«إعلان نيويورك» الفلسطيني ينتظر ضوءاً أخضر أميركياً

الأنظار تتجه نحو «خطوات اليوم التالي»... ومساعٍ دبلوماسية لـ«العضوية الكاملة» في الأمم المتحدة

قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك الاثنين (رويترز)
قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك الاثنين (رويترز)
TT

«إعلان نيويورك» الفلسطيني ينتظر ضوءاً أخضر أميركياً

قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك الاثنين (رويترز)
قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال مؤتمر حل الدولتين في نيويورك الاثنين (رويترز)

كل الأنظار تتجه لما سيحصل في نيويورك خلال الأسبوع الحالي، المسمى تقليدياً «أسبوع القادة»، الذين يتاح لهم تناول الملفات الملتهبة عبر العالم في كلماتهم أمام الجمعية العامة التي بدأت أعمالها، الثلاثاء.

وجاءت قمة الاعتراف بـ«دولة فلسطين وحل الدولتين» في إعلان نيويورك، عشية انطلاق أعمال الجمعية العامة العادية لتضع الملف الفلسطيني في المقدمة.

وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، الثلاثاء، إن أبرز إنجاز للحراك الدبلوماسي السعودي-الفرنسي هو تحقيقه مجموعة من الأهداف الرئيسية:

أولاً، توسيع مروحة الاعترافات بـ«دولة فلسطين»، ليس فقط بانضمام 10 دول جديدة إلى قائمة المعترفين بها، بل لكون هذه الدول غربية وغالبيتها كانت تقليدياً من أبرز الداعمين لإسرائيل.

والثاني، توفير أوسع تعبئة عالمية من 142 دولة لما سمي «إعلان نيويورك»، الذي تريد باريس والرياض أن يكون بمثابة «خريطة طريق» عملية لقيام الدولة الفلسطينية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يترأسان قمة الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين في الجمعية العامة في نيويورك (إ.ب.آ)

وتستطرد المذكورة بالإشارة إلى أن هذه الخطة هي «اليوم، الوحيدة المطروحة على الساحة، ولا تقتصر على شروط وكيفية إنهاء حرب غزة التي تدخل قريباً عامها الثالث، بل تتناول مجمل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لا بل الإسرائيلي-العربي، إذ إنها تستهدف التوصل إلى إطار هندسة أمنية إقليمية شرق-أوسطية يمكن أن توفر الأمن والاستقرار في المنطقة.

ولا شك في أن الاجتماعات المرتقبة في نيويورك، سواء اللقاء الذي تسعى إليه الإدارة الأميركية بمشاركة دول عربية فاعلة إلى جانب تركيا وإندونيسيا وباكستان، أو القمة التي تعمل باريس ولندن على تنظيمها بين قادة عرب والرئيس الأميركي دونالد ترمب، ستُشكل مؤشراً مهماً على المسار الذي ستتخذه المبادرة السعودية-الفرنسية التي باتت مبادرة دولية.

الموقف الأميركي

السؤال المطروح، اليوم، بعد إنجاز نيويورك يدور بلا شك حول خطوات «اليوم التالي»، ليس فقط بالنسبة لما يلي وقف الحرب «وهو بعيد»، بل أيضاً حول ما سيحصل بعد الاعتراف الجماعي والدينامية السياسية والدبلوماسية التي أنتجها؟

وتعي المصادر الواسعة الاطلاع، في باريس أنه «لا شيء يمكن أن يتحقق من غير التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وهذا مرهون بدوره بإفراج (حماس) عن الرهائن الإسرائيليين».

سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور مستمعاً الاثنين لكلمة الرئيس الفرنسي الذي أعلن رسمياً الاعتراف بدولة فلسطين (د.ب.أ)

والحال أن هذين الأمرين يتطلبان ضغوطاً كبرى على إسرائيل، ولكن أيضاً على الولايات المتحدة، وقد بانت بقوة عزلتهما الدبلوماسية في أكبر محفل دولي.

ووفق ما ذكره موقع «أكسيوس» الأميركي، فإن ترمب سيعمد، خلال اجتماعه مع ممثلي الدول العربية والإسلامية، إلى تقديم مقترح للسلام ومستقبل الحكم في غزة.

والحال أن «إعلان نيويورك» يتضمن توصيفاً للمراحل التي يمكن السير بها لوقف الحرب، ومنها إطلاق «مهمة دولية» تكون مهمتها مساعدة السلطة الفلسطينية على توفير الأمن والاستقرار.

الرئيس إيمانويل ماكرون في حديث جانبي مع رئيس وزراء أستراليا أنطوني ألبانيزي الذي أعلن الاعتراف بدولة فلسطين (أ.ف.ب)

وحسب «أكسيوس»، فإن واشنطن تريد أن تقبل الدول العربية والإسلامية إرسال قوات للمساعدة على انسحاب إسرائيل وتوفير التمويل العربي والإسلامي للمرحلة الانتقالية واستبعاد «حماس».

وبهذا الخصوص، هناك ملاحظتان: الأولى أن إسرائيل لا تريد دوراً للسلطة الفلسطينية، وهي تواصل إضعافها في الضفة الغربية، وتُدير حملة شعواء ضدها.

والثانية، أن ما ينقل عن الخطة الأميركية ليس ثابتاً، ولم يصبح خطها الرسمي. والمعروف عن ترمب أنه يُغير رأيه بسرعة، وسبق له أن أعرب عن رغبته في تحويل غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط» بعد التخلص من سكانها. كذلك يتعين تذكر أن واشنطن عارضت بقوة الحراك الدولي حول فلسطين، والسردية الأميركية تتبنى تماماً المواقف الإسرائيلية المتطرفة التي تعدّ الاعتراف «هدية لـ(حماس)».

وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو كثّف اتصالاته وضغوطه على مجموعة كبيرة من الدول لمنعها من السير بالخطة الفرنسية-السعودية، لكن النتيجة بينت فشل الضغوط.

مقومات دولة فلسطين

وفي حديث لصحيفة «لوموند» نشر الثلاثاء، عدّت البروفسور مونيك شوميليه-جندرو، أستاذة القانون الدولي في جامعة باريس-سيتي وصاحبة عدة مؤلفات قانونية مرموقة، أن الاعتراف بدولة فلسطين «جاء متأخراً وناقصاً: أولاً، لأن الدول التي اعترفت أخيراً بدولة فلسطين تركت إسرائيل تدمر، بشكل منهجي، وعلى مدى عقود، أسس هذه الدولة. الاعتراف رمزي إلى حد كبير، ولن يكون له تأثير قليل جداً. وثانياً، لأن الوفاء بالوعود التي تتضمنها كل التزامات القانون الدولي تجاه الشعب الفلسطيني يتطلب خطوات أخرى كثيرة. إسرائيل لن ترضخ إلا تحت الضغط».

رغم ما يجري في نيويورك تواصل إسرائيل حربها في غزة فيما تستمر قوافل النزوح وتتفاقم معاناة الفلسطينيين (أ.ب)

وخلاصة الباحثة الفرنسية أن جولة الاعتراف يمكن اعتبارها «رسالة موجهة إلى إسرائيل تقول: أنتم تُصرّون على تدمير هذا الشعب (الفلسطيني)، أما نحن فنعترف به. ولكن لكي يكون هذا الفعل إيجابياً فعلياً، ينبغي أن يُرفق بفرض عقوبات على إسرائيل، وبنشر قوة طوارئ متعددة الجنسيات في غزة، وأيضاً في الضفة الغربية، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة» وللالتفاف على «الفيتو» المرتقب في مجلس الأمن، تقترح العمل بالقرار (377)، الذي صدر عام 1950، حينما عطّل الاتحاد السوفياتي مجلس الأمن باستخدامه حق النقض (الفيتو) خلال الحرب الكورية، ما أدّى إلى نقل صلاحيات حفظ السلام إلى الجمعية العامة». لكنها تتساءل: «هل ستتوافر لخطوة مثل هذه الأكثرية الشجاعة في الجمعية العامة؟».

العقوبات على إسرائيل

في مؤتمر صحافي عقدته في مقر «سفارة فلسطين» في باريس، ثمّنت السفيرة هالة أبو حصيرة المبادرة السعودية-الفرنسية، وعدّت ما حصل في مجلس الأمن الاثنين بمثابة «لحظة تاريخية يجب أن تتبعها مبادرات ملموسة لترجمة الاعتراف إلى واقع»، أي إلى قيام دولة فلسطين. ويمر ذلك «من خلال وضع حد للاحتلال والاستيطان ونظام التمييز العنصري» الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين.

الرئيس الأميركي متحدثاً الثلاثاء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة (رويترز)

وترى السفيرة الفلسطينية أن هناك حاجة ماسة لفرض مجموعة من العقوبات على إسرائيل، منها قطع إمدادات السلاح والضغط السياسي والدبلوماسي عليها، واستخدام ورقة العقوبات الاقتصادية والتجارية معها والتعاون في المشروعات العلمية وغيرها.

ومع القفزة الكبيرة التي تحققت مع وجود اعتراف رسمي من 4 دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وما يقارب الـ160 دولة عبر العالم، أفادت هالة أبو حصيرة بأن السلطة الفلسطينية ستعمل على تغيير وضعية فلسطين في الأمم المتحدة لتتحول إلى عضو كامل العضوية.

أما بالنسبة لحضور قوة دولية غير واضحة المعالم اليوم لفترة ما بعد انتهاء الحرب، فقد أكدت السفيرة أن هناك شرطين رئيسيين لقبولها: الأول، أن تأتي بانتداب من قبل مجلس الأمن الدولي، والثاني أن تكون «قوة مساعدة ومساندة» لقوات الأمن الفلسطينية المفترض أن تكون لها الكلمة الفصل.

وتعي باريس ومعها غالبية دول الاتحاد الأوروبي أن إسرائيل المحتمية بالدعم الأميركي ماضية بسياستها الرافضة لقيام دولة فلسطينية، وهو ما عبّر عنه نتنياهو الأسبوع الماضي بوضوح لا يترك مجالاً للشك. وخلاصة ذلك أنه من غير ضغوط قوية ستبقى إسرائيل عصية على المحاسبة. من هنا، فإن مقاربة مجموعة من الدول الأوروبية تقوم على بلورة أدوات ضغط كافية على إسرائيل. والحال السياسة الخارجية الأوروبية تتطلب الإجماع في المسائل الرئيسية، وهو غير متوفر حالياً.

لذا، هناك طريقتان لا ثالث لهما: إما أن تقوم كل دولة من الدول المنخرطة في عملية الضغوط باتخاذ إجراءات أحادية، كما فعلت مثلا إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا... وإما أن تتشكل مجموعات ضاغطة تلتف على رفض العواصم الموالية لإسرائيل. وحتى تاريخه، لم يحصل أي اتفاق لا في هذا الاتجاه، ولا في ذاك.

ويبقى السؤال المحرج: هل تجرؤ أوروبا على الخروج من تحت العباءة الأميركية، التي تراها ضرورة لحمايتها مما تعدّه عدوانية روسية؟


مقالات ذات صلة

ترقب ليبي لـ«آلية أممية بديلة» تفك الجمود السياسي

شمال افريقيا  رئيس «الأعلى للدولة» محمد تكالة متحدثاً في إحدى الجلسات (الصفحة الرسمية للمجلس)

ترقب ليبي لـ«آلية أممية بديلة» تفك الجمود السياسي

تباينت التوقعات السياسية في ليبيا حول ملامح «الآليات البديلة» التي قد تقترحها مبعوثة الأمم المتحدة هانا تيتيه للتعامل مع الأجسام السياسية خصوصاً مجلسي النواب

علاء حموده (القاهرة)
أفريقيا مجلس الأمن (أ.ف.ب)

مجلس الأمن يمدد تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال حتى 2026

اعتمد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، قراراً يمدد تفويض القوة التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال حتى عام 2026.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (صور الأمم المتحدة) play-circle 01:39

الحكومة السودانية تقدم مبادرة لإنهاء «حرب الألف يوم»

تقدمت الحكومة السودانية بمبادرة سلام شاملة لإنهاء الحرب المتواصلة في البلاد منذ نحو ألف يوم، وسط إصرار أميركي على هدنة إنسانية دون شروط مسبقة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أميركا اللاتينية أرشيفية لإحدى جلسات مجلس الأمن (المجلس)

فنزويلا تطلب عقد اجتماع لمجلس الأمن لبحث «العدوان الأميركي»

طلبت فنزويلا من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عقد اجتماع لمناقشة «العدوان الأميركي المستمر» على البلاد، وذلك وفقاً لرسالة موجهة إلى المجلس.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا جنود من الكونغو الديمقراطية يصلون إلى قرية جاتومبا البوروندية (رويترز) play-circle

واشنطن تتهم رواندا بـ«جر المنطقة إلى حرب» على خلفية أحداث الكونغو الديمقراطية

هاجمت الولايات المتحدة، الجمعة، ضلوع رواندا في النزاع بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث تشن حركة «إم 23» المسلحة هجوماً جديداً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».