نادي الجسرة الثقافي يكرم حنا أبو حنا ويحيى يخلف وأحمد دحبور

خلال أمسية في متحف محمود درويش

من حفلة التكريم
من حفلة التكريم
TT

نادي الجسرة الثقافي يكرم حنا أبو حنا ويحيى يخلف وأحمد دحبور

من حفلة التكريم
من حفلة التكريم

كرّم نادي الجسرة الثقافي ومقره في العاصمة القطرية الدوحة، خلال أمسية في متحف محمود درويش قبل أيام، كلاً من الشاعر حنا أبو حنا، والروائي يحيى يخلف، والشاعر أحمد دحبور، لإنجازاتهم وبصماتهم الأدبية الواضحة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى العربي أيضًا.
وعبر أبو حنا عن سعادته بهذا التكريم، مستذكرًا حكايات نادرة تعود إلى خمسينات وستينات القرن الماضي، بعضها مع شعراء كبار كانوا في بدايتهم وقتها كمحمود درويش، وسميح القاسم، وغيرهما، مشددًا على أن الشعر الذي كان سائدًا في ذلك الوقت كان يهدف إلى الانتصار للقضية، والتماس المباشر مع العوام، ولذلك كان مباشرًا، غير غافل عن تسليط الضوء على الفعل الثقافي في الداخل الفلسطيني المحتل بمواجهة سياسات الاحتلال منذ ما يزيد على سبعة وستين عامًا.
أما دحبور فقرر أن يحيي الجمهور بطريقته، عبر قراءته جملة من القصائد التي اشتهر بها على مدار مشواره الشعري الطويل والمتميز، وبينها رائعته «الطفل الفلسطيني»، في الأمسية التي اشتملت على قراءات شعرية لكل من الشعراء: عامر بدران، وهلا الشروف، وفارس سباعنة، ومقطوعات موسيقية للفنان إبراهيم نجم ورفاقه، سبقها كلها عرض فيلم قصير عن نادي الجسرة الثقافي، بحضور ممثلته في فلسطين الإعلامية والمخرجة تغريد سعادة. وجاء في الحديث عن يخلف، الذي غاب عن حفل التكريم لعارض صحّي، أنه «روائي وكاتب معروف على المستوى العربي، استطاع منذ بداياته أن يكون له بصمة واضحة في الأدب، حيث اعتبرت روايته (نجران تحت الصفر)، التي كتبها عام 1973 من أهم مائة رواية عربية في القرن العشرين... شغل عدة مواقع ثقافية من بينها الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب الفلسطينيين عام 1980، ومدير عام دائرة الثقافة في منظمة التحرير عام 1987، ووزير الثقافة في الحكومة الفلسطينية».
وعن أبو حنا ومبررات تكريمه قيل: «هو المعلم الأول للجيل الأدبي والشعري الفلسطيني، جيل الشاعر محمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وحنا إبراهيم وآخرين، ولد عام 1928، وقال عنه الشاعر محمود درويش: منه تعلمنا ترابية القصيدة... له كثير من الإصدارات في الشعر والدراسات والترجمات وكتب أدب السيرة... كتب عن الوطن ويعتبر أحد شعراء المقاومة، وله دور كبير في تأسيس كثير من المجلات الثقافية في الداخل كمجلة (الجديد) عام 1953 ومجلة (الغد) ومجلة (المواكب) ومجلة (مواقف)، وساهم في تعليم وإثراء الحركة الثقافية في الـ48».
أما بخصوص تكريم دحبور، فقيل: «هو شاعر المقاومة وشاعر فرقة العاشقين، ترددت أشعاره في كل الوطن العربي وحفظتها الأجيال على مدار عقود، ومن منا ينسى أغنية (اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت).. نشر أول ديوان له وهو ابن الثامنة عشرة ولقي استحسان النقاد حينها في عام 1964.. همه الوطن وفلسطين.. مواهبه متعددة، فلم يكتف بالشعر، بل كتب سيرة عز الدين القسام، التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني.. تبوأ مناصب رسمية، وشغل منصب وكيل وزارة الثقافة ومدير عام دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية».
وأكد إبراهيم الجيدة، رئيس مجلس إدارة نادي الجسرة خلال كلمة ألقاها نيابة عنه سامح خضر، مدير متحف محمود درويش، أن فعاليات النادي التي يقوم بها خارج حدوده الإقليمية صوب البلاد العربية تهدف إلى تفعيل دور المثقف العربي محليا وإقليميا، وإلى تحطيم الحدود والحواجز التي تحول دون نشر الثقافة العربية في كل أقطارها، كما تهدف إلى التعريف بالمثقفين والكتاب القطريين الذين احتضنهم النادي في مسيرتهم الثقافية بغية نشر الثقافة العربية الأصيلة وخلق أواصر التفاعل الثقافي البناء بين أبناء الوطن العربي الكبير الذي تتهدده مخاطر جسام في العقود الأخيرة.
وشدد خضر نفسه على أن الأمسية باكورة شراكة بين المتحف ونادي الجسرة الثقافي، منوها بحجم المسؤولية التي يتحملها المثقفون في مواجهة الظلامية التي تجتاح العالم بشكل متزايد، والحاجة الكبيرة إلى ترميم المشهد الثقافي العربي على وجه الخصوص.
ومن الجدير بالذكر أن نادي الجسرة، ممثلاً بسعادة، كرّم متحف محمود درويش أيضًا، باعتباره «صرحًا ثقافيًا لامعًا، استطاع خلال عمره القصير (ثلاث سنوات) أن يرسخ اسما في عالم الثقافة، ويضع بصمة في مصاف المؤسسات الثقافية الفلسطينية والعربية الكبيرة، يليق باسم شاعرنا الراحل محمود درويش».



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».