كيف ساهم تراكم الأزمات في اندلاع احتجاجات حركة «الجيل زد» بالمغرب؟

محللون يرون أن المظاهرات تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية أبرزها «غياب العدالة الاجتماعية»

حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
TT

كيف ساهم تراكم الأزمات في اندلاع احتجاجات حركة «الجيل زد» بالمغرب؟

حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)
حملت مظاهرات «جيل زد» شعاراً رئيساً هو تحسين خدمات المستشفيات العمومية وتجويد قطاع التعليم (أ.ب)

يرى محللون أن بروز حركة «جيل زد 212»، التي يقودها الشبان في المغرب، وتواصل احتجاجاتها منذ نحو أسبوع، لا يمكن فصلهما عما يجري في تجارب دول أخرى، لكنهما في الجوهر يعبران عن اختناق وتراكم أزمات محلية. وأطلقت حركة «الجيل زد 212» دعوات للاحتجاج سلمياً لمحاربة الفساد، وإقرار العدالة الاجتماعية يومي 27 و28 سبتمبر (أيلول) الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصة «ديسكورد» للألعاب الإلكترونية، قبل أن تتواصل طوال الأسبوع الماضي.

تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية

يقول أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط لوكالة «رويترز» إنه قد تتشابه حركة «جيل زد» مع حركات الجيل نفسه، التي عرفتها بعض دول العالم، مثل نيبال، ومدغشقر، وبيرو، لكنها تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية، مضيفاً أن «ما يعيشه المغرب من فساد، وتدهور التعليم والصحة، وغياب العدالة الاجتماعية، كله يشكل الأرضية الملائمة لتأجيج مثل هذه الاحتجاجات».

محللون يرون أن المظاهرات تعبر عن مشكلات داخلية حقيقية أبرزها «غياب العدالة الاجتماعية» (إ.ب.أ)

وبدأت شرارة الاحتجاجات من أكادير جنوب المغرب، عندما توفيت ثماني نساء حوامل في أقل من شهر في مستشفى عمومي هناك، لتمتد إلى عدد من مدن المغرب، مطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم، ومحاربة الفساد. وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وجرح العشرات في صفوف المواطنين ورجال الأمن. لكن شبان «جيل زد» تبرأوا من هذه الأحداث، ونددوا بها، ودعوا إلى مواصلة الاحتجاج سلمياً. بينما قالت السلطات إن أغلب المسؤولين عن أحداث الشغب هم من القاصرين والأطفال. وسبق للمغرب أن شهد أحداثاً مماثلة، عندما تحولت إضرابات عامة في سنوات 1981 و1984 و1990 إلى أحداث شغب، وإطلاق نار، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني. لكن الأحداث السابقة كانت تقودها اتحادات عمالية، وأحزاب سياسية دعت إلى إضرابات عامة، حيث كانت هذه التنظيمات تتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة.

أما حركة «الجيل زد» فتتشابه، بحسب أحمد البوز، مع حركة (20 فبراير) التي قادها الشبان أيضاً، «وحركت احتجاجات النسخة المغربية من الربيع العربي في 2011، وجنت إدخال بعض التعديلات على الدستور المغربي».

وتحولت الاحتجاجات السلمية إلى أعمال عنف ونهب وشغب في بعض المناطق ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص (أ.ف.ب)

وأضاف البوز موضحاً: «هذا ما أسميه ذهنية الاحتجاج، التي ورثها الشباب المغربي من 20 فبراير، لأنني أعتبر أن هناك تشابهاً بين الحركتين على الأقل من حيث دور الشباب في إشعالهما، ومن حيث البعد الوطني الذي اتخذته الاحتجاجات».

من جانبه، اعتبر محمد الشهبي، الباحث في العلوم السياسية، أن مصطلح «جيل زد»، غالباً لا يكون بعيداً عن المعنى العالمي، ولكن له أبعاد خاصة مرتبطة بالواقع المغربي.

وقال الشهبي لـ«رويترز» إن «جيل زد» المقصود به الشباب المغاربة المولودون تقريباً بين أواخر التسعينات من القرن الماضي وبداية 2010، وهم تلاميذ وطلبة، أو شباب في بداية حياتهم المهنية، ويتميزون بوعي رقمي كبير، وانفتاح غير مسبوق على العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الجيل ليس مجرد نسخة محلية من نظيره العالمي... فمطالبه في السياق المغربي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي ملموس.

أزمة ثقة

يرى مراقبون أن معظم الشبان المغاربة لا يثقون في العمل السياسي، ويعتبرون الأحزاب «مجرد دكاكين سياسية»، تفتح في فترة الانتخابات لتعطي الوعود وتستقطب الأصوات، وتغلق بعد صدور النتائج متنكرة لوعودها في أغلب الأحيان.

كما أن معظم الأحزاب السياسية لا تجدد برامجها، ولا تعطي فرصة للشبان لتولي القيادة. وفي هذا السياق قال الشهبي إن «المغرب يعيش منذ عقود أزمة تمثيل سياسي حادة، فالأحزاب التقليدية فقدت مصداقيتها لدى الشباب، لا لضعف برامجها فحسب، بل لارتهانها لمنطق التوافق، ما جعلها تبدو على أنها جزء من المشكلة لا الحل... كما أن الحركة النقابية، التي كانت ذات يوم قاطرة للمطالب الاجتماعية، تراجعت قوتها التنظيمية والتعبوية، خاصة في صفوف الشباب غير المنخرطين في سوق الشغل الرسمي».

ومن هنا يعتبر الشهبي أن «هذا الفراغ ولد احتجاجاً من دون قائد أو زعيم، يعتمد على الشبكات الرقمية، بدل الهياكل التقليدية، وهو احتجاج يفتقر إلى الاستمرارية والاستراتيجية، لكنه يعبر عن أزمة ثقة جوهرية في المؤسسات الوسيطة، من أحزاب ونقابات وجمعيات». وتصل نسبة البطالة في المغرب إلى 12.8 في المائة، وتبلغ نسبتها بين الشبان 35.8 في المائة، وبين الخريجين 19 في المائة، وفقاً لبيانات المندوبية السامية للتخطيط.

من جهته، ذكر محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة لـ«رويترز» أن «هناك تحولاً ديموغرافياً، بحيث إن ثلث الهرم السكاني في المغرب من الشباب ما بين 15 و35 عاماً. لكن السياسات العمومية لم تستثمر هذا الرأسمال البشري، أو القوة الصاعدة في التنمية، كما فعل عدد من الدول». وأضاف العمراني أنه «رغم المجهودات المبذولة، بقيت هذه الفئة مهمشة... وبالتالي أصبحت قنبلة موقوتة».

يرى العمراني أن السياسات العمومية «لم تستثمر الشباب باعتباره قوة صاعدة في التنمية فأصبح بالتالي قنبلة موقوتة» (رويترز)

ويتفق مع هذا الطرح البوز بقوله إن هذا الجيل «تشكل في سياق وطني خاص، علامته البارزة أزمة بطالة متفاقمة، وتراجع الخدمات العمومية، وضعف الثقة في الأحزاب السياسية، والمنظمات النقابية، وإحساس بالتهميش»، مضيفاً أن خصوصيته «تكمن في أنه يترجم هذه الأزمات عبر أشكال جديدة من التعبير والاحتجاج، لا تخضع بالضرورة للقوالب الكلاسيكية، بل تبدو نافرة لها، كما أنها تحاول ألا تضفي على نفسها أبعاداً سياسية حتى وإن كانت لا تخلو من ذلك». وتواصل حركة «جيل زد 212» احتجاجاتها في عدد من مدن المملكة، بعد أن سمحت لها السلطات بالاحتجاج سلمياً، عقب انتقادات جماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية. كما توعدت السلطات مثيري الشغب وأعمال التخريب بإعمال القانون، والضرب بيد من حديد. بينما قالت الحكومة في وقت سابق إنها تتفهم مطالب الحركة، ومستعدة للحوار معها.

البحث عن ضمانات

ذكرت إيمان الشيخي (28 عاماً) التي تعمل في القطاع الحر: «هذا كلام فضفاض، نحن نحتاج إلى حلول ملموسة، ما ضمانات الحكومة وقد كانوا دائماً يتملصون من وعودهم؟». وأضافت لـ«رويترز» على هامش احتجاج ليلي بالرباط: «نريد تحسين خدمات قطاع الصحة، خاصة المستشفيات العمومية، حتى يتمكن الفقراء من العلاج، وتحسين جودة التعليم العمومي... وتخفيض الأسعار، لتبين الحكومة عن حسن نواياها».

متظاهر في ساحات الرباط يحمل لافتة كتب عليها شعار «الكرامة قبل الملاعب» (أ.ب)

في هذا السياق قال البوز أيضاً: «المطلوب إصلاحات ملموسة وعاجلة، خاصة في التعليم والصحة والتشغيل، إلى جانب فتح المجال لحرية التعبير، والحق في الاحتجاج، لأنه من دون ذلك سيبدو الحوار في أعين هؤلاء الشباب، وغيرهم من الفئات المتضررة من الأزمة ومن التفاوتات الاجتماعية، مجرد آلية لربح الوقت لا أكثر».

وكتب ياسير بلهيبة، وهو باحث اجتماعي في تدوينة: «(الجيل زد) حرك الماء الراكد ودق ناقوس الخطر». مبرزاً أن هذا الجيل «هو النتيجة العملية للسياسات التعليمية والأمنية والإعلامية... بينهم من تفتق وعيه في فضاء المثقف المهزوم... وآخرون ترعرعوا في باحات الشارع، وثقافته حيث الكلمة الحسم للعنف».


مقالات ذات صلة

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
رياضة عربية نزلاء السجون في المغرب سيشاركون في بطولة مصغرة تضم 150 نزيلاً من 15 جنسية أفريقية (كأس أفريقيا)

من خلف القضبان... سجناء في المغرب يحتفلون بكأس أفريقيا بطريقتهم الخاصة

أشعلت كأس أمم أفريقيا لكرة القدم حماس الجميع، حتى إن نزلاء السجون في المغرب سيشاركون في بطولة مصغرة تضم 150 نزيلاً من 15 جنسية أفريقية.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
رياضة عربية حكيم زياش (إكس)

المغربي حكيم زياش ينعى شقيقه

أعلن المغربي حكيم زياش، مساء الثلاثاء، عن وفاة شقيقه، من خلال حسابه على منصة «إنستغرام»، ما أثار موجة من التضامن والمواساة من الأندية والجماهير.

«الشرق الأوسط» (الرباط )
الاقتصاد مشهد عام لميناء الحاويات في القصر الصغير في طنجة بالمغرب (رويترز)

«مرسى المغرب» لتشغيل المواني للاستحواذ على 45 % من «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية

قالت شركة «مرسى المغرب» لتشغيل المواني، إنها وقعت صفقة للاستحواذ على حصة 45 في المائة في شركة «بولودا ماريتايم تيرمينالز» الإسبانية، مقابل 94 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
شمال افريقيا عمال البلدية يرفعون الركام من أحد شوارع بلدة آسفي الساحلية الاثنين (أ.ف.ب)

37 قتيلاً في فيضانات مفاجئة ضربت بلدة ساحلية مغربية

أفادت السلطات المحلية بأن آسفي الواقعة على بعد نحو 300 كيلومتر جنوب الرباط تعرضت لعواصف رعدية شديدة تسببت في تدفقات سيول استثنائية خلال ساعة واحدة.

«الشرق الأوسط» (الرباط)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتقدم فيه «قوات الدعم السريع» حثيثاً تجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي» صباح الخميس، وانسحاب «القوة المشتركة» التابعة للجيش، تعهد رئيس «حركة تحرير السودان»، (حاكم إقليم دارفور)، مني أركو مناوي، بعدم الاستسلام، ومحاربة ما أسماه «الفوضى والبربرية».

وقال مناوي، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس»، مساء الأربعاء: «لن نسلّم أرواحنا ولا تاريخنا ولا هويتنا للفوضى والبربرية.. الليلة سمر، وغداً أمر»، بعد أن كان قد ذكر في وقت سابق أن قواته «انسحبت».

حاكم إقليم دارفور وقائد «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، يزور مخيم نازحين بشمال السودان يوم 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتعد بلدة «الطينة» آخر جيوب القوات الموالية للجيش المعروفة بـ«القوة المشتركة»، وتقع على الحدود السودانية التشادية مباشرة، وتنقسم إلى بلدتين باسم «الطينة السودانية، الطينة التشادية»، وتعرف بأنها عاصمة دار قبيلة «زغاوة» المشتركة بين البلدين.

وبثت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو ذكرت فيها أنها حققت انتصاراً كاسحاً في بلدة «كرنوي»، فيما ذكرت صحيفة «دارفور 24» أن «قوات الدعم السريع» دخلت منطقة كرنوي الواقعة في الشمال الغربي لولاية شمال دارفور، وأن القوة المشتركة انسحبت نحو بلدة «الطينة» على الحدود مع دولة تشاد.

وقال شاهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات الدعم السريع» المدعومة بقوات «تحالف السودان التأسيسي»، (تأسيس)، اقتربت من بلدة الطينة، التي انسحبت إليها «القوة المشتركة» الحليفة للجيش، وينتظر أن تشهد معاركاً طاحنة بين القوتين.

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

وحضّ مناوي في حسابه على «فيس بوك»، مواطني المنطقة ومن أسماهم بـ«أهلي» للدفاع عن «أنفسهم»، بقوله: «نرفض الذل، والدفاع عن الوطن ليس خياراً، بل واجباً، ولا نبحث عن الدم، لكننا نحمي الأرض والعرض والتاريخ»، وتابع: «حين يستباح الوطن، يصبح الصمت خيانة».

لكن دعوات مناوي للمواطنين لم تلقَ استجابة، بل ردت عليه مجموعة من سكان المنطقة ببيان حمل توقيع «أبناء قبيلة الزغاوة» التي يتحدر منها، دعته إلى «عدم الزج باسم القبيلة في الحرب»، وإبعادها عن «الاستقطابات السياسية والعسكرية المتواصلة».

وقالت في البيان إن القبيلة «ليست كياناً سياسياً أو عسكرياً، أو أداة في الصراع على السلطة»، وتابع: «نرفض رفضاً قاطعاً التحدث باسم القبيلة أو توظيفها كتلة سياسية موحدة، أو الادعاء بتمثيلها في أي صراع سياسي أو عسكري».

ويأتي هذا التطور العسكري بعد استيلاء «قوات الدعم»، الأربعاء، على بلدات «أبو قمرة، أم برو، بير سبيل»، وسيطرتها الخميس على «كرنوي»، ولم يتبقَ على الحدود المشتركة بين تشاد والسودان سوى بلدة «الطينة».

وتعد «الطينة» أحد أهم النقاط التجارية والأمنية في شمال دارفور. وتقع إلى الشرق منها، بلدة «كرنوي» المركز الإداري يربط المناطق الحدودية بالداخل، بينما تقع بلدة «أم برو» إلى الشرق من «الطينة» وكرنوي، وتتميز بطبيعة جبلية تجعل منها منطقة استراتيجية عسكرياً.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وتكون هذه البلدات مثلثاً حدودياً يربط السودان بدولة تشاد، وتسعى الأطراف المتصارعة للسيطرة عليه لتأمين خطوط الإمداد أو إغلاقها بوجه الخصم.

وتعرف المنطقة التي تدور فيها المعارك إدارياً بـ«دار زغاوة»، وهم المجموعة الإثنية التي تنتشر على طرفي الحدود بين الدولتين، وينحدر منها معظم قوات حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، اللذين يديران الحرب هناك من بورتسودان.

وبسيطرة «قوات الدعم السريع» على بلدة «الطينة»، تكون قد سيطرت على كامل إقليم دارفور، وعلى الحدود المشتركة مع دولة تشاد، باستثناء جيب صغير عند سفوح «جبل مرة» بوسط دارفور، تسيطر عليه قوات «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد النور، الذي اختار الحياد في الصراع لكن ومواقفه أقرب لـ«قوات الدعم السريع».

وبإكمال عملية «الطينة»، لن يكون هناك خيار أمام القوة المشتركة الموالية للجيش الموجودة هناك، سوى «الانسحاب» لداخل دولة تشاد.


السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.