انتحار أم قتل... ماذا نعرف عن «متلازمة السقوط الروسي» التي تصاعدت منذ حرب أوكرانيا؟

آخر ضحاياها رئيس «برافدا» السوفياتية الذي «سقط» من نافذته في موسكو

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين بموسكو (الكرملين- أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين بموسكو (الكرملين- أ.ب)
TT

انتحار أم قتل... ماذا نعرف عن «متلازمة السقوط الروسي» التي تصاعدت منذ حرب أوكرانيا؟

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين بموسكو (الكرملين- أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين بموسكو (الكرملين- أ.ب)

شهدت العاصمة الروسية موسكو حادثة جديدة من سلسلة الوفيات الغامضة التي تطول شخصيات بارزة في روسيا، بعد الإعلان عن وفاة فياتشيسلاف ليونتييف، رئيس دار النشر التابعة لصحيفة «برافدا» السوفياتية العريقة، إثر سقوطه من نافذته في ظروف لا تزال قيد التحقيق، وفقاً لموقع «إل بي سي» البريطاني.

وقالت وسائل إعلام روسية، إن ليونتييف، البالغ من العمر 87 عاماً، لقي حتفه بعد سقوطه من ارتفاع لا يقل عن 70 قدماً، في حادث وقع أمس (الأحد) بالقرب من منزله في شارع مولودوغفارديسكايا بالعاصمة الروسية.

وكان ليونتييف قد تولَّى إدارة دار النشر الخاصة بـ«برافدا» التي كانت تُعد الجريدة الرسمية للحزب الشيوعي السوفياتي، وواصل عمله في المؤسسة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وأكدت مصادر أمنية أن الشرطة تحقق في ملابسات الوفاة، لمعرفة ما إذا كانت ناجمة عن انتحار أو حادث عرضي أو عمل جنائي، وسط غياب أي مؤشرات أولية ترجِّح إحدى الفرضيات.

سقوطات متكررة

الصحافي الروسي المنفي أندريه مالغين علَّق على الحادث عبر قناته على «تلغرام» قائلاً: «سقوطات النوافذ مستمرة... ليونتييف سقط من نافذته، وعُثر على جثته قرب منزله». وأضاف أن الراحل «كان يملك معرفة واسعة بأموال الحزب الشيوعي؛ إذ كانت دار نشر (برافدا) من أكثر المؤسسات ربحاً في إمبراطورية اللجنة المركزية للحزب».

ويأتي هذا الحادث بعد أشهر من وفاة أندريه بادالوف، نائب رئيس شركة «ترانس ‌نفْت» لأنابيب النفط الذي عُثر عليه ميتاً أسفل نوافذ منزله في ضواحي موسكو، في واقعة مشابهة.

ظاهرة متكررة منذ الحرب

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، تصاعدت حوادث الوفاة الغامضة التي طالت رجال أعمال ومسؤولين حكوميين وشخصيات عامة، كثير منهم توفُّوا بعد «سقوط عرضي» من نوافذ أو شرفات، وفق الروايات الرسمية.

ورغم أن السلطات صنَّفت بعض الحالات على أنها انتحار أو حوادث فردية، فإن تكرارها وظروفها غير الواضحة أثارا شكوكاً حول احتمال وجود دوافع سياسية أو مالية وراءها؛ خصوصاً أن عدداً من الضحايا كانوا قد أعربوا عن مواقف ناقدة للكرملين أو الحرب في أوكرانيا.

أبرز الوفيات الغامضة خلال الأعوام الأخيرة

أندريه بادالوف، نائب رئيس شركة «ترانس ‌نفْت» (يوليو «تموز» 2025).

ميخائيل روغاتشيف، نائب رئيس شركة «يوكوس» سابقاً (أكتوبر «تشرين الأول» 2024)

فاديم سترويكين، موسيقي وناقد للحرب (فبراير 2025).

بوفايسار سايتييف، بطل أولمبي وسياسي سابق (مارس «آذار» 2025).

كريستينا بايكوفا، نائبة رئيس بنك «لوكو» (يونيو «حزيران» 2023).

مارينا يانكينا، مسؤولة في وزارة الدفاع الروسية (فبراير 2023).

بافل أنطوف، سياسي ورجل أعمال معروف بانتقاداته للحرب (ديسمبر «كانون الأول» 2022).

رافيل ماغانوف، رئيس مجلس إدارة شركة «لوك أويل» (سبتمبر «أيلول» 2022)، وكانت شركته من أوائل من دعا إلى إنهاء العمليات العسكرية.

ويرى مراقبون أن هذه الحوادث التي يصفها بعض النشطاء بـ«متلازمة الموت الروسي المفاجئ»، باتت تثير قلقاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية الروسية، في ظل غياب الشفافية في التحقيقات وتكرار السيناريوهات المتماثلة في كل واقعة.


مقالات ذات صلة

مسلحون يقتلون 10 أشخاص في جنوب أفريقيا

أفريقيا ضباط من إدارة شرطة جوهانسبرج مترو تقوم بتفتيش غرفة نوم خلال مداهمة في مبنى تم الاستيلاء عليه وسط مدينة جوهانسبرج في 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

مسلحون يقتلون 10 أشخاص في جنوب أفريقيا

قتل رجال مسلحون 10 أشخاص وأصابوا عشرة آخرين بجروح قرب جوهانسبرغ، حسب ما أعلنت الشرطة في جنوب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
آسيا الشرطة تبعد مشاة عن مسرح الهجمات الدامية في العاصمة التايوانية تايبيه (أ.ف.ب)

3 قتلى في هجمات تايبيه ومقتل المشتبه به

أسفرت هجمات بقنابل دخانية وعمليات طعن في محطتَين للمترو في تايبيه، الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص بالإضافة إلى المشتبه به.

الولايات المتحدة​ لقطة من مقطع فيديو نشرته شرطة بروفيدنس تُظهر شخصاً قد يكون مشتيهاً به في إطار التحقيق بإطلاق النار في جامعة براون (رويترز)

العثور على المشتبه في إطلاقه النار بجامعة براون بأميركا ميتا

نقلت شبكة ‌فوكس نيوز ‌يوم ‌الخميس ⁠عن ​مصدر ‌أنه تم العثور على المشتبه ⁠به ‌في ‍إطلاق النار ‍الجماعي ‍الذي وقع قبل أيام ​في جامعة براون ⁠ميتا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم أكاليل الزهور على شاطئ بونداي في سيدني تكريماً لضحايا الهجوم الإرهابي 18 ديسمبر 2025 (أ.ب) play-circle

«داعش» يشيد بهجوم أستراليا ويصفه بالـ«مفخرة»

قال تنظيم «داعش» عبر قناته على تطبيق «تلغرام»، الخميس، إن مقتل 15 شخصاً خلال هجوم بالرصاص على احتفال بعيد يهودي على شاطئ بونداي في سيدني في أستراليا «مفخرة».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي أحمد الأحمد الرجل الذي تصدّى لأحد مهاجمي شاطئ بوندي ونزع سلاحه وهو يتحدث إلى رئيس وزراء ولاية نيو ساوث ويلز كريس مينز (أ.ف.ب)

«بطل» شاطئ بوندي مصدر فخر لأهالي قريته في سوريا

في شمال غربي سوريا، يعبر سكان النيرب عن فخرهم بشجاعة ابن قريتهم أحمد الأحمد، «بطل» شاطئ بونداي الذي تمكّن من وقف أعنف هجوم تشهده أستراليا منذ عقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
TT

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)

أكد رئيس وزراء غرينلاند، الثلاثاء، أن القرارات المتعلقة بمستقبل الجزيرة تُتَّخذ على أراضيها، وذلك ردّاً على محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكررة لضمّ هذا الإقليم الدنماركي المتمتع بحكم ذاتي.

وكتب ينس فريدريك نيلسن، عبر «فيسبوك»: «غرينلاند بلدنا. قراراتنا تُتَّخذ هنا». وأعرب عن «حزن» بعد سماعه ترمب يُكرر رغبته في السيطرة على غرينلاند.

وكان ترمب كرّر، الاثنين، أنّ بلاده «بحاجة» إلى غرينلاند؛ لضمان أمنها في مواجهة الصين وروسيا. وسبق له أن أدلى بهذا التصريح بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.

وقال نيلسن: «هذه الكلمات تختزل بلدنا في مسألة أمن وسلطة. هذه ليست نظرتنا إلى أنفسنا، ولا يمكن ولا يجوز أن تُوصف حالتنا في غرينلاند بهذه الطريقة».

وشكر شعب غرينلاند على ردّ فعله «الهادئ والراقي». وأعرب عن امتنانه لدعم عدد كبير من الدول، مضيفاً: «هذا الدعم يؤكد أننا لسنا وحدنا هنا على أرضنا».

في غضون ذلك، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن غرينلاند «ملك لشعبها» وأن «الدنمارك هي ضامنتها». وكتب عبر منصة «إكس»: «أضمّ صوتي إلى أصوات الأوروبيين لأعرب عن تضامننا الكامل».


الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا، بحسب ما قال مدير المنشأة سيرغي تاراكانوف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وصرّح تاراكانوف خلال مقابلة أجرتها معه «وكالة الصحافة الفرنسية» الأسبوع الماضي: «في حال أصابه صاروخ أو مسيّرة مباشرة أو حتّى سقط في محيطه مثلاً صاروخ من نوع (إسكندر)، لا قدّر الله، فقد يُحدث ذلك زلزالاً صغيراً في المنطقة».

وأكّد أن «لا أحد في وسعه أن يضمن أن الملجأ سيبقى قائماً بعد ذلك. وهذا هو أكبر تهديد».

والمحطّة النووية مدّعمة بهيكل من الفولاذ والإسمنت من الداخل أقيم على عجالة بعد الكارثة النووية سنة 1986 وهي مغلّفة أيضاً بغلاف خارجي حديث وعالي التطوّر يطلق عليه اسم «عازل الأمان الجديد» (NSC).

وقد تعرّض الغلاف الخارجي لأضرار كبيرة إثر ضربة بمسيّرة روسية في فبراير (شباط) تسبّبت في حريق ضخم في التكسية الخارجية للهيكل الفولاذي.

وأشار تاراكانوف إلى أن «عازلنا خسر الكثير من مهامه الرئيسية. ونحن بحاجة إلى ثلاث أو أربع سنوات لإعادة هذه الخصائص».

وما زال مستوى الإشعاعات في الموقع «مستقرّاً وبحدود العادة»، وفق المدير.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع الشهر أن بعثة تفتيش لاحظت أن الملجأ «فقد مهامه الأمنية الأساسية، لا سيّما قدراته العازلة، لكن ما من أضرار دائمة في الهيكليات الداعمة أو أنظمة المراقبة».

وتمّت تغطية الفجوة التي خلّفتها الغارة الروسية بستار حامٍ، بحسب تاراكانوف، لكن لا بدّ من سدّ 300 ثغرة صغيرة أحدثها عناصر الإطفاء لمكافحة النيران.

وكان الجيش الروسي قد استولى على المحطّة في بداية الحرب سنة 2022 قبل أن ينسحب منها بعد بضعة أسابيع.


حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

في وقت تدخل فيه الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الرابع، تتقاطع مسارات التفاوض الدبلوماسي مع مؤشرات متزايدة على ضغوط اقتصادية عميقة داخل روسيا، وتحذيرات سياسية صريحة في واشنطن من مغبة تقديم تنازلات للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وبينما تتحدث كييف عن اقتراب المفاوضات من «نتيجة حقيقية»، تصف موسكو التقدم بأنه «بطيء»، في مشهد يعكس فجوة التوقعات وحساسية اللحظة السياسية والعسكرية.

تباين روسي أوكراني

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن، الاثنين، أن المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية باتت «قريبة جداً من تحقيق نتيجة حقيقية» لإنهاء الحرب. وجاء ذلك بعد سلسلة اجتماعات عقدها وفد أوكراني رفيع برئاسة رستم أوميروف مع مبعوثين أميركيين وأوروبيين، بينها لقاءات استضافتها ولاية فلوريدا خلال الأيام الماضية. وفي الوقت نفسه، أجرى المفاوض الروسي كيريل ديمترييف، مبعوث بوتين، محادثات منفصلة مع مسؤولين أميركيين في الولاية نفسها، في مؤشر على تعدد القنوات وحرص واشنطن على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الطرفين.

زيلينسكي أوضح، في تجمع مخصص للدبلوماسيين الأوكرانيين، أن المفاوضات تتركز على خطة من 20 نقطة طرحها المبعوثون الأميركيون، ولا تزال قيد النقاش منذ أسابيع. وأشار إلى أن مسودات الاتفاق الحالية تتضمن نحو 90 في المائة من مطالب كييف، مع إقراره بأن أياً من الطرفين لن يحصل على كل ما يريده. غير أن الرئيس الأوكراني شدد على ضرورة أن يطلع الكونغرس الأميركي على الوثيقة الثنائية، مع الإبقاء على بعض التفاصيل والملاحق السرية، في محاولة لتأمين غطاء سياسي داخلي لأي اتفاق محتمل.

في المقابل، بدت نبرة موسكو أكثر تحفظاً. نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف تحدث عن «تقدم بطيء» في المحادثات مع الولايات المتحدة.

واقع اقتصادي صعب

هذا التباين في التوصيف بين «تقدم قوي» من وجهة نظر كييف و«بطء» من وجهة نظر موسكو، يعكس واقعاً أكثر تعقيداً على الأرض. فالحرب لم تُحسم عسكرياً، لكن كلفتها الاقتصادية والسياسية باتت أثقل على روسيا بشكل متزايد. تقارير اقتصادية غربية تشير إلى أن موسكو استنزفت معظم احتياطياتها النقدية التي اعتمدت عليها في تمويل طفرة الإنفاق العسكري، فيما تتزايد المخاوف من أزمة مصرفية محتملة في عام 2026 إذا استمرت الضغوط الحالية.

وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن العقوبات الأميركية والأوروبية، ولا سيما تلك التي استهدفت قطاع الطاقة، بدأت تترك آثاراً ملموسة.

عائدات النفط والغاز الروسية تراجعت بنسب كبيرة، مع اضطرار موسكو لبيع نفطها بخصومات حادة، في وقت صُممت فيه موازنة عام 2025 على أسعار أعلى بكثير. كما اضطرت الحكومة إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية لكبح التضخم، ما أضر بالاستثمار وأثقل كاهل الشركات والأسر. ويحذر اقتصاديون من أن توسع الإقراض للقطاع الدفاعي، في ظل ضوابط أقل صرامة، خلق «كتلة معتمة» من الديون داخل النظام المصرفي قد تتحول إلى مصدر عدم استقرار واسع.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث لصحافيين في كييف الاثنين (إ.ب.أ)

أصوات أميركية تحذر

هذه المعطيات دفعت أصواتاً نافذة في الولايات المتحدة إلى التحذير من سوء قراءة ميزان القوى. في مقال مشترك في صحيفة «واشنطن بوست»، أكد السيناتوران جين شاهين (ديمقراطية) وميتشل ماكونيل (جمهوري) أن «روسيا لا تنتصر»، محذرين من الوقوع في فخ رواية بوتين القائلة إن أوكرانيا عاجزة عن الصمود.

وأشارا إلى أن موسكو تكبدت خسائر بشرية ومادية فادحة، وأن اقتصادها يدفع ثمناً باهظاً للحرب، ما يجعل إطالة أمد الصراع خياراً اضطرارياً لا تفضيلاً استراتيجياً.

ويرى هؤلاء أن أي تسوية تفاوضية حقيقية لا يمكن أن تنجح إلا إذا جاءت نتيجة تعزيز موقف أوكرانيا، لا إضعافه. فالتنازل لروسيا عما عجزت عن تحقيقه بالقوة، وفق هذا المنطق، لن يؤدي إلى سلام دائم، بل سيشجع موسكو على مواصلة سياسة فرض الأمر الواقع، ليس في أوكرانيا وحدها، بل في فضاءات أمنية أوروبية أوسع.

وفي الاتجاه نفسه، حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، من أن أخطر ما يواجه أوكرانيا حالياً لا يكمن في الهزيمة العسكرية، بل في الأخطاء السياسية الغربية. واعتبر بولتون أن تردد الاتحاد الأوروبي وفشله في التوافق على استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم كييف، بعث برسالة ضعف واضحة إلى موسكو، عززت قناعة بوتين بأن عامل الوقت يعمل لمصلحته. وانتقد بولتون ما وصفه بـ«الدبلوماسية الموالية لروسيا» التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترمب، معتبراً أن السعي إلى إنجاز اتفاق سلام سريع، من دون استراتيجية أمن قومي واضحة أو ضمانات حقيقية لأوكرانيا، يخدم الكرملين أكثر مما يخدم الاستقرار الأوروبي.

جدل داخلي

في هذا السياق، يبرز جدل داخلي في واشنطن حول نهج الإدارة الأميركية الحالية. فبينما يروج الرئيس ترمب لدوره كصانع سلام محتمل، يشكك منتقدون في جدوى مقاربة تركز على «إنجاز اتفاق» بأي ثمن، من دون تغيير حقيقي في موازين القوة. كما يلفتون إلى أن المفاوضات المتكررة مع موسكو لم تُفضِ حتى الآن إلى تنازلات روسية جوهرية، سواء على الأرض أو على طاولة التفاوض.

جنود من الجيش الروسي يقودون دبابة في أحد شوارع دونيتسك الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)

أما أوروبا، فتواجه بدورها اختباراً صعباً. فالتردد في استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا، والانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن حجم ونوعية الدعم، يبعثان برسائل ضعف، وفق منتقدين غربيين. ومع تراجع الدعم الشعبي في بعض الدول الأوروبية، تتزايد المخاوف من أن يراهن الكرملين على عامل الوقت وتآكل وحدة الغرب.

في المحصلة، تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».