تدخل الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، الثلاثاء، عامها الثالث لتطوي وراءها هدنتين أسفرتا عن إطلاق سراح رهائن وأسرى من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بينما يترقب العالم نتائج خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي قال إنها ستقود لـ«سلام دائم».
ذلك العام الثالث الذي يدخل بينما تجري مفاوضات في شرم الشيخ المصرية لوقف الحرب قد يشهد هدنة جديدة على منوال ما تم خلال العامين الماضيين، على أمل أن تقود المساعي لوقف الحرب بشكل نهائي، شريطة أن تغادر واشنطن انحيازها لإسرائيل الذي عطل الاتفاق النهائي، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».
وكان طريق وقف الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تشكل سريعاً عقب وساطة ثلاثية من مصر وقطر والولايات المتحدة، أدارت مهامها بشكل رئيسي بين 4 عواصم هي: القاهرة والدوحة وباريس وروما، وفق رصد «الشرق الأوسط».
ولعبت الوساطة لا سيما المصرية والقطرية، بحسب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور مختار غباشي، وسفير فلسطين السابق بالقاهرة بركات الفرا، دوراً مهماً، رغم ما شهدته غزة من حرب إبادة غير مسبوقة، والتعنت الإسرائيلي والانحياز الأميركي المتكرر.

وأسفرت وساطة وقف الحرب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، عن إبرام هدنة وحيدة لم تستمر أسبوعاً، تضمنت الإفراج عن 109 رهائن لدى «حماس» و240 معتقلاً فلسطينياً لدى إسرائيل، بخلاف إدخال مزيد من المساعدات للقطاع.
وعلى مدار نحو عام، سعى الوسطاء لإبرام هدنة ثانية، عبر تقديم 4 مقترحات رئيسية، سعت لهدن جزئية نوقشت في العواصم الأربعة، واصطدمت بعقبات إسرائيلية، أبرزها عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، ولم يفلح المقترح الأبرز المتمثل في خريطة الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن في 31 مايو (أيار) 2024 في حلحلة الأزمة.
وكانت إسرائيل هي السبب كما يعتقد السفير بركات الفرا، في إفشال محاولات عديدة لوقف الحرب، خاصة أن إدارة بايدن لم تكن قادرة على الضغط عليها بشكل جاد وحقيقي، ما جعل الحرب تستمر تحت ظروف إنسانية غير مسبوقة.
وباعتقاد غباشي، فإن الوسيط الأميركي منذ الحرب كان سبباً رئيسياً في تعطيل التوصل لاتفاق سريع وحقيقي وجاد، مشيراً إلى أن كل خطوات القاهرة والدوحة للأمام في مسار الوساطة عطلتها واشنطن بانحيازها لإسرائيل.
ومع ولاية جديدة من ترمب، كان الأمل يعود للسلام مجدداً مع رغبة متكررة من الرئيس الوافد الجديد للبيت الأبيض. وأعلن الوسطاء، في 15 يناير (كانون الثاني) 2025، التوصل إلى هدنة تسمح بتسليم 33 رهينة مقابل 1900 أسير فلسطيني، قبل أن تنهار في مارس (آذار) بعد استئناف إسرائيل عمليتها العسكرية مجدداً بالقطاع.
وعلى مدار 3 أشهر، حاول الوسطاء عبر مقترحات عديدة المضي نحو هدنة ثالثة، وكادت التفاهمات تصل في اجتماعات بالدوحة يوليو (تموز) الماضي لاتفاق جديد، قبل أن ينسحب الفريقان التفاوضيان الأميركي والإسرائيلي من المحادثات، وتبادلت «حماس» وإسرائيل اتهامات بالمسؤولية عن تخريبها.
ووسط تصعيد عسكري لاحتلال مدينة غزة، بدأ يتصاعد في أغسطس (آب)، قابله نشاط عربي دولي للاعتراف بدولة فلسطينية في سبتمبر (أيلول)، عاد ترمب للواجهة بخطة في 29 سبتمبر قال إنها ستقود لسلام دائم بغزة، وتجاوبت معها حركة «حماس» وقادة دول عربية وإسلامية، قبل أيام، والاثنين انطلقت مفاوضات جولتها الأولى في مدينة شرم الشيخ المصرية.
وأبدى ترمب، الأحد، تفاؤلاً، وقال في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي: «تم إبلاغي بأنه من المقرر إتمام المرحلة الأولى (من الخطة) هذا الأسبوع، وأدعو الجميع إلى التحرك بسرعة».
ويرى غباشي أن «تجاوب المقاومة مع خطة ترمب فيها قدر كبير من الدهاء، لكن الواقع يقول إننا على مشارف صعوبة في التنفيذ وفي ضبط الإيقاع الإسرائيلي ضمن سياق الاتفاق، وسط مخاوف من تواطؤ أميركي إسرائيلي بعد تسليم الرهائن عبر التراجع عن الوعود».
ويعتقد غباشي أن يكون العام الثالث عام قلق من عدم اكتمال اتفاق وقف الحرب نهائياً في ضوء الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 2026 ومواقف أميركية مزاجية قد تعطل المسار قليلاً ضمن ضغوط غير مقبولة لاحقاً.
ولا يعتقد السفير الفلسطيني السابق بركات الفرا، أن المسار الحالي قد يقود لسلامٍ دائم كما يتحدث ترمب، خاصة أنه قد لا يضغط بشكل حقيقي على نتنياهو بعد تسلم الرهائن الأحياء والجثث كاملين خلال أيام، مستدركاً: «لكن ستحدث هدن جديدة، ونأمل أن تستمر وتقود لسلام دائم، وألا يعرقلها نتنياهو الذي لم يتورع أن يضرب دولة الوساطة قطر الشهر الماضي ويخرب المفاوضات».
وبرأي الفرا، فإن نتنياهو الذي ينتظر انتخابات 2026 (التجديد النصفي للكونغرس)، ويتطلع للاستمرار حفاظاً على مصالحه، سيكون أحرص على ألا تتوقف الحرب بشكل دائم وأن يكون هناك ألغام أمام حدوث ذلك، مؤكداً أن الوساطة لا سيما المصرية والقطرية والشركاء الداعمين لوقف الحرب عليهم دور كبير في تحقيق أمل السلام الدائم الذي يتمناه الجميع.
