العام الأميركي للمنطقة الجنوبية من نيويورك، وكذلك مكتب التحقيقات الاتحادي، وجدوا أكثر من مليون وثيقة إضافية قد تكون ذات صلة بقضية إبستين.

ولم تذكر وزارة العدل، في بيانها، متى تم إبلاغهم بتلك الملفات الجديدة.

وأصرّت وزارة العدل، في بيانها، على أن محاميها «يعملون على مدار الساعة» لمراجعة تلك الوثائق، وإجراء التنقيحات المطلوبة بموجب القانون، الذي أقرّه الكونغرس بالإجماع تقريباً الشهر الماضي.

وقالت الوزارة: «سننشر الوثائق في أقرب وقت ممكن. ونظراً لحجم المواد الهائل، قد تستغرق هذه العملية بضعة أسابيع إضافية».


خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
TT

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)

قال مسؤول أميركي ومصدر مطلع لـ«رويترز» إن خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا يطاردها ​منذ يوم الأحد بغية احتجازها.

ورفضت السفينة، التي حددتها مجموعات بحرية باسم «بيلا 1»، أن يصعد عليها خفر السواحل. وهذا يعني أن المهمة ستقع على الأرجح على عاتق أحد فريقين فقط من المتخصصين، ويُعرفون باسم «فرق الاستجابة الأمنية البحرية»، التي يمكنها الصعود على متن السفن في ظل هذه الظروف، عبر وسائل منها الهبوط بالحبال من الطائرات ‌الهليكوبتر.

وتسلط هذه ‌المطاردة المستمرة منذ أيام الضوء ‌على ⁠عدم ​التطابق بين رغبة ‌إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الاستيلاء على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات قرب فنزويلا والموارد المحدودة للوكالة التي تنفذ هذه العمليات بالأساس، وهي خفر السواحل.

وعلى عكس البحرية الأميركية، يمكن لخفر السواحل تنفيذ إجراءات إنفاذ قانون، ومنها الصعود على متن السفن الخاضعة للعقوبات الأميركية واحتجازها.

وكان ترمب أمر هذا الشهر بفرض «حصار» ⁠على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا وتخرج منها، وذلك ‌في أحدث خطوة تتخذها واشنطن لزيادة الضغط ‍على الرئيس الفنزويلي نيكولاس ‍مادورو.

واحتجز خفر السواحل في الأسابيع القليلة الماضية ناقلتي ‍نفط قرب فنزويلا.

وبعد عملية الاستيلاء الأولى في 10 ديسمبر (كانون الأول)، نشرت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي مقطعاً مصوراً مدته 45 ثانية تظهر فيه طائرتان هليكوبتر تقتربان من سفينة وأفراد مسلحون يرتدون ملابس ​مموهة يهبطون بحبال عليها.

وأظهر منشور لوزارة الأمن الداخلي، التي تشرف على خفر السواحل، يوم السبت على ⁠وسائل التواصل الاجتماعي ما بدا أنهم ضباط خفر سواحل على متن حاملة الطائرات «جيرالد فورد» وهم يستعدون للمغادرة والاستيلاء على ناقلة النفط «سنشريز»، وهي ثاني السفن التي اعتلتها الولايات المتحدة.

وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن مسؤولي خفر السواحل على متن «جيرالد فورد» ضمن فريق الاستجابة الأمنية البحرية وإنهم بعيدون جداً عن «بيلا 1» لاعتلائها.

ولم ترد وزارة الأمن الداخلي بعد على طلب للتعليق، ولم يتسن لـ«رويترز» تحديد الأسباب التي أدت إلى عدم احتجاز خفر السواحل السفينة ‌حتى الآن، إن وجدت من الأساس.

وقد تختار الإدارة الأميركية في النهاية عدم اعتلاء السفينة واحتجازها.


أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
TT

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)

أضافت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المزيد من طائرات النقل والشحن إلى حشودها الضخمة في منطقة الكاريبي، مُضيّقة الخناق عسكرياً على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي تواجه حكومته شحاً في الموارد بسبب الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد ناقلات النفط الخام، في خطوات اعتبرتها روسيا والصين متعارضة مع القوانين الدولية.

ووفقاً لبيانات تتبّع الرحلات الجوية، نفّذت طائرات شحن ثقيلة من طراز «سي 17» التي تُستخدم لنقل القوات والمعدات العسكرية، ما لا يقل عن 16 رحلة جوية إلى بورتوريكو خلال الأسبوع الماضي من قواعد عسكرية أميركية في ولايات نيو مكسيكو وإيلينوي وفيرمونت وفلوريدا وأريزونا ويوتاه وواشنطن، بالإضافة إلى اليابان، علماً أن العدد الفعلي للرحلات يمكن أن يكون أعلى من ذلك، لأن بعض الرحلات العسكرية لا يظهر على مواقع تتبع الرحلات. ولم يتضح عدد القوات أو المعدات الأخرى التي نُقلت على هذه الرحلات. وامتنع مسؤولو وزارة الحرب (البنتاغون) عن التعليق.

ناقلة النفط «إيفانا» راسية عند ميناء في فنزويلا يوم 21 ديسمبر (أ.ب)

وأعلنت القيادة الوسطى الأميركية أن نحو 15 ألف جندي منتشرين بالفعل في منطقة الكاريبي، في واحدة من أكبر عمليات الانتشار البحري للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. ووصف الرئيس ترمب هذا الانتشار بأنه «أسطول ضخم»، معلناً أنه يخطط لعملية برية في فنزويلا «قريباً». ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الولايات المتحدة نقلت أخيراً طائرات عمليات خاصة إلى المنطقة.

وكان الرئيس ترمب وقّع سراً، في أغسطس (آب) الماضي، توجيهاً إلى «البنتاغون» لبدء استخدام القوة العسكرية ضد بعض عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية التي صنّفتها إدارته منظمات إرهابية. ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 105 أشخاص في سلسلة من نحو 25 غارة.

اضطراب قطاع النفط

وأدّت الحملة الأميركية الشرسة ضد ناقلات النفط الخام الفنزويلية إلى اضطراب شديد في قطاع النفط في البلاد، ما أدّى إلى ازدحام مواني فنزويلا بناقلات النفط، حيث يخشى المسؤولون من إرسالها في المياه الدولية خشية تعرضها للمصادرة من الولايات المتحدة على غرار ناقلتين احتجزتا خلال الأيام القليلة الماضية بسبب انتهاكات للعقوبات الأميركية. وتُظهر بيانات الشحن أن ناقلات متجهة إلى فنزويلا عادت أدراجها في منتصف الطريق. كما أفاد أصحاب السفن بإلغاء عقود تحميل النفط الخام.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال أحد النشاطات في كركاس (رويترز)

وأدّت هذه الإجراءات إلى شلّ قطاع تصدير النفط الفنزويلي، وفقاً لمصادر محلية وبيانات الشحن. وبسبب هذا الوضع، أقرّ البرلمان الفنزويلي قانوناً يُجرّم طيفاً واسعاً من النشاطات التي تُعيق الملاحة والتجارة في البلاد، مثل احتجاز ناقلات النفط. وأفادت مصادر أن مادورو يدرس أيضاً رداً أكثر حزماً. وبدأت زوارق حربية فنزويلية بمرافقة السفن التي تحمل النفط الفنزويلي ومشتقاته، لكن يبدو أن هذه المرافقة تتوقف عند حدود المياه الإقليمية للبلاد. وتدرس الحكومة الفنزويلية اتخاذ إجراءات إضافية، كوضع جنود مسلحين على متن ناقلات النفط المتجهة إلى الصين، المستورد الرئيسي للنفط الفنزويلي. ومن شأن هذه الخطوة أن تُعقّد جهود خفر السواحل الأميركي في اعتراضها، ويمكن أن تُورّط مادورو في نزاع عسكري ضد أسطول من سفن البحرية الأميركية الحربية التي حشدها الرئيس ترمب في المنطقة.

مجلس الأمن

وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن، عُقد الثلاثاء، أكّد المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة مايك والتز أن ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات «تُعدّ شريان الحياة الاقتصادي الرئيسي لمادورو ونظامه غير الشرعي». وقال إن «قدرة مادورو على بيع النفط الفنزويلي تُمكّنه من ادعائه الزائف بالسلطة وأنشطته الإرهابية المرتبطة بتجارة المخدرات»، مضيفاً: «ستفرض الولايات المتحدة عقوبات وتُنفّذها إلى أقصى حد لحرمان مادورو من الموارد التي يستخدمها لتمويل كارتل لوس سوليس»، أي «كارتيل الشمس»، الذي صنفته إدارة ترمب منظمة إرهابية أجنبية الشهر الماضي.

جانب من اجتماع مجلس الأمن حول فنزويلا في نيويورك يوم 23 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووجّهت السلطات الأميركية تُهماً إلى مادورو عام 2020 تتعلق بالإرهاب المرتبط بالمخدرات في الولايات المتحدة، واتُهم بقيادة «كارتيل لوس سوليس»، وهو صفة يستخدمها الفنزويليون منذ التسعينات من القرن الماضي للإشارة إلى ضباط كبار جمعوا ثروات طائلة من تهريب المخدرات.

ومع تفاقم الفساد على مستوى البلاد، اتّسع نطاق استخدام المصطلح ليشمل مسؤولي الشرطة والحكومة، فضلاً عن نشاطات مثل التعدين غير القانوني وتهريب الوقود.

وفي اجتماع الثلاثاء لمجلس الأمن، اتهم المندوب الفنزويلي صامويل مونكادا الولايات المتحدة بالتصرف «خارج نطاق القانون الدولي» وقوانينها المحلية، من خلال مطالبتها الفنزويليين بمغادرة البلاد وتسليمها لإدارة ترمب، بما في ذلك جميع حقولها النفطية. وفي إشارةٍ إلى الناقلتين المصادرتين، تساءل: «ما هو الحق الذي تملكه حكومة الولايات المتحدة للاستيلاء، حتى الآن، على ما يقرب من 4 ملايين برميل من النفط الفنزويلي؟». وقال إن «هذا الحصار البحري المزعوم هو في جوهره عمل عسكري يهدف إلى محاصرة فنزويلا، وإضعاف بنيتها الاقتصادية والعسكرية، وتقويض تماسكها الاجتماعي والسياسي، وإثارة فوضى داخلية لتسهيل عدوان قوى خارجية».

وعبّرت دول عديدة عن قلقها من انتهاكات القانون البحري الدولي والتزام ميثاق الأمم المتحدة، الذي يلزم كل الدول الـ193 الأعضاء احترام سيادة وسلامة أراضي الدول الأخرى. وقال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن «الأعمال التي قامت بها الولايات المتحدة تتعارض مع كل المعايير الأساسية للقانون الدولي»، واصفاً الحصار بأنه «عمل عدواني صارخ». وكذلك، قال المندوب الصيني سون لي إن بلاده «تعارض كل أعمال الترهيب، وتدعم كل الدول في الدفاع عن سيادتها وكرامتها الوطنية». وردّ المندوب الأميركي بأن «الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها لحماية منطقتنا، وحدودنا، والشعب الأميركي».