أدلة بصرية تقلب رواية إسرائيل الرسمية حول هجوم مميت على مستشفى بغزة

قتل 22 شخصاً... واستهدف كاميرا تابعة لـ«رويترز» وليس لـ«حماس»

لقطة من فيديو يُظهر اللحظة التي سبقت قصف الجيش الإسرائيلي لمستشفى ناصر للمرة الثانية خلال دقائق في 25 أغسطس 2025 (رويترز)
لقطة من فيديو يُظهر اللحظة التي سبقت قصف الجيش الإسرائيلي لمستشفى ناصر للمرة الثانية خلال دقائق في 25 أغسطس 2025 (رويترز)
TT

أدلة بصرية تقلب رواية إسرائيل الرسمية حول هجوم مميت على مستشفى بغزة

لقطة من فيديو يُظهر اللحظة التي سبقت قصف الجيش الإسرائيلي لمستشفى ناصر للمرة الثانية خلال دقائق في 25 أغسطس 2025 (رويترز)
لقطة من فيديو يُظهر اللحظة التي سبقت قصف الجيش الإسرائيلي لمستشفى ناصر للمرة الثانية خلال دقائق في 25 أغسطس 2025 (رويترز)

يتعارض تحليل أدلة بصرية أجرته وكالة «رويترز» للأنباء، ومعلومات أخرى تتعلق بهجوم شنته إسرائيل على مستشفى في غزة الشهر الماضي، مع التفسير الإسرائيلي لما حدث في الغارة التي سقط فيها قتلى.

وأسفر الهجوم على مستشفى ناصر في 25 أغسطس (آب)، عن مقتل 22 شخصاً، بينهم 5 صحافيين. وقال مسؤول عسكري إن القوات الإسرائيلية خططت للهجوم باستخدام مقاطع التقطتها طائرة مسيرة أظهرت وجود كاميرا تابعة لحركة «حماس» الفلسطينية كانت هي الهدف من الغارة.

لكن الأدلة البصرية وغيرها من التقارير الخاصة بـ«رويترز»، تثبت أن الكاميرا الظاهرة في اللقطات تعود في الواقع إلى وكالة الأنباء، وكان يستخدمها أحد صحافييها منذ فترة طويلة.

ويقول المسؤول العسكري الإسرائيلي الآن، إن القوات تصرفت دون الحصول على موافقة القائد الكبير المسؤول عن العمليات في غزة. وأبلغ المسؤول «رويترز» عن هذا التجاوز بعد أن قدمت وكالة الأنباء نتائج تحقيقها إلى الجيش الإسرائيلي.

وبعد يوم واحد من قصف الدبابات الإسرائيلية لمستشفى ناصر، قال المسؤول إن المراجعة الأولية التي أجراها الجيش، خلصت إلى أن القوات استهدفت كاميرا تابعة لـ«حماس»، لأنها كانت تصورهم من المستشفى. وأضاف أن القوات انتابتها الريبة حيال الكاميرا، لأنها كانت مغطاة بمنشفة، حينها اتُخذ قرار بتدميرها.

سجادة صلاة

وتظهر لقطة شاشة مأخوذة من لقطات تم تصويرها بطائرة مسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي، الكاميرا المغطاة بقطعة قماش ذات لونين على درج المستشفى. وأكد المسؤول العسكري لـ«رويترز» الأسبوع الماضي، أن الكاميرا المغطاة بقطعة قماش كانت هي الهدف.

وخلص تحقيق «رويترز» إلى أن قطعة القماش التي تظهر في اللقطة، لم تضعها «حماس» هناك. لقد كانت سجادة صلاة صحافي «رويترز» حسام المصري، الذي قُتل في الهجوم.

وكان المصري قد وضع كاميرته 35 مرة على الأقل منذ مايو (أيار) على الدرج نفسه في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لنقل البث الحي لعملاء «رويترز» الإعلاميين في جميع أنحاء العالم. ولطالما غطى كاميرته بسجادة الصلاة ذات اللونين الأخضر والأبيض لحمايتها من الحرارة والغبار.

المعدات التي استخدمها مصور «رويترز» حسام المصري موجودة في الموقع الذي قُتل فيه (رويترز)

ويقدم تحقيق «رويترز» الرواية الأشمل حتى الآن لتطورات الهجوم بما في ذلك تجاوز القوات الإسرائيلية لتسلسل القيادة، وأكدت «رويترز» بشكل قاطع أن الكاميرا المستهدفة كانت تابعة لها.

وفي وقت سابق، ذكرت وكالة «أسوشييتد برس»، التي فقدت أحد صحافييها في هجوم المستشفى، أنها وجدت أدلة قوية على أن الكاميرا التي وصفتها القوات الإسرائيلية بأنها هدف الهجوم كانت لـ«رويترز».

«حادث مأساوي»

ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هجوم المستشفى، بأنه «حادث مأساوي». وقال مسؤول عسكري لـ«رويترز»، إن المصري والصحافيين الآخرين الموجودين لم يكونوا هدف الهجوم، ولم يُشتبه في صلتهم بـ«حماس».

وقال إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، والذي تديره «حماس»، إن ما قاله الجيش الإسرائيلي عن أن الحركة كانت تصور القوات الإسرائيلية من مستشفى ناصر، «ادعاء باطل يفتقر إلى أي دليل، ويهدف للتملص من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مجزرة مكتملة الأركان».

ورغم هذه الأمور التي تم الكشف عنها، ومرور شهر على الهجوم، لم يُقدّم الجيش الإسرائيلي شرحاً وافياً لكيفية تطور الأمر، ليصل إلى استهداف كاميرا «رويترز» ومقتل حسام المصري.

كما لم يُوضح الجيش الإسرائيلي بعد ما يلي:

* لماذا لم يُحذر طاقم المستشفى أو «رويترز» من نيته قصف المستشفى؟

* لماذا بعد إصابة الكاميرا في هجومه الأول، قصف الجيش الدرج مرة أخرى بعد 9 دقائق، مما أسفر عن مقتل صحافيين آخرين ومسعفين هرعوا إلى الموقع؟

* ما إذا كان قد أخذ في الاعتبار أن درج المستشفى الذي كان المصري يصور منه وقت مقتله، كان مكاناً يستخدمه كثير من الصحافيين بانتظام لتسجيل اللقطات وإعداد التقارير خلال الحرب.

* من وافق على الضربة؟

صورة من فيديو تُظهر آثار الغارة الإسرائيلية على مستشفى ناصر في خان يونس (رويترز)

ولم يُفصح المسؤول العسكري عن الجهة التي أصدرت الأمر بالهجوم، على الرغم من عدم موافقة قائد المنطقة.

نمط سائد

إن غياب أي تفسير كامل لما حدث في مستشفى ناصر، يُمثل نمطاً متبعاً في الهجمات العسكرية الإسرائيلية التي أودت بحياة صحافيين، منذ أن شنت إسرائيل هجومها المستمر منذ نحو العامين بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وتقول لجنة حماية الصحافيين إنها وثقت مقتل 201 صحافي وعامل في مجال الإعلام بغزة وإسرائيل ولبنان، حيث امتدت الحرب بعد وقت قصير من الهجوم الأولي. ويشمل هذا العدد 193 فلسطينياً قُتلوا بنيران إسرائيلية في غزة، و6 قُتلوا على يد إسرائيل في لبنان، وإسرائيليين اثنين قُتلا في هجوم 7 أكتوبر 2023.

وأفادت لجنة حماية الصحافيين بأن إسرائيل لم تنشر مطلقاً نتائج أي تحقيق رسمي، ولم تُحاسب أي أحد على مقتل الصحافيين بنيران الجيش الإسرائيلي، كما لم تدفع أي من هذه الوقائع إلى مراجعة جادة لقواعد الاشتباك الإسرائيلية، ولم يؤدِّ التنديد الدولي إلى أي تغيير في نمط الهجمات على الصحافيين خلال العامين الماضيين.

وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: «يعمل الجيش الإسرائيلي على الحد قدر الإمكان من تعرض المدنيين للأذى، بمن فيهم الصحافيون».

وأضاف: «نظراً لاستمرار تبادل إطلاق النار، فإن البقاء في منطقة قتال نشط ينطوي على مخاطر بطبيعة الحال. يوجه الجيش الإسرائيلي ضرباته فقط نحو الأهداف العسكرية والعناصر العسكرية، ولا يستهدف المدنيين أو الأهداف المدنية، بمن فيهم المؤسسات الإعلامية والصحافيون».


مقالات ذات صلة

نتنياهو يتهم «حماس» بخرق الاتفاق قبل لقائه ترمب

شؤون إقليمية 
جانب من احتفالات ليلة عيد الميلاد خارج «كنيسة المهد» في بيت لحم بالضفة الغربية أمس (أ.ف.ب)

نتنياهو يتهم «حماس» بخرق الاتفاق قبل لقائه ترمب

سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة)
العالم العربي احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة في الضفة الغربية المحتلّة بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)
خاص فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب) play-circle

خاص التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي «حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (قطاع غزة)
شؤون إقليمية نائبة إسرائيلية معارضة ترفع لافتة كُتب عليها «لا تخفوا الحقيقة» في الكنيست الأربعاء (إ.ب.أ)

الكنيست يصادق مبدئياً على «لجنة تحقيق ناعمة» في «7 أكتوبر»

تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المشاركة في تصويت البرلمان المبدئي على تشكيل «لجنة تحقيق ناعمة» في هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

نظير مجلي (تل أبيب)

القوات الإسرائيلية تنتشر في عدة قرى وتفتش المارة بجنوب سوريا

توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
TT

القوات الإسرائيلية تنتشر في عدة قرى وتفتش المارة بجنوب سوريا

توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)
توغل للقوات الإسرائيلية في بلدة صيدا بريف القنيطرة جنوب سوريا (أرشيفية - سانا)

توغلت القوات الإسرائيلية صباح اليوم (الخميس) في قرى عدة بريف القنيطرة الجنوبي في جنوب سوريا.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن «قوة للاحتلال مؤلفة من سيارتي (همر) توغلت في عدد من قرى ريف القنيطرة الجنوبي، انطلاقاً من تل أحمر غربي، وسلكت الطريق المؤدي إلى قرية كودنة وصولاً إلى قرية عين زيوان، ومنها إلى قرية سويسة وانتشرت داخل القرية، وقامت بتفتيش المارة وعرقلت الحركة».

وأشارت إلى أن «قوات الاحتلال الإسرائيلي توغلت مساء أمس في قرى عدة بريف القنيطرة الشمالي، وفي بلدة الجلمة بريف درعا الغربي، واعتقلت شابين».

ووفق الوكالة، «تواصل إسرائيل سياساتها العدوانية وخرقها اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، عبر التوغل في الجنوب السوري، والاعتداء على المواطنين».

وتطالب سوريا باستمرار بخروج القوات الإسرائيلية من أراضيها، مؤكدة أن جميع الإجراءات التي تتخذها في الجنوب السوري باطلة ولاغية، ولا ترتب أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته وردع ممارسات إسرائيل وإلزامها بالانسحاب الكامل من الجنوب السوري والعودة إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.


إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)
مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)
TT

إسرائيل تعتبر إدانة قرارها إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة «خطأ أخلاقياً»

مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)
مستوطنة إسرائيلية بالضفة الغربية (رويترز)

رفضت إسرائيل إدانة صادرة عن 14 دولة لقرارها إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية المحتلة، ووصفت الانتقادات بأنها تنطوي على «تمييز ضد اليهود».

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إن «الحكومات الأجنبية لن تقيّد حق اليهود في العيش في أرض إسرائيل، وإن أي دعوة من هذا القبيل خاطئة أخلاقياً وتمييز بحق اليهود»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

ووافق المجلس الأمني في إسرائيل، الأحد، على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة قال وزير المال اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إنها تهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».

ووفق بيان صادر عن مكتب سموتريتش، فإنه وبموجب هذا الإعلان يرتفع عدد المستوطنات التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 69 مستوطنة.

وتأتي الموافقة الإسرائيلية بعد أيام على إعلان الأمم المتحدة تسارع وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية بحيث بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2017 على الأقل، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأدانت 14 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، الأربعاء، موافقة إسرائيل الأخيرة على إقامة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية، داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن القرار، وإلى الكفّ عن توسيع المستوطنات.

وجاء في بيان مشترك، نشرته وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن ممثلي ألمانيا وبلجيكا وكندا والدنمارك وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وآيرلندا وآيسلندا واليابان ومالطا وهولندا والنرويج وبريطانيا، نندد بإقرار المجلس الوزاري الأمني للحكومة الإسرائيلية إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة».

وأضاف ​البيان: «نذكر أن مثل هذه التحركات أحادية الجانب، في إطار تكثيف أشمل لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية، لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل تؤجّج أيضاً انعدام الاستقرار».

ويعيش في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل وضمتها منذ عام 1967، نحو ثلاثة ملايين فلسطيني إلى جانب نحو 500 ألف إسرائيلي يقطنون في مستوطنات تعتبرها الأمم المتحدة غير قانونية بموجب القانون الدولي.

وتواصل الاستيطان في الضفة الغربية في ظل مختلف حكومات إسرائيل سواء يمينية أو يسارية.

واشتد هذا الاستيطان بشكل ملحوظ خلال فترة تولي الحكومة الحالية السلطة، لا سيما منذ اندلاع الحرب في غزة عقب هجوم غير مسبوق شنته حركة «حماس» في جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.


ما مصير «اتفاق 10 آذار» والعام يسير إلى نهايته؟

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
TT

ما مصير «اتفاق 10 آذار» والعام يسير إلى نهايته؟

مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)
مسلحون من «قسد» خلال عرض عسكري في مدينة القامشلي (أرشيفية - رويترز)

وضعت مصادر في دمشق التصعيد العسكري الأخير في مدينة حلب شمال سوريا في إطار «الضغوط» المتزامنة مع اقتراب استحقاق «اتفاق 10 آذار» بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية»، وقرب انتهاء مهلة تنفيذ الاتفاق، مع استبعاد الذهاب إلى مواجهة واسعة وتوقع تمديد المهلة لأشهر أخرى سيزداد فيها «الضغط» على «قسد» للاندماج في المؤسسات السورية، خصوصاً الأمنية والعسكرية.

ويقول الباحث في «مركز الحوار السوري» مكارم فتحي إن تركيا تريد استكمال مسار الإنجازات الكبيرة التي حققتها في الملف الكردي في الداخل التركي.

واعتبر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المباحثات التركية الأخيرة في دمشق «جزء من مسار الضغط وتعزيز موقف الحكومة السورية وإظهار المزيد من الحزم»، مع الإشارة إلى أن «التفاوض مع (قسد) يتزامن مع سخونة الأحداث على الأرض». ولفت إلى أن أحد المخارج المحتملة لمأزق اقتراب الاستحقاق هو «الإعلان عن إنجاز جزئي لاتفاق آذار»، وبدء التفاوض الفعلي وكسب المزيد من الوقت خلال عام 2026.

وأشار مكارم إلى أن هذا المخرج «يحفظ ماء الوجه للجميع» خاصة لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، التي تتعرض لـ«ضغوط غير مسبوقة»، لحسم الملف، دون استبعاد ظهور حل مفاجئ، وهو احتمال ضئيل.

وفد من «الإدارة الذاتية» في اجتماع مع مسؤولين في الحكومة السورية عُقد بدمشق يونيو الماضي (مواقع التواصل)

أما الباحث والمدير التنفيذي في مركز الدراسات «جسور» وائل علوان فيرى أن تمديد مهلة الاتفاق 6 أشهر أخرى احتمال ممكن، لأن جميع الأطراف المحلية والخارجية «حريصة على ألا ينهار الاتفاق»، مشدداً على أنه «يجب أن يحافظ على الاتفاق ليكون مستنداً لحل هذه الأزمة»، مرجحاً تزايد الضغوط على «قسد» من قبل الأطراف الدولية، مثل واشنطن ذات التأثير الأكبر في هذا الملف، وفرنسا أيضاً، لمنع «قسد» من فرصة الإخلال بالاتفاق المؤدي إلى انهياره.

ولفت علوان إلى احتمال ممارسة الحكومة السورية ضغوطاً «ميدانية» من خلال التواصل مع المكونات الاجتماعية في الجزيرة السورية. وفي حال تمديد المهلة، توقع علوان «زيادة الضغوطات، نسبياً»، ورأى أن «قسد» ليست في «طور الذهاب إلى اندماج حقيقي مع الحكومة السورية، وعلى الأرجح ستقدم بعض التنازلات والاستجابة المحدودة». لكن بعد 6 أشهر ستكون هناك «ضغوط أكبر من الأطراف المؤثرة، مع تجنب الوصول إلى حرب عسكرية مفتوحة».

الشرع مصافحاً عبدي عقب توقيع اتفاق دمج «قسد» في الجيش السوري 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

ورغم خطورة التصعيد الأخير في مدينة حلب، يعتبر الباحث المتخصص بالشؤون الكردية خورشيد دلي أنها عمليات «محدودة» وستكون في النهاية محكومة بتفاهمات والعودة من جديد إلى اتفاق 10 مارس (آذار)، الذي «بات ممراً إجبارياً لتحقيق تفاهمات على شكل الحكم في سوريا»، مشيراً إلى «المغالطة الجارية بخصوص موعد تنفيذ الاتفاق؛ إذ إن البند الثامن يشير إلى أن «اللجان ستسعى إلى تنفيذ بنود الاتفاق بحلول نهاية العام»، وليست هناك أي إشارة إلى أنه موعد نهائي ومن بعده ينتهي الاتفاق».

واستبعد دلي حصول مواجهة كبرى بين الطرفين، في ظل وجود قوات التحالف الدولي شرقي الفرات؛ حيث القواعد والمقار الأميركية، ومن جانب آخر، ستكون الحرب مدمرة للطرفين ولما تبقى من سوريا. لكن ذلك لا يعني عدم حصول مواجهات محدودة في مناطق التماس في حلب وريفها الشرقي ودير الزور.

وفي ضوء تبادل «قسد» ووزارة الدفاع السورية الخطط بشأن كيفية دمج قوات «قسد» والأسايش (قوات الأمن الداخلي) وكذلك المفاوضات غير المعلنة بين الجانبين، اعتبر الباحث دلي أن الأمور تبدو متجهة نحو «انفراجة»، أولاً لأن فيها مصلحة للطرفين ولسوريا عموماً، وثانياً لوجود «تفاهم عام» بين الطرفين على تجنب الصدام العسكري. وثالثاً لأن الدور الأميركي يقوم بتدوير الزوايا والخلافات. ورأى أن هذه الانفراجة «ستشكل مدخلاً لتعزيز الثقة بين الطرفين، بعد أن تأثرت بأحداث السويداء ومن قبل الساحل، دون أن يعني ما سبق التقليل من حجم الخلافات والاختلافات».

صورة نشرتها وزارة الداخلية للنزوح في حلب بعد الاشتباكات الأخيرة بين «قسد» والقوات السورية

احتمال توسع المواجهات بين «قسد» والحكومة السورية يستند، بحسب الكاتب والباحث السياسي ماهر التمران، إلى أن «المعطيات على الأرض لا توحي بوجود حشود عسكرية واسعة أو استعدادات ميدانية جدية من الطرفين، ويشدد على أن البيئة الإقليمية والدولية، وهي العامل الأكثر تأثيراً، لا تشجع على فتح جبهة جديدة في شمال سوريا وشرقها، خاصة في ظل حادثة تدمر وعودة نشاط تنظيم «داعش» في البادية، «ما يرفع منسوب القلق الأمني ويزيد الحاجة إلى تجنب أي فراغ أو انفلات قد يخلّ بتوازن هش قائم».

ورأى أن «خيار تمديد المهلة وإدارة الأزمة السيناريو الأكثر ترجيحاً». فمنذ توقيع الاتفاق، بقي إطاراً عاماً يفتقر إلى آليات تنفيذ واضحة وجداول زمنية ملزمة، ما جعل التعثر شبه حتمي.

وحسب المعطيات المتوفرة، يقول التمران إن المباحثات الجارية تتركز حصرياً على الجوانب العسكرية والأمنية كأولوية لدى الطرفين، باعتبارها مدخلاً لبناء الثقة وضبط التوازن الميداني قبل الانتقال إلى القضايا السياسية والإدارية الأكثر تعقيداً.

كما يشير مقترح الفرق العسكرية الثلاث إلى محاولة حكومية للبحث عن «صيغة وسطية تُبقي لـ(قسد) حضوراً عسكرياً منظماً في منطقة الجزيرة، مقابل تثبيت وجود رسمي للدولة ضمن الهيكل العسكري، بما قد يمهّد لاحقاً لإعادة ترتيب العلاقة بين الطرفين».

واعتبر ماهر التمران أن المرحلة المقبلة تبدو أقرب إلى مرحلة «إدارة وقت» منها إلى مرحلة حسم، ويُرجّح اللجوء إلى تمديد غير معلن أو إعادة صياغة للجدول الزمني للمفاوضات، بانتظار ظروف سياسية أكثر ملاءمة.

غير أن استمرار هذا النهج دون معالجة جذور الخلاف، بحسب رأيه، يحمل في طياته مخاطر تراكم الإحباط الشعبي، خاصة في المناطق المتأثرة مباشرة بغياب الحل، ما قد يمهّد لاحقاً لسيناريوهات أكثر تعقيداً إذا لم تُتخذ خطوات سياسية حقيقية تتجاوز المقاربة الأمنية وحدها.