تحسين الوضع المعيشي في صدارة مطالب السوريين من مجلس الشعب الجديد

مطالبة نسائية بتشريعات تكفل حقوقهن في العمل والمشاركة السياسية

جانب من عمليات الاقتراع بأحد مراكز التصويت في دمشق الأحد الماضي (أ.ف.ب)
جانب من عمليات الاقتراع بأحد مراكز التصويت في دمشق الأحد الماضي (أ.ف.ب)
TT

تحسين الوضع المعيشي في صدارة مطالب السوريين من مجلس الشعب الجديد

جانب من عمليات الاقتراع بأحد مراكز التصويت في دمشق الأحد الماضي (أ.ف.ب)
جانب من عمليات الاقتراع بأحد مراكز التصويت في دمشق الأحد الماضي (أ.ف.ب)

تصدّرت مسألة تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين مطالب سوريين من مجلس الشعب الجديد، إضافة إلى تطلعهم لأن يكون صوتاً صادقاً يعبّر عما يريده الشعب. كما طالب مواطنون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، المجلس الجديد، بالتحلي بالشفافية والمساءلة، والعمل على تحديث القوانين، وسن تشريعات تكفل حقوق النساء في العمل والمشاركة السياسية.

في المقابل، حاولت مصادر محلية في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب البلاد، ومناطق «الإدارة الذاتية» في شمال وشمال شرقي البلاد، التركيز على عدم وجود تمثيل لأهالي هذه المناطق في مجلس الشعب الجديد، بعد استثناء حكومة دمشق مناطقهم من عملية الاقتراع.

الرئيس أحمد الشرع في أحد مراكز الاقتراع يوم الأحد الماضي (أ.ب)

إعادة بناء الثقة

ورأت رئيسة مجلس إدارة هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية الناشطة بالمجتمع المدني، هدى الأتاسي، أن المجلس الجديد أمامه مسؤولية وطنية كبيرة لإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة. وطالبت الأتاسي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، مجلس الشعب بأن تكون قضايا الناس ومعيشتهم في صميم أولوياته، وأن يُفتح المجال الحقيقي أمام مشاركة المجتمع المدني والنساء بوصفهن شريكات أساسيات في صنع القرار، لا مجرد حضور رمزي.

وأعربت الأتاسي عن أملها في سنّ تشريعات تُعزّز العدالة الاجتماعية، وتكفل حقوق النساء في العمل والمشاركة السياسية، وتُسهم في تمكينهن اقتصادياً واجتماعياً، وأن يتحلى المجلس بالشفافية والمساءلة، وأن يكون صوتاً صادقاً يعبّر عن تطلعات السوريين نحو دولة عادلة وقادرة على النهوض.

وتُعدُّ انتخابات مجلس الشعب السوري التي جرت، الأحد الماضي، الأولى من نوعها منذ إسقاط نظام بشار الأسد، أواخر العام الماضي، وتنافس فيها 1578 مرشحاً على 140 مقعداً. وسيعيّن رئيس الجمهورية، أحمد الشرع، الثلث المتبقي من أصل 210 مقاعد، وفق ما نص عليه الإعلان الدستوري.

وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات، الاثنين، النتائج النهائية للاقتراع، وبيّن المتحدث باسمها، نوار نجمة، أن نسبة الذكور الفائزين بلغت نحو 96 في المائة مقابل 4 في المائة نساء، واصفاً ضعف التمثيل النسائي بأنه «أهم سلبية واجهت العملية الانتخابية».

ومن وجهة نظر الأتاسي، هناك أسباب متشابكة سياسية واجتماعية وثقافية وراء غياب المرأة عن قوائم الفائزين في عدد كبير من المحافظات، رغم مشاركتها الكثيفة في العملية الانتخابية.

ورأت أن من تلك الأسباب وجود جزء من المجتمع؛ خصوصاً في المناطق الريفية أو التقليدية، لا يزال يتردد في التصويت لامرأة، لأن الثقافة الذكورية المتجذّرة، وفق الأتاسي، تجعل الناخبين يربطون القيادة والتمثيل السياسي بالرجل أكثر من المرأة.

رئيسة مجلس إدارة هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية والناشطة بالمجتمع المدني هدى الأتاسي (الشرق الأوسط)

كما أن القوائم الانتخابية التي تضم نساء، كثيراً ما يكون وجودهن فيها رمزياً أو استكمالاً للشكل التمثيلي المطلوب، دون أن يحظين بدعم فعلي أو حملات انتخابية مؤثرة تضمن لهن الفوز، بحسب الأتاسي التي أضافت: «من المفارقات أن نسبة كبيرة من النساء يصوتن لرجال، إما بتأثير العائلة أو بدافع (الضمان الاجتماعي) أو (الواقعية السياسية)، مما يُضعف فرص المرشحات اللواتي كنّ يعوّلن على الصوت النسائي».

ورأت الأتاسي أن الحضور النسائي في اللجان الانتخابية يعكس وعياً بالمواطنة والمشاركة العامة، لكنه لا يزال غير مترجم إلى ثقة سياسية وتمكين فعلي في صناديق الاقتراع.

تحسين المعيشة والخدمات

من جانبه، أعرب إبراهيم الفياض، من أهالي دمشق، عن تطلعه إلى أن يعمل المجلس على تحديث القوانين بحيث تخدم المواطنين وتمكّن الحكومة من مساعدتهم، وتحسين أوضاعهم المعيشية المتردية، إضافة إلى تحسين واقع خدمات الكهرباء والماء والاتصالات.

المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، نوار نجمة، يعلن النتائج النهائية للاقتراع يوم الاثنين (إ.ب.أ)

جاءت الانتخابات في وقت عادت فيه عموم الأسعار إلى الارتفاع، بعد انخفاضها نحو 50 في المائة، منذ إسقاط النظام السابق، وسط جهود تبذلها الحكومة لتحسين الوضع المعيشي؛ حيث زادت رواتب موظفيها بنسبة 200 في المائة، وأصبح الراتب الشهري لموظف الدرجة الأولى نحو 150 دولاراً أميركياً، في حين تقدّر دراسات حاجة أصغر عائلة سوريا بـ500 دولار شهرياً.

بدوره، يأمل مهندس المعلوماتية، محمد أبو سويد، أن يعمل مجلس الشعب الجديد على تطبيق الأتمتة والحوكمة الإلكترونية في القطاعين العام والخاص، لأن ذلك، برأيه، يختصر الوقت والجهد والتكلفة، ويوفر على الدولة نفقات كبيرة.

حضور لقضية الجولان

وسجلت قضية هضبة الجولان المحتلة منذ عام 1967، من قبل إسرائيل، حضوراً ضمن مطالب السوريين؛ إذ يتوقع الطيب محمود أحمد رهبان، وهو أحد أبناء المنطقة، من مجلس الشعب «ألا يفرّط بذرة واحدة من تراب سوريا، وأن يرفض المصادقة على أي معاهدة تنتقص أو تفرّط بحقوقنا كسوريين أولاً وكأبناء جولان ثانياً». كما يأمل رهبان من المجلس أن يكون «ممثلاً حقيقياً لملايين السوريين الذين عانوا على مدار السنوات السابقة من الموت والتهجير والاعتقالات».

الطيب محمود أحمد رهبان وهو أحد أبناء هضبة الجولان المحتلة (الشرق الأوسط)

بينما طالب محمد عبد الرحمن من محافظة درعا (جنوب سوريا) المجلس بدعم الاقتصاد والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وسنّ تشريعات تحفّز نشوء بنية استثمارية آمنة تشجع رؤوس الأموال السورية على العودة، إضافة إلى فتح آفاق نحو مستقبل أفضل للشباب، وصون الحقوق.

أسف درزي

من محافظة السويداء، التي تم استثناؤها من عملية الانتخابات بسبب التوتر السائد بين دمشق وفصائل مسلحة محلية مؤيدة لمواقف الشيخ الدرزي حكمت الهجري المناهضة للحكم الجديد في سوريا، أعرب مصدر درزي رفيع عن أسفه لعدم مشاركتهم بالانتخابات، وعدم تمكُّن سكان المحافظة من التعبير عن حقهم القانوني بانتخاب من يمثّلهم ويكون مشاركاً في القرار والرأي بمجلس الشعب الجديد. لكن المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه قال لـ«الشرق الأوسط» إنه من الطبيعي ألا يكون هناك مشاركة من المحافظة بالانتخابات، بسبب أحداث يوليو (تموز) الدامية التي تسببت بـ«فقدان الثقة بالسلطة الحالية»، وفق تعبيره. وكان يشير إلى المواجهات المسلحة الدامية بين فصائل درزية من جهة، وفصائل بدوية وعشائرية ومن القوات الحكومية من جهة أخرى.

من جهتها، قالت الناشطة السياسية الدرزية، ميساء العبد الله، رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأهالي لديهم هموم أكبر من موضوع المشاركة في المجلس، منها كيفية تأمين النازحين وأزمات توافر الخبز والكهرباء».

عماد مجول وهو مواطن سوري كردي من سكان مدينة عمودا بريف محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

يوم عادي لدى الأكراد

أما في مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية» الكردية التي تشهد علاقاتها بالسلطة السورية أيضاً توترات سياسية وأمنية، فقد «مر يوم الانتخابات كأي يوم عادي، وسمع بها الأهالي من وسائل التواصل الاجتماعي»، وفق عماد مجول، وهو مواطن كردي من سكان ريف محافظة الحسكة. وقال مجول لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم يشعر بحصول تغيير في الحالة السياسية في سوريا»، معرباً عن أسفه لما سمّاه «استنساخ المرحلة السابقة، ولكن بشكل جديد ومصطلحات جديدة». وهو يشير بذلك إلى ما يعتبره الأكراد تهميشاً لهم لم ينتهِ، رغم رحيل نظام الأسد.

واستثنت حكومة دمشق مناطق سيطرة الأكراد من انتخابات مجلس الشعب، على غرار ما حصل في السويداء التي يسيطر عليها الدروز.


مقالات ذات صلة

تفكيك خلية إرهابية والقبض على متزعمها في سوريا

المشرق العربي عناصر من الأمن السوري (أرشيفية - الداخلية السورية)

تفكيك خلية إرهابية والقبض على متزعمها في سوريا

أعلنت وزارة الداخلية السورية، الأحد، تفكيك خلية إرهابية، والقبض على متزعمها، بالإضافة إلى 6 من أفرادها في محافظة ريف دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود أميركيون يجهزون مقاتلة "إف 15إي" بالذخائر قبيل انطلاقها لضرب أهداف ل"داعش" في سوريا الجمعة (أ.ف.ب)

«ترمب ينتقم»... ضرب 70 هدفاً لـ«داعش» في سوريا

نفّذ الرئيس دونالد ترمب تهديدَه بالانتقام من تنظيم «داعش» على خلفية مقتل 3 أميركيين، هم جنديان ومترجم، بهجوم قام به متطرفٌ في تدمر بالبادية السورية، السبت.

سعاد جروس (دمشق) «الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص طائرة «إف-15» في قاعدة بالولايات المتحدة قبل الانطلاق للمشاركة في الضربات الأميركية على مواقع «داعش» بسوريا الجمعة (سلاح الجو الأميركي - أ.ف.ب)

خاص جبل العمور والوادي الأحمر وجبل البشري... خريطة الضربات ضد «داعش» في سوريا

قالت مصادر مقربة من وزارة الدفاع في دمشق إن عملية قوات التحالف ضد تنظيم «داعش» في البادية السورية، قد تكون عملية «مفتوحة» تمتد لأيام.

سعاد جروس (دمشق)
شؤون إقليمية تركيا تطالب «قسد» بالاندماج في الجيش السوري أفراداً وليس وحدة منفصلة (أ.ف.ب)

تركيا تُطالب «قسد» بخريطة طريق لتنفيذ اتفاق الاندماج في الجيش السوري

طالبت تركيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) بالتخلّي عن خطابها «الانفصالي»، والتخلُّص من «الإرهابيين» بصفوفها، والاندماج في الجيش السوري، والخضوع لسلطة مركزية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

سوريا تؤكد التزامها «الثابت» بمكافحة تنظيم «داعش»

أكدت سوريا، اليوم، التزامها الثابت بمكافحة تنظيم «داعش»، مشيرة إلى أنها ستواصل تكثيف العمليات العسكرية ضد التنظيم في جميع المناطق التي يهددها.


إقرار بناء 19 مستوطنة بالضفة واستمرار الخروقات في غزة

إقرار بناء 19 مستوطنة بالضفة واستمرار الخروقات في غزة
TT

إقرار بناء 19 مستوطنة بالضفة واستمرار الخروقات في غزة

إقرار بناء 19 مستوطنة بالضفة واستمرار الخروقات في غزة

وافق مجلس الوزراء الأمني المصغر في إسرائيل، أمس، على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة وصفها وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، بأنها «تاريخية»، وقال إنها تهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية». وبهذا الإعلان، يرتفع عدد المستوطنات التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 69 مستوطنة. تزامن هذا مع استمرار الخروقات الإسرائيلية في قطاع غزة، إذ قُتل ثلاثة فلسطينيين في قصف بحي الشجاعية شرق مدينة غزة، أمس، بينما أصيب آخران بالرصاص، أحدهما بالحي نفسه، والآخر في جباليا البلد بشمال القطاع.وفي الضفة، قُتل فتى وشاب برصاص الجيش الإسرائيلي في واقعتين منفصلتين.

وفيما يتعلق بـ«اتفاق غزة»، خرجت تسريبات إسرائيلية تحمل تلميحات عن نزع سلاح منطقة «الخط الأصفر»، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بالقطاع، التي لا توجد فيها «حماس»، وتمهيدها لإعمار جزئي منفرد بعيداً عن المرحلة الثانية من الاتفاق، في خطوة عدَّها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ورقة ضغط على الوسطاء وعلى «حماس» للمضي في نزع سلاحها بالمناطق التي تسيطر عليها.

يأتي هذا بعد أيام قليلة من لقاء عقده رباعي الوساطة في «اتفاق غزة» بمدينة ميامي الأميركية، ودعوا فيه جميع الأطراف إلى الوفاء بالتزاماتها، وضبط النفس، كاشفين عن استمرار المشاورات في الأسابيع المقبلة لدفع تنفيذ المرحلة الثانية.


اتهامات أميركية لـ«حزب الله» بالسعي لإعادة تسليح نفسه

عناصر من «حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان في مايو 2023 (د.ب.أ)
عناصر من «حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان في مايو 2023 (د.ب.أ)
TT

اتهامات أميركية لـ«حزب الله» بالسعي لإعادة تسليح نفسه

عناصر من «حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان في مايو 2023 (د.ب.أ)
عناصر من «حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان في مايو 2023 (د.ب.أ)

غداة إعلان الحكومة اللبنانية عن اقتراب الجيش من تنفيذ خطة حصرية السلاح بالكامل في جنوب نهر الليطاني، اتهم عضو مجلس الشيوخ الأميركي، الجمهوري ليندسي غراهام أمس «حزب الله» بالسعي إلى إعادة تسليح نفسه.

وقال خلال زيارته لإسرائيل: «أرى أن (حزب الله) يحاول صنع مزيد من الأسلحة... وهذا أمر غير مقبول».إلى ذلك، وبعد عامين على نزوحهم جراء الحرب والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة لاتفاق الهدنة، استقر نحو 90 ألف نازح من القرى الحدودية في جنوب لبنان، في مناطق سكناهم الجديدة ونقلوا أعمالهم إليها.

وتوجد فئة منهم في مدن وقرى جنوبية، والفئة الأخرى نزحت إلى الضاحية الجنوبية ومناطق بيروت، وبينهم من اختار الإقامة في ضواحي جبل لبنان قرب العاصمة.


مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مسؤول أممي يتوقع عودة مليون لاجئ إلى سوريا في عام 2026

قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)
قادمون من لبنان عند معبر «جديدة يابوس» جنوب غربي سوريا في 6 أكتوبر الماضي (أ.ف.ب)

توقّعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عودة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال عام 2026، في ظل التعافي التدريجي الذي تشهده سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

وقال غونزالو فارغاس يوسا، ممثل المفوضية في سوريا، إن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري عادوا بالفعل إلى بلادهم منذ ديسمبر 2024، إضافة إلى نحو مليونَي شخص من النازحين داخلياً الذين عادوا إلى مناطقهم الأصلية.

وأوضح أن ذلك يعني أن أكثر من 3 ملايين سوري عادوا، خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، إلى مناطقهم في بلد أنهكته الحرب على المستويات الاقتصادية والبنيوية والخدمية.

تكدُّس السوريين أمام البوابات الحدودية في تركيا انتظاراً لعودتهم إلى بلادهم (أ.ب)

وقال المسؤول الأممي لوكالة «الأناضول»، إنه كان في سوريا قبل أشهر قليلة من سقوط النظام المخلوع، وشهد عن قرب مرحلة الانتقال السياسي في البلاد. وأشار إلى أن الخوف الذي كان يهيمن على المجتمع السوري «تراجع بسرعة، ليحلّ محله شعور واسع بالأمل».

وأضاف أنه توجّه مع فريقه يوم 9 ديسمبر 2024 إلى الحدود اللبنانية، حيث شاهد آلاف السوريين يعودون تلقائياً إلى بلادهم بعد أكثر من 14 عاماً من اللجوء القسري. ولفت إلى أن الكثير من العائدين السوريين عبّروا عن فرحتهم ببلوغ وطنهم عبر تقبيل الأرض فور وصولهم.

الحاجة للدعم الدولي

وفي ما يخص التوقعات المستقبلية، قال يوسا: «منذ 8 ديسمبر 2024، عاد لاجئون سوريون بشكل أساسي من تركيا ولبنان والأردن، وبنسب أقل من مصر والعراق».

وأضاف: «تشير تقديراتنا إلى أن عام 2026 قد يشهد عودة نحو مليون شخص إضافي، ما يعني أن أكثر من 4 ملايين سوري سيعودون خلال فترة عامين». وأشار إلى أن «هذا الحجم الكبير من العودة يتم في ظروف بالغة الصعوبة، ما يجعل الدعم المالي الدولي مسألة عاجلة وحاسمة لضمان الاستقرار ومنع تفاقم الأزمات الإنسانية».

السوريون في تركيا يواصلون عودتهم إلى بلادهم منذ سقوط نظام الأسد (أ.ب)

دور تركي فاعل

وأشاد يوسا بدور تركيا، موضحاً أنها استضافت أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين لسنوات طويلة، ولعبت في الوقت ذاته «دوراً إيجابياً» في دعم الحكومة السورية الجديدة عقب 8 ديسمبر 2024.

وأشار إلى أن ممثلين عن القطاع الخاص التركي بدأوا بزيارة سوريا لاستكشاف فرص الاستثمار. واعتبر المسؤول الأممي خطوة المستثمرين الأتراك «مؤشراً مهماً» على بدء مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

عودة بعد عزلة

وفي تقييمه للمرحلة الراهنة، اعتبر يوسا أن ما تشهده سوريا هو عملية انتقالية معقّدة ستستغرق وقتاً، في ظل الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب على مدى 14 عاماً.

وقال: «بعد حرب طويلة، من الطبيعي أن تكون البلاد مدمرة اقتصادياً وبنيوياً، وهذا التعافي لن يكون فورياً. ومع ذلك، فإن الحكومة والشعب السوري يستحقون إشادة كبيرة لنجاحهم في إعادة ربط البلاد بالعالم خلال فترة قصيرة نسبياً».

وأشار إلى أن سوريا كانت معزولة عن الساحة الدولية لأكثر من 14 عاماً، قبل أن تعود خلال عام واحد فقط إلى إقامة علاقات مع عدد متزايد من الدول، وهو ما اعتبره «تطوراً بالغ الأهمية».

وأكد المسؤول الأممي أن رؤية أعداد كبيرة من السوريين يعودون إلى ديارهم «تمثّل مؤشراً إيجابياً، إلا أن تحسن الأوضاع الاقتصادية بشكل ملموس سيحتاج إلى وقت، ما يستدعي دعماً دولياً منسقاً ومستداماً».

محل صرافة وتحويل أموال في دمشق يوم 18 ديسمبر بعد أن أُلغيت عقوبات «قيصر» الصارمة التي فُرضت على سوريا في عهد الرئيس السابق بشار الأسد (رويترز)

مفتاح التعافي

وسلّط ممثل «المفوضية» الضوء على جملة من العوامل الضرورية لتسريع عملية التعافي في سوريا، وفي مقدمتها الرفع الكامل للعقوبات.

وأعرب عن أمله أن يفتح رفع العقوبات الباب أمام استثمارات واسعة من القطاع الخاص في خطوة ضرورية لمرحلة إعادة الإعمار والتنمية.

وأوضح أن «المفوضية» وشركاءها يقدّمون دعماً مباشراً للعائدين، خاصة في ما يتعلق بإعادة استخراج الوثائق الرسمية.

ولفت إلى أن أكثر من ربع العائدين يفتقرون إلى وثائق أساسية مثل الهويات الشخصية أو سندات الملكية.

مطار دمشق الدولي يستقبل آلاف السوريين منذ سقوط النظام (سانا)

والخميس، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في حفل بالبيت الأبيض قانون تفويض «الدفاع الوطني» لعام 2026 المتضمن بنداً لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وبذلك تم رفع العقوبات رسمياً عن سوريا.

وفي 11 ديسمبر 2019 أقر الكونغرس الأميركي «قانون قيصر» لمعاقبة أركان نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد على «جرائم حرب» ارتكبها بحق المدنيين.

وجرى توقيع «قانون قيصر» خلال ولاية ترمب الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021)، لكن تطورات سوريا أواخر العام الماضي دفعته إلى العمل على إلغائه.

ورحبت «الخارجية السورية» في بيان، الجمعة، بـ«الإزالة النهائية» للعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر»، وما تضمنه من إجراءات أثرت على مختلف مناحي الحياة المعيشية والاقتصادية.

وأضافت الوزارة أن الخطوة «تطور مهم يسهم في تخفيف الأعباء عن الشعب السوري، ويفتح المجال أمام مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار».