كيف ساهم تراكم الأزمات في اندلاع احتجاجات حركة «الجيل زد» بالمغرب؟

محللون يرون أن المظاهرات تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية أبرزها «غياب العدالة الاجتماعية»

حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
TT

كيف ساهم تراكم الأزمات في اندلاع احتجاجات حركة «الجيل زد» بالمغرب؟

حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)

يرى محللون أن بروز حركة «جيل زد 212»، التي يقودها الشبان في المغرب، وتواصل احتجاجاتها منذ نحو أسبوع، لا يمكن فصلهما عما يجري في تجارب دول أخرى، لكنهما في الجوهر يعبران عن اختناق وتراكم أزمات محلية. وأطلقت حركة «الجيل زد 212» دعوات للاحتجاج سلمياً لمحاربة الفساد، وإقرار العدالة الاجتماعية يومي 27 و28 سبتمبر (أيلول) الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصة «ديسكورد» للألعاب الإلكترونية، قبل أن تتواصل طوال الأسبوع الماضي.

تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية

يقول أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط لوكالة «رويترز» إنه قد تتشابه حركة «جيل زد» مع حركات الجيل نفسه، التي عرفتها بعض دول العالم، مثل نيبال، ومدغشقر، وبيرو، لكنها تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية، مضيفاً أن «ما يعيشه المغرب من فساد، وتدهور التعليم والصحة، وغياب العدالة الاجتماعية، كله يشكل الأرضية الملائمة لتأجيج مثل هذه الاحتجاجات».

محللون يرون أن المظاهرات تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية أبرزها «غياب العدالة الاجتماعية» (إ.ب.أ)

وبدأت شرارة الاحتجاجات من أكادير جنوب المغرب، عندما توفيت ثماني نساء حوامل في أقل من شهر في مستشفى عمومي هناك، لتمتد إلى عدد من مدن المغرب، مطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد. وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح العشرات في صفوف المواطنين ورجال الأمن. لكن شبان «جيل زد» تبرأوا من هذه الأحداث، ونددوا بها، ودعوا إلى مواصلة الاحتجاج سلمياً. بينما قالت السلطات إن أغلب المسؤولين عن أحداث الشغب هم من القاصرين والأطفال. وسبق للمغرب أن شهد أحداثاً مماثلة، عندما تحولت إضرابات عامة في سنوات 1981 و1984 و1990 إلى أحداث شغب، وإطلاق نار، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. لكن الأحداث السابقة كانت تقودها اتحادات عمالية، وأحزاب سياسية دعت إلى إضرابات عامة، حيث كانت هذه التنظيمات تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة.

أما حركة «الجيل زد» فتتشابه، بحسب أحمد البوز، مع حركة (20 فبراير) التي قادها الشبان أيضاً، «وحركت احتجاجات النسخة المغربية من الربيع العربي في 2011، وجنت إدخال بعض التعديلات على الدستور المغربي».

وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص (أ.ف.ب)

وأضاف البوز موضحاً: «هذا ما أسميه ذهنية الاحتجاج، التي ورثها الشباب المغربي من 20 فبراير، لأنني أعتبر أن هناك تشابهاً بين الحركتين على الأقل من حيث دور الشباب في إشعالهما، ومن حيث البعد الوطني الذي اتخذته الاحتجاجات».

من جانبه، اعتبر محمد الشهبي، الباحث في العلوم السياسية، أن مصطلح «جيل زد»، غالباً لا يكون بعيداً عن المعنى العالمي، ولكن له أبعاد خاصة مرتبطة بالواقع المغربي.

وقال الشهبي لـ«رويترز» إن «جيل زد» المقصود به الشباب المغاربة المولودون تقريباً بين أواخر التسعينات من القرن الماضي وبداية 2010، وهم تلاميذ وطلبة، أو شباب في بداية حياتهم المهنية، ويتميزون بوعي رقمي كبير، وانفتاح غير مسبوق على العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الجيل ليس مجرد نسخة محلية من نظيره العالمي... فمطالبه في السياق المغربي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي ملموس.

أزمة ثقة

يرى مراقبون أن معظم الشبان المغاربة لا يثقون في العمل السياسي، ويعتبرون الأحزاب «مجرد دكاكين سياسية»، تفتح في فترة الانتخابات لتعطي الوعود وتستقطب الأصوات، وتغلق بعد صدور النتائج متنكرة لوعودها في أغلب الأحيان.

كما أن معظم الأحزاب السياسية لا تجدد برامجها، ولا تعطي فرصة للشبان لتولي القيادة. وفي هذا السياق قال الشهبي إن «المغرب يعيش منذ عقود أزمة تمثيل سياسي حادة، فالأحزاب التقليدية فقدت مصداقيتها لدى الشباب، لا لضعف برامجها فحسب، بل لارتهانها لمنطق التوافق، ما جعلها تبدو على أنها جزء من المشكلة لا الحل... كما أن الحركة النقابية، التي كانت ذات يوم قاطرة للمطالب الاجتماعية، تراجعت قوتها التنظيمية والتعبوية، خاصة في صفوف الشباب غير المنخرطين في سوق الشغل الرسمي».

ومن هنا يعتبر الشهبي أن «هذا الفراغ ولد احتجاجاً من دون قائد أو زعيم، يعتمد على الشبكات الرقمية، بدل الهياكل التقليدية، وهو احتجاج يفتقر إلى الاستمرارية والاستراتيجية، لكنه يعبر عن أزمة ثقة جوهرية في المؤسسات الوسيطة، من أحزاب ونقابات وجمعيات». وتصل نسبة البطالة في المغرب إلى 12.8 في المائة، وتبلغ نسبتها بين الشبان 35.8 في المائة، وبين الخريجين 19 في المائة، وفقاً لبيانات المندوبية السامية للتخطيط.

من جهته، ذكر محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة لـ«رويترز» أن «هناك تحولاً ديموغرافياً، بحيث إن ثلث الهرم السكاني في المغرب من الشباب ما بين 15 و35 عاماً. لكن السياسات العمومية لم تستثمر هذا الرأسمال البشري، أو القوة الصاعدة في التنمية، كما فعل عدد من الدول». وأضاف العمراني أنه «رغم المجهودات المبذولة، بقيت هذه الفئة مهمشة... وبالتالي أصبحت قنبلة موقوتة».

يرى العمراني أن السياسات العمومية «لم تستثمر الشباب باعتباره قوة صاعدة في التنمية فأصبح بالتالي قنبلة موقوتة» (رويترز)

ويتفق مع هذا الطرح البوز بقوله إن هذا الجيل «تشكل في سياق وطني خاص، علامته البارزة أزمة بطالة متفاقمة، وتراجع الخدمات العمومية، وضعف الثقة في الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، وإحساس بالتهميش»، مضيفاً أن خصوصيته «تكمن في أنه يترجم هذه الأزمات عبر أشكال جديدة من التعبير والاحتجاج، لا تخضع بالضرورة للقوالب الكلاسيكية، بل تبدو نافرة لها، كما أنها تحاول ألا تضفي على نفسها أبعاداً سياسية حتى وإن كانت لا تخلو من ذلك». وتواصل حركة «جيل زد 212» احتجاجاتها في عدد من مدن المملكة، بعد أن سمحت لها السلطات بالاحتجاج سلمياً، عقب انتقادات جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية. كما توعدت السلطات مثيري الشغب وأعمال التخريب بإعمال القانون، والضرب بيد من حديد. بينما قالت الحكومة في وقت سابق إنها تتفهم مطالب الحركة، ومستعدة للحوار معها.

البحث عن ضمانات

ذكرت إيمان الشيخي (28 عاماً) التي تعمل في القطاع الحر: «هذا كلام فضفاض، نحن نحتاج إلى حلول ملموسة، ما ضمانات الحكومة وقد كانوا دائماً يتملصون من وعودهم؟». وأضافت لـ«رويترز» على هامش احتجاج ليلي بالرباط: «نريد تحسين خدمات قطاع الصحة، خاصة المستشفيات العمومية، حتى يتمكن الفقراء من العلاج، وتحسين جودة التعليم العمومي... وتخفيض الأسعار، لتبين الحكومة عن حسن نواياها».

متظاهر في ساحات الرباط يحمل لافتة كتب عليها شعار «الكرامة قبل الملاعب» (أ.ب)

في هذا السياق قال البوز أيضاً: «المطلوب إصلاحات ملموسة وعاجلة، خاصة في التعليم والصحة والتشغيل، إلى جانب فتح المجال لحرية التعبير، والحق في الاحتجاج، لأنه من دون ذلك سيبدو الحوار في أعين هؤلاء الشباب، وغيرهم من الفئات المتضررة من الأزمة ومن التفاوتات الاجتماعية، مجرد آلية لربح الوقت لا أكثر».

وكتب ياسير بلهيبة، وهو باحث اجتماعي في تدوينة: «(الجيل زد) حرك الماء الراكد ودق ناقوس الخطر». مبرزاً أن هذا الجيل «هو النتيجة العملية للسياسات التعليمية والأمنية والإعلامية... بينهم من تفتق وعيه في فضاء المثقف المهزوم... وآخرون ترعرعوا في باحات الشارع، وثقافته حيث الكلمة الحسم للعنف».


مقالات ذات صلة

كرة القدم المغربية تختتم عاماً استثنائياً

رياضة عربية منتخب المغرب يواصل تحطيم الأرقام القياسية (أ.ف.ب)

كرة القدم المغربية تختتم عاماً استثنائياً

شكّل عام 2025 محطة مفصلية في تاريخ كرة القدم المغربية بعدما جمع بين أرقام قياسية لا سابق لها للمنتخب الأول وإنجازات عالمية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
رياضة عربية نزلاء السجون في المغرب سيشاركون في بطولة مصغرة تضم 150 نزيلاً من 15 جنسية أفريقية (كأس أفريقيا)

من خلف القضبان... سجناء في المغرب يحتفلون بكأس أفريقيا بطريقتهم الخاصة

أشعلت كأس أمم أفريقيا لكرة القدم حماس الجميع، حتى إن نزلاء السجون في المغرب سيشاركون في بطولة مصغرة تضم 150 نزيلاً من 15 جنسية أفريقية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حكيم زياش (إكس)

المغربي حكيم زياش ينعى شقيقه

أعلن المغربي حكيم زياش، مساء الثلاثاء، عن وفاة شقيقه، من خلال حسابه على منصة «إنستغرام»، ما أثار موجة من التضامن والمواساة من الأندية والجماهير.

«الشرق الأوسط» (الرباط )
الاقتصاد مشهد عام لميناء الحاويات في القصر الصغير في طنجة بالمغرب (رويترز)

«مرسى المغرب» لتشغيل المواني للاستحواذ على 45 % من «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية

قالت شركة «مرسى المغرب» لتشغيل المواني، إنها وقعت صفقة للاستحواذ على حصة 45 في المائة في شركة «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية، مقابل 94 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (الرباط)

مصر تعزز علاقاتها الاقتصادية بجيبوتي بالتوازي مع تطور توافقهما السياسي

كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)
كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)
TT

مصر تعزز علاقاتها الاقتصادية بجيبوتي بالتوازي مع تطور توافقهما السياسي

كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)
كامل الوزير بمحطة الطاقة الشمسية بقرية عمر كجع في منطقة عرتا بجيبوتي (مجلس الوزراء المصري)

تُعزز مصر علاقتها الاقتصادية مع جيبوتي، وذلك بالتوازي مع توافق البلدين السياسي في ملفات مختلفة بينها «أمن البحر الأحمر»، وأخيراً الموقف الموحد تجاه إدانة إعلان إسرائيل الاعتراف بإقليم «أرض الصومال» دولة مستقلة.

ويقوم نائب رئيس الوزراء المصري، وزير الصناعة والنقل، كامل الوزير بزيارة إلى جيبوتي لـ«تعزيز التعاون في مجالي الصناعة والنقل»، وأكد، السبت، أن «زيارته تأتي في إطار عمق العلاقات بين البلدين».

وأكدت مصر وجيبوتي والصومال وتركيا، في بيان، مساء الجمعة، «الدعم الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية»، وأشارت تلك الدول إلى أن «الاعتراف باستقلال أجزاء من أراضي الدول يُعد سابقة خطيرة وتهديداً للسلم والأمن الدوليين».

مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق، السفيرة منى عمر، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة نائب رئيس الوزراء المصري «تأتي في توقيت بالغ الأهمية ولديها مدلول قوي؛ إذ إن جيبوتي بموقعها الاستراتيجي من أهم الموانئ الموجودة عند مدخل البحر الأحمر، ومن ثم هناك ضرورة للتوافق بين الدولتين في المواقف لمواجهة خرق سيادة الصومال، وإنهاك القانون الدولي باعتراف إسرائيل بأحد الأقاليم الصومالية على أساس أنه دولة مستقلة».

نقطة انطلاق

وبحسب إفادة لـ«مجلس الوزراء المصري»، السبت، أكد كامل الوزير «استعداد الشركات المصرية لتنفيذ مشروعات بجيبوتي في الطرق والنقل البحري والسكك الحديدية والمناطق الصناعية، فضلاً عن التعاون الاقتصادي».

وافتتح الوزير المصري محطة الطاقة الشمسية بقرية «عمر كجع» في منطقة «عرتا» بجيبوتي في حضور وزير الطاقة والموارد الطبيعية الجيبوتي، يونس علي جيدي، ووزير البنية التحتية والتجهيزات، حسن حمد إبراهيم، وعدد من المسؤولين.

وقال إن «افتتاح المحطة ترجمة عملية لمخرجات الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جيبوتي في أبريل (نيسان) الماضي، والتي شكلت نقطة انطلاق جديدة لمسار التعاون بين البلدين، خصوصاً في قطاعات الطاقة، والبنية التحتية، والتنمية الصناعية»، مضيفاً أن «تلك الزيارة الرئاسية أكدت أن التعاون المصري - الجيبوتي يقوم على رؤية استراتيجية شاملة تستهدف دعم مسارات التنمية المستدامة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن أمن واستقرار وتنمية هذه المنطقة تمثل مصلحة استراتيجية مشتركة».

وتُعد منطقة القرن الأفريقي جزءاً ممتداً غرب البحر الأحمر وخليج عدن، وتشمل 4 دول رئيسة هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، بينما تتسع المنطقة من زوايا سياسية واقتصادية لتشمل كينيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا.

السيسي خلال زيارته إلى جيبوتي ولقائه غيله في أبريل الماضي (الرئاسة المصرية)

علاقات تاريخية

السفيرة منى عمر قالت إن «العلاقات بين مصر وجيبوتي تاريخية، ومتطورة جداً على المستوى الاقتصادي والتدريب وبناء القدرات»، لافتة إلى أن اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال» يرفع «علامة الخطر بالنسبة للدول المشاطئة للبحر الأحمر ودول القرن الأفريقي التي لن تسكت إزاء هذا الانتهاك».

وشدد السيسي خلال زيارته إلى جيبوتي ولقاء نظيره الجيبوتي إسماعيل عمر غيله، في أبريل الماضي، على «رفض أي ممارسات تؤثر في حرية الملاحة البحرية». وأكدت المحادثات بين السيسي وغيله حينها «رفض تهديد أمن وحرية الملاحة في البحر الأحمر»، بوصفه شرياناً تجارياً دولياً حيوياً.

ودعت القاهرة وجيبوتي حينها إلى «أهمية تفعيل (مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر) ليضطلع بمسؤولياته الأصلية، في تعزيز التنسيق بين الدول المشاطئة للبحر الأحمر، وخليج عدن».

ويضم «مجلس الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر»، الذي تأسس عام 2020، 8 دول عربية وأفريقية، هي «المملكة العربية السعودية، ومصر، واليمن، والأردن، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وإريتريا»، ويستهدف «تعزيز الأمن والتنمية بين أعضائه».

نائب رئيس الوزراء المصري يؤكد تعزيز التعاون مع جيبوتي في مجالي الصناعة والنقل (مجلس الوزراء المصري)

تنسيق مكثف

ووفق وزير الصناعة والنقل المصري، السبت، فإن محطة الطاقة الشمسية الجديدة نقطة انطلاق حقيقية لمسار أوسع من التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، ويسهم في خلق فرص عمل مستدامة، ونقل الخبرات والتكنولوجيا، ورفع كفاءة الكوادر الوطنية، إلى جانب تعزيز التكامل الاقتصادي والتنموي».

ومحطة الطاقة الشمسية في قرية «عمر كجع» تهدف إلى «توفير كهرباء نظيفة ومستدامة، ضمن إطار تعزيز التعاون الثنائي في قطاع الطاقة»، وسبق أن تم الإعلان عن المشروع في يونيو (حزيران) الماضي.

وزير الطاقة والموارد الطبيعية الجيبوتي، قال من جانبه إن «المحطة تُعد نموذجاً حياً وشهادة صادقة على متانة وعمق علاقات الصداقة والتعاون القائمة مع مصر، والمحطة ثمرة شراكة استراتيجية مستدامة، ستسهم بلا شك وبشكل ملموس في تعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي».

وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وجيبوتي نحو 122.4 مليون دولار خلال عام 2024 مقابل 161.9 مليـون دولار في 2023، بحسب «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر في أبريل الماضي. وأشار «المركزي» إلى أن قيمة الصـادرات المصرية لجيبوتي بلغت 108.6 مليــون دولار خـلال 2024 مقابل 152.3 مليون دولار في 2023، بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من جيبوتي 13.8 مليون دولار في 2024 مقابل 9.6 مليون دولار خلال 2023.

جانب من زيارة كامل الوزير إلى جيبوتي (مجلس الوزراء المصري)

وتوقعت مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق أن «يحدث مزيد من التكثيف في العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وجيبوتي خلال الفترة المقبلة؛ لأن جيبوتي من الدول الصديقة التي تحتاج لكثير من الاستثمار»، موضحة أن «مصر سوف تكثف التنسيق القائم بالفعل مع دول القرن الأفريقي كافة والدول المشاطئة للبحر الأحمر، من أجل مواجهة القرار الإسرائيلي»، لافتة إلى «ضرورة خلق رأي عام قاري ودولي لمواجهة هذا الخرق الإسرائيلي للقانون».


هل يقلل «رفض ترمب» جدوى قرار الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»؟

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
TT

هل يقلل «رفض ترمب» جدوى قرار الاعتراف الإسرائيلي بـ«أرض الصومال»؟

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)
شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

طوفان ردود فعل اجتاح موقف الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، وبخلاف الرفض العربي، كان تفاعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بـ«السخرية من ذلك الإقليم»، وعدم الانضمام لمسار الموافقين.

ذلك الرفض الأميركي، يراه خبراء «لم يكن حاسماً؛ حيث لم يُدِن موقف إسرائيل، وينتظر رؤية حجم الموقف العربي لإعطاء موقف واضح ومباشر؛ لكنه سيمنع أي تحرك دولي يدعم حكومة بنيامين نتنياهو في هذا الاعتراف»، ولفتوا إلى أن «الصومال عليه واجب أكبر في تعزيز الجهود العربية والسعي لنيل دعم دولي رافض لهذا الاعتراف».

وأعلن ترمب رفضه الاعتراف باستقلال «أرض الصومال»، وذلك عقب اعتراف إسرائيل رسمياً بالجمهورية المعلنة من طرف واحد والمنفصلة عن الصومال.

وأجاب ترمب بـ«لا» عندما سُئل في مقابلة مع صحيفة «نيويورك بوست»، نشرت الجمعة، إن كان سيحذو حذو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويعترف بها، متسائلاً: «هل يعرف أحد ما هي أرض الصومال، حقاً؟»، من دون أن يدين موقف إسرائيل. فيما قال نتنياهو إنَّ الإعلان «يتماشى مع روح (اتفاقيات إبراهيم) التي وقعت بمبادرة من الرئيس ترمب».

وبشأن عرض «أرض الصومال» استضافة قاعدة بحرية أميركية قرب مدخل البحر الأحمر، قلّل ترمب من أهمية المقترح، قائلاً: «أمر غير مهم... كل شيء قيد الدراسة، سوف ندرس الأمر... أنا أدرس الكثير من الأشياء وأتخذ دائماً قرارات عظيمة وتتبين صحتها لاحقاً».

ورغم امتناع الولايات المتحدة عن إعلان موقف رسمي داعم للاعتراف الإسرائيلي، فإن ذلك لا يعني غيابها عن المشهد، بل يعكس سياسة ترقب وحساب دقيق لردود الفعل الدولية، وخاصة في العالمين العربي والإسلامي، وفق تقديرات الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني. وقال لـ«الشرق الأوسط» يُلاحظ أن غياب موقف أميركي حاسم قد يُضعف زخم الاعتراف، لكنه في الوقت ذاته لا يوقف بالضرورة المسار الذي رسمته الدول الداعمة لهذا التوجه.

ويعتقد المحلل السياسي في الشؤون الأميركية، الدكتور سعيد صادق، أن حديث ترمب، ليس صريحاً ويحمل اعترافاً ضمنياً، خاصة أنه جاء ضمن اتفاقات التطبيع التي تسعى لها واشنطن سراً وعلناً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن ترمب لم يتجه لتأييد صريح لعدم التصادم مع الموقفين العربي والإسلامي.

منظر عام لمدينة هرجيسا عاصمة وأكبر مدينة في «أرض الصومال» (أ.ف.ب)

وهذا الموقف الأميركي السريع جاء بعد ساعات من توالي المواقف العربية والإسلامية الرافضة لتلك الخطوة. ورفضت السعودية وقطر ومصر والأردن وجيبوتي وتركيا ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، تلك الخطوة الإسرائيلية، معتبرين إياها تجاوزاً خطيراً لمبادئ القانون الدولي وسيادة ووحدة الصومال، وفق بيانات منفصلة صادرة عن وزارات الخارجية، الجمعة.

وعادت مصر، السبت، للتأكيد على دعمها الكامل لوحدة وسيادة وسلامة الأراضي الصومالية، مشددة على رفضها للاعتراف بأي كيانات موازية أو انفصال بطرق غير شرعية وغير قانونية.

ويرى كلني أن الاعتراف بـ«أرض الصومال» أثار حراكاً واسعاً على المستويين العربي والدولي، باعتباره تطوراً خطيراً يمس وحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية، ويكشف عن تحولات أعمق في توازنات القوى داخل منطقة القرن الأفريقي، وفي ظل تنافس دولي محموم على النفوذ في القرن الأفريقي، وسعي قوى إقليمية ودولية لإعادة رسم خرائط التأثير في الممرات البحرية والمواقع الاستراتيجية.

ولا يعتقد صادق أن الرفض الدولي المتوقع بعد نظيره العربي، ليس ارتباطاً بموقف ترمب، لكن رفضاً لمخالفة القانون الدولي الذي يرفض الانفصال، مثلما يرفض الغرب أي مواقف للانفصال بالنسبة لأوكرانيا.

وداخلياً، تعهّدت حركة «الشباب» الصومالية المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، في بيان السبت، مواجهة أي محاولة من جانب إسرائيل «للمطالبة بأجزاء من أرض الصومال أو استخدامها»، مضيفة: «لن نقبل بذلك، وسنحاربه».

وهذا الحراك الصومالي، وفق كلني، «يأتي في ظل إدراك أن هذا الاعتراف تهديد مباشر لوحدة الصومال وسيادته، كما يفتح الباب أمام تدخلات خارجية أوسع في الشأن الداخلي الصومالي»، لافتاً إلى أن «الموقع الاستراتيجي للصومال، المطل على أهم الممرات البحرية العالمية، يعد عاملاً رئيسياً في استهدافه ضمن صراعات النفوذ الإقليمي والدولي».

وقال: «ستظل قدرة الصومال على مواجهة هذه التحديات مرهونة بمدى تماسك جبهته الداخلية، ووحدة موقفه الوطني، وقدرته على تعبئة دعم إقليمي ودولي فعّال»، وأكد أنه بينما تتراجع فاعلية التضامن في العالم الإسلامي، تبقى مسؤولية الدفاع عن السيادة الوطنية الصومالية مسؤولية مشتركة بين الداخل الصومالي وحلفائه الحقيقيين على الساحة الدولية، فيما أشار صادق إلى أن نجاح الموقف الصومالي سيبقىل مرتبطاً بتطورات الاعتراف وتداعياته.


تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
TT

تجدد المطالب في غرب ليبيا برحيل الدبيبة وإجراء انتخابات رئاسية

شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)
شهدت مدن غرب ليبيا احتجاجات شعبية واسعة للمطالبة برحيل حكومة الدبيبة (إعلام محلي)

شهدت مدن غرب ليبيا، مساء الجمعة، موجة احتجاجات شعبية واسعة، تنديداً بتردي الأوضاع المعيشية والأمنية، وللمطالبة برحيل حكومة الدبيبة، والإسراع بإجراء الانتخابات المؤجلة.

وشهدت العاصمة طرابلس تحركات احتجاجية في مناطق متفرقة، حيث أغلق المتظاهرون بعض الطرق، وأشعلوا الإطارات في بلدية سوق الجمعة شرق المدينة، ومنطقتَي الظهرة ووسط المدينة، إضافة إلى احتجاجات عند إشارة فشلوم المرورية. كما رفع المحتجون لافتات تنتقد فشل الحكومة في تحسين الأوضاع المعيشية والأمنية، محمّلين إياها مسؤولية الانفلات الأمني واستمرار الأزمات الخدمية.

ورصدت وسائل إعلام محلية، عبر لقطات مصورة، إشعال الإطارات وإغلاق الطريق بجزيرة القادسية في طرابلس، كما عبّر متظاهرون في ميدان الجزائر وسط العاصمة عن رفضهم «حكم العائلة» و«حكم العسكر»، مطالبين بالاستفتاء على الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية.

كما شهدت مدينة مصراتة مظاهرة شعبية للتنديد بتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتراجع الخدمات، تزامناً مع احتجاجات مماثلة عند بوابة الصمود، المدخل الشرقي لمدينة الزاوية، حيث ركّز المشاركون على تدهور الأوضاع الأمنية إلى جانب الضغوط المعيشية، مؤكدين أن المواطن بات يدفع ثمن الصراعات السياسية واستمرار الحكومات المؤقتة.

في سياق متصل، أصدر أهالي ومكونات بلدية صبراتة بياناً أعربوا فيه عن رفضهم قرار حكومة الدبيبة، القاضي بتخصيص مقر إذاعة اليتيم لصالح جهة مسلحة، معتبرين القرار مساساً بالمؤسسات المدنية والإعلامية، ومؤشراً على تغوّل التشكيلات المسلحة على حساب الدولة.

والأسبوع الماضي، دعا حراك ما يُعرف بـ«انتفاضة شعب» كل الليبيين إلى المشاركة في اعتصام شعبي مفتوح بـ«ميدان الشهداء»، وسط العاصمة طرابلس، وذلك للمطالبة بإسقاط حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة.

وسبق أن خرجت مظاهرات في مناطق عدة بالعاصمة تطالب بإسقاط حكومة الدبيبة ومحاسبتها، الأمر الذي دفع حينها عدداً من وزرائها إلى تقديم استقالاتهم انحيازاً لمطالب المحتجّين.

وجدَّد حراك «انتفاضة شعب»، الذي ينطلق من مدينة مصراتة، والذي يقوده عدد من النشطاء، في بيانه، دعوته «جميع الليبيين شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً» إلى تنظيم اعتصام سلميّ لحين تنفيذ مطالب الشعب، المتمثلة في رحيل الحكومة.

وحضّ الحراك جميع أطياف الليبيين على «المشاركة في «الاعتصام ورفع سقف المطالب في مظاهرات يحميها الشعب والقانون، بعيداً عن الحزبية والجِهوية والقبلية». وقال إن المشاركة في هذا الاعتصام «واجب وطني»، مؤكداً أن «السلمية قوة الأحرار، ووحدة الصف سلاح إسقاط الفساد».

ورأى الحراك أن «الوطن يقف اليوم على حافة الضياع، وما يُدار باسمه في الغرف المغلقة ليس حلاً، بل مؤامرة مكرّرة لإطالة عمر الفشل، وتمديد الأجسام البالية المنتهية الصلاحية». وذهب إلى أن «تغيير العناوين، وتسويق مسرحيات سياسية جديدة، لن يغيّرا الحقيقة؛ فالشعب يريد قراره، لا وصاية عليه، ولا تسويفاً بعد اليوم».