ضربات روسية أوكرانية متبادلة على البنى التحتية في البلدين

كييف تشن هجوماً على مصفاة نفط قرب سان بطرسبورغ وقوات موسكو تستهدف السكك الحديدية

الدخان يتصاعد من من عربة قطار أوكرانية تم استهدافها من قبل المسيرات الروسية(رويترز)
الدخان يتصاعد من من عربة قطار أوكرانية تم استهدافها من قبل المسيرات الروسية(رويترز)
TT

ضربات روسية أوكرانية متبادلة على البنى التحتية في البلدين

الدخان يتصاعد من من عربة قطار أوكرانية تم استهدافها من قبل المسيرات الروسية(رويترز)
الدخان يتصاعد من من عربة قطار أوكرانية تم استهدافها من قبل المسيرات الروسية(رويترز)

ذكرت السلطات الأوكرانية، السبت، أن روسيا شنَّت سلسلة من الهجمات بطائرات مقاتلة من دون طيار حلقت قرب مدينتي دنيبرو وخاركيف. بالإضافة إلى المسيرات، تم نشر طائرات مقاتلة روسية أيضاً، حسبما ذكرت وكالة أنباء «أوكرينفورم».

وتعرضت مدينة زابوريجيا ومحيطها لهجوم بقنابل موجهة في وقت متأخر من مساء الجمعة. وأطلقت أوكرانيا بدورها أيضاً طائرات مسيرة باتجاه روسيا ليل الجمعة.

وعلقت المطارات في كالوجا وفولجوجراد وساراتوف عملياتها الجوية مؤقتاً دون إبداء أي أسباب محددة، وعادة ما يكون ذلك تحذيراً من هجمات محتملة بطائرات مسيرة. ولم تعلق القوات المسلحة الأوكرانية على الأمر.

رجاء الاطفاء يعملون على اخماد النيران في عربة قطار أوكرانية تم استهدافها من قبل المسيرات الروسية(رويترز)

أصابت ضربة روسية بطائرات مسيرة قطار ركاب في محطة بمنطقة سومي شمال أوكرانيا مما أدى إلى إصابة العشرات. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن طائرة روسية من دون طيار شنَّت هجوماً، السبت، على محطة للسكك الحديدية، بينما صعدت موسكو ضرباتها على شبكات السكك الحديدية والكهرباء في أوكرانيا قبل الشتاء الرابع منذ غزوها الشامل.

من جانبه، أشار الجيش الروسي إلى أنه نفَّذ «ضربات مكثفة بأسلحة عالية الدقة» ضد المجمع العسكري الصناعي في أوكرانيا و«البنية التحتية للغاز والطاقة التي تدعم عملياتها». وأعلنت وزارة الكهرباء الأوكرانية عن انقطاع التيار الكهربائي في عدة مناطق من دون مزيد من التفاصيل.

آثار الدمار في حي سكني تعرض لضربة روسية بطائرة مسيّرة وصاروخ في ضواحي كييف 28 سبتمبر (رويترز)

وكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تطبيق «تلغرام»: «ضربة وحشية روسية بمسيرات على محطة قطارات في شوستكا بمنطقة سومي». ونشر مقطع فيديو لعربة ركاب محطمة ومحترقة وعربات أخرى تحطمت نوافذها. وقال زيلينسكي إن 30 شخصاً على الأقل أُصيبوا بجروح في الهجوم على شوستكا، وهي مدينة تقع شمال شرقي كييف على بُعد نحو 70 كيلومتراً من الحدود الروسية.

وذكر حاكم منطقة سومي أوليه هريهوروف أن الهجوم استهدف القطار الذي كان متجهاً من شوستكا إلى العاصمة كييف. وأضاف أن المسعفين ورجال الإنقاذ يعملون في موقع الحادث. وقالت رئيسة إدارة المنطقة المحلية، أوكسانا تاراسيوك، لـ«هيئة الإذاعة العامة» الأوكرانية، إن نحو 30 شخصاً أُصيبوا بجروح جراء الهجوم. ولم ترد تقارير عن وفيات حتى الآن.

كما أعلنت شركة «نافتوغاز» الأوكرانية العامة المشغلة لشبكة الغاز الجمعة أن روسيا شنت ليلاً «أوسع هجوم» على منشآت لإنتاج الغاز في البلاد، منذ بدء الغزو الروسي في 2022، مستخدمةً 35 صاروخاً و60 طائرة مسيَّرة. وقال رئيس مجلس إدارة المجموعة، سيرغيي كوريتسكي، عبر «فيسبوك»: «تضرر جزء كبير من منشآتنا. وبعض الأضرار جسيمة»، مندداً بـ«بإرهاب متعمد» من جانب موسكو يستهدف منشآت مدنية.

وكان سلاح الجو الأوكراني قد ذكر، الجمعة، أن روسيا هاجمت منشآت الطاقة الأوكرانية في العديد من المناطق بالمسيرات والصواريخ. ووقعت الهجمات الرئيسية في منطقة بولتافا بوسط البلاد وخاركيف إلى الشرق.

بدورها، قالت مصادر روسية: «اندلع حريق في إحدى أكبر مصافي النفط في روسيا بالقرب من مدينة سان بطرسبورغ شمال غربي روسيا، بعد هجوم جديد بطائرة من دون طيار أوكرانية، طبقاً لما أكده حاكم المنطقة، السبت. وتم إخماد الحريق في المنطقة الصناعية بمدينة كيريشي في وقت لاحق»، حسبما كتب حاكم لينينغراد، ألكسندر دروزدنكو على تطبيق «تلغرام». وأسقطت الدفاعات الجوية 7 طائرات مسيرة، طبقاً لما ذكره دروزدنكو. كما نشر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للغارات الجوية الليلية. وكان هذا الهجوم الثاني على المصفاة خلال بضعة أسابيع.

وتقع كيريشي على بُعد 800 كيلومتر شمال أوكرانيا. وتضم مصفاة كيريشينفتيورجسينتيز، المعروفة أيضا باسم كينيف، المملوكة لـ«شركة سورجوت نفط غاز»، المرتبطة بالكرملين. ومع قدرة معالجة تبلغ نحو 20 مليون طن من النفط سنوياً؛ فهي واحدة من أكبر منشآت النفط في روسيا.

وقال مصدر في جهاز الأمن الأوكراني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، إن كييف ضربت مصفاة على بُعد نحو 1400 كيلومتر من الجبهة في منطقة أورينبورغ الروسية قرب كازاخستان.

وأظهرت مقاطع فيديو غير مؤكدة على وسائل التواصل الاجتماعي طائرة مسيَّرة تصطدم بما بدا أنه مصفاة؛ ما أدى إلى تصاعد عمود من الدخان الرمادي في السماء.

وقال الحاكم الروسي للمنطقة على وسائل التواصل الاجتماعي إن طائرة مسيرة ضربت منشأة صناعية، دون الخوض في التفاصيل.

جنديان أوكرانيان يطلقان طائرة استطلاع مُسيّرة قرب الجبهة في دونيتسك (أرشيفية-رويترز)

وفي سياق متصل، دعا المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، كلاً من أوكرانيا وروسيا إلى إظهار «الإرادة السياسية» اللازمة للحفاظ على سلامة المنطقة المحيطة بمحطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها روسيا، وذلك للسماح بإعادة توصيل خط الكهرباء الخارجي بالمنشأة.

استولت القوات الروسية على المحطة، وهي الأكبر في أوروبا، وبها 6 مفاعلات، في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا. وانقطعت الكهرباء عن المنشأة منذ 23 سبتمبر (أيلول)، وهي المرة العاشرة التي ينقطع فيها خط الكهرباء.

ولا تنتج المحطة كهرباء، ولكن يتم تبريد الوقود في مفاعلاتها بواسطة مولدات ديزل طارئة. وطالب غروسي مدير عام الوكالة التابعة للأمم المتحدة بضرورة إعادة تشغيل خط الكهرباء الخارجي.

وقال في بيان، كما نقلت عنه «رويترز»: «يؤكد الجانبان استعدادهما لإجراء الإصلاحات اللازمة على جانبي خط المواجهة. ولكن لكي يحدث ذلك، يجب أن يتحسن الوضع الأمني ​​على الأرض حتى يتمكن الفنيون من أداء عملهم الحيوي دون تعريض حياتهم للخطر». وأضاف: «أدعو الجانبين إلى اتخاذ ما يلزم لمنع المزيد من التدهور. إنها مسألة إرادة سياسية، وليست مسألة إمكانية ذلك من الناحية الفنية، وهو أمر مؤكد».

ويتبادل الجانبان الاتهامات بالمساس بالسلامة النووية.

مبنى سكني متضرر إثر هجوم بطائرة روسية من دون طيار في منطقة سومي الأوكرانية (أ.ف.ب)

وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا، الخميس، من أنها تمارس لعبة خطيرة بشنها ضربات بالقرب من المحطة. واتهم وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيا، موسكو، بتعمد قطع الوصلة الكهربائية من أجل ربط المحطة بالشبكة الكهربائية الخاصة بها. وقال غروسي في بيانه إن انقطاع التيار الكهربائي الخارجي، الأسبوع الماضي، عن محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية المتوقفة عن العمل (موقع أسوأ حادث نووي مدني في العالم عام 1986) استمر 16 ساعة.


مقالات ذات صلة

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

أوروبا محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا صورة للواء الآلي الرابع والعشرين التابع للقوات المسلحة الأوكرانية في 22 ديسمبر 2025 تُظهر الدمار الذي لحق بمدينة كوستيانتينيفكا في منطقة دونيتسك أوكرانيا (إ.ب.أ)

الجيش الأوكراني ينسحب من مدينة سيفرسك في شرق البلاد

أعلن الجيش الأوكراني انسحابه من بلدة سيفرسك، شرق البلاد، بعدما كانت القوات الروسية أعلنت في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي السيطرة عليها.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

زيلينسكي: المفاوضات الجارية يمكن أن تغير الوضع جذرياً

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، إن المفاوضات الجارية حالياً بشأن الحرب الروسية - الأوكرانية يمكن أن تُحدِث تغييراً جذرياً في الوضع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجل إنقاذ يعمل على إخماد نيران اندلعت جراء القصف الروسي الثلاثاء (أ.ب)

ضربات روسية واسعة النطاق على أوكرانيا

تشنّ روسيا ضربات على أوكرانيا كل ليلة تقريباً، مستهدفةً بشكل خاص البنى التحتية للطاقة، خصوصاً خلال فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
TT

رئيس وزراء غرينلاند: مصير الإقليم يُحسم على أراضيه

رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)
رجل يمر بجوار تمثال لهانز إيغيده الذي اضطلع بدور مهم في تاريخ غرينلاند ويبدو العلم الدنماركي (رويترز)

أكد رئيس وزراء غرينلاند، الثلاثاء، أن القرارات المتعلقة بمستقبل الجزيرة تُتَّخذ على أراضيها، وذلك ردّاً على محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتكررة لضمّ هذا الإقليم الدنماركي المتمتع بحكم ذاتي.

وكتب ينس فريدريك نيلسن، عبر «فيسبوك»: «غرينلاند بلدنا. قراراتنا تُتَّخذ هنا». وأعرب عن «حزن» بعد سماعه ترمب يُكرر رغبته في السيطرة على غرينلاند.

وكان ترمب كرّر، الاثنين، أنّ بلاده «بحاجة» إلى غرينلاند؛ لضمان أمنها في مواجهة الصين وروسيا. وسبق له أن أدلى بهذا التصريح بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.

وقال نيلسن: «هذه الكلمات تختزل بلدنا في مسألة أمن وسلطة. هذه ليست نظرتنا إلى أنفسنا، ولا يمكن ولا يجوز أن تُوصف حالتنا في غرينلاند بهذه الطريقة».

وشكر شعب غرينلاند على ردّ فعله «الهادئ والراقي». وأعرب عن امتنانه لدعم عدد كبير من الدول، مضيفاً: «هذا الدعم يؤكد أننا لسنا وحدنا هنا على أرضنا».

في غضون ذلك، أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن غرينلاند «ملك لشعبها» وأن «الدنمارك هي ضامنتها». وكتب عبر منصة «إكس»: «أضمّ صوتي إلى أصوات الأوروبيين لأعرب عن تضامننا الكامل».


الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

الملجأ المضاد للإشعاعات بمحطّة تشيرنوبيل النووية قد ينهار بضربة روسية

محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)
محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا (أ.ف.ب)

قد تؤدّي ضربة روسية إلى انهيار الملجأ المضاد للإشعاعات داخل محطّة تشيرنوبيل النووية التي توقّفت عن العمل راهناً في أوكرانيا، بحسب ما قال مدير المنشأة سيرغي تاراكانوف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وصرّح تاراكانوف خلال مقابلة أجرتها معه «وكالة الصحافة الفرنسية» الأسبوع الماضي: «في حال أصابه صاروخ أو مسيّرة مباشرة أو حتّى سقط في محيطه مثلاً صاروخ من نوع (إسكندر)، لا قدّر الله، فقد يُحدث ذلك زلزالاً صغيراً في المنطقة».

وأكّد أن «لا أحد في وسعه أن يضمن أن الملجأ سيبقى قائماً بعد ذلك. وهذا هو أكبر تهديد».

والمحطّة النووية مدّعمة بهيكل من الفولاذ والإسمنت من الداخل أقيم على عجالة بعد الكارثة النووية سنة 1986 وهي مغلّفة أيضاً بغلاف خارجي حديث وعالي التطوّر يطلق عليه اسم «عازل الأمان الجديد» (NSC).

وقد تعرّض الغلاف الخارجي لأضرار كبيرة إثر ضربة بمسيّرة روسية في فبراير (شباط) تسبّبت في حريق ضخم في التكسية الخارجية للهيكل الفولاذي.

وأشار تاراكانوف إلى أن «عازلنا خسر الكثير من مهامه الرئيسية. ونحن بحاجة إلى ثلاث أو أربع سنوات لإعادة هذه الخصائص».

وما زال مستوى الإشعاعات في الموقع «مستقرّاً وبحدود العادة»، وفق المدير.

وأعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع الشهر أن بعثة تفتيش لاحظت أن الملجأ «فقد مهامه الأمنية الأساسية، لا سيّما قدراته العازلة، لكن ما من أضرار دائمة في الهيكليات الداعمة أو أنظمة المراقبة».

وتمّت تغطية الفجوة التي خلّفتها الغارة الروسية بستار حامٍ، بحسب تاراكانوف، لكن لا بدّ من سدّ 300 ثغرة صغيرة أحدثها عناصر الإطفاء لمكافحة النيران.

وكان الجيش الروسي قد استولى على المحطّة في بداية الحرب سنة 2022 قبل أن ينسحب منها بعد بضعة أسابيع.


حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

حرب أوكرانيا... مفاوضات على حافة الاختبار

رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)
رجال إطفاء يعملون على إخماد حريق جراء قصف روسي على مرفأ في منطقة أوديسا الأوكرانية الثلاثاء (إ.ب.أ)

في وقت تدخل فيه الحرب الروسية - الأوكرانية عامها الرابع، تتقاطع مسارات التفاوض الدبلوماسي مع مؤشرات متزايدة على ضغوط اقتصادية عميقة داخل روسيا، وتحذيرات سياسية صريحة في واشنطن من مغبة تقديم تنازلات للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. وبينما تتحدث كييف عن اقتراب المفاوضات من «نتيجة حقيقية»، تصف موسكو التقدم بأنه «بطيء»، في مشهد يعكس فجوة التوقعات وحساسية اللحظة السياسية والعسكرية.

تباين روسي أوكراني

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن، الاثنين، أن المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة ودول أوروبية باتت «قريبة جداً من تحقيق نتيجة حقيقية» لإنهاء الحرب. وجاء ذلك بعد سلسلة اجتماعات عقدها وفد أوكراني رفيع برئاسة رستم أوميروف مع مبعوثين أميركيين وأوروبيين، بينها لقاءات استضافتها ولاية فلوريدا خلال الأيام الماضية. وفي الوقت نفسه، أجرى المفاوض الروسي كيريل ديمترييف، مبعوث بوتين، محادثات منفصلة مع مسؤولين أميركيين في الولاية نفسها، في مؤشر على تعدد القنوات وحرص واشنطن على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع الطرفين.

زيلينسكي أوضح، في تجمع مخصص للدبلوماسيين الأوكرانيين، أن المفاوضات تتركز على خطة من 20 نقطة طرحها المبعوثون الأميركيون، ولا تزال قيد النقاش منذ أسابيع. وأشار إلى أن مسودات الاتفاق الحالية تتضمن نحو 90 في المائة من مطالب كييف، مع إقراره بأن أياً من الطرفين لن يحصل على كل ما يريده. غير أن الرئيس الأوكراني شدد على ضرورة أن يطلع الكونغرس الأميركي على الوثيقة الثنائية، مع الإبقاء على بعض التفاصيل والملاحق السرية، في محاولة لتأمين غطاء سياسي داخلي لأي اتفاق محتمل.

في المقابل، بدت نبرة موسكو أكثر تحفظاً. نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف تحدث عن «تقدم بطيء» في المحادثات مع الولايات المتحدة.

واقع اقتصادي صعب

هذا التباين في التوصيف بين «تقدم قوي» من وجهة نظر كييف و«بطء» من وجهة نظر موسكو، يعكس واقعاً أكثر تعقيداً على الأرض. فالحرب لم تُحسم عسكرياً، لكن كلفتها الاقتصادية والسياسية باتت أثقل على روسيا بشكل متزايد. تقارير اقتصادية غربية تشير إلى أن موسكو استنزفت معظم احتياطياتها النقدية التي اعتمدت عليها في تمويل طفرة الإنفاق العسكري، فيما تتزايد المخاوف من أزمة مصرفية محتملة في عام 2026 إذا استمرت الضغوط الحالية.

وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن العقوبات الأميركية والأوروبية، ولا سيما تلك التي استهدفت قطاع الطاقة، بدأت تترك آثاراً ملموسة.

عائدات النفط والغاز الروسية تراجعت بنسب كبيرة، مع اضطرار موسكو لبيع نفطها بخصومات حادة، في وقت صُممت فيه موازنة عام 2025 على أسعار أعلى بكثير. كما اضطرت الحكومة إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية لكبح التضخم، ما أضر بالاستثمار وأثقل كاهل الشركات والأسر. ويحذر اقتصاديون من أن توسع الإقراض للقطاع الدفاعي، في ظل ضوابط أقل صرامة، خلق «كتلة معتمة» من الديون داخل النظام المصرفي قد تتحول إلى مصدر عدم استقرار واسع.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتحدث لصحافيين في كييف الاثنين (إ.ب.أ)

أصوات أميركية تحذر

هذه المعطيات دفعت أصواتاً نافذة في الولايات المتحدة إلى التحذير من سوء قراءة ميزان القوى. في مقال مشترك في صحيفة «واشنطن بوست»، أكد السيناتوران جين شاهين (ديمقراطية) وميتشل ماكونيل (جمهوري) أن «روسيا لا تنتصر»، محذرين من الوقوع في فخ رواية بوتين القائلة إن أوكرانيا عاجزة عن الصمود.

وأشارا إلى أن موسكو تكبدت خسائر بشرية ومادية فادحة، وأن اقتصادها يدفع ثمناً باهظاً للحرب، ما يجعل إطالة أمد الصراع خياراً اضطرارياً لا تفضيلاً استراتيجياً.

ويرى هؤلاء أن أي تسوية تفاوضية حقيقية لا يمكن أن تنجح إلا إذا جاءت نتيجة تعزيز موقف أوكرانيا، لا إضعافه. فالتنازل لروسيا عما عجزت عن تحقيقه بالقوة، وفق هذا المنطق، لن يؤدي إلى سلام دائم، بل سيشجع موسكو على مواصلة سياسة فرض الأمر الواقع، ليس في أوكرانيا وحدها، بل في فضاءات أمنية أوروبية أوسع.

وفي الاتجاه نفسه، حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، من أن أخطر ما يواجه أوكرانيا حالياً لا يكمن في الهزيمة العسكرية، بل في الأخطاء السياسية الغربية. واعتبر بولتون أن تردد الاتحاد الأوروبي وفشله في التوافق على استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم كييف، بعث برسالة ضعف واضحة إلى موسكو، عززت قناعة بوتين بأن عامل الوقت يعمل لمصلحته. وانتقد بولتون ما وصفه بـ«الدبلوماسية الموالية لروسيا» التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترمب، معتبراً أن السعي إلى إنجاز اتفاق سلام سريع، من دون استراتيجية أمن قومي واضحة أو ضمانات حقيقية لأوكرانيا، يخدم الكرملين أكثر مما يخدم الاستقرار الأوروبي.

جدل داخلي

في هذا السياق، يبرز جدل داخلي في واشنطن حول نهج الإدارة الأميركية الحالية. فبينما يروج الرئيس ترمب لدوره كصانع سلام محتمل، يشكك منتقدون في جدوى مقاربة تركز على «إنجاز اتفاق» بأي ثمن، من دون تغيير حقيقي في موازين القوة. كما يلفتون إلى أن المفاوضات المتكررة مع موسكو لم تُفضِ حتى الآن إلى تنازلات روسية جوهرية، سواء على الأرض أو على طاولة التفاوض.

جنود من الجيش الروسي يقودون دبابة في أحد شوارع دونيتسك الأوكرانية (أرشيفية - رويترز)

أما أوروبا، فتواجه بدورها اختباراً صعباً. فالتردد في استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا، والانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن حجم ونوعية الدعم، يبعثان برسائل ضعف، وفق منتقدين غربيين. ومع تراجع الدعم الشعبي في بعض الدول الأوروبية، تتزايد المخاوف من أن يراهن الكرملين على عامل الوقت وتآكل وحدة الغرب.

في المحصلة، تقف حرب أوكرانيا عند مفترق حساس: مفاوضات مكثفة لكنها غير حاسمة، واقتصاد روسي يواجه ضغوطاً غير مسبوقة، وتحذيرات أميركية من الوقوع في وهم «السلام السريع».