كيف رسم أول لقاء بين بوتين والشرع ملامح العلاقة الروسية السورية الجديدة؟

توافق على إعادة ترتيب العلاقات ومواصلة النقاشات حول الملفات العالقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى ترحيبه بنظيره السوري أحمد الشرع في الكرملين الأربعاء (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى ترحيبه بنظيره السوري أحمد الشرع في الكرملين الأربعاء (د.ب.أ)
TT

كيف رسم أول لقاء بين بوتين والشرع ملامح العلاقة الروسية السورية الجديدة؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى ترحيبه بنظيره السوري أحمد الشرع في الكرملين الأربعاء (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى ترحيبه بنظيره السوري أحمد الشرع في الكرملين الأربعاء (د.ب.أ)

لا شك أن المشهد كان مثيراً للغاية. فمن كان يتخيل قبل عام واحد، أن يرى الرئيس أحمد الشرع جالساً في أفخم قاعات الكرملين، محاطاً بحفاوة بالغة. وفي الطرف المقابل يجلس الرئيس فلاديمير بوتين وحوله أبرز شخصيات دائرة اتخاذ القرار في روسيا؟

وهناك، على بعد كيلومترات قليلة من المكان، يقبع الرئيس المخلوع، الذي كان حليفاً مقرباً للكرملين، حتى وقت قريب. وربما تابع «اللاجئ لأسباب إنسانية»، بحسرة عبر الشاشات، ما دار في الجزء المعلن من اللقاء في «القاعة الخضراء» الأفخم في القصر الرئاسي التي يستقبل فيها عادة أبرز الزعماء.

مشهد لم يكن ليخطر في بال أحد قبل عام. وقد عكس مرة واحدة مستوى البراغماتية وسرعة التكيف التي تعامل بها الكرملين مع الواقع السوري الجديد.

لقاء بوتين والشرع في موسكو (سبوتنيك)

بدا بوتين مرتاحاً وهو يتحدث عن علاقات تمتد إلى ثمانية عقود. وتجنب التوقف عند السنوات العجاف فيها. ماراً بسرعة على فكرة أن روسيا لا تبني علاقاتها بناء على لحظة سياسية أو مرحلة معينة، بل على مصالح الشعوب.

وبدا الشرع مدركاً تماماً أهمية اللحظة التاريخية، وهو يؤيد فكرة نظيره الذي كان يطالب برأسه حياً أو ميتاً حتى عام مضى، واستذكر بهدوء التغييرات التي طرأت على سوريا من دون أن يستخدم مصطلحات قد تبدو حساسة للروس، مثل «تحرير سوريا».

القواعد العسكرية الروسية

خلف المشهد، ترتيب دقيق ومحكم لمجريات الزيارة والنقاشات، كما جرت العادة في بروتوكولات الكرملين. من لحظة دخول الشرع القاعة التي انتظره فيها بوتين، مع مروره بالتحية العسكرية التي أداها موظفو الحرس الرئاسي، إلى لحظة خروج عدسات الكاميرات من القاعة وبدء الاجتماع المغلق.

كان من الطبيعي ألا يتم التطرق في الجزء المفتوح إلى العناصر الأساسية التي يخفيها كل طرف في جعبته. لا حديث عن القواعد العسكرية الروسية التي يشكل استمرار وجودها أولوية أساسية بالنسبة إلى الكرملين. ولا إشارة من الطرف السوري إلى العدالة الانتقالية ومطلب تسليم الأسد.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (رويترز)

لكن الملفين كانا حاضرين بالفعل خلال النقاشات، وهو ما دلت عليه جزئياً تصريحات كل من الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف لاحقاً، لكن من دون الإشارة إلى توافقات محددة بشأنهما.

في الملف الأول، أعلنت موسكو أن الرئيسين ناقشا مستقبل القواعد العسكرية، لكنها لم تضع توضيحات إضافية، ما عكس أن الملف ما زال يحتاج إلى مزيد من النقاشات على مستويات فنية وسياسية وعسكرية. تشير بعض التسريبات إلى رغبة مشتركة في التوصل إلى إطار قانوني جديد، ينظم هذا الوجود، ويعيد ترتيب مهام القوات وحجمها وصلاحياتها على الأرض السورية.

وهنا قد يكون أسيء فهم عبارة الشرع الغامضة حول «احترام كل الاتفاقات المبرمة سابقاً»، لأن احترام سوريا لتعهداتها واتفاقاتها الحكومية لا يعني بالضرورة مواصلة الالتزام بالنصوص التي حملتها وثائق وقعت في مرحلة سابقة. وهنا يدخل الحديث عن اتفاق على «مراجعة تلك الاتفاقات» تم الإعلان عنه خلال زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين إلى موسكو.

عنصر في العمليات العسكرية السورية أمام مدخل قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لكن اللافت في هذا الملف بروز بعض المعطيات من مصادر سورية حول التوصل إلى اتفاق مبدئي ينظم إدارة مشتركة في القاعدة الجوية في «حميميم» ويعيد فتح مطار اللاذقية. لكن هذه المعطيات لم تجد تأكيداً من الجانب الروسي.

أما ملف الأسد، فيبدو أنه نوقش بالفعل بشكل عابر، وليس في إطار طرحه بوصفه مطلباً رسمياً. وقد رفض الناطق الرئاسي التعليق على سؤال في هذا الشأن، واكتفى بالقول إنه «ليس لدينا ما نقوله في هذا الشأن». لكن مصدراً سورياً في موسكو رجح أنه تم التطرق لمطلب تسليم الأسد ورموز النظام السابق في إطار حديث عام وسريع عن «العدالة الانتقالية».

نقطة أخرى مهمة، لفها الغموض أيضاً، تعلقت بإمكانية أن تلعب موسكو دوراً داخلياً، للتهدئة في بعض المناطق أو لمساعدة السلطات السورية فيها.

هنا كثر الحديث قبل اللقاء عن قدرة موسكو على لعب دور وسيط في الشمال الشرقي مع المكون الكردي، وفي الجنوب مع الطرف الدرزي، وأيضاً في بذل جهود للوساطة مع إسرائيل لكبح جماح توغلاتها واعتداءاتها المتواصلة.

الدوريات العسكرية الروسية في سوريا (أرشيفية - روسيا اليوم)

الدوريات وتأهيل الجيش

يشير خبراء تحدثت معهم «الشرق الأوسط» إلى أن موسكو «قادرة ولديها الخبرة الكافية في هذا الشأن»، مع تذكير بأن روسيا لعبت أدواراً بالفعل عبر اتفاق الجنوب في السابق وعبر تسيير دوريات على طول الخط الفاصل في الجولان. لكن الكرملين نفى أن يكون موضوع تسيير دوريات روسية في مناطق سورية قد طرح خلال اللقاء.

إذن، يبقى الموضوع مرتبطاً بـ«القدرة الروسية» في حال تم بالفعل التوصل إلى اتفاقات لاحقاً في هذا الشأن. وهنا يضيف خبراء أن هذا الموضوع قد يكون حيوياً لاحقاً في حال اتفقت موسكو ودمشق على آليات لإعادة هيكلة وتدريب الجيش السوري، وربما تسليحه بدفاعات جوية وأرضية، وهو موضوع نوقش في وقت سابق خلال زيارة رئيس الأركان السوري إلى موسكو قبل أسبوع.

لكن هذا الموضوع يحتاج إلى تنسيق للمواقف الإقليمية وفتح قنوات اتصال روسية مع إسرائيل لضمان عدم شن الأخيرة هجمات جديدة على المؤسسة العسكرية. بعبارة أخرى، الحديث قد يدور عن عودة روسيا للعب دور الضامن للطرفين السوري والإسرائيلي، لتنشيط دورها في مناطق خطوط الفصل وفي ملف إعادة تأهيل الجيش، وهو أمر ما زال التوصل إلى تفاهمات بشأنه بعيد المنال.

الديون الروسية

وهناك عنصر مهم في العلاقة الجديدة، يتعلق بمسألة الديون الروسية على سوريا والتعويضات المطلوبة من موسكو، التي تتحدث عنها بين الحين والآخر أوساط سورية. هذا الملف أيضاً بدا أنه لم يطرح للنقاش بعد بشكل تفصيلي، لكن الإشارات الأولى تدل على استعداد موسكو للتعامل معه في مسارين: الأول: هناك استعداد مبدئي لإعفاء سوريا من الديون المستحقة في إطار الإسهام الروسي بتخفيف الضغط الاقتصادي والأعباء الملقاة على كاهل السلطات الجديدة. وهذا يتطلب اتفاقاً واضحاً حول خطوات مقابلة، بينها منح شركات روسية حصصاً في ملف إعادة الإعمار، وفي بعض القطاعات.

الثاني، يتعلق بتوجه روسي بديل عن فكرة التعويضات، يقوم على إسهام روسي مباشر في إعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية في قطاعات حيوية للغاية بالنسبة إلى سوريا وعلى رأسها قطاع الطاقة، وطرق المواصلات وغيرها من المنشآت الاستراتيجية التي كان لروسيا أصلاً إسهام في تشييدها في مراحل سابقة.

وهذا الموضوع يشكل جزئياً عنصر اتفاق تم الإعلان عنه بعد اللقاء الرئاسي بشكل مباشر، وهو يقود إلى العنصر المتعلق بدور روسي محتمل في تنشيط عمليات إعادة تأهيل بعض البنى التحتية الذي يبدو حالياً الأسهل، لوضعه موضع التنفيذ.

رافق الشرع في زيارته إلى موسكو وزيرا الخارجية أسعد حسن الشيباني والدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة حسين السلامة والأمين العام لرئاسة الجمهورية ماهر الشرع (سانا)

يذكر أنه، ومباشرة بعد اللقاء بين الرئيسين، خرج نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك وهو مسؤول قطاع الطاقة في الحكومة، ليقول للصحافيين، إن الشركات الروسية مهتمة بالعودة فوراً إلى سوريا، وإن موسكو مستعدة لإسهام قوي في إعادة تأهيل محطات الطاقة، وبعض المشروعات الكبرى المتعلقة بالغاز والنفط. فضلاً عن العمل في مجالات مرتبطة بينها قطاع الطرق والأمن الغذائي من خلال إرسال إمدادات غذائية عاجلة على رأسها القمح، وكذلك إمدادات طبية.

وقال نوفاك للصحافيين عقب الاجتماع: «ناقشنا اليوم مشاريع محددة في مجالات الطاقة والنقل وتطوير السياحة والرعاية الصحية والمجالات الثقافية والإنسانية».

إعادة الإعمار

وأوضح المسؤول الروسي «ندرك عموماً أن سوريا بحاجة ماسة لإعادة الإعمار، فهي تعاني من دمار كبير في بنيتها التحتية، بما في ذلك البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية والنقل. ويمكن لروسيا تقديم الدعم هنا. كما أن شركاتنا مهتمة بتطوير البنية التحتية للنقل وإعادة تأهيل قطاع الطاقة، كما كان عليه في العهد السوفياتي».

وكان لافتاً في هذا الإطار أن وكالة أنباء «نوفوستي» نقلت عن وزير المالية السوري، محمد برنية، على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، أن سوريا «مستعدة لتقديم فرص هائلة لروسيا لدعم إعادة إعمار البلاد».

عموماً يمكن القول إن اللقاء المهم في الكرملين، وضع الإطار العام لطي صفحة الماضي القريب، وتجاوز حقبة الأسد جزئياً، إذ لا حديث محتملاً بعد الآن عن دعم روسي معلن أو غير معلن لفلول النظام السابق، لكن هذا لا يعني أن الطريق نحو الاتفاقات على كل الملفات العالقة غدا يسيراً، إذ يحتاج الطرفان كما يقول خبراء إلى تفعيل آليات العمل الحكومي المشترك، ومواصلة النقاشات حول كل ملف بشكل تفصيلي.

وفي هذا الإطار بات معلوماً مثلاً أن الطرفين اتفقا خلال اللقاء الرئاسي على إعادة تسيير الرحلات الجوية بين موسكو ودمشق، وهي خطوة صغيرة لكنها ذات دلالة في إطار مسار تطبيع العلاقات. كما علمت «الشرق الأوسط» أن وزيري الخارجية أسعد الشيباني والدفاع مرهف أبو قصرة بقيا في موسكو بعد مغادرة الرئيس الشرع، الأربعاء. وبرزت معطيات عن اتفاقات سيتم توقيعها مع الجانب الروسي من دون الكشف عن تفاصيل إضافية بشأنها.


مقالات ذات صلة

«الخارجية» السورية: المباحثات مع «قسد» لم تسفر عن نتائج ملموسة

المشرق العربي مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

«الخارجية» السورية: المباحثات مع «قسد» لم تسفر عن نتائج ملموسة

قال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السورية، اليوم الجمعة، إن المباحثات مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لم تسفر بعدُ عن نتائج ملموسة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الدمار يظهر داخل مسجد في مدينة حمص بوسط سوريا جراء الانفجار (سانا)

قتلى وجرحى جراء انفجار داخل مسجد في حمص بسوريا

قُتل عدد من الأشخاص وأصيب آخرون، اليوم الجمعة، جراء تفجير في مسجد بحي وادي الذهب في مدينة حمص بوسط سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مركبات مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي تغلق طريقاً يؤدي إلى بلدة القنيطرة بسوريا في 5 يناير 2025 (أ.ب)

قوات الجيش الإسرائيلي تجدد اعتداءها على الأراضي السورية

جددت قوات الجيش الإسرائيلي، اليوم الجمعة، اعتداءها على الأراضي السورية، حيث أقدمت على إطلاق النار باتجاه مناطق في ريف القنيطرة.

«الشرق الأوسط» (دمشق )
المشرق العربي عنصر في العمليات العسكرية السورية أمام مدخل قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية - 29 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تقرير: سوريا تريد تحقيق توازن بين الوجودين التركي والروسي

نقل تلفزيون «آي 24 نيوز» الإسرائيلي عن مصادر سورية، أن دمشق تريد تحقيق توازن بين الوجودين التركي والروسي على أراضيها للوصول لاتفاقية أمنية مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي ‏العميد الركن غياث دلا قائد قوات الغيث (الثالث إلى من اليمين) من بين الحضور في أداء القسم الرئاسي صيف 2021

جنرالات هاربون يخططون لتمرد في سوريا من المنافي

تعكف بعض هذه القيادات السابقة على بناء حركة تمرد مسلح من المنفى، ويدعم أحدهم مجموعة تقف وراء حملة ضغط (لوبي) في واشنطن، تقدر تكلفتها بملايين الدولارات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - واشنطن)

جندي احتياط إسرائيلي يصدم فلسطينياً بسيارته أثناء الصلاة بالضفة الغربية

جندي احتياط إسرائيلي يصدم فلسطينياً بسيارته أثناء الصلاة بالضفة الغربية
جندي احتياط إسرائيلي يصدم فلسطينياً بسيارته أثناء الصلاة بالضفة الغربية
TT

جندي احتياط إسرائيلي يصدم فلسطينياً بسيارته أثناء الصلاة بالضفة الغربية

جندي احتياط إسرائيلي يصدم فلسطينياً بسيارته أثناء الصلاة بالضفة الغربية
جندي احتياط إسرائيلي يصدم فلسطينياً بسيارته أثناء الصلاة بالضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي إن أحد جنود ​الاحتياط دهس بسيارته فلسطينياً بينما كان يصلي على جانب طريق في الضفة الغربية المحتلة، أمس الخميس، بعد أن أطلق النار، في وقت سابق في المنطقة.

وقال الجيش، في بيان: «تلقينا مقطعاً مصوراً لشخص مسلّح يدهس فلسطينياً»، مضيفاً أن الشخص جندي ‌احتياط، وخدمته العسكرية ‌انتهت.

وأضاف الجيش أن ‌الجندي ⁠تصرّف ​في «‌مخالفة خطيرة للقواعد العسكرية»، وجرت مصادرة سلاحه.

وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه محتجَز قيد الإقامة الجبرية.

ونُقل الفلسطيني إلى المستشفى؛ لإجراء الفحوصات بعد الهجوم، لكنه لم يُصَب بأذى وهو الآن ⁠في منزله.

ويظهر في المقطع المصوَّر الذي بثه التلفزيون ‌الفلسطيني، وتسنّى لـ«رويترز» التحقق من صحته، ‍رجلٌ يرتدي ملابس ‍مدنية ويحمل سلاحاً على كتفه وهو يقود ‍سيارة رباعية الدفع ليصدم رجلاً يصلي على جانب الطريق. ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، كان العام الحالي هو الأعنف من حيث الهجمات المسجلة التي ​نفّذها مدنيون إسرائيليون على الفلسطينيين في الضفة الغربية، والتي أسفرت عن أكثر من ⁠750 إصابة.

وذكرت «الأمم المتحدة» أن أكثر من ألف فلسطيني قُتلوا في الضفة الغربية بين السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 و17 أكتوبر 2025، معظمهم في عمليات نفّذتها قوات الأمن، وبعضهم جراء عنف المستوطنين. وفي الفترة نفسها، قُتل 57 إسرائيلياً في هجمات فلسطينية.

من ناحية أخرى، قالت الشرطة الإسرائيلية، اليوم، إن مهاجماً فلسطينياً قتل رجلاً وامرأة ‌في شمال إسرائيل.


المؤسسة الدينية الشيعية تُهاجم الحكومة اللبنانية بسبب «حصرية السلاح»

دورية للجيش اللبناني قرب كنيسة متضررة جراء الحرب في بلدة الخيام بجنوب لبنان صباح عيد الميلاد الخميس (إ.ب.أ)
دورية للجيش اللبناني قرب كنيسة متضررة جراء الحرب في بلدة الخيام بجنوب لبنان صباح عيد الميلاد الخميس (إ.ب.أ)
TT

المؤسسة الدينية الشيعية تُهاجم الحكومة اللبنانية بسبب «حصرية السلاح»

دورية للجيش اللبناني قرب كنيسة متضررة جراء الحرب في بلدة الخيام بجنوب لبنان صباح عيد الميلاد الخميس (إ.ب.أ)
دورية للجيش اللبناني قرب كنيسة متضررة جراء الحرب في بلدة الخيام بجنوب لبنان صباح عيد الميلاد الخميس (إ.ب.أ)

استبقت المؤسسة الدينية الشيعية في لبنان، انطلاق المرحلة الثانية من خطة «حصرية السلاح» بيد القوى الرسمية اللبنانية، بهجوم عنيف على الحكومة، إذ وصفها نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ علي الخطيب بأنها «إدارة تنفذ ما يفرضه الأميركيون وليست حكومة تحكم البلاد»، فيما وصفها المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان بأنها «حكومة منبطحة».

ويأتي هذا الهجوم على الحكومة قبل نحو أسبوع من الإعلان عن استكمال المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني، والانتقال إلى المرحلة الثانية التي تشمل المنطقة الواقعة بين نهري الليطاني والأولي، في عمق يمتد إلى نحو 40 كيلومتراً شمال الحدود مع إسرائيل. كما يتزامن ذلك مع تكثيف إسرائيل ضرباتها الجوية في العمق اللبناني، قبيل لقاء رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بالرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة.

وتعهّد الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، بمواصلة العمل لاستكمال تنفيذ قرار حصرية السلاح على كل الأراضي اللبنانية، وقال: «القرار اتخذ، وسنكمل الأمر»، مشيراً إلى أن «التطبيق وفقاً للظروف».

المجلس الشيعي

ودعا نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ علي الخطيب، السلطة السياسية الى «وقف مسلسل التراجع أمام العدو الإسرائيلي وداعميه، والتوقف عن تقديم التنازلات المجانية ومن دون مقابل». وطالب الحكومة بـ«تحديد أولوياتها بتحرير الأرض وعودة النازحين، والبدء بمسيرة الإعمار وتحرير الأسرى».

نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ علي الخطيب (الوكالة الوطنية)

وقال الخطيب: «أسوأ ما طالعتنا به هذه السلطة على أبواب السنة الجديدة، نيتها الانتقال إلى حصر السلاح شمال الليطاني، وفق ما صرح به رئيس الحكومة (نواف سلام)، في مبادرة مجانية ومن دون أي مقابل أو ثمن من جانب العدو الإسرائيلي الذي لا يزال مصرّاً على احتلال الأرض واستمرار العدوان، والذي يُنزل بأهلنا القتل والدمار والخراب، وقد بلغ الفجور الصهيوني مداه من دون رادع أو وازع».

وتابع الخطيب: «إن هذه السياسة أقل ما يقال عنها إنها سياسة استسلام لإرادة العدو وداعميه، وسياسة تجاهل لكل آلام شعبنا ومعاناته اليومية، وتجاوز لكل المبادئ التي تقوم عليها الحروب أياً كانت نتائجها، إلا إذا كانت هذه الحكومة تعتبرنا أمة غير لبنانية أو أمة مهزومة، وعليها تقديم فروض الطاعة، وتجاوز كل التضحيات التي قدمها أهلنا طوال عقود ماضية على مذبح الوطن دفاعاً عن الأرض والعرض».

وسأل: «أي سياسة هذه التي تقوم على التنازلات، والتنازلات فقط؟ وأي مستقبل ننتظره في حال استمرار هذه السياسة؟»، وقال: «هناك انطباع بأن هناك إدارة تنفذ ما يفرضه الأميركيون وليست حكومة تحكم البلاد؛ لذلك ننصح هذه الحكومة بأن تراجع موقفها، وتوقف مسلسل التراجعات، فنحن لسنا ضعافاً، ولسنا مهزومين، وعليها أخذ القرارات بناءً على هذا المفهوم».

الإفتاء الجعفري

من جهته، رأى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان «أن ما نريده لهذا البلد حكومة وطنية بحجم مصالح لبنان وأهله، وليس حكومة لوائح دولية»، مضيفاً أن «الانبطاح الحكومي يُهدد مصالح لبنان».

وقال قبلان في خطبة الجمعة: «الحكومة هي حكومة بمقدار ما تتحمل من مسؤوليات إغاثة وإعمار وسيادة على الأرض، وليس من مصلحتها أن تتعامل مع البقاع والجنوب والضاحية ندّاً يتموضع بجانب الخارج، ولا قيمة للشعارات والمواقف التي لا تتحوّل إلى سياسات سيادية خاصة تجاه الإرهاب الصهيوني، وخيارنا لبنان وسيادة لبنان، والدفاع الشامل عن العقيدة الوطنية».

جندي في الجيش اللبناني يقف على مدخل كنيسة في بلدة الخيام بجنوب لبنان خلال احتفالات الميلاد (إ.ب.أ)

وقال قبلان: «إسرائيل لا يمكن أن تربح ما دام القرار السيادي موحّداً، والسيادة لا يمكن أن تتجزأ، فلبنان لبنان بكلّه، والوطنية لا يمكن أن تتفرّق، والدفاع عن الجنوب أو البقاع أو الضاحية دفاع عن كل لبنان، وقيمة الحكومة في هذا المجال هي بمسؤوليتها تجاه شعبها وأرضها وسيادتها الحدودية، لأنه لا يمكن التعويل على حكومة منبطحة، ولا على سلطة مشغولة بإحصاء واردات الخزينة»، عادّاً أن «الحلّ يكون بتغيير الفكر السياسي والرؤية السياسية والاستراتيجية السياسية الموحِّدة للبلد لا الممزقة له».

ضغط ناري إسرائيلي

وتستبق إسرائيل الإعلان اللبناني عن الانتقال إلى المرحلة الثانية من حصرية السلاح، بتكثيف غاراتها في منطقة شمال الليطاني، وفي شرق لبنان؛ حيث شنّ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات، مستهدفاً جرود الهرمل في البقاع (شرق لبنان) وإقليم التفاح في الجنوب والواقع شمال الليطاني. كما ألقت مسيّرة إسرائيلية قنبلة صوتية على بلدة العديسة.

الدخان يتصاعد جرّاء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة الهرمل في شرق لبنان (متداول)

وقال الجيش الإسرائيلي، الجمعة، إنه أغار على عدة مواقع تابعة لـ«حزب الله» في لبنان، مستهدفاً مركز تدريب ومستودعات أسلحة.

وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة «إكس»: «جرى استهداف عدة مستودعات أسلحة وبنى تحتية إرهابية أخرى استخدمها (حزب الله) للدفع بمخططات إرهابية».

وأضاف أن الضربات شملت «مجمع تدريبات وتأهيل استخدمته وحدة قوة الرضوان في (حزب الله) لتأهيل عناصر الوحدة».

ورغم وقف إطلاق النار المبرم بين لبنان وإسرائيل منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، تواصل الدولة العبرية تنفيذ هجمات منتظمة تقول إنها تستهدف البنية التحتية لـ«حزب الله»، متهمة إياه بإعادة التسلّح.

وفي ظل ضغط أميركي شديد وخشية تكثيف إسرائيل لضرباتها، أقرّت السلطات اللبنانية خطة لنزع سلاح «حزب الله» وتفكيك بناه العسكرية بحلول نهاية العام في المنطقة الممتدة من الحدود مع إسرائيل وحتى نهر الليطاني الواقع على مسافة نحو 30 كيلومتراً شمالها. لكن إسرائيل شككت في فاعلية هذه العملية، واتهمت «حزب الله» بإعادة التسلح.

والخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل في لبنان أحد أعضاء «فيلق القدس»، المكلف بالعمليات الخارجية في «الحرس الثوري الإيراني»، متهماً إياه بالتخطيط لهجمات «من سوريا ولبنان». وحسب السلطات اللبنانية، أسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل 3 أشخاص، الخميس.


أحزاب عراقية تحت الضغط قبل تجاوز المدد الدستورية

إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)
إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)
TT

أحزاب عراقية تحت الضغط قبل تجاوز المدد الدستورية

إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)
إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)

مع اقتراب المُهل الدستورية لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، تتصاعد الخلافات بين الكتل السياسية الرئيسية؛ ما يهدد بتعطيل استحقاقات أساسية في العملية السياسية التي تقوم على توازنات عرقية وطائفية معقدة منذ عام 2003.

ويبدو العرب السُّنة أول المتضررين من ضيق الوقت، بعدما فشلت قواهم السياسية في الاتفاق على مرشح توافقي لرئاسة البرلمان، وهو المنصب الذي يُخصص تقليدياً للمكون السني.

ومن المقرر أن يعقد البرلمان جلسته الأولى الاثنين المقبل برئاسة النائب الأكبر سناً من بين النواب الفائزين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وسط تحذيرات من تجاوز المُدد الدستورية.

وبينما يتمتع التحالف الشيعي الأكبر، المعروف باسم «الإطار التنسيقي»، بهامش أوسع من الوقت؛ نظراً لأن اختيار رئيس الوزراء يأتي في المرحلة الأخيرة من تشكيل السلطات، يواجه السنة خطر اللجوء إلى التصويت داخل البرلمان في حال تعذر التوافق، وهو خيار يُنظر إليه بوصفه خروجاً عن الأعراف السياسية السائدة.

ويتركز الخلاف السني بشكل أساسي بين حزب «تقدم» بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وتحالف «عزم» بقيادة مثنى السامرائي.

ويصر الحلبوسي على الاحتفاظ بالمنصب، مستنداً إلى ما يصفه بحصول كتلته على الوزن الانتخابي الأكبر داخل المكون السني.

وفي المقابل، لا تزال الخلافات الكردية قائمة بشأن منصب رئاسة الجمهورية، الذي يُعدّ من حصة الكرد، رغم أن لديهم وقتاً أطول نسبياً لمعالجة انقساماتهم الداخلية.

إحدى جلسات البرلمان العراقي (إ.ب.أ)

ما معادلة النقاط؟

تعتمد القوى السياسية العراقية في مفاوضاتها على ما يُعرف بـ«معادلة النقاط مقابل المناصب»، وهي آلية غير رسمية تقوم على تحويل عدد المقاعد البرلمانية التي تمتلكها كل كتلة رصيداً من النقاط.

وتُمنح المناصب السيادية والتنفيذية والنيابية قيماً رقمية متفاوتة حسب أهميتها، مثل رئاسة الوزراء أو رئاسة البرلمان أو مناصب النواب والوزارات.

وبموجب هذه المعادلة، تحصل الكتل الأكبر على مناصب أعلى قيمة، أو على مجموعة من المناصب الأقل أهمية التي تعادل وزنها الانتخابي، في محاولة لتحقيق توازن بين نتائج الانتخابات ومتطلبات التوافق السياسي.

انقسام شيعي

في المعسكر الشيعي، تواصل هذه المعادلة إثارة المزيد من التوتر. فإلى جانب تنافس رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، دخلت تحالفات جديدة على خط التفاوض، أبرزها التحالف بين هادي العامري، زعيم «منظمة بدر»، وشبل الزيدي، زعيم تحالف «خدمات».

ويرى مراقبون أن هذا التحالف يعمّق الانقسامات داخل «الإطار التنسيقي»، بعدما طرح توزيعاً جديداً للنقاط يستهدف مناصب موازية، من بينها منصب النائب الأول لرئيس البرلمان، الذي تُقدّر قيمته بما بين 15 و17 نقطة ضمن معادلة تقاسم السلطة.

ويضم التحالف الجديد نحو 30 نائباً؛ ما يمنحه فرصة قوية للمطالبة بهذا المنصب، إلى جانب وزارة خدمية وهيئة مستقلة، وفقاً لمصادر سياسية.

وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان قد شدد على أن الجلسة الأولى للبرلمان يجب أن تحسم انتخاب رئيس المجلس ونائبيه دون تأجيل، محذراً من أن تجاوز المدد الدستورية يشكّل مخالفة صريحة للدستور.

ومع استمرار الانقسامات، يبقى تشكيل الحكومة العراقية رهناً بقدرة القوى السياسية على التوفيق بين حسابات النقاط وضغوط الدستور، في مشهد يعكس هشاشة التوازنات التي تحكم النظام السياسي في البلاد.

وكان مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي إلى العراق، حذَّر من أن البلاد تقف عند «لحظة حاسمة»، داعياً القادة السياسيين والدينيين إلى اتخاذ قرارات موحدة لتجنب العودة إلى «التشرذم والانحدار».

وكتب سافايا على منصة «إكس»، أن المسؤولية تقع الآن على عاتق القادة العراقيين، مؤكداً أن قراراتهم المقبلة ستحدّد ما إذا كان العراق يتجه نحو الاستقرار والسيادة، أم سيعود إلى دوامة التراجع والاضطراب، محذراً من تداعيات اقتصادية وسياسية وعزلة دولية محتملة.