في غزة... موسيقي يحوِّل طائرة الاستطلاع «الزنَّانة» إلى عازف في فرقته

أحمد أبو عمشة يخترع جنَّةً من النغم والأغاني لأطفال مخيَّمات النزوح

الموسيقي أحمد أبو عمشة يدرِّس العزف والغناء لأطفال غزة النازحين (صور الفنان)
الموسيقي أحمد أبو عمشة يدرِّس العزف والغناء لأطفال غزة النازحين (صور الفنان)
TT

في غزة... موسيقي يحوِّل طائرة الاستطلاع «الزنَّانة» إلى عازف في فرقته

الموسيقي أحمد أبو عمشة يدرِّس العزف والغناء لأطفال غزة النازحين (صور الفنان)
الموسيقي أحمد أبو عمشة يدرِّس العزف والغناء لأطفال غزة النازحين (صور الفنان)

في كل مرة ينزح فيها أحمد أبو عمشة من ملجأ إلى آخر في غزة، يحمل معه عائلته ومتاعهم الصغير، ويعلِّق الغيتار على كتفه. هذا سلاحُه ضدّ اليأس.

في نزوحه الخامس عشر قبل أيام، غرسَ أوتاد خيمته في رمال شاطئ غزة. غادرها بعض الوقت متجهاً صوب تلّة محاذية، ليتحدّث إلى «الشرق الأوسط»، بعيداً عن ضوضاء الغارات الإسرائيلية التي تعصف بالمدينة.

رحلة أبو عمشة خلال سنتَين من الحرب لم تكن اعتياديّة. لعلّه واحدٌ من بين قلّة قليلة من الغزّيين الذين أصرّوا على رؤية النصف الممتلئ من الكوب المحطّم.

«الموت بعينيك، ولسّه الأمل بقلبك شغّال». هذا ما منحته إياه الموسيقى التي احترفها صغيراً، ودرّسها كبيراً، ولكنه لم يقطف أثمن ثمارها إلا تحت القصف ووسط التشرّد. وجد المؤلّف والعازف والمربّي أحمد أبو عمشة في الموسيقى، حليفاً ساندَه حتى في ترويض أزيز طائرة الاستطلاع الإسرائيلية، أو «الزنّانة» كما يسمّيها أهل غزة.

«الموت بعينيك ولسّه الأمل بقلبك شغّال»... أحمد أبو عمشة (صور الفنان)

«في أحد أيام التحليق المتواصل، وبينما كنت أعطي درساً في الموسيقى للأطفال النازحين، انزعج الطلّاب من التشويش، وطلبوا إيقاف الحصّة»، يسترجع أبو عمشة تفاصيل اليوم الذي حوّل فيه «الزنّانة» إلى عازف في فرقته. «لا. سنواصل الدرس وسنغنّي معها وعلى نوتتها»، أجاب تلاميذه.

أطلق العنان لأغنية من التراث الفلسطيني: «شيل شيل يا جمّال شيل»... كرّرها الأطفال بسهولة، فتحوّلت بسرعة إلى لازمة يتحدّون بها أزيزاً ينخر بوقاحة آذانهم الصغيرة. يوماً بعد يوم، تآلفَ أحمد وطلّابه مع «الزنّانة»، وباتوا يشغّلونها لصالح أغنياتهم.

قبل أن تندلع الحرب، كان أبو عمشة مدرّساً للموسيقى في «المدرسة الأميركية الدولية» في غزة، وفي «معهد إدوارد سعيد للموسيقى». أما الاستوديو الخاص به في بيت حانون؛ حيث كان يؤلّف الألحان ويوزّعها، فقد تدمّر كاملًا.

على طريق النزوح الذي لا آخر له، تناثرت النغمات من رأسه. صار الإيقاعُ دوي قذائف وغارات، والحلمُ إيجاد مأوى وكسرة خبز وقطرة مياه نظيفة لعائلته. «لكن في النزوح السابع، حططتُ الرحال في ملجأ للفنانين في رفح. هناك أتاني شابٌّ بغيتار، وكان قد مضى أكثر من 10 شهور على آخر مرة لمست فيها الآلة». التقطَ أحمد الغيتار وغنّى وسط المخيّم، فالتفّ الأطفال حوله صانعين له جوقة بأصواتهم.

«عندما سمعتهم وأبصرتُ ابتساماتهم المحيطة بي، نسيتُ أننا في حرب. شعرتُ بأن الدنيا لسه حلوة ولسه فيه أمل. كانت تلك المرة الأولى التي ينتابني فيها شعور كهذا، منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، يخبر أبو عمشة.

في إحدى خيام النازحين برفح، أبصر مشروع «طيور غزة تغنّي» ملامح ضوءٍ وسط السواد. ومنذ ذلك اليوم، صارت المواعيد يوميّة بين أحمد وأطفال الملجأ والملاجئ المحيطة، ليستعيد معهم مهمته الأساسية، تدريس الموسيقى. أما هم فبدأوا يستعيدون بفَضل تلك الدروس بعض الفرح الذي سلبته إياهم الحرب.

ولكن بما أنّ الهناء ليس قدَر الغزّيين، وجد أبو عمشة نفسه مضطراً للانتقال مجدّداً. الفارق في رحلة النزوح الثامنة تلك، أنه كان يحمل في حقيبته الصغيرة حلماً جديداً يخفّف عبء الطريق. «في خان يونس، أبصرتُ هول المأساة فور وصولي، فلم يكن ثمة مفرّ من استئناف المشروع».

بالتعاون مع بعض زملائه من أساتذة الموسيقى، بدأ أحمد يعطي دروس العزف والغناء للأطفال والمراهقين. رغم الجوع والدمار والمآسي اليوميّة، تعاملَ بجدّية مع الأمر. «الأهالي الذين ضحكوا عليَّ في البداية، قائلين إن الحاجة هي للخبز والماء وليس للموسيقى، عادوا ليشكروني بعد شهر»، يقول أبو عمشة. فتلك اللحظات الموسيقية المسروقة من ساعات الرعب والإحباط، عادت بمنفعة كبيرة على الأطفال، ولا سيما منهم أولئك المصابون بالصدمات، والذين فقدوا القدرة على التواصل والكلام.

دروس العود والناي والغيتار والطبلة يعطيها أحمد وزملاؤه الأساتذة لأطفال المخيمات (صور الفنان)

يشرح كيف أن استخدامه تقنيات العلاج بالموسيقى ساعد هؤلاء الأطفال على التواصل والاختلاط مع الآخرين من جديد. «هذا منَحَني اندفاعة إلى الأمام، ومزيداً من الثقة بفائدة المشروع. ومع الوقت صرنا عائلة كبيرة تجتمع على النغمات والنزوح».

وكأنّ الموسيقى تحوّلت إلى حبل خلاص يتمسّك به أحمد وزملاؤه وطلّابه وعائلاتهم. صاروا ينزحون معاً، ويزرعون مشروعهم أينما حلّوا. وصل عدد التلاميذ إلى مائتين. يتعلّمون أصول الغناء، ومنهم من يتلقّى دروس العزف على العود والغيتار والناي والطبلة، من قبل أساتذة محترفين. ولإضفاء مزيدٍ من الاحترافية إلى المشروع، يُطلب من الأطفال الراغبين في الانضمام، الخضوع لامتحان بسيط للصوت والأذن الموسيقية.

إلى متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعي، غالباً ما يتوجّه أحمد باللغة الإنجليزية، ليتحدّث عن يومياته وطلّابه. «غالبية مَن يتابعونني أوروبيون وأميركيون، بسبب عملي سابقاً في المدرسة الأميركية»، يوضح. وهو لا يُنكر أنّ سرد الحكاية بلغة يفهمها الغرب، ساعد في انتشار المشروع، وفي الحصول على دعم مادي وآلات موسيقية. أبعد من ذلك: «تبقى الرسالة الأهم أنه فوق الركام والدماء والخوف ورغم الإبادة، ما زلنا نغنِّي. وهذا ما يفاجئ الناس».

كسائر أبناء القطاع، حدثَ أن نام أحمد أبو عمشة من دون عشاء. خسر أحبّة في الحرب، من بينهم أحد طلّابه «يوسف، 15 سنة، الذي ذهب إلى المقهى المجاور ليتصل بأهله ولم يَعُد». ولكن عندما ينطلق الدرس اليوميّ، أو عندما يتحلّق الجميع في سهرة غنائية داخل خيمة النزوح، تعود ابتسامة الأمل رغم أنف «الزنّانة» وسائر أسلحة الترهيب.


مقالات ذات صلة

مستشفى العودة في غزة يعلّق معظم خدماته بسبب نقص الوقود

المشرق العربي مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

مستشفى العودة في غزة يعلّق معظم خدماته بسبب نقص الوقود

أعلن مستشفى العودة في النصيرات وسط قطاع غزة تعليق معظم خدماته «مؤقتاً» بسبب نقص الوقود، مع الإبقاء على الخدمات الأساسية فقط، مثل قسم الطوارئ.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج جانب من وصول القافلة الإغاثية السعودية إلى وسط قطاع غزة الخميس (واس)

قافلة إغاثية سعودية جديدة تصل إلى وسط قطاع غزة

وصلت إلى وسط قطاع غزة، الخميس، قافلة إغاثية سعودية جديدة، محمّلة بالمواد الغذائية الأساسية، مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

خاص مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

بينما شهدت بداية ولاية ترمب حديثاً عن إلغاء الرئيس المصري خططاً لزيارة واشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، وترحيب دونالد ترمب بها.

فتحیه الدخاخنی (القاهرة)
الخليج تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

عبَرت دفعةٌ جديدةٌ من المساعدات الإنسانيّة السعوديّة، الأربعاء، منفذ رفح الحدودي متجهة إلى منفذ كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (منفذ رفح الحدودي)
خاص ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

خاص ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

في قطاع غزة كان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دور بارز في إقناع «حماس» وإسرائيل بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت عامين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».