لبنان بعد 7 أكتوبر... موازين قوى جديدة لترميم العلاقة مع العالم

تفكّك قبضة «حزب الله» وتحوّل الممارسة باتجاه تثبيت منطق الدولة

لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)
لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)
TT

لبنان بعد 7 أكتوبر... موازين قوى جديدة لترميم العلاقة مع العالم

لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)
لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)

يكاد يُجمع الدبلوماسيون الدوليون في لبنان على أن تغييراً كبيراً حصل فيه منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. تحركت عجلة السلطة، وحصل تغيير سياسي كبير في المشهد اللبناني لناحية تفكك قبضة «حزب الله» عن الدولة، وتبدلت موازين القوى إلى حد كبير، لكن التقديرات تختلف بين مَن يرجعها إلى النتائج المباشرة للحرب الإسرائيلية التي قوّضت قوة «حزب الله» العسكرية، ومن يُعيدها إلى تبدّل في الموازين الإقليمية، وليس أقلها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني داخل لبنان.

الرئيس اللبناني المنتخب جوزيف عون يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان اللبناني يناير 2025 (د.ب.أ)

فقبل 7 أكتوبر، أي هجوم «حماس» على المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة، كان لبنان يراوح ضمن «ستاتيكو» مستمر منذ سنوات: تعايش بين الدولة وسلاح «حزب الله» المشرّع ضمن البيانات الوزارية المتعاقبة، وتجاهل لكل الدعوات الدولية للإصلاح، ومراوحة في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، وفي مقدمها الفراغ الرئاسي، وتأرجح في قوائم التصنيفات المالية ضمن القائمة الرمادية لـ«فاتف»، وغيرها من الملفات العالقة.

مناصرون لـ«حزب الله» يرفعون أعلامه وصورة أمينه العام السابق حسن نصر الله في تحرك محدود بالضاحية الجنوبية لبيروت الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

دخل «حزب الله» الحرب في 8 أكتوبر، وأطلق عليها اسم «حرب إسناد ودعم غزة»، وحاول أن يرسم حدود هذه المعركة، وهو ما رفضته إسرائيل عسكرياً، فكانت توسع الضربات بشكل متدرج، حتى بدأت الاغتيالات بحق قادة «حزب الله» و«حماس» في لبنان، بدءاً من يناير (كانون الثاني) 2024.

ومع الوقت، انتهى ما كان يسميه «حزب الله»، «توازن الردّع» أو «قواعد الاشتباك»، فباتت الساحة اللبنانية، منذ يناير 2024، مشرّعة بأكملها أمام الاغتيالات، وتحوّلت بدءاً من أغسطس (آب) 2024 بأكملها إلى ساحة استهداف جوي إسرائيلي، قبل أن تنفجر الحرب الطاحنة في 23 سبتمبر (أيلول) 2024، وتنتهي باتفاق وقف إطلاق النار في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه.

خلال تلك الفترة، جرى تعليق انتخابات رئاسة الجمهورية، وبقيت الحكومة اللبنانية حكومة تصريف أعمال. وحالَ الفراغ في المؤسسات دون إجراء تعيينات، علماً بأن الفراغ في المواقع الإدارية الأولى بلغت نسبته 50 في المائة، وتحوّلت الوفود الدولية باتجاه ملف واحد، وهو تجنب الانزلاق إلى نزاع أكبر، ووقف الحرب، وإقناع «حزب الله» بوقف مساندته لغزة.

بدء التحول السياسي

انفجرت الحرب في سبتمبر، وتوصل لبنان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في نوفمبر 2024. ومع انقضاء المعارك، انطلقت ورشة سياسية جديدة لترجمة نتائج الحرب التي مُني فيها «حزب الله» بهزيمة عسكرية، ما أفضى إلى اتفاق سياسي قضى بانتخاب قائد الجيش، العماد جوزيف عون، رئيساً للجمهورية، وتكليف القاضي نواف سلّام بتشكيل الحكومة.

الرئيس اللبناني المنتخب جوزيف عون يؤدي اليمين الدستورية في البرلمان اللبناني يناير 2025 (د.ب.أ)

انتهت التسوية إلى تغيير جذري في الأدبيات السياسية اللبنانية، إذ لم تُذكر المقاومة مطلقاً في خطاب القسم والبيان الوزاري للحكومة، في أول تغيير من نوعه منذ نهاية الحرب اللبنانية. كما تعهّدت الحكومة بـ«حصرية السلاح»، واحتكار قرار السلم والحرب.

منطق الدولة

عملياً، بدأت الدولة في عهد الرئيس جوزيف عون ترميم علاقتها مع العالم، ومخاطبة المجتمع الدولي، وتحوَّلت الممارسة في الداخل باتجاه تثبيت منطق الدولة وحضورها. فإلى جانب الإصلاحات الأمنية والسياسية جرى تعيين الهيئات الناظمة للقطاعات، وانطلقت خطة ملء الشغور في المواقع الإدارية وإجراء تعيينات، وفي مقدمتها حاكمية مصرف لبنان المركزي، وإعلان التشكيلات القضائية، وبدء ورشة إقرار القوانين الإصلاحية، وإجراء الانتخابات البلدية.

في تلك المرحلة، برزت إجراءات أمنية عكست تغييرات كبيرة، وفي مقدمتها الإجراءات في مطار بيروت، وإبعاد المشتبه بأنهم من «حزب الله»، تزامنت مع إجراءات قضائية واستدعاءات وتوقيفات... وتُوّجت الإجراءات بقرار الحكومة في 5 أغسطس 2024، القاضي بحصرية السلاح، وتكليف الجيش اللبناني في جلسة 5 سبتمبر الماضي بتنفيذ الخطة التي عبرت من جنوب الليطاني في جنوب لبنان، إلى المخيمات الفلسطينية التي لطالما كانت عصيّة عن تسليم سلاح فصائلها، إلى جانب ضبط الحدود مع سوريا وبدء العمل المشترك مع دمشق على حل الملفات العالقة، وتفكيك مصانع الكبتاغون ووقف تهريب المخدرات.

مجلس الوزراء منعقد برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون الاثنين (إ.ب.أ)

في كل تلك التفاصيل، برز حضور الدولة بشكل لافت، فيما تراجع الوجه العسكري لـ«حزب الله» وتقلّص نفوذه. واتجه الحزب في خطابه نحو التركيز على الجانب السياسي، في تحوّل نادر في مسيرته، محمّلاً الدولة اللبنانية مسؤولية الدفاع والحماية.

وترى مصادر دبلوماسية أن ما تحقّق خلال العام الأخير «كان إنجازاً كبيراً ومفاجئاً لكل المعنيين الدوليين بملف لبنان»، فالبلاد التي اهتزت علاقتها بمحيطها العربي في وقت سابق، عادت إلى ترميم حضورها وتوطيد علاقاتها، وبدأ لبنان، في العهد الجديد، استعادة تلك الثقة تدريجياً، وخطى باتجاه تنفيذ تعهداته التي تحتاج إلى وقت، وهو ما يتفهمه أصدقاء لبنان، حسبما تقول المصادر، «كون الأمور وُضِعت على السكة».


مقالات ذات صلة

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مودعون يرفعون لافتات اعتراضية على مشروع قانون استعادة الودائع خلال تحركات شعبية على طريق القصر الجمهورية (الشرق الأوسط)

انطلاقة «غير آمنة» لمشروع قانون الفجوة المالية في لبنان

كشف توسّع موجة الاعتراضات على مشروع قانون «الفجوة» المالية، حجم العقبات التي تعترض الوصول إلى محطة تشريع القانون في البرلمان.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي من اعتصام سابق لأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت (أرشيفية - الشرق الأوسط)

صمت مالك سفينة «النيترات» يراكم تعقيدات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

لم تحقق مهمة المحقّق العدلي في ملفّ انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار غايتها في العاصمة البلغارية صوفيا، إذ لم يتمكن من استجواب مالك الباخرة روسوس.

يوسف دياب (بيروت)

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: انطلاقة «غير آمنة» لمشروع «استعادة الودائع»

مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)
مودعون يعترضون على مشروع قانون حكومي لاستعادة الودائع بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي شرق بيروت (الشرق الأوسط)

عكستِ الاعتراضات على مشروع قانون استعادة الودائع المجمدة منذ عام 2019 في لبنان، انطلاقةً غير آمنةٍ له، إذ بدأتِ الحكومة بمناقشة المسودة، بالتزامن مع اعتراضات سياسية من قوى ممثلة بالحكومة وخارجها، وانتقادات عميقة من قبل «جمعية المصارف»، فضلاً عن تحركات شعبية نُظمت بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.

وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أنّه لا يقف مع أي طرف ضدّ آخر، وأنّ النقاش يجب أن يتم تحت قبة البرلمان، فيما دافع رئيس الحكومة نواف سلام عن المسودة، وشدّد على أنَّ مشروع قانون الفجوة المالية واقعي وقابل للتنفيذ، مؤكداً أنَّ أي تأخير في إقراره قد يضر بثقة المواطنين والمجتمع الدولي.

وبرزتِ اعتراضات قانونية على إدراج مواد ذات «مفعول رجعي» لضرائب واقتطاعات وتعديلات في القيم الدفترية للمدخرات المحوّلة بعد عام 2019، والعوائد المحصّلة على الودائع في سنوات سابقة.


مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
TT

مواجهات في حلب توقع قتلى وجرحى

نقل المصابين إلى مشفى الرازي  جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)
نقل المصابين إلى مشفى الرازي جراء القصف من حي الشيخ مقصود على الأحياء السكنية في حلب (سانا)

قتل شخصان وأصيب 6 مدنيين بينهم امرأة وطفل بجروح جراء اشتباكات اندلعت في مدينة حلب شمال سوريا بين القوات الحكومية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، تزامنت مع زيارة وفد تركي إلى دمشق، في وقت توشك مهلة تنفيذ بنود اتفاق 10 مارس (آذار) بين «قسد» والسلطات على الانتهاء.

وفي حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتسبّب في اندلاع الاشتباكات، أفادت مصادر في واشنطن لـ«الشرق الأوسط»، بأن المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، يجريان اتصالات لتهدئة الاشتباكات لمنع تصعيد يستفيد منه «داعش»، وقوى إقليمية معادية.

واتهمت أنقرة ودمشق «قسد» بالمماطلة في تنفيذ الاتفاقية الموقعة في 10 مارس الماضي، وأكدتا رفض أي محاولات للمساس بوحدة سوريا واستقرارها.

جاء ذلك في مؤتمر صحافي بدمشق ‌بعد محادثات بين وفد تركي رفيع المستوى ‌والرئيس السوري ​أحمد الشرع ‌ووزير الخارجية أسعد الشيباني وآخرين، وقال الشيباني إن دمشق لم تلمس «أي مبادرة أو إرادة جادة» من «قسد» لتنفيذ الاتفاق، لكنها اقترحت في الآونة الأخيرة عليهم طريقة أخرى لدفع العملية قدماً.


ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
TT

ائتلاف السوداني يطرح مبادرة لحسم رئاسة وزراء العراق

جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)
جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

يعتزم ائتلاف «الإعمار والتنمية»، الذي يترأسه محمد شياع السوداني، رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية، طرحَ «مبادرة سياسية شاملة» لحسم منصب رئاسة الوزراء.

وذكر إعلام «تيار الفراتين»، الذي يتزعمه السوداني، في بيان، أمس، أنَّ ائتلاف «الإعمار» يعمل على «بلورة مبادرة سياسية متكاملة» تهدف إلى كسر حالة الانسداد السياسي، مشيراً إلى أنَّ تفاصيلها ستُطرح أمام قوى «الإطار التنسيقي» في اجتماعه المرتقب.

إلى ذلك، قال العضو في ائتلاف «الإعمار والتنمية» قصي محبوبة لـ«الشرق الأوسط» إنَّ «المبادرة ستكون عبارة عن شروط الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء»، دون ذكر تفاصيل.

من ناحية ثانية، رحب مارك سافايا، مبعوث الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، إلى العراق، في تدوينة عبر منصة «إكس» بإعلان بعض الفصائل المسلحة استعدادها لبحث نزع سلاحها، لكنَّه شدّد على «أن يكون نزع السلاح شاملاً، وغير قابل للتراجع».