تشهد الجزائر منذ أسبوعين انتشاراً واسعاً لأكبر الإشاعات جنوناً، وهي تتعلق بـ«هروب مدير السابق للأمن الداخلي (المخابرات) العميد عبد القادر حداد إلى إسبانيا».
وبعد أن نشرت صحيفة «إلكنفدنسيال» الإسبانية البارزة أن الضابط الكبير «وصل إلى سواحل مدينة أليكانتي ليل 18 - 19 سبتمبر (أيلول)» الحالي، نفت صحيفتان جزائريتان كبيرتان الخبر، وهاجمتا بشدة كاتبه الصحافي الإسباني المعروف إيناسيو سامبريرو.

وكتبت صحيفة «الخبر»، في عدد الاثنين، أن مقال «إلكنفدنسيال»، الذي نشرته الخميس الماضي، بشأن ما سمته «الهروب المذهل» لمدير الأمن الداخلي الجزائري السابق «لا يعدو أن يكون تجميعاً لأخبار زائفة، أبرزها الزعم بوجوده في مدينة أليكانتي الإسبانية، في وقت تؤكد فيه مصادر موثوقة أنه لم يغادر التراب الوطني مطلقاً».
ولم توضح الصحيفة طبيعة «المصادر الموثوقة» التي استندت إليها، غير أن الترجيحات تشير إلى أن التكذيب صدر عن جهة عليا في الدولة، إما من رئاسة الجمهورية وإما من وزارة الدفاع.
وأفادت صحيفة «لوسوار دالجيري» الفرنكفونية المقربة من السلطة، في عددها لليوم نفسه، بأن خبر هروب الجنرال الشهير باسم «ناصر الجن»، «عارٍ عن الصحة».

وهاجمت الجريدتان «حملة إعلامية تهدف إلى التشويش على الجزائر»، تقف وراءها «أبواق» محسوبة على دولة مجاورة.
«حملات لضرب استقرار الجزائر»
ووفق «الخبر»، فلم تسند الصحيفة الإسبانية ما نشرته «بأي دليل مادي يثبته؛ ما يعكس، بما لا يترك أي مجال للشك، أجندة دعائية تستهدف الجزائر ومؤسساتها الأمنية، في محاولة لنشر صورة زائفة عن وجود صراعات داخلية»، مشيرة إلى أن مقال الصحافي الإسباني الشهير إيناسيو سامبريرو «مضلل ويتبنى أطروحات مغرضة، ويندرج ضمن سلسلة حملات لتشويه صورة الجزائر وضرب استقرارها».
وذكرت الصحيفة نفسها أن جريدة «لوموند» الفرنسية، «سقطت بدورها في فخ هذه الأكذوبة، بتناولها الموضوع كأنه حقيقة، وراحت تسترسل في نسج قصص خيالية حول وجود صراع أجنحة داخل الحكم الجزائري؛ ما يطرح تساؤلات حول مصداقيتها المهنية وانسياقها وراء الحملات الموجهة ضد الجزائر».

واللافت أن الصحيفتين الجزائريتين لم تنفيا خبر «هروب الجنرال حداد من الإقامة الجبرية»، كما أوردته «إلكنفدنسيال»، بل اكتفتا بالقول إنه «لم يغادر إلى إسبانيا، ولا يزال داخل الجزائر»؛ مما يُبقي احتمال فراره داخل التراب الوطني قائماً.
وكانت الصحيفة الإسبانية أكدت أن «ناصر الجن» وصل إلى شاطئ كوستا بلانكا بمقاطعة أليكانتي في قارب للهجرة السرّية، مبرزة أنه وضع في سجن عسكري بالجزائر بعد عزله في مايو (أيار) الماضي، ثم أحيل إلى الإقامة الجبرية في العاصمة، ومنها نظم عملية هروبه عبر البحر، وفقها، مؤكدة أنه «صرح (عند وصوله) بأنه قرر الهروب لأنه كان يخشى أن يُقتل قبل محاكمته، وأن يقدَّم ذلك على أنه انتحار».
أما عن سبب اختيار إسبانيا، فيعود - وفق المقال - إلى امتلاك الجنرال عقارات في هذا البلد؛ بحسبان أنه عاش في إسبانيا بين 2015 و2019 هارباً من حملة اعتقال شنها رئيس أركان الجيش، الراحل أحمد قايد صالح، ضد ضباط اشتغلوا تحت إشراف مدير المخابرات العسكرية محمد مزين الذي عُزل في 2015، وسجن لاحقاً في 2019، بتهمة «التآمر على الجيش والدولة».
ذاع صيت «ناصر الجن» في الأوساط الإعلامية منذ تسعينات القرن الماضي، إبان فترة الاقتتال العنيف بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية المسلحة، حيث كان يقود وحدة أمنية عسكرية واجهت عتاة المتشددين على الأرض، وتمكنت من قتل واعتقال عدد كبير منهم. ومن هنا جاء لقبه «الجن» نسبة إلى قدرته على التواري والتحرك الميداني السريع.

ويُذكر أن حداد، وكان برتبة عقيد، كان يعمل حينها تحت إمرة الجنرال عبد القادر آيت وعرابي، الذي سُجن في عام 2015، قبل أن يُعاد له الاعتبار لاحقاً، ويُعيَّن في مايو (أيار) الماضي مديراً للأمن الداخلي خلفاً للجنرال حداد. ولا تزال أسباب إقالة حداد والتهم التي قادته إلى السجن العسكري مجهولة حتى الآن.
صدى واسع على مواقع التواصل
قبل صدور المقال الإسباني، كان عدد من النشطاء الجزائريين المقيمين في الخارج نشروا الرواية نفسها. وغالباً ما يُنظر إلى هؤلاء النشطاء على أنهم «ناقلون لتسريبات من داخل الجهاز السياسي - العسكري». وقد ساهموا في تضخيم الإشاعة؛ مما أدى إلى انتشارها بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي بالجزائر.

وأثار مقال صحيفة «الخبر» تفاعل المعارضين في الخارج مع القضية، موضحاً أن «تسابقهم على إعادة نشر الأخبار الزائفة»، يدل، وفقها، على أنهم «مدفوعون إما بسذاجة إعلامية، وإما بدوافع سياسية مشبوهة».
أما السلطات الجزائرية، فلم تصدر أي تأكيد أو نفي بشأن هذا الفرار المزعوم، ولا بشأن اعتقال الجنرال؛ مما أبقى هذه الادعاءات في دائرة الإشاعات غير المؤكدة. كما أن الاتهامات بأن الجنرال «فرّ خوفاً من اغتيال محتمل يُغطَّى بأنه انتحار» لا تزال حتى الآن دون أدلة علنية تدعمها.



