عبد الرحمن الشقير لـ«الشرق الأوسط»: الملك عبد العزيز حول ذاكرة المجتمع من التشظي إلى الوحدة

وصف شعار «عزّنا بطبعنا» بالقوة الناعمة القابلة للتصدير

الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)
الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)
TT

عبد الرحمن الشقير لـ«الشرق الأوسط»: الملك عبد العزيز حول ذاكرة المجتمع من التشظي إلى الوحدة

الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)
الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)

أكد الدكتور عبد الرحمن الشقير عالم الاجتماع والمؤرخ وأحد أبرز الأصوات الأكاديمية في قراءة المجتمع السعودي وتاريخه الأنثروبولوجي والثقافي، أن اليوم الوطني السعودي بشعار «عزّنا بطبعنا» يلخص تجربة ثقافية عميقة، فهو أقرب إلى طقس عبور بالمعنى الأنثروبولوجي، مشدداً في حواره مع «الشرق الأوسط»، على أن هذا المشروع كان أكثر براعة في استيعاب البنية الاجتماعية. وجاء الحوار وفق ما يلي:

 

شعار اليوم الوطني «عزّنا بطبعنا» يربط بين العزة والهوية، كيف يمكن أن يُفهم هذا الشعار من منظور أنثروبولوجي؟

- شعار «عزّنا بطبعنا» يلخّص تجربة ثقافية عميقة؛ فالعزّة هنا قوة رمزية تتكون من العادات والقيم الاجتماعية الأصيلة، التي صمدت أمام موجة العولمة وتحولات العالم الرقمي الذي يذيب الهويات، فصار الصمود أمام التحديات الحقيقية معياراً للعزة.

طبعنا السعودي قاوم الذوبان، فظلّ محتفظاً بسماته الأصلية مثل الكرم والشعور بالمسؤولية والانتماء والتضامن والإنجاز، إضافة إلى حماية اللهجات المحلية والزي الشعبي والمطبخ والفنون وغيرها ودراستها.

هذه السمات لم تعد محلية، إذ إنه في السنوات الأخيرة تحوّل «طبعنا» إلى قوة ناعمة قابلة للتصدير.

هكذا صار الطبع السعودي نموذجاً يُقدم للعالم كهوية صلبة وسط عالم سريع السيولة والتحوّل، وكتجربة ثقافية فريدة قادرة على المشاركة الفعالة.

 

كيف تقرأ الاحتفاء باليوم الوطني من منظور اجتماعي وأنثروبولوجي؟

اليوم الوطني في نظري تحول إلى طقس اجتماعي عميق، فهو أقرب إلى «طقس عبور» بالمعنى الأنثروبولوجي؛ حيث انتقل المجتمع فيه عام 1351هـ/ 1932م من ذاكرة التشظي إلى ذاكرة الوحدة.

في اليوم الوطني يتوقف إيقاع الحياة العادي، لنستعيد لحظة تاريخية توقّف فيها المسار العسكري، وانطلق المسار التنموي عند نقطة اكتمال توحيد المملكة.

تفاصيل الفعاليات لليوم الوطني تصنع لوحة واسعة المعنى، وتُظهر كيف يتحول اليوم الوطني إلى طقس شعبي متجدد، يحمل في داخله رسالة أن يوم الوطن تجربة حية يعيشها الناس معاً كل عام.

 

ما وجه الاختلاف بين مشروع الملك عبد العزيز في التوحيد عن غيره من مشاريع بناء الدول؟

- مشروع الملك عبد العزيز في توحيد المملكة تميّز عن غيره لأنه استعاد الأراضي التابعة للدولة السعودية الأولى، وأعاد بناءها، وكذلك عمل على إحداث تنمية يشارك فيها جميع أبناء المملكة والخبراء العرب، فأحدث بذلك نهضة تنموية في أرجاء شاسعة من الأراضي، وبمنهجية موحدة، لكنه أعاد بناءها على قواعد جديدة.

وخرجت القبيلة من كونها إطاراً ضيقاً للعصبية، ودخلت في نسيج وطني أوسع، وهجرت أسلوب الترحال وسكنت البلدان، بذلك، تحوّل مفهوم الولاء تحولا جذريّاً، فلم يعد الفرد يعرف نفسه فقط بقبيلته أو بلدته، بل صار يضع الدولة إطاراً جامعاً يتقدم على كل الروابط.

الذاكرة الشعبية من مؤلفات الشقير رصد فيها تاريخ الحياة اليومية للإنسان في المجتمع السعودي

هذا التحول انعكس في تفاصيل الحياة اليومية، في لغة الخطاب، حيث أصبحت مفردات مثل «الوطن» و«المجتمع» و«المملكة» هي الدارجة؛ وفي طقوس الاحترام، حيث غدا السلام على راية الدولة أو صورتها رمزاً متفقاً عليه.

 

كيف يمكن أن نفهم الأمن كـ«هابيتوس» يعيش مع الناس في حياتهم اليومية؟

يتشكل «الهابيتوس» من عوامل عديدة مثل الدين والتاريخ والتربية والعادات، فيصير جزءاً طبيعياً من أسلوب حياتهم ويؤثر على قراراتهم بشكل تلقائي.

حين نصف الأمن كهابيتوس، فإننا نراه وقد ترسّخ في اللاوعي الجمعي كإيقاع يومي يُمارس بقدر ما يُفكَّر فيه. فالأمن يظهر في الطمأنينة التي ترافق الطفل إلى مدرسته، وفي استقرار الأسرة داخل منزلها بلا خوف ولا سلاح، وفي ثقة الأفراد بأن القانون والتقاليد معاً يشكلان شبكة حماية غير مرئية. ولا تُستدعى هذه الطمأنينة كقرار عقلاني في كل مرة، بل تُمارس كتلقائية اجتماعية، مثلما يتحدث الناس لغتهم أو يؤدون طقوسهم الدينية.

 

لماذا كان الأمن ركيزة لمشروع التوحيد السياسي؟

حين بدأ الملك عبد العزيز مشروعه، أدرك أن الخوف يفتت المجتمع، وأن الطمأنينة هي الشرط الأول لأي بناء سياسي، وحين استتب الأمن توقفت الغارات، واستقر الزمن على إيقاع جديد يمنح الناس يقيناً بأن الغد امتداد لليوم.

ومع تثبيت الأمن، تشكّل عقد ثقة بين الدولة والمجتمع، فالقبائل التي عاشت قروناً في دوامة الغزو سلّمت جزءاً من استقلالها مقابل حماية مواردها، والمدن شعرت أن حرماتها مصونة، والقوافل سارت آمنة على طرق الحج والتجارة. وبهذا أصبح الأمن رابطة معنوية تشد الناس إلى الدولة.

ومن هذه القاعدة وُلد رأس المال الرمزي للمملكة، ومعه انطلقت مؤسسات الحكم، وانتظمت الأسواق، وازدهرت الحواضر وانفتحت المملكة على العالم الخارجي ودخلت مراحل تحديث بلا رجعة.

 

ما دلالة الرموز الوطنية في اليوم الوطني: الراية، والنشيد، والألوان؟

- هذه رموز بداخلها «وصف كثيف»: فالراية هي إعلان سيادة يذكّر الناس بقدرة الدولة على فرض النظام وحق استخدام القوة، وهي أيضاً وعاء تختزل فيه الجماعة ذاتها في صورة بصرية واحدة، وذاكرة تاريخية تحمل سرديات التأسيس والانتصار، ويولد معها شعور نفسي بأن الفرد محمي داخل جماعة كبرى. وعلى المستوى الدولي، تظل الراية لغة دبلوماسية تختصر الوطن أمام العالم.

أما النشيد فهو ممارسة جسدية جماعية تذيب الأصوات الفردية في لحن واحد، ورمز سياسي يرسخ الشرعية، وطقس اجتماعي ينظم المناسبات ويوحّد الإيقاع، كما يمنح الأفراد دفعة نفسية تثير الحماسة والانتماء، ومسرح للذاكرة، حيث تتحول التضحيات إلى لحن موسيقي متكرر يرسّخ الوجدان الوطني.

 

هل يمكن القول إن اليوم الوطني ينتج رأس مال رمزياً؟

نعم، يمكن القول إن اليوم الوطني ينتج رأس مال رمزياً بالمعنى الذي حدّده عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. فالمشاركة في الاحتفالات، وارتداء اللون الأخضر، ورفع الراية، أو نشر الصور والرموز الوطنية عبر الفضاء الرقمي، كلها ممارسات تبدو بسيطة لكنها تولّد قيمة معنوية مشتركة. هذه القيمة تعيد توزيع الشرعية والانتماء داخل المجتمع، وتُشعر الأفراد أنهم شركاء في إنتاج الهوية الوطنية.

اليوم الوطني مناسبة تُتيح للأفراد والجماعات والمؤسسات أن يضيفوا إلى رصيدهم الاجتماعي، ويجعلوا من حضورهم ومشاركتهم وسيلة لتعزيز مكانتهم داخل الجماعة الوطنية، فتتراكم قوة رمزية تُعيد إنتاج الهوية كل عام.

 

هناك حضور قوي للجسد والفضاء في اليوم الوطني، كيف تقرأ هذه الظاهرة؟

- يتحول الجسد في اليوم الوطني إلى لوحة فنية رمزية متحركة، فهو يلتحف بالعلم ويعلق عليه الشارات ويُرسم العلم على الوجه ويوشم على اليد، أو يُرتدى الأخضر كلباس على الجسد، أو تُرفع اليد لتحمل العلم، فإن هذه الأفعال البسيطة تجعل الجسد حاملاً للهوية، ويُعلن انتماءه في الفضاء العام.

وحين يلعب الشباب «العرضة» أو «رقصة السيف»، فهم يستعيدون طقساً عريقاً كان في الأصل فعلاً قبلياً للدفاع والفخر، لكنهم يعيدون شحنه بمعنى وطني جديد، فيصير الجسد ذاكرة تربط الماضي بالحاضر.

ويتحول الفضاء العام، لمدة يوم واحد إلى مسرح كبير للهوية الجماعية، فالشارع والساحة والسماء تنقلب إلى منصات احتفال، حيث تتزين بالأعلام وأشعة الليزر الذكية والألعاب النارية للفرجة، ويجتمع فيها الناس بلا تمييز.

تتحول المدينة بكاملها، بمواطنيها وتفاعل حي من أبناء الجاليات العربية والإسلامية إلى نص اجتماعي تُكتب حروفه بالألوان، والهتاف، والتجمع، والحركة. وكل زاوية في الفضاء العام تُستعار لتأكيد معنى «الوطن» بصور محسوسة.

في هذه اللحظات يذوب الفرد في الجماعة، حيث يجدها ضمن هوية أكبر، وجميعهم يصنعون معاً لوحة حية تُجسّد ما تعنيه المواطنة، أن يتحول الانتماء إلى تجربة ملموسة يشارك فيها الجميع، وأن تتجلى الهوية في الجسد والفضاء في آن واحد.


مقالات ذات صلة

«مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

عالم الاعمال «مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

«مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

اختتمت مجموعة «أباريل»، الشركة العالمية الرائدة في مجال التجزئة، حملتها الحصرية احتفالاً باليوم الوطني السعودي في «بارك أفنيو مول».

الخليج حضور تمثل بمسؤولين ودبلوماسيين وشخصيات فاعلة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً (واس)

احتفال سعودي باليوم الوطني يجتذب اهتمام الباريسيين

اجتذب الاحتفال السعودي باليوم الوطني الـ95 اهتمام الباريسيين والسياح، حيث صدحت الموسيقى التقليدية في مقر الحدث وجواره، واستمتع الضيوف والمارة برقصة «العرضة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة سعودية احتفالات متنوعة أقامها القادسية بمناسبة اليوم الوطني (نادي القادسية)

بيسغروف: مجتمع الخبر هو القلب النابض لتراث القادسية

أكّد الأسكوتلندي جيمس بيسغروف، الرئيس التنفيذي للقادسية، أن اليوم الوطني الـ95 يمثل مناسبة استثنائية للمملكة بشكل عام، ولناديه بشكل خاص.

سعد السبيعي
رياضة سعودية النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو قائد فريق النصر (الشرق الأوسط)

رونالدو وفينالدوم ورينارد يشاركون السعوديين احتفالات اليوم الوطني الـ95

تفاعلت الأندية السعودية ولاعبوها المحترفون الأجانب مع احتفالات المملكة باليوم الوطني الـ95، حيث امتلأت منصات التواصل الاجتماعي ورسائل التهاني بأجواء الفخر.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
يوميات الشرق ‏الدرعية تحتفل باليوم الوطني السعودي الـ95‬ (واس) play-circle 02:02

السعوديون يحتفلون باليوم الوطني الـ95 ويستذكرون لحظة التوحيد واستئناف التاريخ

احتفل السعوديون باليوم الوطني الـ95، الذي يوافق 23 من سبتمبر (أيلول) من كل عام، واكتست جميع المدن السعودية، باللون الأخضر؛ تعبيراً عن الفرح، واستذكاراً للحظة

عمر البدوي (الرياض)

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
TT

دفعة مساعدات سعودية جديدة تعبر منفذ رفح لإغاثة أهالي غزة

تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)
تعد هذه المساعدات امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة (واس)

عبَرت دفعةٌ جديدةٌ من المساعدات الإنسانيّة السعوديّة، الأربعاء، منفذ رفح الحدودي متجهة إلى منفذ كرم أبو سالم جنوب شرقي قطاع غزة، تمهيداً لدخولها إلى القطاع بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري.

تضمنت المساعدات كمية كبيرة من السلال الغذائية مقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ضمن الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وتأتي هذه المساعدات بالتزامن مع إقامة مخيمات سعودية بمنطقة القرارة جنوب قطاع غزة ومنطقة المواصي بخان يونس لإيواء النازحين، وتقديم المساعدات الإنسانية لهم مع دخول فصل الشتاء.

وتعد امتداداً للجهود الإغاثية التي تقدمها السعودية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة؛ للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة الذي يواجه ظروفاً إنسانية تهدد الأطفال والنساء في ظل البرد، وصعوبة الظروف المعيشية.


48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
TT

48 ساعة من المباحثات المكثفة والتعاون السياسي والدفاعي بين السعودية وعمان

سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)
سلطان عمان مستقبلاً وزير الخارجية السعودي (الخارجية السعودية)

سجلت الساعات الماضية تصاعداً في مستوى التنسيق والتشاور الثنائي بين السعودية وعمان على الصعيدَين السياسي والدفاعي، بالإضافة إلى الشراكة الاقتصادية، وذلك وسط انعقاد الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي - العُماني، في مسقط، وما صدر عنه من نتائج بيّنت التقدم الذي تشهده العلاقات الثنائية.

في التفاصيل، وصل، الاثنين، الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، إلى العاصمة العُمانية مسقط، واستقبله نظيره العماني بدر البوسعيدي، وعقد الوزيران لقاء استعرضا خلاله «العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين، وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها»، قبل أن يترأسا الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق (السعودي - العُماني)، وبمشاركة رؤساء اللجان المنبثقة ورئيسي فريق الأمانة العامة للمجلس، وحضره من الجانب السعودي عدد من كبار المسؤولين من وزارات «الخارجية، والداخلية، والاستثمار، والاقتصاد والتخطيط، والثقافة».

مجلس التنسيق واستقبال السلطان

الاجتماع شهد تأكيد وزير الخارجية السعودي أنه يأتي امتداداً للاجتماع الثاني لمجلس التنسيق بين البلدين الشقيقين الذي عُقِد في مدينة العلا الشهر نفسه من العام الماضي، و«نتائجه الإيجابية المثمرة في إطار ما تم اعتماده من توصيات ومبادرات»، بينما أشاد الوزير العماني، بـ«التقدم النوعي في العلاقات بين البلدين الشقيقين وما شهدته من تطور ملحوظ في العديد من القطاعات».

الاجتماع الثالث لمجلس التنسيق السعودي العماني (واس)

واستمر الزخم عبر استقبال سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق، الثلاثاء، وزير الخارجية السعودي في قصر البركة، وجرى استعراض آفاق التّعاون بين البلدين وجهود تعزيز متانة العلاقات الثّنائية وترسيخ المصالح المُشتركة، والتّطورات الجارية على السّاحتين الإقليميّة والدوليّة ومرئيّات السعودية تجاهها، ورؤية سلطان عمان في هذا الشأن، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية.

تعاون في تبادل الأسرى اليمنيين

في موازاة ذلك، كان التعاون بين البلدين يتواصل، وتوصّلت الاجتماعات الجارية في عُمان، بشأن تبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، إلى توقيع الاتفاق الثلاثاء، لتبادل «الكل مقابل الكل»، وثمّنت السعودية «الجهود الصادقة والمساعي الكريمة التي بذلتها سلطنة عمان في استضافة ورعاية المباحثات ودعم الجهود التفاوضية خلال الفترة من 9 إلى 23 ديسمبر (كانون الأول)».

وعلى الصعيد الدفاعي والعسكري، استقبل اللواء الركن طيار خميس الغافري، قائد سلاح الجو السلطاني العُماني، الفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، والوفد العسكري المرافق له، وتبادل الجانبان وجهات النظر حول عدد من الموضوعات في المجالات العسكرية ذات الاهتمام المشترك، وفقاً لوكالة الأنباء العمانية، قبل أن يستقبل الفريق أول سلطان بن محمد النعماني وزير المكتب السلطاني في عمان، الأربعاء، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، وجرى بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، إلى جانب استعراض مجالات التعاون العسكري القائمة بين البلدين، وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة، كما أعرب الجانبان عن اعتزازهما بعمق العلاقات التاريخية التي تجمع سلطنة عُمان بالمملكة العربية السعودية، وتطلعهما إلى مزيد من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات.

«وسام عُمان» لقائد القوات الجوية الملكية السعودية

والأربعاء، منح سلطان عمان، السلطان هيثم بن طارق، «وسام عُمان العسكري من الدرجة الثانية» للفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية، تقديراً لجهوده وإسهاماته في توثيق أواصر التعاون العسكري القائم بين البلدين، وسلّم الوسام نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع في عُمان.

منح «وسام عُمان العسكري من الدرجة الثانية» للفريق الركن الأمير تركي بن بندر بن عبد العزيز قائد القوات الجوية الملكية السعودية (وكالة أنباء عُمان)

بالتزامن.. شراكة اقتصادية

وفي جانب الشراكة الاقتصادية، احتفلت الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة في عُمان، الأربعاء، بافتتاح مشروعين جديدين في شبكة الطرق بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وخلال الاحتفال جرى الكشف عن أن المشروع تم تمويله من قِبَل «الصندوق السعودي للتنمية»، ونُفّذ من قِبَل ائتلاف عُماني - سعودي يضم شركة «ستراباك عُمان» وشركة «الروسان للمقاولات».

افتتاح مشروع اقتصادي في عُمان بتمويل من الصندوق السعودي للتنمية (وكالة أنباء عمان)

حول هذه التحرّكات اللافتة خلال 48 ساعة، قال لـ«الشرق الأوسط» الدكتور محمد العريمي، الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية والمتخصص أيضاً في الدراسات الخليجية، إنه في محصّلة ما يجري بين مسقط والرياض اليوم «لا يمكن قراءته بوصفه تنسيقاً ظرفياً فحسب، بل إعادة تموضع هادئة تهدف إلى بناء استقرار طويل الأمد، يكون فيه الحوار والتكامل الأمني ركيزتين أساسيتين لصياغة مستقبل المنطقة»، أما فيما يتعلق بتوقيت كثافة المباحثات هذه خلال فترة قصيرة جداً، فيعتبر العريمي أنه يعكس إدراكاً مشتركاً لدى القيادتين بأن منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الخليج خصوصاً، تمر بلحظة مفصلية تتطلب أعلى درجات التنسيق السياسي والأمني خصوصاً بين عُمان والسعودية.

«التوقيت ليس عابراً»

العريمي يرى أن التوقيت «ليس عابراً، بل يأتي في ظل تصاعد التهديدات الإقليمية، وتبدل خرائط النفوذ، وعودة منسوب القلق المرتبط بأمن الملاحة والطاقة، إضافةً إلى استمرار الأزمات المفتوحة وفي مقدمتها أزمة اليمن بالنسبة للجانبين»، وأردف في هذا السياق: «تبدو مسقط والرياض كأنهما تنتقلان من مرحلة إدارة التباينات الإقليمية إلى مرحلة الشراكة الاستباقية في إدارة المخاطر، خصوصاً في الملف اليمني»، ورأى أن الاجتماعات السياسية، واللقاءات على أعلى مستوى قيادي، والتنسيق العسكري الجوي، والإعلان عن اتفاق إنساني كبير في اليمن من مسقط، كلها حلقات في رسالة واحدة مفادها بأن البلدين يتحركان ضمن رؤية متقاربة ترى أن الاستقرار لا يُدار بردود الفعل، بل ببناء تفاهمات عميقة ومتراكمة. على حد وصفه.

تابع العريمي أن عُمان بدورها التقليدي بوصفها وسيطاً موثوقاً، والسعودية بثقلها السياسي والأمني، تقدمان نموذجاً لتكامل الأدوار في المنطقة، مرجّحاً أن تنعكس نتائج هذه المشاورات على مسار الأزمة اليمنية بصورة أوضح، سواء عبر تثبيت قنوات التفاوض، أو عبر ضمانات أمنية إقليمية تقلل من احتمالات الانفجار العسكري في هذا البلد، إلى جانب أن يمتد هذا التنسيق إلى أمن الخليج والبحر العربي، وحماية خطوط الملاحة والطاقة، في ظل تصاعد التحديات العابرة للحدود، أما بصورة أوسع فيعتقد العريمي أن هذا التقارب قد يسهم في توحيد المقاربات تجاه الملفات الإقليمية الكبرى، بما فيها العلاقة مع القوى الدولية، وإدارة التوازن مع إيران، وتعزيز العمل الخليجي المشترك بصيغة أكثر مرونة وواقعية.

جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

المحلل السياسي منيف الحربي، يتفق إلى حد كبير مع العريمي، ويزيد أنه منذ وصول السلطان هيثم بن طارق إلى مقاليد الحكم في سلطنة عمان، وقيامه بأول زيارة خارجية لجلالته إلى السعودية، تشكّلت حقبة جديدة من العلاقة الاستراتيجية بين الرياض ومسقط بأطرها المتعددة؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستثمارية والطاقة والثقافة والرياضة والسياحة.

الملف اليمني والأمن المشترك

الملف اليمني يبرز بوصفه ملفاً مهماً جداً للطرفين نظراً لأن السعودية متاخمة حدودياً لليمن، وينسحب ذلك على عمان، وبالنسبة للحربي فإن استقرار اليمن وخروجه من أزمته الحالية «يتماسّ بشكل مباشر مع الأمن الوطني للبلدين»، لكن رغم أن هذا الملف يأخذ الكثير من الوقت والجهد من جهود البلدين الدبلوماسية، فإن هذا أيضاً ينسحب على التوافق بين الرياض ومسقط في ملف غزة، ومسار حل الدولتين، والسودان، وأزمة حرية الملاحة في البحر الأحمر، وبحر العرب، وأهمية الحفاظ على الأمن القومي الخليجي والأمن القومي العربي.


بأمر خادم الحرمين... تقليد السفير الإماراتي السابق وشاح المؤسس من الطبقة الثانية

السفير السعودي لدى الإمارات يقلد السفير الإماراتي السابق لدى المملكة وشاح المؤسس من الطبقة الثانية (واس)
السفير السعودي لدى الإمارات يقلد السفير الإماراتي السابق لدى المملكة وشاح المؤسس من الطبقة الثانية (واس)
TT

بأمر خادم الحرمين... تقليد السفير الإماراتي السابق وشاح المؤسس من الطبقة الثانية

السفير السعودي لدى الإمارات يقلد السفير الإماراتي السابق لدى المملكة وشاح المؤسس من الطبقة الثانية (واس)
السفير السعودي لدى الإمارات يقلد السفير الإماراتي السابق لدى المملكة وشاح المؤسس من الطبقة الثانية (واس)

قلّد السفير السعودي لدى دولة الإمارات سلطان اللويحان العنقري، السفير الإماراتي السابق لدى المملكة الشيخ نهيان بن سيف آل نهيان، وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الثانية؛ نظير ما قام به من جهود في تطوير وتعزيز العلاقات الأخوية والتاريخية الراسخة بين البلدين الشقيقين خلال فترة عمله في السعودية، وذلك إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

السفير السعودي لدى الإمارات خلال استقباله السفير الإماراتي السابق لدى المملكة في مقر السفارة السعودية بأبوظبي (واس)

وعبّر السفير العنقري، خلال استقباله بمقر السفارة الشيخ نهيان آل نهيان، عن تمنياته له بالتوفيق والسداد في مهامه الجديدة نائباً لوزير الدولة في وزارة الخارجية بدولة الإمارات.

حضر الاستقبال الوكيل المساعد لشؤون المراسم بوزارة الخارجية الإماراتية سيف الشامسي، ومدير إدارة مجلس التعاون لدول الخليج العربية السفير أحمد البلوشي، وعددٌ من سفراء الدول الخليجية والعربية.