لصادق إنعام الخواجا، صدر عن «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن، في 96 صفحة، كتاب «رسالة في اللغة والمنطق»، الذي يرى فيه الباحث أن: «اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي الكينونة ذاتها، جوهر التفكير ذاته. فهي ليست مجرد أصوات يلفظها الإنسان، بل نظام داخلي معقّد يُفعّل الذاكرة وينظّم فعل العقل ويُنتج الفكر بشكل متداخل لا انفصال فيه». من هذا المنطلق، يدرس المؤلف العلاقة بين الصوت والنطق والمعنى، ليصل إلى استنتاج مركزي مفاده أن «كل فكرة هي كلمة، وكل كلمة هي فكرة، لا يمكن فصلهما أو التعامل معهما ككيانَيْن مستقلّيْن».
ينظر الخواجا إلى اللغة كنظام صوتي وجدلي يعكس تركيب الجسد الإنساني وتفاعلاته مع محيطه، مستعرضاً كيف تنشأ اللغة من تفاعل الأصوات الداخلية للإنسان - كنبض القلب، وأنفاس الرئتين، وتناغم الأعضاء المختلفة - مع الأصوات الخارجية التي يلتقطها من العالم. هذه الأصوات، التي قد تبدو عشوائية في ظاهرها، تتحول عبر عمليات عقلية وعصبية معقدة إلى تراكيب لغوية محملة بالمعنى، ومنها يُبنى نسيج المعرفة الذي يُخزّن ويُستعاد ويُطوّر الحضارة الإنسانية.
ويمتد البحث في الكتاب إلى مفهوم المنطق، حيث يرى المؤلف أن المفهوم التقليدي السائد للمنطق هو قواعد صورية جامدة ومعزولة عن الواقع، وهو عنده ليس معياراً نهائياً للحقيقة، بل هو «أداة لغوية حية لوصف الحقيقة وتشكيلها وتطويرها عبر الزمن»، مقارناً هنا بين المنطق الأرسطي التقليدي، والمنطق البياني عند المعتزلة، والمنطق الجدلي عند هيغل، ليخلص إلى «ضرورة تأسيس منطق لغوي جديد ينبع من طبيعة اللغة ذاتها، وليس من قواعد مفروضة عليها من الخارج».
واحدة من أبرز مميزات هذه الرسالة هي انفتاحها على مصادر فكرية يقول المؤلف عنها، إنها مهملة أو غير معروفة في سياقات الدراسة التقليدية، مثل أعمال علي زيغور، وأحمد الداوود، وعالم سبيط النيلي، وعلي فهمي خشيم، الذي يشكلون، كما يذكر، «جبهة تفكر في اللغة من خارج المنظومة الغربية السائدة، ويعيدون الاعتبار لمفهوم الحرف العربي كوحدة دلالية متعددة الأبعاد تجمع بين الشعور والنطق والبعد النفسي. هذه الرؤية تفتح آفاقاً جديدة لفهم اللغة العربية على نحو يتجاوز مجرد كونها أداة اتصال، لتصبح كياناً ذا حضور وتأثير حيّ في تكوين الفكر».
توجّه الرسالة أيضاً نقداً ضمنياً إلى المنظور الأوروبي السائد في دراسة اللغة، الذي يربط بين الكتابة وتعدد الشعوب، ويرى الخواجا في اختلاف الرموز «دليلاً على اختلاف الأجناس والثقافات، وهو منظور تقلّص من وحدة اللغة العربية وجعلها عرضة للانقسامات والتجزئة».

