في حادثة من شأنها أن تزيد من القيود التي تواجه العمل الإغاثي في اليمن اغتال مسلحون مجهولون مؤيد حميدي منسق برنامج الأغذية العالمي في جنوب محافظة تعز، فيما لا يزال خمسة من موظفي الأمم المتحدة مختطفين لدى عناصر من تنظيم «القاعدة» منذ بداية العام الماضي، فيما تعتقل ميليشيات الحوثي اثنين آخرين.
وذكر مصدران طبيان في مستشفى خليفة في مدينة التربة لـ«الشرق الأوسط» أن المنسق وهو أردني الجنسية فارق الحياة عند وصوله المستشفى بعد إصابته بطلقات في الرأس والرقبة منتصف نهار الجمعة عند انتهائه من تناول وجبة الغداء في أحد مطاعم المدينة.
وفي رسالة لـ«الشرق الأوسط»، قالت ناطقة باسم البرنامج: «يشعر برنامج الأغذية العالمي بحزن عميق لأن موظفا متفانيا قُتل في اليمن اليوم على أيدي مسلحين مجهولين».
وذكر طلال وهو أحد سكان المدينة لـ«الشرق الأوسط» أن مسلحا يستقل دراجة نارية أطلق النار على حميدي عند مغادرته مطعم الشيباني الشهير بمدينة التربة التي تتوزع فيها مكاتب لكثير من المنظمات الإغاثية، وأنه انطلق بعيدا عقب الحادثة وسط ذهول الناس الذين سارعوا بنقل الضحية إلى المستشفى.
مسؤول في قيادة المحافظة قال لـ«الشرق الأوسط» إن حملة أمنية كبيرة خرجت من عاصمة المحافظة مساء الجمعة، لتعزيز الأمن في التربة، وملاحقة المتورطين في الجريمة والقبض عليهم، كما صدرت تعليمات عاجلة إلى جميع نقاط التفتيش لتشديد الرقابة والتفتيش في كل المنافذ المؤدية إلى مدينة التربة والتحقق من الهويات وإيقاف أي مشتبه به.
ووصف المسؤول المحلي الجريمة بأنها استهداف ممنهج للمحافظة بعد عودة المنظمات الدولية إليها وافتتاح مقرات لها وتغيير الصورة التي تكونت عقب حادثة اغتيال منسق اللجنة الدولية للصليب الأحمر قبل عدة سنوات.
مخاوف إغاثية
يخشى العاملون في الجانب الإغاثي من أن تؤدي الحادثة إلى إغلاق مكتب برنامج الأغذية العالمي هناك، وهو ما سيؤثر على المساعدات التي يستفيد منها عشرات الآلاف من المحتاجين.
وقال بسام وهو أحد العاملين في منظمة إغاثية في تعز لـ«الشرق الأوسط» إن الأمم المتحدة تواجه عجزا كبيرا في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية، وإنها وبالتعاون مع الجانب الحكومي تمكنت خلال العام الحالي من تجاوز كثير من العقبات، واتجهت نحو توسيع أنشطتها في محافظة تعز.
الرئاسي يتوعد
وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد محمد العليمي، بملاحقة العناصر المتورطين في تنفيذ الاعتداء المسلح الذي أسفر عن مقتل الموظف الأممي، وفق ما ذكرته وكالة «سبأ».
وقالت الوكالة إن العليمي أجرى اتصالا هاتفيا بمحافظ تعز نبيل شمسان، وإن الأخير أطلعه «على المعلومات الأولية التي تشير إلى تحديد هوية منفذ الاعتداء الإجرامي، والإجراءات القانونية المتخذة لملاحقة الجناة وتقديمهم إلى محاكمة عادلة لينالوا عقابهم الرادع».
وأعرب رئيس مجلس الحكم اليمني باسمه وأعضاء المجلس والحكومة عن خالص تعازيه لعائلة الموظف الأممي، وزملائه، مؤكداً التزام الدولة بضمان جميع الإجراءات لإنفاذ العدالة، وتأمين موظفي الوكالات الإغاثية في المحافظات المحررة، وتسهيل وصول تدخلاتهم الإنسانية الجليلة إلى جميع مستحقيها في أنحاء البلاد.
اجتماع طارئ
اللجنة الأمنية بمحافظة تعز برئاسة المحافظ نبيل شمسان عقدت اجتماعا طارئا لمتابعة تداعيات استهداف أحد المسلحين للمواطنين الآمنين في أحد مطاعم مدينة التربة، الذي نتج عنه إصابة عدد ممن كانوا في المطعم بمن فيهم أحد موظفي برنامج الغذاء العالمي الذي توفي بعد إسعافه للمستشفى متأثراً بجراحه.
وأكدت اللجنة الأمنية أنها تقوم بتعقب مرتكبي هذه الجريمة وطلبت من السكان الإبلاغ عن أي معلومات قد تساعد في القبض على المجرمين وطلبت من وسائل الإعلام والصحفيين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي عدم نشر الإشاعات واستقاء المعلومات من اللجنة الأمنية التي ستوافي الجميع أولاً بأول بنتائج التحقيقات وجهود ضبط المجرمين. وتعهدت اللجنة الأمنية والسلطة المحلية في محافظة تعز بأنها ستقف بحزم في وجه هذه المحاولات لزعزعة الأمن والاستقرار في المحافظة التي تقف وراءها جهات معروفة برغبتها في إضعافها وتشويه صورتها المدنية الآمنة.
هذه الحادثة تأتي فيما لا يزال خمسة من العاملين في مكتب الأمم المتحدة للأمن والسلامة مختطفين لدى عناصر من تنظيم «القاعدة» منذ ما يزيد على عام، حيث تم اعتراض طريقهم في محافظة أبين، كما لا يزال اثنان من موظفي الأمم المتحدة معتقلين في صنعاء لدى ميليشيات الحوثي ويرفضون حتى الآن إطلاق سراحهما.
من جهته، وصف رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني الحادثة بأنها «طعنةٌ غائرةٌ في القلب»، وجهتها أيادٍ أدمنت الأذى لليمن الذي لم يتعاف من طعنات متوالية بسهامٍ مختلفة.
وقال في بيان نعى فيه الضحية «إن العالم ما كاد يستجيب لمأساة اليمن الإنسانية ويبدأ أولى الخطوات لتقديم تعز نموذجاً لخروج اليمن من محنته ليقرر أن تكون ملتقى أممياً نموذجياً لجهود التنمية، فيستبشر البسطاء والمحرومون، إلا أن من وصفهم بـ«قطاع الطرق وعصابات الإرهاب» يأبون إلا أن يمارسون هواية الدم والدمار بالاعتداء على موظفٍ أمميٍ من مواطني الأردن الذي لم يتردد في مؤازرة اليمن سلطةً وشعباً عبر مبادرات لا أجد متسعاً لحصرها».
وعد البركاني أن الاعتداء لم يسفك دم المواطن الأردني في مدينة التربة فحسب... بل سفك معه دم كل يمني يشعر بالخيبة والحرج والأسى على هذا المواطن الذي جاءنا يحمل شجرة القمح والأرز ... فلم يرد المجرمون التحية بمثلها. من جهته، قال وزير الصحة اليمني قاسم بحيبح إن الاعتداء الإجرامي الآثم طال أحد كوادر العمل الإنساني في الأمم المتحدة في مدينة التربة - تعز، ودعا الجهات الأمنية للقيام بدورها والقبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة.
ولاحقا، نشر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بيانا قال فيه إن مؤيد حميدي وصل مؤخراً إلى اليمن لتولي منصبه الجديد كرئيس لمكتب برنامج الأغذية العالمي في تعز، حيث كان قد عمل لدى برنامج الأغذية العالمي لما يقرب من 18 عاماً منها مناصب سابقة في اليمن وفي السودان وسوريا والعراق.
ونقل البيان عن ريتشارد راجان، ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في اليمن قوله: «إن فقدان زميلنا مأساة عميقة لنا وللمجتمع الإنساني ككل».
واضاف أن «أي خسارة في الأرواح في سبيل العمل الإنساني تعتبر مأساة غير مقبولة. ويجب تقديم الذين يقفون وراء هذا الهجوم إلى العدالة».