يستمتع اللبنانيون بحضور الفنانة رونزا عندما تطل على الخشبة، فصوتها يحرّك عندهم الحنين للأصالة في الغناء. وأخيراً اُختيرت لتقديم نشيد جائزة الـ«موركس دور» في مناسبة «يوبيلها الفضي». وكعادتها جذبت بأدائها المحترف الحضور. فرونزا تعدّ من الفنانات القليلات اللاتي يتمتعن بخلفية أكاديمية رفيعة المستوى. وكذلك بصوت صقلته الخبرات، لا سيما أعمالها مع الرحابنة منذ بداياتها.
كتب النشيد ولحّنه الموسيقي جوزيف مراد بتوزيع من قبل نجله ريمي. وعندما تم اختيارها من منظمي الجائزة الطبيبين زاهي وفادي الحلو لم تتردد في القيام بهذه المهمة. «إنهما صديقان عزيزان والمشاعر نفسها تربطني بالموسيقي الدكتور جوزيف مراد. وقد سبق وتعاونت معه في عمل موسيقي من شعر الراحل إلياس أبو شبكة. فأعجبت بالفكرة، لا سيما أنها المرة الأولى التي يتم فيها تأليف نشيد لهذه الجائزة».

لم تخفت نجومية رونزا، رغم غياب إصداراتها الجديدة في الفترة الأخيرة. وهو يعود كما تردد دائماً لانشغالها بالعمل الأكاديمي. ولكنها في كل مرة تطلّ على الجمهور تحرّك عنده الحنين لزمن الفن الجميل. فكيف يمكن تحديد النجومية على الساحة اليوم؟ تردّ لـ«الشرق الأوسط»: «لدي حساسية لهذه الكلمة. ومرات تضيع الناس في تفسيرها. فهل من يقدم أغنية ضاربة يستحق هذا اللقب؟ أو ذلك الذي يتمتع بالصوت والحضور والموهبة؟ وكوني أشارك في لجنة (موركس دور) لفئة الغناء، تلقيت لائحة طويلة بأسماء مغنين عرب ولبنانيين كي نختار الأنسب لنيل الجائزة. وكنت أتفاجأ عندما يقول أحدهم إن هذا الفنان هو نجم اليوم وأغنيته ضربت. فماذا تعني هذه الكلمة وإلى ماذا تشير؟ هناك أغانٍ سيئة تنتشر. فهل يمكن تسمية صاحبها نجماً؟»، وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «الجميع يعرف المعايير الفنية التي أنطلق منها في خياراتي. ويأتي تصويتي دائماً على أساس مقومات وشروط أكاديمية. لا أخجل من القول إني غير متابعة لإصدارات الساحة اليوم. فالشق المهني الأكاديمي يسرقني من كل هذا. ولكنني في المقابل عندما أستمع إلى أغنية أصغي إلى كلماتها وتوزيعها الموسيقي الذي يلعب دوراً كبيراً. وكذلك أهتم بأداء المغني. فالتصويت مسؤولية لا أستطيع الاستخفاف بها أبداً».

وننتقل مع رونزا إلى موضوع آخر له أهميته أيضاً في مهنة الغناء. ومحوره النشاز الذي يرتكبه كثيرون من نجوم الفن أثناء تقديم وصلة غنائية. فهل من دواء له؟
برأيها إذا كان يصدر عن الفنان بشكل دائم فهو مشكلة كبيرة. ولكنه في حال يرتكبه المغني بين حين وآخر، فتعتبره أمراً عادياً. «ليس هناك من فنان لا يرتكب النشاز مرات أثناء غنائه. حتى أهم عمالقة الفن كانوا يقعون في هذه المشكلة. ولتجنبها يجب القيام بتمارين مكثفة. وعندما يدرسون السولفيج (فن القراءة الموسيقية) سيتحسن هذا الأمر بشكل تلقائي. فالغناء كما في أي مهنة أخرى يتطلّب التمرين المستمر. والأوتار الصوتية تحتاجها بشكل أولي. فهو كما جسم الرياضي الذي يتمرّن بشكل مكثّف كي يحافظ على لياقته البدنية».
وتشير الفنانة رونزا إلى أن الاعتناء بالصوت هو ضرورة ملحة. والأوتار الصوتية تخسر من قدراتها مع التقدم في العمر.
تعترف رونزا بأنها شخصياً تلجأ إلى معالج نطق (Orthophoniste) للاعتناء بصوتها. وتعلق: «إن كل صوت يتعرّض مرات للتعب. وبسبب نقاش ساخن أو صراخ يحصل ردّ فعل سلبي عليه. فأطراف الأوتار الصوتية تتأثر بذلك، وتتسبب مرات بالبحّة وهو نوع من الورم يصيبها. هناك أشخاص لديهم مقاومة وبنية صوت أقوى، فيتمتعون بصحة ومناعة جيدتين. وهو ما ينعكس إيجاباً على القدرة الصوتية. وعندما نكون بعمر الشباب يكون الصوت بأفضل حالاته. ومع العمر يبدأ بخسارة قوته وهو أمر طبيعي. ولا يجب أن يرفض الفنان هذه الفكرة. وعليه أن يعمل على تثبيت النوتات التي لا يزال يحتفظ بها. فيكون واعياً بما فيه الكفاية إلى قدراته الصوتية».
لا أخجل من القول إني غير متابعة لإصدارات الساحة اليوم... فالشق المهني الأكاديمي يسرقني من كل هذا
رونزا
وهل على الفنان الاعتزال عندما يبدأ صوته بخيانته؟ ترد: «عليه معالجة المشكلة أولاً، ويتوجه عند معالج النطق واختصاصي الحنجرة والفم. فيتعرف على أسباب هذا التراجع ويداويه. ممنوع الإهمال، والتمرينات تساعد على استرجاع طبيعة الصوت. كما لا يجب القيام بجهدٍ كبير وإحياء الكثير من الحفلات، والصراخ أثناء الغناء. فمع الوقت يتعب الصوت. والنساء تتأثر بهذا التراجع أكثر من الرجال. يبدأ الصوت عندهن بتراجع قدراته ابتداءً من سن الـ65. ولكن يمكن تفادي ذلك مع التمرين والاعتناء بالصوت. وعلى الفنان أن يبحث دائماً عن السبب الرئيسي الذي أدّى إلى ذلك. فطبقات الصوت تتأثر بعمر صاحبها. ولذلك عليه البحث عن الطبقات التي تلائمه أكثر ولو بصوت منخفض. فعليه أن يتحايل على صوته كي يحافظ عليه».
وتشير إلى أن فنانين كثراً استطاعوا الحفاظ على قدرات صوتهم حتى اللحظة الأخيرة من عمرهم رغم تقدّمهم بالسن. وأكبر مثال على ذلك الفنان الراحل وديع الصافي.
ولكن ماذا عن فنانين لا يزالون يغنون رغم ضعفٍ وتراجعٍ ملحوظين في أصواتهم؟ تشرح لـ«الشرق الأوسط»: «الفنان معطاء ويمضي عمره في البحث عن تزويد جمهوره بالمزيد. فإذا تقدّم في السن وحصل تراجع في صوته لا يجب أن ننكر كل مشواره وعطاءاته. وأرى في هذا الأمر نوعاً من الجحود تجاهه. إنسان أعطاك الكثير، لماذا تريد الحكم عليه بالإعدام؟ لقد كنت تلحق به أينما كان، ولا تفوّت واحدة من حفلاته. اليوم تريد رجمه والتخلي عنه؟ أعدّ هذا الأمر غير أخلاقي بتاتاً».
ومن ناحية ثانية، تتحدث رونزا عن جديدها الفني. وتخبر «الشرق الأوسط»: «هناك عمل كلاسيكي أحضّر له. وهو عبارة عن مقطوعة غنائية يمكن تصنيفها بالفنية الثقافية. اخترت كلماتها من فصل الجمال في كتاب (النبي) لجبران خليل جبران. وقد لحّنها ووزعها شقيقي سمير طنب. وسجلّت مع الأوركسترا السمفونية لبودابست. تأخر هذا العمل قليلاً بسبب عملية الميكس الخاصة به. ويتولاها ابن أخي جورج. ونحن في انتظار اكتمال التنفيذ كي يخرج إلى النور».









