«حماس» في مفترق طرق: خطة ترمب تجحفنا لكننا سنتعامل بإيجابية

مصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» إن القرارات الإشكالية مثل السلاح ستتخذ بإجماع الفصائل

TT

«حماس» في مفترق طرق: خطة ترمب تجحفنا لكننا سنتعامل بإيجابية

صبي فلسطيني يجلس وسط أناس يحملون طرود مساعدات إنسانية في النصيرات وسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يجلس وسط أناس يحملون طرود مساعدات إنسانية في النصيرات وسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

غداة إعلان خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف الحرب في غزة، التي حظيت بموافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أصبحت الكرة في ملعب حركة «حماس» التي يترقب الجميع ردها.

وأظهرت إفادات من مصادر في الحركة، تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، وتعليقات متفرقة لعناصر من قواعدها، حالةَ ارتباك بشأن الموقف من الخطة التي وصفتها مصادر بأنها «مجحفة وظالمة»، لكنها قالت إنها ستتعامل رغم ذلك بـ«إيجابية مطلقة» حيالها.

وتبرز بنود إشكالية تتعلق بالنص في الخطة على تفكيك قدرات «حماس» العسكرية ونزع سلاحها باعتبارها نقطة أساسية ركز عليها ترمب ونتنياهو خلال إعلان الخطة، مساء الاثنين، في واشنطن، وقال مصدر كبير في «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن «كل شيء بالنسبة للسلاح والقضايا الملحة يتم مناقشتها، وستتخذ بالإجماع مع فصائل المقاومة».

وطرح ترمب خطته لإنهاء الحرب في غزة، وتضمنت بنوداً عدة؛ أبرزها الانسحاب التدريجي للجيش الإسرائيلي من غزة، وتفكيك سلاح حركة «حماس»، ووافق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على بنودها.

واعتبر ترمب أن إعلانه «يوم تاريخي للسلام في الشرق الأوسط»؛ إذ ربط تنفيذ خطته لإنهاء الحرب بتوسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية، منوهاً بمستوى «الدعم العظيم» الذي حظيت به الخطة من قادة دول بالشرق الأوسط.

إيجابية مطلقة... وتعديلات

لكن مصادر من «حماس» وصفت الخطة الأميركية بأنها «مجحفة وظالمة، وتخدم مصالح الإسرائيليين ولا تحقق مطالب الفلسطينيين إلا في جزئيات بسيطة ومعدومة في العديد من الحالات». ومع ذلك قالت المصادر إنه «رغم ذلك الحركة ستتعامل بإيجابية مطلقة مع الخطة».

ونوهت المصادر بما وصفته بـ«نقاط فضفاضة لا تحمل التزامات أو ضمانات حقيقية بتنفيذ شروطها، وتترك لإسرائيل حرية العمل في القطاع، خصوصاً فيما يتعلق بتنفيذ عملية الانسحاب التدريجي»، موضحة أنها «قد تقدم بعض التعديلات الطفيفة فيما يتعلق بقضية إطلاق سراح المختطفين وكذلك تسليم رفاة القتلى منهم».

عناصر من «حماس» لدى تسليمهم المجندة الإسرائيلية أربيل يهود في خان يونس (جنوب غزة) يناير الماضي (أ.ب)

وبررت طلب التعديل بأن هناك حاجة لمزيد من البحث عن الجثامين «خاصة وأن بعضهم ما زال في مناطق تحت الركام بعد أن تعرضوا للقصف الإسرائيلي، كما أن المقاومة في الميدان بحاجة للعديد من التفاصيل لجمع الأسرى ونقلهم من مكان إلى آخر».

وبينت أن مدة الـ72 ساعة (المطروحة من قبل ترمب) غير منطقية في مثل هذه الظروف، وهناك حاجة لأيام أكبر، لافتةً إلى أن «الحركة تقبل بالإفراج عن 250 أسيراً فلسطينياً من أصحاب المحكوميات المؤبدة، وتعتبره معقولاً بالنسبة لها».

اجتماعات... ورد خلال يومين

أشارت المصادر إلى أنه منذ لحظة تسلم الخطة، بدأت اجتماعات داخل الحركة الليلة الماضية واستمرت حتى ساعات الفجر الأولى، وكشفت أنه «تم إرسال نسخة من الخطة لفصائل فلسطينية، وسيتم إجراء مناقشات بشأنها».

وبشأن ما إذا كان تم تحديد موعد معين لتسليم الرد، قالت المصادر إن «الوسطاء طلبوا تسريع عملية المناقشة والرد عليها سريعاً في أقرب وقت ممكن وفي غضون يومين»، مشيرةً إلى أن «هذا الأمر ليس ملزماً للحركة التي لديها إجماع على ضرورة التعامل بإيجابية مع أي مقترح يضمن وقف الحرب بشكل كامل، وإعادة الإعمار، ورفع الحصار، والانسحاب الإسرائيلي الكامل».

دبابات «ميركافا» إسرائيلية ومدرّعة «إم 113» على حدود قطاع غزة (أ.ب)

وأعلنت قطر عن محادثات، مساء الثلاثاء، في الدوحة مع «حماس» وتركيا ومصر؛ لمناقشة خطة ترمب، وأكدت أن وفد الحركة الفلسطينية وعد بدراستها «بمسؤولية».

وقال ماجد الأنصاري، المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، خلال مؤتمر صحافي بالدوحة الثلاثاء: «قامت قطر ومصر يوم أمس (يقصد الاثنين) من خلال الاجتماعات التي جرت هنا في الدوحة، مع الوفد التفاوضي من حركة (حماس)، بتسليم الخطة، ووعد الوفد التفاوضي بدراستها بمسؤولية».

وجاءت التصريحات غداة إعلان ترمب خطةً للسلام من 20 بنداً لإنهاء الحرب المتواصلة منذ قرابة عامين بين إسرائيل وحركة «حماس» في غزة، بما في ذلك آلية لتطوير القطاع، وإطلاق عملية تنتهي بإقامة دولة فلسطينية.

وأضاف الأنصاري: «اليوم (الثلاثاء) أيضاً سيكون هناك اجتماع آخر بحضور الجانب التركي كذلك مع الوفد التفاوضي؛ بهدف التشاور حول هذه الخطة».

تباين داخل الحركة

قالت مصادر من «حماس» داخل القطاع إن «هناك قيادات في الحركة داخل غزة أبلغت القيادة في الخارج بضرورة التعامل بإيجابية مع المقترح بما ينهي الحرب»، لافتةً إلى أن «هناك دعماً أيضاً من القيادة العسكرية لـ(كتائب القسام) لهذا الشأن». وبينت أن «مثل هذا القرار داخل القطاع (للتعاطي بإيجابية) لم يكن حاضراً هذه المرة فقط، بل كان موجوداً لدى قيادة الخارج منذ أشهر ودعمه القائد الراحل لكتائب (القسام) محمد السنوار قبيل اغتياله (يونيو/ حزيران) الماضي».

لكن موقفاً متبايناً عبرت عنه قيادات من «حماس» رأت أن «الخطة مخادعة، وأن الولايات المتحدة معنية بتحقيق إنجاز شخصي لترمب، إلى جانب تحقيق هدف استعادة المختطفين فقط ثم استئناف الحرب بطرق مختلفة، ولذلك يعارضونها، كما تقول المصادر لـ«الشرق الأوسط».

وتواجه «حماس» ضغوطاً داخلية وخارجية، وذلك بفعل مطالبة السكان وشخصيات من داخلها وخارجها بضرورة التجاوب مع الخطة بما يحفظ ما تبقى من قطاع غزة وينهي معاناة السكان.

ووجهت قيادات محلية من غزة خدمت في مواقع قيادية داخل حكومة «حماس»، رسائل للحركة، تؤكد دعمها للاتفاق، رغم أنه لا يلبي مطالب الفلسطينيين بشكل كامل، ولا ينصفهم، كما رأوا.

ونصح رئيس بلدية خان يونس علاء البطة وأحد قادة «حماس» المحليين في المحافظة، عبر منشور على حسابه على منصة «فيسبوك»، الثلاثاء، قيادة الحركة والفصائل، بعقد «اجتماع افتراضي والاتفاق على تسليم الرد بشكل جماعي، والموافقة على خطة ترمب فوراً»، واصفاً ذلك بأنه «تجرع للسم».

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار بعد هجوم جوي إسرائيلي بمدينة غزة يوم الأربعاء الماضي (د.ب.أ)

ودعا إلى «تشكيل وفد تفاوضي من شخصيات وطنية وخبراء برئاسة السلطة الفلسطينية وبرعاية السعودية ومصر وقطر وتركيا لاستكمال النقاط العالقة، ومحاولة تحسين بعض البنود، والحصول على الضمانات اللازمة وأماكن الانسحاب وتحديد موعد له».

ورأى أنه في حال صعب القيام بذلك، أو التوصل لاتفاق، أن تتوجه «حماس» لإعلان تسليم ملف قطاع غزة إلى اللجنة العربية الإسلامية برئاسة السعودية ومصر، والالتزام بكل ما يصدر عنها، وصدرت دعوات مماثلة من العديد من الشخصيات من الأكاديميين وغيرهم.


مقالات ذات صلة

مساعد سابق لنتنياهو: رئيس الوزراء كلّفني وضع خطة للتهرّب من مسؤولية «7 أكتوبر»

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

مساعد سابق لنتنياهو: رئيس الوزراء كلّفني وضع خطة للتهرّب من مسؤولية «7 أكتوبر»

قال مساعد مقرب سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه في أعقاب هجوم حركة «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (القدس )
شؤون إقليمية جندي إسرائيلي ينبطح أرضاً لدى سماعه دوي صفارات الإنذار بغلاف غزة في أكتوبر 2023 (أ.ب) play-circle

نتنياهو يدفع لتحقيق منزوع الصلاحيات حول هجوم «7 أكتوبر»

صادقت لجنة وزارية إسرائيلية على مشروع قانون قدمه حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق في هجوم «7 أكتوبر» (تشرين الأول).

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة )
المشرق العربي فلسطيني يحمل جثمان رضيع توفي بسبب البرد القارس في خان يونس جنوب غزة (رويترز)

إسرائيل تُحرّك الخط الأصفر في جباليا لتعميق سيطرتها شمال غزة

تواصل القوات الإسرائيلية تعميق سيطرتها داخل قطاع غزة عبر إحكام قبضتها على العديد من المناطق، إذ توغلت آلياتها العسكرية بشكل مفاجئ في مخيم جباليا شمال القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

ساعر: «حماس» تحاول ترسيخ سيطرتها على غزة... ولن نقبل ذلك

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية لا تعمل على نزع سلاحها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل في خان يونس خلال عمليات البحث عن جثامين ضحايا الحرب على غزة يوم السبت (إ.ب.أ)

انهيار مبانٍ على رؤوس قاطنيها... أحد جوانب حرب غزة القاتمة

انهار 20 مبنى ومنزلاً على الأقل بمدينة غزة في غضون 10 أيام؛ ما تسبب بوفاة ما لا يقل عن 15 فلسطينياً، بينهم أطفال ونساء.

«الشرق الأوسط» (غزة)

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
TT

حمّى اقتناء المصريين للذهب لا تتراجع رغم ارتفاع أسعاره

ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)
ارتفاعات قياسية جديدة سجَّلها المعدن الأصفر في مصر (أرشيفية - رويترز)

«أشتري الآن أم أنتظر؟»، سؤال وجَّهه المصري محمد عبد الحميد، لرفقائه على المقهى بوسط القاهرة، خلال جلستهم نهاية الأسبوع الماضي، مستفسراً حول مناسبة الوقت الحالي لاستثمار حصيلة مدخراته المُقدَّرة بـ70 ألف جنيه (نحو 1475 دولاراً)، في شراء الذهب، بعد ارتفاعات متتالية في أسعاره طوال أيام الأسبوع، ليستقبل المهندس الأربعيني نصائح متضاربة: «اشترِ فوراً، فالسعر لن يرحم»، «انتظر، فالانخفاض قادم»، وصولاً إلى سخرية مريرة من أحدهم: «انتظر حتى يصل الغرام إلى 10 آلاف جنيه».

وبينما لم يتلقَّ المهندس الأربعيني إجابةً شافيةً لقلقه من خطوة الشراء، فإن ما شهدته أسواق الذهب المحلية والعالمية، خلال تعاملات (الاثنين)، من ارتفاعات قياسية جديدة، بعدما سجَّلت أوقية الذهب أعلى مستوى في تاريخها، جعله يحسم أمره، والتوجُّه إلى سوق «الصاغة» الشهير، لشراء سبيكة ذهبية وزن 10 غرامات بمبلغه المُدَّخر.

وأغلق سعر الذهب في مصر (الاثنين) على ارتفاع كبير ليسجِّل مستوى تاريخياً جديداً، مدفوعاً بازدياد التوقعات بخفض أسعار الفائدة الأميركية بشكل أكبر، إلى جانب عودة التوترات الجيوسياسية التي تزيد من الطلب على الذهب بوصفه ملاذاً آمناً، بحسب منصة «آي صاغة» المتخصصة في تداول الذهب والمجوهرات.

وارتفعت أسعار الذهب في السوق المحلية بنحو 100 جنيه للغرام، خلال تعاملات الاثنين، بينما ارتفعت خلال التعاملات الصباحية، الثلاثاء، 60 جنيهاً، ليسجل سعر غرام الذهب عيار 21 (الأكثر تداولاً في مصر) مستوى 5960 جنيهاً، وهو أعلى مستوى يسجله على الإطلاق.

زيادة أسعار الذهب لم تُثنِ المصريين عن الشراء (الصفحة الرسمية لشعبة الذهب والمجوهرات المصرية)

لم يكن عبد الحميد وحده هو مَن قصد «الصاغة»، إذ جذب بريق المعدن الأصفر العشرات غيره إلى المنطقة، حيث «تشهد السوق حركةً نشطةً، ورغم الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب، فإن الإقبال على الشراء لا يزال قوياً، لكن مع تغيّر واضح في نمط الشراء»، وفق ما يؤكده أمير رزق، تاجر الذهب والخبير المصري في مجال المصوغات والمشغولات الذهبية لـ«الشرق الأوسط».

ويضيف: «منذ أكثر من 50 عاماً، هناك قاعدة ثابتة في السوق المصرية (كلما ارتفع سعر الذهب، زاد الإقبال عليه)، فالناس تشتري عندما ترتفع الأسعار، وتُحجم عندما تنخفض، خوفاً من الخسارة».

وبينما وصل حجم مشتريات المصريين من الذهب خلال عام 2024 إلى 50.1 طن، و32.5 طن خلال أول 9 أشهر من العام الحالي، بحسب «مجلس الذهب العالمي»، فإن رزق يشير إلى أن الإقبال على الشراء لأغراض استثمارية يشهد زخماً غير مسبوق، حيث يتركز الإقبال على السبائك الصغيرة، قائلاً: «الطلب الأكبر حالياً على السبائك ذات الأوزان الصغيرة 2، و5، و10 غرامات، أما الذهب لأجل الزينة، فلا يُشكِّل أكثر من 5 إلى 7 في المائة من المبيعات؛ بسبب ارتفاع الأسعار».

وفق بيانات «آي صاغة»، ارتفعت أسعار الذهب محلياً بنحو 45 جنيهاً خلال الأسبوع الماضي، بينما سجَّلت أسعار الذهب بالأسواق المحلية ارتفاعاً بنحو 2050 جنيهاً، منذ بداية 2025.

يتوازى مع سجال المقهى، سجال رقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي في مصر، التي يطرح روادها أسئلةً بشكل مكثف حول مناسبة الوقت لشراء الذهب.

داخل أحد محلات الذهب بحي مصر الجديدة بالقاهرة، يوضِّح تاجر الذهب، مدحت عليش، أن الزيادات المتتابعة للذهب أدت لحالة من «التخبط» يعيشها المستهلك المصري، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الذهب يصعد، ثم يهبط، ثم يعاود الصعود... هذا التذبذب خلق حالةً من الترقب. الجميع يسأل: نشتري الآن أم ننتظر؟»، لافتاً إلى أن إجابته دوماً على هذا التساؤل هي أن «الذهب دائماً أفضل من السيولة النقدية».

ويلفت عليش إلى تحول جذري في ثقافة شراء الذهب لدى المصريين، قائلاً: «كانت (الشَّبكة) - هدية الزواج - تمثل العمود الفقري للمبيعات في العقود الماضية، لكن الطلب الآن ينصب بالكامل على السبائك والجنيهات الذهبية لأغراض الادخار فقط».

بدوره، يؤكد رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية المصرية، هاني ميلاد، أن السوق المحلية لا تزال تشهد طلباً نشطاً، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الارتفاع في الأسعار غالباً ما يدفع الناس إلى الشراء بدافع الخوف من زيادات إضافية، فعندما يرون السعر يتحرك صعوداً، يتسابق كثيرون للشراء قبل أن يرتفع أكثر».

ويؤكد أن السوق تشهد تحولاً في نوعية الزبائن، موضحاً: «مفهوم الاستثمار في الذهب جذب شرائح جديدة من المستهلكين، لم تكن معتادة على الشراء سابقاً، حيث دخل مستثمرون كبار، إلى جانب أفراد من الطبقة المتوسطة الذين يشترون كميات صغيرة، ما وسَّع قاعدة المشترين بشكل غير مسبوق».

سلوك المصريين في الإقبال على الذهب رغم ارتفاعاته، يُرجعه الخبير الاقتصادي، عادل عامر، إلى دوافع اقتصادية واجتماعية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هناك دوافع اقتصادية مباشرة، أبرزها الخوف من التضخم، وتآكل القوة الشرائية للجنيه، ما يجعل الذهب ملاذاً آمناً لحفظ القيمة، كونه لا يتأثر بالتضخم بالطريقة نفسها التي تتأثر بها العملة المحلية، كما أنه في الوعي الجمعي المصري ليس مجرد سلعة، بل رمز للأمان في أوقات الأزمات».

ويتابع: «الإقبال على شراء الذهب، خصوصاً السبائك، ليس نزعة استهلاكية، بل سلوك دفاعي عقلاني في بيئة اقتصادية تتسم بعدم اليقين، لذا يستمر هذا الاتجاه رغم الارتفاعات». وهو الاتجاه الذي يؤكده الأربعيني محمد عبد الحميد، مُعللاً اتجاهه لشراء سبيكته، بقوله: «أغلى سعر اليوم... هو أرخص سعر غداً».


وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
TT

وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)
مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)

رفضت وزارات في الحكومة اليمنية سلسلة البيانات المنسوبة إليها أو إلى موظفين فيها، والتي تحدثت عن انحياز مؤسسات حكومية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي ودعمه في إجراءات التصعيد التي ينفّذها في محافظتيْ حضرموت والمهرة.

جاءت هذه المواقف في أعقاب موجة بيانات سياسية أصدرها وزراء ونواب وزراء ووكلاء وزارات وقادة مؤسسات ومحافظون محسوبون على «الانتقالي»، أعلنوا فيها تأييدهم العلني للخطوات الأحادية التي اتخذها المجلس في شرق البلاد، فيما عدَّه رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي خروجاً واضحاً عن مبدأ الشراكة ووحدة القرار.

وفي وقت سابق، كان مصدر مسؤول بمكتب رئاسة الجمهورية قد عبّر، في بيان، عن «قلق بالغ» من «خروج بعض الوزراء والمسؤولين التنفيذيين عن مهامّهم الوظيفية»، وتحولهم إلى التعبير عن مواقف سياسية «لا تنسجم مع المرجعيات الدستورية والقانونية»، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

وحذّر البيان من استغلال المناصب الحكومية لـ«تحقيق مكاسب سياسية» خارج الأُطر الشرعية، مؤكداً أن مجلس القيادة هو الجهة الوحيدة المخوَّلة بتحديد المواقف العليا للدولة.

رفض البيانات المنسوبة

في هذا السياق، نفت وزارة الأوقاف والإرشاد أي صلة لها ببيان جرى تداوله مؤخراً، تضمّن «مضامين سياسية لا تندرج ضمن اختصاصاتها». وأكدت الوزارة أن الشرعية السياسية «المعترَف بها محلياً وإقليمياً ودولياً» تتمثل حصراً في مجلس القيادة الرئاسي، وأن أي موقف خارج هذا الإطار لا يمثلها، ولا تتحمل مسؤوليته. كما شددت على التزامها بتحييد ملف الأوقاف والحج والعمرة عن أي تجاذبات سياسية؛ حفاظاً على سُمعة اليمن ومصالح مواطنيه.

في الاتجاه نفسه، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة رفضها القاطع أي «مواقف أو قرارات صادرة خارج الأطر الدستورية»، محذّرة من خطورة الزج بالمؤسسات الخِدمية في سياقات سياسية قد تضر بيئة الأعمال وتؤثر على مناخ الاستثمار وثقة القطاع الخاص. وجددت الوزارة أنها تعمل تحت مظلة الحكومة الشرعية وبما يخدم «الاستقرار الاقتصادي ووحدة المؤسسات».

حشود في مدينة عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

أما وزارة الشباب والرياضة فعبّرت عن «استهجان بالغ» لنشر بيانٍ نُسب إلى موظفين فيها بعدن، وأعلنت رفضها «الزج بالمؤسسة في مواقف سياسية منحازة». وأكدت أنها ستتخذ الإجراءات القانونية والإدارية ضد كل من يثبت تورطه في إصدار أو الترويج لبيانات تنتحل صفة الوزارة، مشددة على أن التزامها سيظل كاملاً بتوجيهات رئيس المجلس الرئاسي ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

الاتجاه نفسه اتخذته وزارة العدل، التي رأت أن البيان المنسوب إليها «تضمّن توصيفات ومسميات تتجاوز المرجعيات الدستورية»، مؤكدة أن أي استخدام للصفة الوظيفية للتعبير عن مواقف سياسية خارج إطار الشرعية يُعد «مخالفة جسيمة تستوجب المساءلة». وجدّدت الوزارة التزامها باستعادة الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين، مؤكدة أن مؤسسات الدولة «تمثل جميع اليمنيين ولا يجوز القفز عليها».

وفي السياق نفسه، كانت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة قد أعلنت رفضها أي «اصطفاف سياسي أحادي»، أو استخدام للصفة الرسمية في مواقف سياسية. وشددت على أنها لن تتهاون مع أي محاولات لفرض أمر واقع إعلامي أو سياسي خارج إطار الشرعية، مؤكدة التزامها الكامل بإعلان نقل السلطة والتوافق الوطني.


صفقة يمنية ضخمة في مسقط لتبادل 2900 أسير ومحتجز

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)
جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)
TT

صفقة يمنية ضخمة في مسقط لتبادل 2900 أسير ومحتجز

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)
جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

في صفقة هي الأضخم خلال الحرب التي أشعلها الحوثيون، أعلن وفد الحكومة اليمنية المفاوض في ملف المحتجزين والمختطفين والمخفيين قسراً، التوصل إلى اتفاق مع الجماعة الحوثية يقضي بالإفراج عن نحو 2900 محتجز من الطرفين، في إطار الجولة العاشرة من المشاورات الإنسانية التي استضافتها العاصمة العُمانية مسقط، بحضور المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، وبمشاركة فاعلة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وفي حين أكد الحوثيون ومكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، الاتفاق، أعادت الصفقة الأمل لآلاف الأسر اليمنية التي أنهكها الانتظار الطويل، كما أعادت ملف الأسرى إلى صدارة الأولويات بعد سنوات من التعثر والاتهامات المتبادلة بين الطرفين بإفشال مبدأ «الكل مقابل الكل».

وأوضح بيان صادر عن الفريق الحكومي، أن الاتفاق الموقَّع ينصّ على الإفراج عن نحو 2900 محتجز ومختطف من جميع الأطراف ومن مختلف الجبهات، وعلى رأسهم القيادي السياسي البارز في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، إضافةً إلى كل المحتجزين من الأشقاء في التحالف، بمن فيهم الطيارون.

الوفد الحكومي اليمني المشارك في مشاورات مسقط بخصوص الأسرى (سبأ)

وأكد البيان أن الوفد الحكومي تحمّل كامل مسؤوليته الوطنية والإنسانية، وعمل بجدية والتزام كاملين لتنفيذ توجيهات القيادة السياسية في مجلس القيادة الرئاسي، التي شددت بوضوح على ضرورة الإفراج الشامل دون انتقائية أو استثناء، مشدداً على أن هذا الملف لا يحتمل المساومات السياسية.

في السياق ذاته، ثمّن الوفد عالياً الدور الذي لعبته سلطنة عُمان في احتضان هذه المشاورات، إلى جانب الجهود المحورية للمملكة العربية السعودية في دعم المسار الإنساني، إضافةً إلى الدور المهم الذي اضطلع به مكتب المبعوث الأممي والعاملون معه، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي وُصفت مساهمتها بـ«الإنسانية العظيمة والمعهودة».

ترحيب أممي

أكد مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، في بيان، أن الأطراف اليمنية اختتمت في العاصمة العُمانية مسقط، اجتماعاً استمر اثني عشر يوماً، توصلت خلاله إلى اتفاق على مرحلة جديدة من إطلاق سراح المحتجزين من جميع الأطراف على خلفية النزاع.

وأوضح المكتب أن الاجتماع عُقد ضمن أعمال اللجنة الإشرافية المعنية بتنفيذ اتفاقية إطلاق سراح المحتجزين، برئاسة مشتركة بين مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مشيراً إلى أن هذه الجولة تُعد الاجتماع العاشر للجنة التي أُنشئت بموجب اتفاقية استوكهولم لمتابعة التزامات الأطراف بالإفراج عن جميع المحتجزين المرتبطين بالحرب.

ورحّب المبعوث الأممي بنتائج الاجتماع، واصفاً التقدم المحقق في هذا الملف بأنه ذو أهمية إنسانية كبيرة، لما له من أثر مباشر في التخفيف من معاناة المحتجزين وأسرهم في مختلف المناطق اليمنية.

ونقل البيان عن غروندبرغ تأكيده أن التوصل إلى اتفاق بشأن مرحلة جديدة من الإفراج عن المحتجزين يمثل خطوة إيجابية ومهمة، مشدداً في الوقت ذاته على أن نجاح الاتفاق مرهون بالتنفيذ الفعلي، واستمرار انخراط الأطراف وتعاونها، إلى جانب دعم إقليمي منسق، وجهود متواصلة للبناء على هذا التقدم وصولاً إلى عمليات إفراج أوسع.

كما أعرب المبعوث الأممي عن تقديره لسلطنة عُمان على استضافتها المشاورات ودعمها المستمر لجهود الوساطة، مثمناً الدور الإنساني الذي تضطلع به اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تيسير تنفيذ الاتفاق وضمان احترام المبادئ الإنسانية ذات الصلة.

وجدد مكتب المبعوث الخاص التزام الأمم المتحدة بمواصلة تيسير وتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين، بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية، باعتبار ذلك جزءاً من مساعي بناء الثقة بين الأطراف ودفع المسار الإنساني قدماً في اليمن.

كسر حالة الجمود

حسب تصريحات رئيس وفد الحكومة اليمنية يحيى كزمان، فإن الاتفاق يشمل الإفراج عن 2900 محتجز ومختطف، في حين أعلن رئيس وفد الحوثيين التوصل إلى صفقة تبادل تشمل 1700 من عناصر الجماعة مقابل 1200 من الطرف الآخر.

ويتفق الطرفان على أن الصفقة تُعد من أوسع عمليات التبادل منذ سنوات، وتشكل كسراً لحالة الجمود التي خيَّمت على الملف الإنساني، خصوصاً بعد تعثر جولات سابقة في الأردن وسويسرا، وآخرها في مسقط قبل أشهر، بسبب ما وصفته الحكومة اليمنية بـ«تعنت الحوثيين».

ويأمل مراقبون أن تمهد هذه الصفقة الطريق لاستكمال الإفراج عن بقية المحتجزين والمخفيين قسراً على خلفية أحداث الحرب، بما في ذلك تبادل الرفات وجثامين القتلى، وهو ما أشار إليه الوفد الحكومي بوصفه جزءاً من رؤية شاملة لإنهاء هذا الملف المؤلم.

وعلى مدى السنوات الماضية، اتهمت الحكومة اليمنية الجماعة الحوثية، المدعومة من إيران، بإفشال كل الجهود الرامية إلى تنفيذ مبدأ «الكل مقابل الكل»، إذ لم تسفر المساعي السابقة إلا عن إطلاق نحو 2000 محتجز من الطرفين في أكبر صفقتين رعتهما الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وتقدّر منظمات حقوقية محلية ودولية وجود آلاف المعتقلين في سجون الحوثيين منذ انقلاب الجماعة على التوافق الوطني أواخر 2014، وسط اتهامات بتعرضهم لظروف احتجاز غير إنسانية، تشمل التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي، فضلاً عن الإخفاء القسري.

كما تحتجز الجماعة الحوثية عشرات من موظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية الإغاثية، بعضهم منذ أواخر 2021، بعد توجيه اتهامات بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي اتهامات تنفيها الأمم المتحدة وتعدها ملفقة.

وفي حين تتخذ الجماعة من اعتقال الموظفين الأمميين وموظفي المنظمات وموظفي السفارات ورقة للابتزاز السياسي والضغط الدولي، تعوّل الأمم المتحدة على دور الأطراف الإقليمية التي تحتفظ بقنوات اتصال مع الحوثيين، لدفعهم نحو الإفراج عن هؤلاء المحتجزين، بوصف ذلك اختباراً حقيقياً لجدية الجماعة في التعامل مع الملفات الإنسانية.