صفقة مسيّرات بين أوكرانيا وترمب قد تغيّر موازين القوى ضد روسيا

بوتين يراقب «عسكرة أوروبا» ويتعهد بالرد ويحذر أميركا من تزويد كييف بصواريخ توماهوك

جندي أوكراني خلال تدريبات بالطائرات المُسيّرة قبل التوجه إلى خط الجبهة بمنطقة زابوريجيا (إ.ب.أ)
جندي أوكراني خلال تدريبات بالطائرات المُسيّرة قبل التوجه إلى خط الجبهة بمنطقة زابوريجيا (إ.ب.أ)
TT

صفقة مسيّرات بين أوكرانيا وترمب قد تغيّر موازين القوى ضد روسيا

جندي أوكراني خلال تدريبات بالطائرات المُسيّرة قبل التوجه إلى خط الجبهة بمنطقة زابوريجيا (إ.ب.أ)
جندي أوكراني خلال تدريبات بالطائرات المُسيّرة قبل التوجه إلى خط الجبهة بمنطقة زابوريجيا (إ.ب.أ)

تشهد الحرب في أوكرانيا، هذا الأسبوع، تحولات متسارعة تزيد من تعقيد المشهد الاستراتيجي وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الضغوط على روسيا. ففيما تُواصل أوكرانيا هجماتها بالطائرات المُسيّرة على عمق الأراضي الروسية، مدعومة بمعلومات استخباراتية أميركية، يزور وفد أوكراني واشنطن للتفاوض حول اتفاق غير مسبوق بشأن تكنولوجيا المسيّرات.

ويسعى الوفد، الذي وصل إلى واشنطن، إلى إبرام صفقة تعطي الولايات المتحدة حق الوصول إلى تكنولوجيا الطائرات المُسيّرة التي طوّرتها كييف خلال الحرب. وقال مستشار رئاسي أوكراني إن الاتفاق «سيوفر لأوكرانيا إتاوات أو دعماً مالياً مقابل مشاركة هذه التكنولوجيا»، مضيفاً أن كييف «مستعدة لأن تصبح شريكاً صناعياً للولايات المتحدة في هذا المجال».

جنديان أوكرانيان يطلقان طائرة استطلاع مُسيّرة قرب الجبهة في دونيتسك (أرشيفية-رويترز)

ويرى خبراء أن هذه الخطوة قد تُغيّر موازين القوى، خصوصاً أن أهميتها تكمن في أن أوكرانيا باتت مُختبراً عملياً لتقنيات الحرب الحديثة. ووفق الخبراء العسكريين، فقد أنتجت أوكرانيا، العام الماضي، أكثر من مليونيْ مُسيّرة بكلفة زهيدة نسبياً، في حين ما زالت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تواجه تحديات في تطوير طائرات مماثلة بالسرعة نفسها.

وعمد كثير من الشركات الغربية بالتعاون مع دولها إلى زيادة استثماراتها في الشركات الأوكرانية المنتِجة لتلك الطائرات، وحتى افتتاح مصانع لها على الأراضي الأوروبية. من جهته، أكد مسؤول في وزارة التجارة الأميركية أن هذه الشراكة المحتملة ستمنح واشنطن «ميزة استراتيجية في سباق تكنولوجيا الحرب المستقبلية»، لكنه شدد على أن الاتفاق يجب أن يضمن «حماية الملكية الفكرية الأوكرانية وإشراك مستثمرين أميركيين في خطوط الإنتاج».

الدعم الأميركي يعيد رسم معادلة الضربات

وبعدما أكدت مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة باتت توفر لأوكرانيا دعماً استخباراتياً مباشراً يمكّنها من شن ضربات دقيقة على منشآت الطاقة الروسية، قال مسؤول رفيع بوزارة الدفاع الأميركية: «نحن لا نضغط على الزر، لكننا نشارك مع شركائنا الأوكرانيين معلومات تسمح لهم بتحديد مواقع حساسة بدقة أكبر».

هذا التحول يعكس انفتاحاً أكبر داخل إدارة الرئيس دونالد ترمب على تجاوز القيود السابقة التي فرضها البنتاغون، خوفاً من التصعيد المباشر مع موسكو. وقال أحد أعضاء مجلس الأمن القومي الأميركي إن «البيت الأبيض يدرك أن شلّ قطاع الطاقة الروسي يُضعف قدرة الكرملين على تمويل حرب طويلة الأمد، ومن شأنه أن يخلق ضغطاً داخلياً على بوتين».

وعبّر الرئيس فولوديمير زيلينسكي عن تقديره الدعم الأميركي، وعَدَّ أن «المعلومات التي تصلنا من شركائنا حوّلت طائراتنا المُسيّرة إلى أدوات أكثر دقة وفاعلية». وأضاف، في مقابلة تلفزيونية، أن «روسيا قد تبدو قوية من الخارج، لكنها في الواقع نمر من ورق يعتمد، بشكل كامل، على إيرادات النفط والغاز».

الشرطة الدنماركية في محيط مطار كوبنهاغن (أ.ف.ب)

أكد حاكم منطقة الأورال، جنوب روسيا، الجمعة، أن أوكرانيا هاجمت مصفاة نفط روسية في المنطقة بطائرات دون طيار، بعد أحدث سلسلة من الضربات بعيدة المدى التي نفّذتها كييف. وكتب يفغيني سولنتسيف، حاكم أورينبورغ، على تطبيق «تلغرام»، كما نقلت عنه عدة وكالات دولية للأنباء: «حاولت طائرات دون طيار مُعادية مهاجمة منشأة صناعية في المنطقة». وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي عدداً من الهجمات بطائرات دون طيار على أرض مصفاة نفط في أورسك.

وهدّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرب محطات الطاقة النووية الأوكرانية ما لم تتوقف أوكرانيا عن هجماتها المزعومة على محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تحتلها روسيا.

وقال سلاح الجو الأوكراني، الجمعة، إن روسيا هاجمت منشآت الطاقة الأوكرانية في عدد من المناطق بالمُسيّرات والصواريخ. ووقعت الهجمات الرئيسية في منطقة بولتافا بوسط البلاد وخاركيف إلى الشرق.

فرقاطة دنماركية تُبحر قرب ساحل كوبنهاغن ضمن الإجراءات الأمنية تحضيراً للقمة الأوروبية (أ.ف.ب)

بدورها، أعلنت شركة «نافتوغاز» الأوكرانية العامة المُشغّلة لشبكة الغاز، الجمعة، أن روسيا شنّت ليلاً «أوسع هجوم» على منشآت لإنتاج الغاز في البلاد منذ بدء الغزو الروسي في 2022، مستخدمة 35 صاروخاً و60 طائرة مُسيّرة. وقال رئيس مجلس إدارة المجموعة سيرغي كوريتسكي، عبر «فيسبوك»: «تضرَّر جزء كبير من منشآتنا. وبعض الأضرار جسيمة»، مندداً بـ«بإرهاب متعمَّد» من جانب موسكو يستهدف منشآت مدنية.


إنذار في سوتشي بعد خطاب بوتين

انطلق إنذار بوجود مُسيّرة محذراً من هجوم أوكراني، بعد وقت قصير من حديث الرئيس الروسي عن الحرب وقضايا أخرى، في منتدى بمدينة سوتشي، الخميس. وقالت هيئة الطيران الروسية روسافياتسيا، على تطبيق «تلغرام»، إنه جرى تعليق العمليات في مطاريْ سوتشي وجيلينجيك.

وتلقّى مالكو الهواتف المحمولة رسالة نصية تُحذرهم من إنذار بوجود طائرة مُسيّرة في إقليم كراسنودار، وتنصحهم بـ«مغادرة الشوارع، والابتعاد عن النوافذ في المباني». ولم يتضح بالضبط مكان وجود بوتين. وتضم سوتشي مقراً سكنياً مؤمَّناً بشكل كبير للرئيس الروسي، وكثيراً ما يعمل من هناك. وأظهر موقع تتبُّع الرحلات «فلايت رادار 24» عدة طائرات روسية متجهة إلى سوتشي وهي تُحلق حول شمال القوقاز.

بوتين يراقب «عسكرة أوروبا» ويتعهد بالرد

في وقت سابق، تناول بوتين مجموعة من الموضوعات؛ أبرزها الحرب في أوكرانيا، وحمَّل أوروبا مسؤولية استمرار الصراع، قائلاً إن عدداً من الدول سعت إلى حل سِلمي. وتعهّد الرئيس الروسي بردّ «قوي» على «عسكرة أوروبا»، في كلمةٍ ألقاها خلال المنتدى في سوتشي بجنوب روسيا. وقال: «نراقب، من كثب، تنامي عسكرة أوروبا»، مضيفاً أن «الإجراءات الانتقامية الروسية لن تتأخر. وسيكون الرد على هذا النوع من التهديدات قوياً جداً». وتابع: «أقول الرد. نحن لم نبادر إطلاقاً إلى مواجهة عسكرية»، لكنه أكد أن «روسيا لن تُظهر قط أي ضعف أو تردد».

كما ردّ بوتين على تسليح الدول الأوروبية واستثمارها المتزايد في الدفاع، بالنظر إلى الصراع الجاري. وقال: «نحن نراقب، من كثب، التصعيد العسكري المتزايد في أوروبا». وأضاف: «في ألمانيا، على سبيل المثال، يقال إن الجيش الألماني يجب أن يصبح الأقوى في أوروبا. حسناً. نحن نسمع ذلك ونراقب ما يعنيه». وقال بوتين، دون تقديم أي تفاصيل: «لا أحد يشكّ في أن خطوات روسيا، وإجراءات روسيا المضادة، لن تتأخر في المجيء».

A general view of the Munich International Airport in Germany, February 16, 2023. (Reuters)

وعَدّ الرئيس الروسي أن إرسال صواريخ أميركية بعيدة المدى من طراز «توماهوك» إلى أوكرانيا سيشكل «تصعيداً جديداً» بين موسكو وواشنطن، بعدما أفاد مسؤولون أميركيون بأن واشنطن تدرس بيع هذه الصواريخ إلى الأوروبيين لتسليمها إلى كييف.

وحذّر بوتين، خلال منتدى في سوتشي بجنوب غربي روسيا، من أن «استخدام صواريخ توماهوك غير ممكن دون مشاركة مباشرة لعسكريين أميركيين، وهذا سيعني تصعيداً جديداً... ولا سيما في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة».


حرب استنزاف طويلة

وسط هذه التطورات، يُحذر محللون من أن الحرب مرشَّحة لأن تطول، ما لم تُتخذ خطوات أكثر جرأة من الغرب. الخبير البريطاني لورنس فريدمان كتب، في «فايننشال تايمز»، أن «روسيا قد تكون نمراً مُثخناً بالجراح، لكنها لم تنهرْ بعد. وإذا استمرت أوكرانيا في الاعتماد فقط على الهجمات بالمسيّرات دون دعم مالي وعسكري أوسع، فإن بوتين قد يجد طريقة للتأقلم».

لكن في المقابل، يرى أندريه كوزيريف، الباحث في مركز «تشاتهام هاوس»، أن «الهشاشة الاقتصادية الروسية باتت عميقة إلى درجةٍ تجعل استمرار الحرب مكلِّفاً لبوتين بشكل غير مسبوق». وأضاف أن «الأزمة الاجتماعية، الناتجة عن نقص الوقود وارتفاع الأسعار، قد تتحول إلى صدع داخلي لا يقل خطورة عن المعارك العسكرية في الجبهة».

وحتى الآن تبدو المعادلة معقَّدة: أوكرانيا تراهن على التكنولوجيا والتحالفات، الولايات المتحدة تُوازن بين دعم غير محدود وحذر استراتيجي، أوروبا تسعى لإيجاد مصادر تساعدها على مواصلة دعمها لأوكرانيا، بينما يحاول الكرملين امتصاص صدمة العقوبات والهجمات الداخلية. وفي النهاية، يبقى السؤال: هل ستدفع هذه الضغوط بوتين إلى التفاوض، أم أن الحرب ستبقى مفتوحة على استنزاف طويل يختبر صبر جميع الأطراف؟


مقالات ذات صلة

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

أوروبا زيلينسكي داخل مكتبه الرئاسي في كييف يوم 23 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

زيلينسكي «منفتح» على إنشاء منطقة اقتصادية حرة بشرق أوكرانيا

أكّد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لسحب القوات من منطقة دونباس إذا سحبت روسيا قواتها أيضاً، وإذا تحوّلت إلى «منطقة منزوعة السلاح».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة مركبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) ونظيره الأميركي دونالد ترمب (وسط) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حرب أوكرانيا

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصدر مطلع اليوم (الأربعاء) أن روسيا ستسعى لإجراء تعديلات جوهرية على خطة السلام الأميركية لإنهاء حربها مع أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي صورة منشورة على وسائل التواصل لعراقي يبلغ من العمر 24 عاماً فقدت عائلته الاتصال به بعد سفره إلى روسيا للانضمام إلى قواتها المسلحة (أ.ف.ب)

قضاء العراق «يجرم» المتورطين في الحرب الروسية - الأوكرانية

توعد القضاء العراقي من أسماهم المتورطين في حرب أوكرانيا بالسجن، مشدداً على مكافحة تجنيدهم للقتال على أراضٍ أجنبية.

فاضل النشمي (بغداد)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي يكشف البنود الـ20 للخطة الأميركية - الأوكرانية لإنهاء الحرب مع روسيا

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تفاصيل بنود أحدث خطة تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة سعيا لإنهاء الحرب مع روسيا، وتمّ رفعها إلى موسكو لإبداء موقفها

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: خطة السلام لا تلزمنا بالتخلي رسمياً عن السعي للانضمام إلى «الناتو»

كشف الرئيس الأوكراني، في تصريحات نُشرت، أن المقترح الجديد لإنهاء الحرب الذي تفاوضت عليه كييف وواشنطن لا يُلزم كييف بالتخلي عن «الناتو».

«الشرق الأوسط» (كييف)

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
TT

خفر السواحل الأميركي يفتقر لقوات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا

خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)
خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا (أ.ف.ب)

قال مسؤول أميركي ومصدر مطلع لـ«رويترز» إن خفر السواحل الأميركي ينتظر وصول قوات إضافية قبل أن يحاول اعتلاء ناقلة نفط مرتبطة بفنزويلا يطاردها ​منذ يوم الأحد بغية احتجازها.

ورفضت السفينة، التي حددتها مجموعات بحرية باسم «بيلا 1»، أن يصعد عليها خفر السواحل. وهذا يعني أن المهمة ستقع على الأرجح على عاتق أحد فريقين فقط من المتخصصين، ويُعرفون باسم «فرق الاستجابة الأمنية البحرية»، التي يمكنها الصعود على متن السفن في ظل هذه الظروف، عبر وسائل منها الهبوط بالحبال من الطائرات ‌الهليكوبتر.

وتسلط هذه ‌المطاردة المستمرة منذ أيام الضوء ‌على ⁠عدم ​التطابق بين رغبة ‌إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الاستيلاء على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات قرب فنزويلا والموارد المحدودة للوكالة التي تنفذ هذه العمليات بالأساس، وهي خفر السواحل.

وعلى عكس البحرية الأميركية، يمكن لخفر السواحل تنفيذ إجراءات إنفاذ قانون، ومنها الصعود على متن السفن الخاضعة للعقوبات الأميركية واحتجازها.

وكان ترمب أمر هذا الشهر بفرض «حصار» ⁠على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل فنزويلا وتخرج منها، وذلك ‌في أحدث خطوة تتخذها واشنطن لزيادة الضغط ‍على الرئيس الفنزويلي نيكولاس ‍مادورو.

واحتجز خفر السواحل في الأسابيع القليلة الماضية ناقلتي ‍نفط قرب فنزويلا.

وبعد عملية الاستيلاء الأولى في 10 ديسمبر (كانون الأول)، نشرت وزيرة العدل الأميركية بام بوندي مقطعاً مصوراً مدته 45 ثانية تظهر فيه طائرتان هليكوبتر تقتربان من سفينة وأفراد مسلحون يرتدون ملابس ​مموهة يهبطون بحبال عليها.

وأظهر منشور لوزارة الأمن الداخلي، التي تشرف على خفر السواحل، يوم السبت على ⁠وسائل التواصل الاجتماعي ما بدا أنهم ضباط خفر سواحل على متن حاملة الطائرات «جيرالد فورد» وهم يستعدون للمغادرة والاستيلاء على ناقلة النفط «سنشريز»، وهي ثاني السفن التي اعتلتها الولايات المتحدة.

وقال مسؤول أميركي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن مسؤولي خفر السواحل على متن «جيرالد فورد» ضمن فريق الاستجابة الأمنية البحرية وإنهم بعيدون جداً عن «بيلا 1» لاعتلائها.

ولم ترد وزارة الأمن الداخلي بعد على طلب للتعليق، ولم يتسن لـ«رويترز» تحديد الأسباب التي أدت إلى عدم احتجاز خفر السواحل السفينة ‌حتى الآن، إن وجدت من الأساس.

وقد تختار الإدارة الأميركية في النهاية عدم اعتلاء السفينة واحتجازها.


أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
TT

أميركا تكثف حشودها في الكاريبي... وروسيا والصين تتضامنان مع فنزويلا

مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)
مقاتلات وطائرات نقل عسكرية أميركية على مدرج «قاعدة روزفلت رودز البحرية» السابقة في بورتوريكو، يوم 23 ديسمبر (رويترز)

أضافت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المزيد من طائرات النقل والشحن إلى حشودها الضخمة في منطقة الكاريبي، مُضيّقة الخناق عسكرياً على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي تواجه حكومته شحاً في الموارد بسبب الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة ضد ناقلات النفط الخام، في خطوات اعتبرتها روسيا والصين متعارضة مع القوانين الدولية.

ووفقاً لبيانات تتبّع الرحلات الجوية، نفّذت طائرات شحن ثقيلة من طراز «سي 17» التي تُستخدم لنقل القوات والمعدات العسكرية، ما لا يقل عن 16 رحلة جوية إلى بورتوريكو خلال الأسبوع الماضي من قواعد عسكرية أميركية في ولايات نيو مكسيكو وإيلينوي وفيرمونت وفلوريدا وأريزونا ويوتاه وواشنطن، بالإضافة إلى اليابان، علماً أن العدد الفعلي للرحلات يمكن أن يكون أعلى من ذلك، لأن بعض الرحلات العسكرية لا يظهر على مواقع تتبع الرحلات. ولم يتضح عدد القوات أو المعدات الأخرى التي نُقلت على هذه الرحلات. وامتنع مسؤولو وزارة الحرب (البنتاغون) عن التعليق.

ناقلة النفط «إيفانا» راسية عند ميناء في فنزويلا يوم 21 ديسمبر (أ.ب)

وأعلنت القيادة الوسطى الأميركية أن نحو 15 ألف جندي منتشرين بالفعل في منطقة الكاريبي، في واحدة من أكبر عمليات الانتشار البحري للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. ووصف الرئيس ترمب هذا الانتشار بأنه «أسطول ضخم»، معلناً أنه يخطط لعملية برية في فنزويلا «قريباً». ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الولايات المتحدة نقلت أخيراً طائرات عمليات خاصة إلى المنطقة.

وكان الرئيس ترمب وقّع سراً، في أغسطس (آب) الماضي، توجيهاً إلى «البنتاغون» لبدء استخدام القوة العسكرية ضد بعض عصابات المخدرات في أميركا اللاتينية التي صنّفتها إدارته منظمات إرهابية. ومنذ ذلك الحين، قُتل أكثر من 105 أشخاص في سلسلة من نحو 25 غارة.

اضطراب قطاع النفط

وأدّت الحملة الأميركية الشرسة ضد ناقلات النفط الخام الفنزويلية إلى اضطراب شديد في قطاع النفط في البلاد، ما أدّى إلى ازدحام مواني فنزويلا بناقلات النفط، حيث يخشى المسؤولون من إرسالها في المياه الدولية خشية تعرضها للمصادرة من الولايات المتحدة على غرار ناقلتين احتجزتا خلال الأيام القليلة الماضية بسبب انتهاكات للعقوبات الأميركية. وتُظهر بيانات الشحن أن ناقلات متجهة إلى فنزويلا عادت أدراجها في منتصف الطريق. كما أفاد أصحاب السفن بإلغاء عقود تحميل النفط الخام.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو خلال أحد النشاطات في كركاس (رويترز)

وأدّت هذه الإجراءات إلى شلّ قطاع تصدير النفط الفنزويلي، وفقاً لمصادر محلية وبيانات الشحن. وبسبب هذا الوضع، أقرّ البرلمان الفنزويلي قانوناً يُجرّم طيفاً واسعاً من النشاطات التي تُعيق الملاحة والتجارة في البلاد، مثل احتجاز ناقلات النفط. وأفادت مصادر أن مادورو يدرس أيضاً رداً أكثر حزماً. وبدأت زوارق حربية فنزويلية بمرافقة السفن التي تحمل النفط الفنزويلي ومشتقاته، لكن يبدو أن هذه المرافقة تتوقف عند حدود المياه الإقليمية للبلاد. وتدرس الحكومة الفنزويلية اتخاذ إجراءات إضافية، كوضع جنود مسلحين على متن ناقلات النفط المتجهة إلى الصين، المستورد الرئيسي للنفط الفنزويلي. ومن شأن هذه الخطوة أن تُعقّد جهود خفر السواحل الأميركي في اعتراضها، ويمكن أن تُورّط مادورو في نزاع عسكري ضد أسطول من سفن البحرية الأميركية الحربية التي حشدها الرئيس ترمب في المنطقة.

مجلس الأمن

وفي اجتماع طارئ لمجلس الأمن، عُقد الثلاثاء، أكّد المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم المتحدة مايك والتز أن ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات «تُعدّ شريان الحياة الاقتصادي الرئيسي لمادورو ونظامه غير الشرعي». وقال إن «قدرة مادورو على بيع النفط الفنزويلي تُمكّنه من ادعائه الزائف بالسلطة وأنشطته الإرهابية المرتبطة بتجارة المخدرات»، مضيفاً: «ستفرض الولايات المتحدة عقوبات وتُنفّذها إلى أقصى حد لحرمان مادورو من الموارد التي يستخدمها لتمويل كارتل لوس سوليس»، أي «كارتيل الشمس»، الذي صنفته إدارة ترمب منظمة إرهابية أجنبية الشهر الماضي.

جانب من اجتماع مجلس الأمن حول فنزويلا في نيويورك يوم 23 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووجّهت السلطات الأميركية تُهماً إلى مادورو عام 2020 تتعلق بالإرهاب المرتبط بالمخدرات في الولايات المتحدة، واتُهم بقيادة «كارتيل لوس سوليس»، وهو صفة يستخدمها الفنزويليون منذ التسعينات من القرن الماضي للإشارة إلى ضباط كبار جمعوا ثروات طائلة من تهريب المخدرات.

ومع تفاقم الفساد على مستوى البلاد، اتّسع نطاق استخدام المصطلح ليشمل مسؤولي الشرطة والحكومة، فضلاً عن نشاطات مثل التعدين غير القانوني وتهريب الوقود.

وفي اجتماع الثلاثاء لمجلس الأمن، اتهم المندوب الفنزويلي صامويل مونكادا الولايات المتحدة بالتصرف «خارج نطاق القانون الدولي» وقوانينها المحلية، من خلال مطالبتها الفنزويليين بمغادرة البلاد وتسليمها لإدارة ترمب، بما في ذلك جميع حقولها النفطية. وفي إشارةٍ إلى الناقلتين المصادرتين، تساءل: «ما هو الحق الذي تملكه حكومة الولايات المتحدة للاستيلاء، حتى الآن، على ما يقرب من 4 ملايين برميل من النفط الفنزويلي؟». وقال إن «هذا الحصار البحري المزعوم هو في جوهره عمل عسكري يهدف إلى محاصرة فنزويلا، وإضعاف بنيتها الاقتصادية والعسكرية، وتقويض تماسكها الاجتماعي والسياسي، وإثارة فوضى داخلية لتسهيل عدوان قوى خارجية».

وعبّرت دول عديدة عن قلقها من انتهاكات القانون البحري الدولي والتزام ميثاق الأمم المتحدة، الذي يلزم كل الدول الـ193 الأعضاء احترام سيادة وسلامة أراضي الدول الأخرى. وقال المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن «الأعمال التي قامت بها الولايات المتحدة تتعارض مع كل المعايير الأساسية للقانون الدولي»، واصفاً الحصار بأنه «عمل عدواني صارخ». وكذلك، قال المندوب الصيني سون لي إن بلاده «تعارض كل أعمال الترهيب، وتدعم كل الدول في الدفاع عن سيادتها وكرامتها الوطنية». وردّ المندوب الأميركي بأن «الولايات المتحدة ستفعل كل ما في وسعها لحماية منطقتنا، وحدودنا، والشعب الأميركي».


كيف تُقارن السفن الحربية الجديدة لترمب بنظيراتها الصينية والروسية؟

ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
TT

كيف تُقارن السفن الحربية الجديدة لترمب بنظيراتها الصينية والروسية؟

ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب مغادراً بعد الإعلان عن مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية الاثنين (أ.ف.ب)

أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح نقاش قديم - جديد داخل الأوساط العسكرية والاستراتيجية، بعد كشفه عن مشروع فئة جديدة من السفن الحربية أطلق عليها اسم بارجة «فئة ترمب»، واصفاً إياها بأنها «أقوى بمائة مرة من أي بارجة بُنيت في التاريخ»، وقادرة على مواجهة «أي خصم وفي أي بحر».

ويأتي هذا الإعلان في وقت لم تستخدم فيه الولايات المتحدة البارجات التقليدية منذ إخراج سفن فئة «آيوا» من الخدمة مطلع تسعينات القرن الماضي، غير أن ترمب، الذي أبدى مراراً إعجابه بالسفن الحربية الضخمة، كان قد دعا علناً إلى إحياء هذا النوع من القطع البحرية، مؤكداً أنه سيتدخل شخصياً في تصميمها، بعدما انتقد سابقاً مظهر بعض السفن الأميركية الحديثة واصفاً إياها بأنها «غير جذابة».

ووفق ما أعلنته الإدارة الأميركية، سيبلغ عدد أفراد طاقم كل بارجة نحو 850 عنصراً، لتكون هذه السفن العمود الفقري لما يسميه ترمب «الأسطول الذهبي»، وهو مشروع طموح يشمل أيضاً سفناً قتالية صغيرة مستوحاة من زوارق خفر السواحل الأميركية من فئة «Legend». وتخطط البحرية الأميركية لشراء ما يصل إلى 25 سفينة من هذه الفئة، على أن تحمل الأولى اسم «USS Defiant».

ومن المتوقع أن يبدأ بناء السفينة الرئيسية في أوائل ثلاثينات القرن الحالي، لتتحول لاحقاً إلى السفينة القائدة «Flagship» للبحرية الأميركية، وسط تقديرات تشير إلى أن تكلفة الواحدة منها ستبلغ عدة مليارات من الدولارات.

مقارنة مع الصين وروسيا

وخلال الإعلان عن التصميم، قال وزير البحرية الأميركي، جون فيلان، إن بارجة «فئة ترمب» ستكون الأكبر والأكثر فتكاً وتعدداً في المهام، بل والأجمل شكلاً، بين جميع السفن الحربية في العالم. وفقاً لمجلة «نيوزويك».

عرض تصوّري للسفينة «يو إس إس ديفاينت» المقترحة من «فئة ترمب» خلال إعلان الرئيس الأميركي مبادرة «الأسطول الذهبي» للبحرية الأميركية (رويترز)

ويُنظر تقليدياً إلى الأسطول السطحي الروسي على أنه أقل قوة مقارنة بأسطوله من الغواصات، التي تتمتع بقدرات عالية على التخفي وتنفيذ ضربات بعيدة المدى. أما الصين، فتمتلك اليوم أكبر بحرية في العالم من حيث عدد السفن، مدعومة باستثمارات ضخمة في بناء السفن، في مقابل معاناة البرامج الأميركية من تأخيرات وتجاوزات متكررة في التكاليف.

ويرى محللون أن التصميم الأولي لبارجة «فئة ترمب» يحمل أوجه شبه مع الطرادات السوفياتية النووية الثقيلة من فئة «كيروف»، وكذلك مع المدمرة الصينية الحديثة من طراز «Type 055». غير أن فريدريك ميرتنز، المحلل الاستراتيجي في مركز الأبحاث الهولندي «TNO»، يرى أن «هذه السفن صُممت أساساً للرد على التفوق الأميركي في حاملات الطائرات»، معتبراً أن البارجة الجديدة «تتفوق على أهداف تمتلك البحرية الأميركية بالفعل وسائل أكثر كفاءة للتعامل معها عبر القوة الجوية والغواصات».

حاملات الطائرات والأسلحة الفرط صوتية

وتشغّل الولايات المتحدة حالياً 11 حاملة طائرات، من بينها «جيرالد آر. فورد»، الأكبر في العالم، في حين احتفلت الصين مؤخراً بإطلاق حاملة الطائرات «فوجيان»، الأكثر تطوراً ضمن أسطولها المؤلف من ثلاث حاملات، والمزوّدة بمقاليع كهرومغناطيسية لإطلاق الطائرات.

وحسب البحرية الأميركية، ستتمتع بارجات «فئة ترمب» بقدرة على ضرب أهداف على مسافات تصل إلى 80 ضعف مدى السفن الحالية، باستخدام أنظمة إطلاق صواريخ عمودية متقدمة، قادرة على تنفيذ ضربات فرط صوتية بعيدة المدى ضد أهداف استراتيجية برية.

وتُعد الأسلحة الفرط صوتية، التي تفوق سرعتها سرعة الصوت بخمس مرات على الأقل، مجال تفوق حالي لكل من روسيا والصين، في حين لا تزال الولايات المتحدة تسعى إلى امتلاك قدرات تشغيلية كاملة في هذا المجال. وقد استخدمت موسكو هذه الصواريخ بشكل متكرر خلال حربها في أوكرانيا منذ بدايتها عام 2022.

الحجم والتكلفة... وأسئلة مفتوحة

وتشير التقديرات إلى أن طول السفينة الجديدة قد يصل إلى 880 قدماً، مع قدرة على إطلاق صواريخ كروز يمكن تزويدها برؤوس نووية، إضافة إلى أسلحة ليزر عالية الطاقة ومدافع متقدمة، رغم أن عدداً من هذه التقنيات لا يزال في طور التطوير.

وستفوق بارجات «فئة ترمب» أكثر من ضعف حجم مدمرات «زوموالت»، الأكبر حالياً في الأسطول الأميركي، لتقترب من أبعاد بوارج «آيوا» التي خرجت من الخدمة قبل ثلاثة عقود.

غير أن مستقبل المشروع لا يزال محفوفاً بالتساؤلات، في ظل غموض مسارات التمويل، واشتداد المنافسة على الموارد داخل البحرية الأميركية، فضلاً عن المخاوف من تأثيره على برامج تسليح أخرى، من بينها برنامج المقاتلة المستقبلية «F/A-XX»، ما يفتح الباب أمام جدل واسع حول جدوى المشروع وتوقيته في خضم سباق التسلح البحري المتسارع.