شرطة تعز تقتل المشتبه الأول باغتيال المسؤولة اليمنية إفتهان المشهري

مواجهة بين جهات رسمية واتهامات بالتواطؤ في حوادث الانفلات الأمني

شرطة تعز تعلن مقتل المشتبه الأول في اغتيال مديرة صندوق نظافة المدينة (شرطة تعز)
شرطة تعز تعلن مقتل المشتبه الأول في اغتيال مديرة صندوق نظافة المدينة (شرطة تعز)
TT

شرطة تعز تقتل المشتبه الأول باغتيال المسؤولة اليمنية إفتهان المشهري

شرطة تعز تعلن مقتل المشتبه الأول في اغتيال مديرة صندوق نظافة المدينة (شرطة تعز)
شرطة تعز تعلن مقتل المشتبه الأول في اغتيال مديرة صندوق نظافة المدينة (شرطة تعز)

قتلت قوات الشرطة في مدينة تعز اليمنية، الأربعاء، المشتبه الأول في واقعة اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين إفتهان المشهري، وألقت القبض على آخر، وذلك بعد الإعلان، خلال الأيام الماضية عن إلقاء القبض على عدد من المشتبهين الآخرين، وسط اتهامات أمنية لقيادات عسكرية بالتستر على المطلوبين في المحافظة التي تقع جنوب غربي البلاد.

وأعلنت السلطات الأمنية في مدينة تعز، الأربعاء، عن مقتل المتهم الرئيسي بعملية الاغتيال، والمنتمي إلى أحد الألوية العسكرية، بعد مقاومته الحملة الأمنية التي كانت تلاحقه للقبض عليه في حي الروضة، شمال المدينة، عقب تصاعد الخلافات بين القيادات الأمنية من جهة والعسكرية من جهة أخرى حول حوادث الانفلات الأمني والتستر على المطلوبين.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لجثة المشتبه به مضرجة بالدماء، بالقرب من سور إحدى المدارس، قبل أن تتولى قوات الأمن التحفظ عليها.

وذكرت مصادر محلية أن المشتبه به استخدم خلال مقاومته الحملة الأمنية عدداً من الأسلحة والقنابل اليدوية وكمية كبيرة من الذخيرة، وتنقَّل على أسطح منازل المنطقة، واحتمى بعدد من الأطفال.

واستنكر ناشطون حقوقيون ومحامون واقعة مقتل المشتبه به، وحذَّروا من أنها قد تؤدي إلى تمييع القضية التي يرجح وقوف شبكات فساد واسعة خلفها.

وأعرب مصدر قضائي عن مخاوفه من أن يكون مقتل المشتبه به الأول في جريمة اغتيال المشهري، إلى جانب وقائع أخرى في العمليات الأمنية، سبباً في عدم تمكين القضاء من تحقيق العدالة في القضية وإفلات من يقفون خلف الجريمة من العقاب.

سيارات تابعة لشرطة تعز خلال ملاحقة عدد من المتهمين بحوادث الانفلات الأمني (شرطة تعز)

وأوضح المصدر، الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الإفصاح عن هويته؛ لعدم امتلاكه صلاحيات الحديث لوسائل الإعلام، أن القضاء ما زال مهمشاً حتى اللحظة، ولم يتم تمكينه من التحقيق في هذه الواقعة الجسيمة، ولا الرقابة على إجراءات القبض على المتهمين وملاحقتهم.

وحذَّر من مساهمة هذه الإجراءات في إعدام الأدلة وتمييع الشهادات، وبالتالي إفلات من يقفون خلف الجريمة من المساءلة والعقاب، بل وينهي فرص الكشف عنهم.

مواجهة أمنية عسكرية

تسبب اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين في مدينة تعز بغضب في الشارع اليمني، وأثار سكان المدينة وأرياف المحافظة ضد الانفلات الأمني وشبكات الفساد التي يتهمونها بالوقوف خلف الواقعة.

وتوعد مدير عام شرطة تعز، العميد منصور الأكحلي، في تسجيل فيديو خلال جولة ميدانية له، جميع المطلوبين الأمنيين باستمرار الحملة الأمنية ضدهم وملاحقة كل المجرمين إلى أوكارهم، مشيداً بالتعاون بين الأمن والجيش في مواجهة الانفلات الأمني.

وشهدت المدينة توتراً بين الأجهزة الأمنية والألوية العسكرية، عقب اتهام المتحدث باسم شرطة تعز، المقدم أسامة الشرعبي، القيادي في اللواء 170 دفاع جوي محمد سعيد المخلافي، بالوقوف ضد الحملة الأمنية ومنعها من ملاحقة المشتبه به في تنفيذ واقعة الاغتيال، وهو ما نفاه المخلافي وتوعد بملاحقة الشرعبي ومقاضاته.

وبينما لاقت تصريحات الشرعبي استحساناً في أوساط السكان؛ وُوجهت ردة فعل المخلافي بالاستنكار، بعد أن نشر المخلافي عدداً من تسجيلات الفيديو التي ينفي فيها الاتهامات، وانتقاله من منزله إلى أمام مقر إدارة الأمن رفقة مسلحين تابعين له، وتهديد مدير إعلام الشرطة بالملاحقة القضائية.

وكان بيان مشترك صادر الاثنين الماضي، عن قيادة محور تعز العسكري، وإدارة شرطة الأمن في المحافظة، أكد أن الحملة الأمنية نجحت بإلقاء القبض على أربعة من المتهمين الرئيسيين، ويجري تعقب بقية المتهمين، مع توسيع انتشارها في الأحياء الشمالية والشمالية الشرقية التي يسيطر عليها اللواء الذي ينتمي إليه المشتبه بهم في الواقعة.

قيادي في شرطة تعز يحتفل بعد مقتل المشتبه الأول باغتيال مديرة صندوق نظافة المدينة (إكس)

وأكّدت الشرطة إلقاء القبض على أحد المتهمين، وهو قيادي عسكري، في حين زعم هو أنه سلم نفسه للشرطة العسكرية بصفته شاهداً في القضية.

احتجاجات شعبية

وهزت الرأي العام اليمني، ودفعت أقارب الضحية وسكان المنطقة التي تنتمي إليها والمئات من عمال النظافة الذين كانوا تحت إدارتها إلى الاحتجاج وتنفيذ اعتصامات أمام عدد من المقار الحكومية.

ونصب المحتجون خياماً جديدة أمام مبنى محافظة تعز، مشددين على استمرار اعتصاماتهم السلمية حتى تحقيق العدالة الكاملة للقضية، والقبض على جميع المتورطين.

صورة لإفتهان المشهري رفعها المحتجون على بوابة مبنى حكومي (إكس)

وتشمل مطالب المحتجين إقالة قيادات المنطقة العسكرية التي يتهمها الأهالي بالمسؤولية والتواطؤ فيما وصلت إليه الأوضاع الأمنية من انفلات خطير أدى إلى وقوع عشرات الحوادث التي راح ضحيتها العشرات من مختلف الفئات والأعمار، وتسببت بتصاعد مخاوفهم على سلامتهم وسلامة أقاربهم وممتلكاتهم.

وينتمي غالبية المشتبه بهم في واقعة اغتيال مديرة صندوق النظافة، إفتهان المشهري، وعشرات الحوادث الأمنية، إلى اللواء 170 دفاع جوي.

وحسب الناطق باسم شرطة تعز، فإن قوات الأمن في مديرية مشرعة وحدنان الريفية، جنوب المدينة، ضبطت 4 من المشتبهين بالاغتيال، بينهم سائق الدراجة النارية التي استُخدمت في العملية.

وخلال مزاولتها مهامها تعرضت المشهري لتهديدات بالقتل من المشتبه به الذي قتلته الشرطة، والمنتمي إلى اللواء المذكور، إلى جانب حملات إعلامية مسيئة، وفي الـ18 من أغسطس (آب) الماضي وجَّه محافظ تعز، نبيل شمسان، مذكرة رسمية إلى مدير عام شرطة المحافظة، بضبط المشتبه بعد اقتحام مقر الإدارة العامة لصندوق النظافة والتحسين وإغلاقه وتهديد مديرته بالقتل.

وكشف تسجيل صوتي عبر تطبيق «واتساب»، منسوب إلى المشهري، جرى تسريبه عقب مقتلها، عن أن المتهم بتهديدها تلقى تحذيراً بتحرك قوة أمنية للقبض عليه؛ ما مكنه من الفرار.

وطبقاً للمصادر الأمنية، فقد بلغ عدد المقبوض عليهم في واقعة اغتيال المشهري 14 متهماً.


مقالات ذات صلة

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)
خاص نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

خاص «اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الحوثيين لتبادل 2900 محتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق هذا الملف الإنساني

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أسرى يمنيون أفرج عنهم على متن طائرة للجنة الدولية للصليب الأحمر في مطار مأرب (أرشيفية - رويترز)

ترحيب عربي وإسلامي واسع بالاتفاق اليمني لتبادل المحتجزين

توالت بيانات الترحيب العربية والإسلامية غداة الاتفاق الذي توصلت إليه الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في العاصمة العُمانية مسقط بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي معتقلون تحاكمهم الجماعة الحوثية في إجراءات تصفها الأوساط الحقوقية بغير العادلة (إ.ب.أ)

سجون الحوثيين ... تعذيب مميت ومقابر سرية

شهدت سجون الحوثيين وفيات جديدة بالتعذيب، والإهمال الطبي، بالتزامن مع مصادقة أحكام إعدام مسيّسة، والمختطفون يتحولون إلى أوراق ابتزاز، وتفاوض

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي صورة أرشيفية لاجتماع سابق لمجلس الأمن في شأن اليمن (الأمم المتحدة)

اليمن يرحب ببيان مجلس الأمن الداعم لمجلس القيادة والحكومة

مجلس الأمن يُجدد دعمه الشرعية اليمنية ومسار السلام، ويُدين احتجاز الحوثيين موظفي الأمم المتحدة، داعياً إلى خفض التصعيد والإفراج الفوري عن المحتجزين.

«الشرق الأوسط» (عدن)

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».