الإنفاق الدفاعي وحده لا يكفي... كيف يمكن سد فجوة القوى البشرية لـ«ناتو»؟

أعلام الدول الأعضاء بـ«ناتو» أمام مقر الحلف في بروكسل (أ.ب)
أعلام الدول الأعضاء بـ«ناتو» أمام مقر الحلف في بروكسل (أ.ب)
TT

الإنفاق الدفاعي وحده لا يكفي... كيف يمكن سد فجوة القوى البشرية لـ«ناتو»؟

أعلام الدول الأعضاء بـ«ناتو» أمام مقر الحلف في بروكسل (أ.ب)
أعلام الدول الأعضاء بـ«ناتو» أمام مقر الحلف في بروكسل (أ.ب)

يواجه حلف شمال الأطلسي (ناتو) تحدياً خطيراً يتمثل في نقص القوى البشرية، حيث لا يكفي الإنفاق الدفاعي وحده لتعزيز قدراته ما لم يترجم إلى جنود مدربين قادرين على تشغيل منظوماته الحديثة وردع التهديدات المتصاعدة.

هذا ما أكده أليكس واجنر، وهو مساعد سابق لوزير سلاح الجو الأميركي لشؤون القوى البشرية والاحتياط في إدارة بايدن، وأستاذ مشارك بجامعة سيراكيوز، وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي، وكريستن تايلور: مديرة مساعدة في المجلس الأطلسي تشرف على ملفات الدفاع والتعاون الصناعي والابتكار عبر الأطلسي، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية.

شعار «ناتو» (أ.ف.ب)

ويقول الباحثان إن الإنفاق الدفاعي المتزايد لحلف «ناتو» وحده لا يمكن أن يضمن أمن الحلف.

فللمرة الأولى في تاريخ الحلف الممتد على مدى 76 عاماً، انخرط أحد أعضائه في مواجهة تهديد روسي داخل مجاله الجوي، حيث أسقطت الدفاعات الجوية البولندية ثلاث طائرات مسيَّرة روسية، مع العثور لاحقاً على مزيد من الطائرات المسيَّرة التي جرى إسقاطها عبر الجبهة الشرقية لـ«ناتو».

ويمثل هذا الحادث اختباراً حقيقياً لصلابة الحلف خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، ويكشف في الوقت ذاته عن استعداد موسكو لاختبار دفاعات «ناتو»، وعن الحاجة الملحة إلى تعزيز جاهزية الحلف. وبينما ستركز الأنظار في الأسابيع المقبلة بحق على تدعيم الدفاعات الجوية وسد الثغرات في القدرات، فإن حادثة بولندا تكشف عن هشاشة أعمق: النقص المتزايد في الأفراد العسكريين لدى «ناتو».

ويقول الباحثان إن الحلف يفتقر حالياً إلى القوى البشرية اللازمة لتنفيذ خططه الدفاعية الإقليمية، فضلاً عن ردع التهديد الروسي المتنامي أو الوفاء بوعوده الطموحة التي أعلنها في قمة «ناتو» بشهر يونيو (حزيران).

وتكاد جميع الدول الأعضاء تكافح لتجنيد عدد كافٍ من القوات والاحتفاظ بهم لردع جيش روسي لا يزال يعتمد على الأعداد الكبيرة، حتى بعد الخسائر الميدانية الهائلة التي تكبدها. كما يفاقم التراجع الديموغرافي واتساع الفجوة بين المجتمعين المدني والعسكري هذا التحدي.

عَلم حلف شمال الأطلسي (ناتو) (د.ب.أ)

وحتى لو أوفت الدول الأعضاء بالتعهد الجديد بإنفاق 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، فقد يظل سد فجوات القوى البشرية أصعب من توقيع الشيكات الكبيرة. فحالياً، تنفق دول «ناتو» في المتوسط نحو 36 في المائة من ميزانياتها الدفاعية على شؤون القوى البشرية، بينما تصل النسبة في دول مثل إيطاليا إلى نحو 60 في المائة. ومع استعداد الحلفاء لاستثمار مبالغ غير مسبوقة في أمنهم الجماعي، لا بد أن يطوروا في الوقت ذاته حلولاً مبتكرة لتجاوز تحديات التجنيد، وتوسيع قاعدة المواهب، وضمان أن تتوافق خططهم الدفاعية الطموحة مع استراتيجيات موازية لا تقل طموحاً في مجال القوى العاملة.

وتشكل الأزمة الديموغرافية في أوروبا تهديداً مباشراً للتجنيد العسكري.

ففي عام 2022، انخفض عدد المواليد في الاتحاد الأوروبي إلى ما دون 4 ملايين للمرة الأولى منذ عام 1960. وفي الوقت نفسه، جعلت عقود السلام بعد الحرب الباردة الخدمة العسكرية غائبة إلى حد كبير عن حسابات المسارات المهنية للشباب الأوروبي.

وفيما يلي نظرة من كثب إلى ثلاثة أعضاء في الحلف تظهر مدى التحدي، وفقاً للباحثين:

ألمانيا: تظل طموحات برلين الدفاعية مقيدة أساساً بالمقاومة الثقافية للخدمة العسكرية. فرغم الخطوات المهمة التي أُنجزت في مجال التخطيط العسكري وتوفير الموارد، قد لا يكون هناك ما يكفي من الألمان الراغبين في الانخراط لتشغيل قوة أكبر. فقد أعلنت ألمانيا نيتها زيادة عدد المجندين العسكريين بمقدار 30 ألفاً خلال ست سنوات لإنشاء «أقوى قوة مسلحة» في أوروبا. ومع ذلك، تبقى هذه الأرقام متواضعة للغاية بالنسبة لقدرات الدفاع الفعالة للبلاد. وتشعر برلين بالفعل بآثار الاستنزاف،

فهي ثاني أكبر مساهم بالأسلحة لأوكرانيا، كما تبدو مترددة في إرسال قوات إلى مهمة حفظ سلام في أوكرانيا بسبب القيود القائمة على صعيد القوى البشرية.

النرويج: في عام 2024، أعلنت أوسلو خطة دفاعية طموحة تمتد لعشر سنوات لتعزيز وضعها الأمني، وتشمل 60 مليار دولار من الإنفاق الدفاعي الإضافي واكتساب قدرات جديدة. ولتأمين الموارد اللازمة لهذا التحول؛ تتخذ النرويج خطوات لزيادة حجم قواتها المسلحة بنسبة 50 في المائة بحلول عام 2036.

ومع ذلك، ورغم برنامج الخدمة العسكرية الإلزامية الشامل والمحترم للغاية والذي يتمتع بقدرة تنافسية، غالباً ما تكافح أوسلو لتحويل هؤلاء المجندين أفراداً يسلكون مسار الخدمة المهنية. وبما أن الخدمة الإلزامية لا تتجاوز 19 شهراً حداً أقصى، فإن معدلات التبدل المرتفعة تؤثر سلباً على الخبرة والاستمرارية داخل المؤسسة العسكرية ككل. وتتفاقم هذه الاتجاهات بسبب صغر عدد سكان النرويج نسبياً، البالغ 5.6 مليون نسمة فقط. وإذا كانت دولة ما عاجزة الآن عن حشد العدد الكافي من الأفراد، فستتعرض بلا شك لضغوط أشد عند المشاركة في تعزيز الدفاعات المشتركة لـ«ناتو».

أعلام دول «ناتو» (رويترز)

إيطاليا: شأنها شأن برلين وأوسلو، تواجه روما بالفعل تحديات كبيرة على صعيد الأفراد العسكريين، ومن المرجح أن تكافح في المستقبل مع عملية التجنيد. ففي العام الماضي، أعلن رئيس هيئة الأركان الدفاعية أن القوات المسلحة الإيطالية البالغ عددها 165 ألف جندي «صغيرة الحجم بشكل مطلق»، وأن أي عدد أقل من 170 ألفاً يعدّ «أدنى من مستوى البقاء». غير أن تحدي الأفراد في إيطاليا يملك حلاً أسهل مقارنة بألمانيا والنرويج، فمتوسط الرواتب للعسكريين لا يتناسب مع الرواتب التي يقدمها القطاع الخاص أو الوظائف الحكومية المدنية. كما أن تدني الرواتب، إلى جانب بعد إيطاليا النسبي عن التهديد الروسي، يقللان من الدعم الشعبي؛ إذ لا يقول سوى 16 في المائة من الإيطاليين إنهم مستعدون للقتال من أجل بلادهم.

ويقول الباحثان إن هذه التحديات ليست حكراً على أوروبا. فالولايات المتحدة تواجه ضغوطاً ديموغرافية مماثلة، وإن كانت لأسباب مختلفة، وقد اضطرت بالفعل إلى تكييف ممارساتها في التجنيد للحفاظ على مستويات قواتها.

ويختتم الباحثان بأن سد فجوة القوى البشرية سيتطلب من الحلفاء تبني استراتيجيات جريئة ومنسقة لتوسيع قاعدة المواهب، وتحديث سياسات التجنيد، وتعزيز ثقافة تميز تجذب المزيد من الكفاءات وتبقي على من هم في الخدمة بالفعل. فـ«ناتو» الذي يوازن بين استثماره المالي والكمية والنوعية المناسبة من رأس المال البشري سيكون أكثر قوة بكثير من حلف يحقق نصف المعادلة فقط.


مقالات ذات صلة

عين ترمب على غرينلاند مجدداً واشتعال أزمة دبلوماسية مع الدنمارك

الولايات المتحدة​ حاكم ولاية لويزيانا جيف لاندري يتحدث في البيت الأبيض بينما الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستمع في الخلفية يوم 24 مارس 2025 (إ.ب.أ)

عين ترمب على غرينلاند مجدداً واشتعال أزمة دبلوماسية مع الدنمارك

أشعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب عاصفة دبلوماسية جديدة مع الدنمارك بإعلانه تعيين حاكم ولاية لويزيانا، جيف لاندري، مبعوثاً خاصاً إلى غرينلاند.

هبة القدسي (واشنطن)
أوروبا السيارة التي قتل فيها الجنرال فانيل سارفاروف (56 عاماً) وسط منطقة سكنية في موسكو الاثنين (رويترز)

مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة في موسكو

قُتل جنرال في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي في انفجار سيارة في جنوب موسكو، وذلك بعد ساعات فقط من إجراء مندوبين روس وأوكرانيين محادثات منفصلة في ميامي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي «الناتو» مارك روته (إ.ب.أ)

أمين عام «الناتو»: ترمب الوحيد القادر على إجبار بوتين على إبرام اتفاق سلام

أشارت تقديرات مارك روته، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى أن الحلف بمقدوره الاعتماد على الولايات المتحدة في حال الطوارئ.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك (الثاني من اليمين) يزور خط السكة الحديد الذي تعرض للتخريب بالقرب من ميكا - بولندا 17 نوفمبر 2025 (أ.ب) play-circle

مسؤولون غربيون: روسيا تحاول إغراق أوروبا بحملة تخريب واسعة

يقول مسؤولون غربيون إن روسيا تحاول إغراق أوروبا بحملة تخريب واسعة النطاق تشمل عدداً من الدول الأوروبية، أبرزها دول مجاورة لروسيا ودول داعمة لأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستمع إلى سكرتير المجلس العام لحزب «روسيا الموحدة» فلاديمير ياكوشيف خلال اجتماعهما في الكرملين بموسكو يوم 15 ديسمبر 2025 (أ.ب) play-circle

بوتين: روسيا ستحقق أهدافها في أوكرانيا «بكل تأكيد»

شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، على أن موسكو ستحقق أهدافها من عملية أوكرانيا العسكرية «بكل تأكيد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

ونشر اللواء الهجومي 92 التابع للجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، مقطع فيديو يظهر على ما يبدو عدداً من الجنود الروس يتنقلون على ظهور الخيل أو البغال، ويتعرضون لهجمات بطائرات مسيرة صغيرة، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال اللواء 92، في منشور عبر تطبيق «تلغرام»، «يخسر المحتلون الروس معداتهم بسرعة كبيرة في هجماتهم المباشرة التي لا توفر سوى فرص ضئيلة للنجاة، إلى درجة أنهم باتوا مضطرين للتحرك على ظهور الخيل».

لقطة من فيديو نشرته القوات الأوكرانية تظهر ما يبدو وكأنه جندي روسي يمتطي جواداً ويحاول عبور منطقة مفتوحة قبل أن تصيبه طائرة مسيرة

وقال محللون إنه من المرجح أنه تم تصوير مقطع الفيديو في منطقة دنيبروبيتروفسك جنوبي البلاد، على الرغم من عدم إمكانية التحقق من الموقع بشكل مستقل.

وبحسب ما يظهر في اللقطات، كان الجنود الروس يحاولون عبور حقل واسع ومفتوح بأسرع ما يمكن.

وتعتمد القوات الروسية بشكل متزايد على مجموعات هجومية صغيرة للتقدم بسرعة نحو المواقع الأوكرانية ثم محاولة التحصن فيها. وأظهرت مقاطع فيديو سابقة جنوداً روساً يستخدمون دراجات نارية مخصصة للطرق الوعرة، ودراجات رباعية الدفع، ودراجات كهربائية كوسيلة للتنقل.

كما شوهد جنود أوكرانيون يستخدمون الدراجات الجبلية الكهربائية والدراجات النارية للتنقل بسرعة عبر ساحة المعركة.


شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)
TT

شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)

كشفت وثائق حكومية بريطانية رُفعت عنها السرّية مؤخراً، أن كورت هان، مؤسس مدرسة «غوردونستون» الشهيرة التي تلقّى فيها الملك تشارلز تعليمه في شبابه، خضع لمراقبة دقيقة من جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5)، على خلفية تقارير وُصفت آنذاك بـ«المقلقة»، شككت في ولائه لبريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفقاً لصحيفة «التايمز».

وتُظهر الملفات، التي كان مقرراً الإبقاء عليها سرية حتى عام 2046، أن هان أُجبر فعلياً على مغادرة اسكوتلندا عام 1940، بعد اتهامات رسمية بأنه قد يكون «جاسوساً ألمانياً خطيراً»، في واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ التعليم البريطاني الحديث.

وكان هان، المولود في ألمانيا، يُشاد به بوصفه مربياً رائداً وصاحب رؤية تربوية ثورية، إذ أسس مدرسة «غوردونستون» عام 1934 في مقاطعة موراي شمال شرقي اسكوتلندا، بعدما اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب انتقاداته العلنية لهتلر. ولاحقاً، استضافت المدرسة ثلاثة أجيال من العائلة المالكة البريطانية، من بينهم الأمير فيليب، دوق إدنبرة، والملك تشارلز.

غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أعاد فتح ملف ولاء هان، وسط تصاعد المخاوف من غزو نازي محتمل للسواحل الاسكوتلندية. وتكشف مراسلات رسمية أن الدعوة إلى التحقيق معه، قادها توماس كوبر، المدعي العام الاسكوتلندي آنذاك، إلى جانب جيمس ستيوارت، نائب كبير منسقي الانضباط الحزبي لرئيس الوزراء ونستون تشرشل.

وفي رسالة بعث بها كوبر إلى وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) 1940، قال إن «الملف المُعد ضد هان، ربما يكون أخطر من أي ملف آخر»، مضيفاً أن جهاز «MI5»؛ «يعرف كل شيء عن هذا الرجل»، وأنه «إما جاسوس خطير أو عميل بريطاني».

واتهم كوبر مدرسة «غوردونستون» بأنها تشكّل موقعاً مثالياً للتجسس، نظراً لموقعها المشرف على خليج موراي، وقربها من مطارات ومحطة لاسلكية، فضلاً عن امتلاكها تجهيزات اتصالات مكثفة وعدداً كبيراً من أجهزة الاستقبال اللاسلكي. كما أشار إلى وجود عدد كبير من الألمان ضمن طاقم المدرسة، بعضهم ضباط سابقون في الجيش الألماني.

وأضاف أن مراقبة هواتف المدرسة خلال شتاء 1939 - 1940 كشفت عن مكالمات بعيدة المدى تتناول موضوعات تبدو «تافهة» عن الزراعة والماشية، لكنها، بحسب تقديره، كانت رسائل «مشفّرة».

وفي السياق نفسه، بعث جيمس ستيوارت برسالة إلى وزير الأمن الداخلي، السير جون أندرسون، متسائلاً عن إمكانية نقل المدرسة إلى «منطقة أقل حساسية». وجاء الرد أن هان يعتزم نقل المؤسسة إلى ويلز، وهو ما تم بالفعل في يوليو (تموز) 1940، «لتهدئة المخاوف المحلية»، وفق تعبير الوزارة.

وتضم الملفات أيضاً رسالة من مدير مدرسة مجاورة، اتهم فيها هان باستقبال نازي ألماني كان يتردد ليلاً على المدرسة، ويقوم بجولات تصوير للساحل الاسكوتلندي ومنشآت حيوية قريبة.

وعلى الرغم من كل تلك الشبهات، تُظهر السجلات الأمنية اللاحقة أن أجهزة الاستخبارات لم تعثر على أي دليل يثبت تورط هان في نشاط معادٍ لبريطانيا. وخلص تقرير رسمي لوزارة الداخلية إلى أنه «لا يوجد ما يبرر القلق»، مؤكداً أن هان «معجب بالمؤسسات البريطانية» ولا يكنّ أي عداء للبلاد.

كما تكشف الوثائق أن هان كان يزوّد مكتب الدعاية البريطاني بمعلومات بشكل غير رسمي، من دون علم وزارة الداخلية أو جهاز «MI5»، ما يرجّح أنه كان أقرب إلى متعاون غير معلن منه إلى مشتبه به حقيقي.

وإلى جانب الجدل الأمني، تسلّط الوثائق الضوء على فلسفة هان التربوية المثيرة للجدل، التي قامت على ما وصفه بـ«مختبر تربوي» قاسٍ، شمل تعريض التلاميذ لظروف بدنية شديدة؛ مثل الجري حفاة في الثلج، والاستحمام بالماء البارد، والتدريب البدني الصارم، في إطار إيمانه بأن «قوة الطفولة الروحية» يمكن الحفاظ عليها ومنع «تشوّه المراهقة».

وكان الأمير فيليب من أبرز المدافعين عن هان، واستلهم لاحقاً أفكاره في تأسيس «جائزة دوق إدنبرة». في المقابل، لم يُخفِ الملك تشارلز استياءه من سنوات دراسته في «غوردونستون»، واصفاً إياها لاحقاً بأنها «سجن بلباس اسكوتلندي».

وتوفي كورت هان عام 1974 عن عمر ناهز 88 عاماً في ألمانيا، بينما لا تزال مدرسته تواجه إرثاً مثقلاً بالانتقادات؛ ففي العام الماضي، قدمت «غوردونستون» اعتذاراً رسمياً بعد تحقيق اسكوتلندي خلص إلى وجود «ثقافة مروّعة من الإساءة والعنف» داخل المدرسة قبل عام 1990.


روسيا تتحدث عن «تقدم بطيء» في المفاوضات بشأن أوكرانيا

سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب)
سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب)
TT

روسيا تتحدث عن «تقدم بطيء» في المفاوضات بشأن أوكرانيا

سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب)
سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب)

سجلت موسكو، اليوم الاثنين، تقدماً «بطيئاً» في المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، ونددت بمحاولات «خبيثة» لإفشالها، عقب محادثات جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع في ميامي ولم تُفضِ إلى كسر الجمود.

ونقلت وسائل الإعلام الرسمية عن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قوله: «إننا نشهد تقدماً بطيئاً. ويصاحب ذلك محاولات شديدة الضرر، وفي منتهى الخبث تقوم بها مجموعة دول مؤثِّرة لعرقلة هذه الجهود وإفشال العملية الدبلوماسية»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

رحب الوفدان الأميركي والأوكراني، في بيان مشترك، يوم الأحد، بالتبادلات «المثمرة والبناءة» التي جرت خلال المفاوضات في ميامي مع حلفاء أوروبيين، بهدف إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وجاء في البيان الذي نشره ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لدونالد ترمب، ورستم عمروف كبير المفاوضين الأوكرانيين، على منصة «إكس»: «على مدار الأيام الثلاثة الماضية في فلوريدا، عقد الوفد الأوكراني سلسلة من الاجتماعات المثمرة والبناءة مع شركائه الأميركيين والأوروبيين».

وأضاف البيان: «أولويتنا المشتركة هي وقف القتل، وخلق الظروف لتعافي أوكرانيا واستقرارها وازدهارها على المدى الطويل». وتابع: «يجب أن يكون السلام ليس فقط توقفاً للأعمال العدائية، ولكن أيضاً أساساً لمستقبل مستقر».

وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، حضر مفاوضون أوكرانيون وأوروبيون وأميركيون في ميامي بولاية فلوريدا، لإجراء محادثات يتوسط فيها ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لدونالد ترمب، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي، وكذلك الموفد الروسي كيريل ديميترييف حضر إلى ميامي منذ السبت.

وكان آخر اجتماع رسمي مباشر بين وفدي أوكرانيا وروسيا في يوليو (تموز) بإسطنبول، وأسفر عن عمليات تبادل للأسرى، من دون إحراز تقدم ملموس في مسار المفاوضات، لكن زيلينسكي شكّك في إمكانية أن يأتي اجتماع من هذا القبيل الآن بنتائج جديدة.