عبد الرحمن الشقير لـ«الشرق الأوسط»: الملك عبد العزيز حول ذاكرة المجتمع من التشظي إلى الوحدة

وصف شعار «عزّنا بطبعنا» بالقوة الناعمة القابلة للتصدير

الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)
الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)
TT

عبد الرحمن الشقير لـ«الشرق الأوسط»: الملك عبد العزيز حول ذاكرة المجتمع من التشظي إلى الوحدة

الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)
الدكتور عبد الرحمن الشقير متوشحاً شعار اليوم الوطني وحاملاً علم بلاده (الشرق الأوسط)

أكد الدكتور عبد الرحمن الشقير عالم الاجتماع والمؤرخ وأحد أبرز الأصوات الأكاديمية في قراءة المجتمع السعودي وتاريخه الأنثروبولوجي والثقافي، أن اليوم الوطني السعودي بشعار «عزّنا بطبعنا» يلخص تجربة ثقافية عميقة، فهو أقرب إلى طقس عبور بالمعنى الأنثروبولوجي، مشدداً في حواره مع «الشرق الأوسط»، على أن هذا المشروع كان أكثر براعة في استيعاب البنية الاجتماعية. وجاء الحوار وفق ما يلي:

 

شعار اليوم الوطني «عزّنا بطبعنا» يربط بين العزة والهوية، كيف يمكن أن يُفهم هذا الشعار من منظور أنثروبولوجي؟

- شعار «عزّنا بطبعنا» يلخّص تجربة ثقافية عميقة؛ فالعزّة هنا قوة رمزية تتكون من العادات والقيم الاجتماعية الأصيلة، التي صمدت أمام موجة العولمة وتحولات العالم الرقمي الذي يذيب الهويات، فصار الصمود أمام التحديات الحقيقية معياراً للعزة.

طبعنا السعودي قاوم الذوبان، فظلّ محتفظاً بسماته الأصلية مثل الكرم والشعور بالمسؤولية والانتماء والتضامن والإنجاز، إضافة إلى حماية اللهجات المحلية والزي الشعبي والمطبخ والفنون وغيرها ودراستها.

هذه السمات لم تعد محلية، إذ إنه في السنوات الأخيرة تحوّل «طبعنا» إلى قوة ناعمة قابلة للتصدير.

هكذا صار الطبع السعودي نموذجاً يُقدم للعالم كهوية صلبة وسط عالم سريع السيولة والتحوّل، وكتجربة ثقافية فريدة قادرة على المشاركة الفعالة.

 

كيف تقرأ الاحتفاء باليوم الوطني من منظور اجتماعي وأنثروبولوجي؟

اليوم الوطني في نظري تحول إلى طقس اجتماعي عميق، فهو أقرب إلى «طقس عبور» بالمعنى الأنثروبولوجي؛ حيث انتقل المجتمع فيه عام 1351هـ/ 1932م من ذاكرة التشظي إلى ذاكرة الوحدة.

في اليوم الوطني يتوقف إيقاع الحياة العادي، لنستعيد لحظة تاريخية توقّف فيها المسار العسكري، وانطلق المسار التنموي عند نقطة اكتمال توحيد المملكة.

تفاصيل الفعاليات لليوم الوطني تصنع لوحة واسعة المعنى، وتُظهر كيف يتحول اليوم الوطني إلى طقس شعبي متجدد، يحمل في داخله رسالة أن يوم الوطن تجربة حية يعيشها الناس معاً كل عام.

 

ما وجه الاختلاف بين مشروع الملك عبد العزيز في التوحيد عن غيره من مشاريع بناء الدول؟

- مشروع الملك عبد العزيز في توحيد المملكة تميّز عن غيره لأنه استعاد الأراضي التابعة للدولة السعودية الأولى، وأعاد بناءها، وكذلك عمل على إحداث تنمية يشارك فيها جميع أبناء المملكة والخبراء العرب، فأحدث بذلك نهضة تنموية في أرجاء شاسعة من الأراضي، وبمنهجية موحدة، لكنه أعاد بناءها على قواعد جديدة.

وخرجت القبيلة من كونها إطاراً ضيقاً للعصبية، ودخلت في نسيج وطني أوسع، وهجرت أسلوب الترحال وسكنت البلدان، بذلك، تحوّل مفهوم الولاء تحولا جذريّاً، فلم يعد الفرد يعرف نفسه فقط بقبيلته أو بلدته، بل صار يضع الدولة إطاراً جامعاً يتقدم على كل الروابط.

الذاكرة الشعبية من مؤلفات الشقير رصد فيها تاريخ الحياة اليومية للإنسان في المجتمع السعودي

هذا التحول انعكس في تفاصيل الحياة اليومية، في لغة الخطاب، حيث أصبحت مفردات مثل «الوطن» و«المجتمع» و«المملكة» هي الدارجة؛ وفي طقوس الاحترام، حيث غدا السلام على راية الدولة أو صورتها رمزاً متفقاً عليه.

 

كيف يمكن أن نفهم الأمن كـ«هابيتوس» يعيش مع الناس في حياتهم اليومية؟

يتشكل «الهابيتوس» من عوامل عديدة مثل الدين والتاريخ والتربية والعادات، فيصير جزءاً طبيعياً من أسلوب حياتهم ويؤثر على قراراتهم بشكل تلقائي.

حين نصف الأمن كهابيتوس، فإننا نراه وقد ترسّخ في اللاوعي الجمعي كإيقاع يومي يُمارس بقدر ما يُفكَّر فيه. فالأمن يظهر في الطمأنينة التي ترافق الطفل إلى مدرسته، وفي استقرار الأسرة داخل منزلها بلا خوف ولا سلاح، وفي ثقة الأفراد بأن القانون والتقاليد معاً يشكلان شبكة حماية غير مرئية. ولا تُستدعى هذه الطمأنينة كقرار عقلاني في كل مرة، بل تُمارس كتلقائية اجتماعية، مثلما يتحدث الناس لغتهم أو يؤدون طقوسهم الدينية.

 

لماذا كان الأمن ركيزة لمشروع التوحيد السياسي؟

حين بدأ الملك عبد العزيز مشروعه، أدرك أن الخوف يفتت المجتمع، وأن الطمأنينة هي الشرط الأول لأي بناء سياسي، وحين استتب الأمن توقفت الغارات، واستقر الزمن على إيقاع جديد يمنح الناس يقيناً بأن الغد امتداد لليوم.

ومع تثبيت الأمن، تشكّل عقد ثقة بين الدولة والمجتمع، فالقبائل التي عاشت قروناً في دوامة الغزو سلّمت جزءاً من استقلالها مقابل حماية مواردها، والمدن شعرت أن حرماتها مصونة، والقوافل سارت آمنة على طرق الحج والتجارة. وبهذا أصبح الأمن رابطة معنوية تشد الناس إلى الدولة.

ومن هذه القاعدة وُلد رأس المال الرمزي للمملكة، ومعه انطلقت مؤسسات الحكم، وانتظمت الأسواق، وازدهرت الحواضر وانفتحت المملكة على العالم الخارجي ودخلت مراحل تحديث بلا رجعة.

 

ما دلالة الرموز الوطنية في اليوم الوطني: الراية، والنشيد، والألوان؟

- هذه رموز بداخلها «وصف كثيف»: فالراية هي إعلان سيادة يذكّر الناس بقدرة الدولة على فرض النظام وحق استخدام القوة، وهي أيضاً وعاء تختزل فيه الجماعة ذاتها في صورة بصرية واحدة، وذاكرة تاريخية تحمل سرديات التأسيس والانتصار، ويولد معها شعور نفسي بأن الفرد محمي داخل جماعة كبرى. وعلى المستوى الدولي، تظل الراية لغة دبلوماسية تختصر الوطن أمام العالم.

أما النشيد فهو ممارسة جسدية جماعية تذيب الأصوات الفردية في لحن واحد، ورمز سياسي يرسخ الشرعية، وطقس اجتماعي ينظم المناسبات ويوحّد الإيقاع، كما يمنح الأفراد دفعة نفسية تثير الحماسة والانتماء، ومسرح للذاكرة، حيث تتحول التضحيات إلى لحن موسيقي متكرر يرسّخ الوجدان الوطني.

 

هل يمكن القول إن اليوم الوطني ينتج رأس مال رمزياً؟

نعم، يمكن القول إن اليوم الوطني ينتج رأس مال رمزياً بالمعنى الذي حدّده عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو. فالمشاركة في الاحتفالات، وارتداء اللون الأخضر، ورفع الراية، أو نشر الصور والرموز الوطنية عبر الفضاء الرقمي، كلها ممارسات تبدو بسيطة لكنها تولّد قيمة معنوية مشتركة. هذه القيمة تعيد توزيع الشرعية والانتماء داخل المجتمع، وتُشعر الأفراد أنهم شركاء في إنتاج الهوية الوطنية.

اليوم الوطني مناسبة تُتيح للأفراد والجماعات والمؤسسات أن يضيفوا إلى رصيدهم الاجتماعي، ويجعلوا من حضورهم ومشاركتهم وسيلة لتعزيز مكانتهم داخل الجماعة الوطنية، فتتراكم قوة رمزية تُعيد إنتاج الهوية كل عام.

 

هناك حضور قوي للجسد والفضاء في اليوم الوطني، كيف تقرأ هذه الظاهرة؟

- يتحول الجسد في اليوم الوطني إلى لوحة فنية رمزية متحركة، فهو يلتحف بالعلم ويعلق عليه الشارات ويُرسم العلم على الوجه ويوشم على اليد، أو يُرتدى الأخضر كلباس على الجسد، أو تُرفع اليد لتحمل العلم، فإن هذه الأفعال البسيطة تجعل الجسد حاملاً للهوية، ويُعلن انتماءه في الفضاء العام.

وحين يلعب الشباب «العرضة» أو «رقصة السيف»، فهم يستعيدون طقساً عريقاً كان في الأصل فعلاً قبلياً للدفاع والفخر، لكنهم يعيدون شحنه بمعنى وطني جديد، فيصير الجسد ذاكرة تربط الماضي بالحاضر.

ويتحول الفضاء العام، لمدة يوم واحد إلى مسرح كبير للهوية الجماعية، فالشارع والساحة والسماء تنقلب إلى منصات احتفال، حيث تتزين بالأعلام وأشعة الليزر الذكية والألعاب النارية للفرجة، ويجتمع فيها الناس بلا تمييز.

تتحول المدينة بكاملها، بمواطنيها وتفاعل حي من أبناء الجاليات العربية والإسلامية إلى نص اجتماعي تُكتب حروفه بالألوان، والهتاف، والتجمع، والحركة. وكل زاوية في الفضاء العام تُستعار لتأكيد معنى «الوطن» بصور محسوسة.

في هذه اللحظات يذوب الفرد في الجماعة، حيث يجدها ضمن هوية أكبر، وجميعهم يصنعون معاً لوحة حية تُجسّد ما تعنيه المواطنة، أن يتحول الانتماء إلى تجربة ملموسة يشارك فيها الجميع، وأن تتجلى الهوية في الجسد والفضاء في آن واحد.


مقالات ذات صلة

«مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

عالم الاعمال «مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

«مجموعة أباريل» تختتم حملتها الحصرية في «بارك أفنيو مول» بفعالية كبرى للسحب على السيارات

اختتمت مجموعة «أباريل»، الشركة العالمية الرائدة في مجال التجزئة، حملتها الحصرية احتفالاً باليوم الوطني السعودي في «بارك أفنيو مول».

الخليج حضور تمثل بمسؤولين ودبلوماسيين وشخصيات فاعلة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً (واس)

احتفال سعودي باليوم الوطني يجتذب اهتمام الباريسيين

اجتذب الاحتفال السعودي باليوم الوطني الـ95 اهتمام الباريسيين والسياح، حيث صدحت الموسيقى التقليدية في مقر الحدث وجواره، واستمتع الضيوف والمارة برقصة «العرضة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
رياضة سعودية احتفالات متنوعة أقامها القادسية بمناسبة اليوم الوطني (نادي القادسية)

بيسغروف: مجتمع الخبر هو القلب النابض لتراث القادسية

أكّد الأسكوتلندي جيمس بيسغروف، الرئيس التنفيذي للقادسية، أن اليوم الوطني الـ95 يمثل مناسبة استثنائية للمملكة بشكل عام، ولناديه بشكل خاص.

سعد السبيعي
رياضة سعودية النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو قائد فريق النصر (الشرق الأوسط)

رونالدو وفينالدوم ورينارد يشاركون السعوديين احتفالات اليوم الوطني الـ95

تفاعلت الأندية السعودية ولاعبوها المحترفون الأجانب مع احتفالات المملكة باليوم الوطني الـ95، حيث امتلأت منصات التواصل الاجتماعي ورسائل التهاني بأجواء الفخر.

«الشرق الأوسط» (الرياض )
يوميات الشرق ‏الدرعية تحتفل باليوم الوطني السعودي الـ95‬ (واس) play-circle 02:02

السعوديون يحتفلون باليوم الوطني الـ95 ويستذكرون لحظة التوحيد واستئناف التاريخ

احتفل السعوديون باليوم الوطني الـ95، الذي يوافق 23 من سبتمبر (أيلول) من كل عام، واكتست جميع المدن السعودية، باللون الأخضر؛ تعبيراً عن الفرح، واستذكاراً للحظة

عمر البدوي (الرياض)

ماكرون يصل إلى الإمارات ومحمد بن زايد يستقبله ويبحث معه العلاقات الثنائية

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)
TT

ماكرون يصل إلى الإمارات ومحمد بن زايد يستقبله ويبحث معه العلاقات الثنائية

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال استقبال نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون (وام)

استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، اليوم، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يقوم بزيارة عمل إلى أبوظبي، في لقاء عكس زخم الشراكة الإماراتية - الفرنسية، وتوسّع مساراتها خلال السنوات الأخيرة.

ورحّب رئيس دولة الإمارات بالرئيس الفرنسي خلال اللقاء الذي عُقد في متحف زايد الوطني بأبوظبي، حيث تبادل الجانبان التهاني بمناسبة قرب حلول العام الجديد، معربين عن تمنياتهما للبلدين وشعبيهما بمزيد من التقدم والازدهار وفقاً لما نقلته وكالة أنباء الإمارات (وام).

وبحث الشيخ محمد بن زايد والرئيس ماكرون مسار العلاقات التاريخية والاستراتيجية التي تجمع البلدين، وسبل تعزيزها، لا سيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية، إلى جانب التعاون في الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والاستدامة، وغيرها من الملفات التي تدعم رؤية البلدين لتحقيق التنمية والازدهار.

وحضر اللقاء الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، والشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، والشيخ حمدان بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون الخاصة، وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين. كما حضره الوفد المرافق للرئيس الفرنسي، الذي يضم عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين.

وأقام رئيس دولة الإمارات مأدبة غداء تكريماً للرئيس الفرنسي والوفد المرافق.

وكان الرئيس الفرنسي قد وصل إلى البلاد في وقت سابق اليوم، حيث كان في مقدمة مستقبليه في مطار الرئاسة بأبوظبي الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، وعدد من كبار المسؤولين.


الرئيس الفرنسي في زيارة مزدوجة الأهداف إلى أبو ظبي

الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

الرئيس الفرنسي في زيارة مزدوجة الأهداف إلى أبو ظبي

الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس ماكرون مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد بقصر الإليزيه في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

ما بين لبنان والإمارات العربية المتحدة، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أبو ظبي للقيام بالزيارة التقليدية للقوات الفرنسية المنتشرة خارج البلاد بمناسبة أعياد نهاية السنة. كان الخياران مطروحين، ففي جنوب لبنان، تشارك وحدة فرنسية من 700 رجل في قوة «اليونيفيل» المنتشرة جنوب لبنان. وتعد فرنسا من أقدم الدول التي أسهمت في القوة الدولية بمسمياتها المختلفة منذ عام 1978.

ولفرنسا في الإمارات قاعدتان عسكريتان بحرية وجوية {الظفرة) وقوة برية من 900 رجل. وأفاد الإليزيه بأن زيارة الرئيس الفرنسي ستكون ليومين (الأحد والاثنين)، ومن شقين: الأول، زيارة رسمية مخصصة للعلاقات الثنائية بين باريس وأبو ظبي، وسيتوِّجها اجتماع مرتقب، الأحد، بين ماكرون ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد لبحث الملفات المشتركة. ويقوم بين الطرفين حوار استراتيجي ــ سياسي رفيع المستوى. والشق الثاني لتفقد القوة العسكرية الفرنسية؛ حيث من المقرر أن يتوجه بخطاب إلى العسكريين بهذه المناسبة سيعقبه عشاء تكريمي أعده تحديداً مطبخ الإليزيه. وسترافق ماكرون وزيرة الدفاع كاترين فوترين. ومن ضمن برنامج الزيارة، حضور ماكرون نشاطاً عسكرياً في إحدى القواعد الصحراوية للقوة الفرنسية، ويرجح أن تشارك فيها قوة إماراتية على غرار التمارين العسكرية المشتركة بين الطرفين لتنسيق المواقف إزاء الأزمات الإقليمية والملفات الساخنة.

جنود فرنسيون يقومون بمناورة بدبابات من طراز «لوكلير» في مدينة زايد العسكرية 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

باريس وأبو ظبي تعاون وثيق

ترتبط فرنسا والإمارات بعلاقات استراتيجية قوية ومتنوعة؛ إذ تشمل الجوانب السياسية والدفاعية والاقتصادية والتجارية والثقافية. ومنذ عام 2009 وقّعت باريس وأبو ظبي اتفاقاً دفاعياً ما زال قائماً، ويرفده تعاون وثيق في مجال التسليح، حيث وُقِّعت بين الطرفين عقود بالغة الأهمية آخرها عقد حصول الإمارات على 80 طائرة قتالية من طراز «رافال» التي تصنعها «شركة داسو». ووُقّع العقد في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021، وتبلغ قيمته الإجمالية مع الصيانة والتدريب 16.6 مليار يورو. ومن المنتظر أن تتسلم القوات الجوية الإماراتية أول النماذج بدءاً من عام 2026، بينما تنتهي عملية التسليم في عام 2031. ويشمل التعاون الدفاعي القيام بتمارين عسكرية مشتركة غرضها تسهيل التعاون بين جيشي البلدين. وما يدفع في هذا الاتجاه أن القوات الإماراتية تستخدم كثيراً من الأسلحة والمعدات التي تستخدمها القوات الفرنسية في قطاعي الطيران والعربات المصفحة والدبابات.

ليس القطاع الدفاعي والاستراتيجي وحده يستأثر بالتعاون الثنائي؛ فالطرفان يرتبطان بشراكة استراتيجية في قطاع الطاقة الذي يشمل، إلى جانب النفط، الطاقات المتجددة والنووية والهيدروجين, وبالتوازي، ثمة تعاون في قطاع الذكاء الاصطناعي.

كما طور الطرفان التعاون الأكاديمي (جامعة السوربون)، والثقافي (متحف اللوفر أبو ظبي) والصحي. ومن الجانب التجاري، تعد الإمارات الشريك الأول لفرنسا في منطقة الخليج؛ حيث بلغت قيمة المبادلات، العام الماضي، 8.5 مليار يورو. وتتركز المشتريات الإماراتية على الطائرات والتجهيزات والمكونات الكيميائية والعطور والمستحضرات الطبية والتجميلية والثياب والأقمشة. وتفيد وزارة الاقتصاد بأن ما لا يقل عن 600 شركة فرنسية تعمل في الإمارات، وتوفر فرصاً لآلاف المتخصصين والعمال.

صورة لأحد التمرينات العسكرية التي قام بها الجنود الفرنسيون المرابطون في دولة الإمارات بمناسبة المناورات التي تُجرى سنوياً (أ.ف.ب)

مهمات القوة الفرنسية في الإمارات

تؤكد مصادر الإليزيه أن اختيار أبو ظبي يعود لرغبة فرنسية في إظهار أن باريس، رغم تركيزها على الأزمة الأوكرانية التي تهم أمنها وأمن القارة الأوروبية، ما زالت «تواصل جهودها العسكرية، السياسية والدبلوماسية، على مستوى العالم بأسره، في كل مكان ترى فيه تهديداً لمصالحها وقيمها». ومن جانب آخر، ترى باريس أنها معنية بالأزمات والتحديات الأمنية القائمة في المنطقة سواء كان من بينها أمن الخليج والممرات المائية والتحديات التي يمثلها الحوثيون أو الإرهاب ممثلاً بتنظيم «داعش» الذي عاد إلى البروز في الشهر الأخيرة. وفي هذا السياق، تشير المصادر العسكرية في الإليزيه إلى أن القوات الفرنسية تشارك في «عملية شمال»، وهي جزء من التحالف الدولي في الحرب على الإرهاب. كذلك، فإنها جزء من «العملية الأوروبية أسبيدس» المنخرطة في حماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الحوثيين.

من هذه الزاوية، يمكن تفهُّم حرص ماكرون على التوجه إلى الإمارات التي تعد، وفق مصادر الأليزيه «موقعاً محورياً تتقاطع حوله الأزمات كما يعكس اهتمامنا الكبير بهذه المنطقة الجغرافية الرئيسية من أجل الاستقرار الإقليمي وحماية الحركة الملاحية وأمن العراق والعلاقة مع إيران ومكافحة الإرهاب». وتشير المصادر الفرنسية إلى الحرب مع إيران، وللدور الذي قامت به الطائرات الفرنسية في محاربة «داعش» زمن احتلالها جزءاً من العراق، فضلاً عن محاربة أنشطة المرتزقة البحرية في المنطقة. وركزت المصادر المشار إليها على وجود «هيئة أركان فرنسية مشتركة» يرأسها الأميرال هيوغ لين، قائد القوة الفرنسية في الإمارات، ولكن أيضاً القوة الفرنسية العاملة في المحيط الهندي لمحاربة عمليات القرصنة والتهريب متعدد الأنواع.


عبدالله بن زايد يشدد على وقف فوري لإطلاق النار بالسودان

الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)
الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)
TT

عبدالله بن زايد يشدد على وقف فوري لإطلاق النار بالسودان

الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)
الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي (وام)

جدّد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، التأكيد على أن الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، وضمان وصول إنساني آمن من دون عوائق إلى المدنيين، يمثلان أولوية قصوى في ظل تفاقم الاحتياجات الإنسانية واتساع دائرة المعاناة.

ورحّب الشيخ عبد الله بن زايد بتصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن السودان، التي شدد فيها على أن الهدف العاجل لواشنطن يتمثل في وقف الأعمال العدائية مع دخول العام الجديد بما يسمح للمنظمات الإنسانية بإيصال المساعدات إلى مختلف أنحاء البلاد.

وأثنى وزير الخارجية الإماراتي على ما تضمنته التصريحات الأميركية من تركيز على دفع مسار التهدئة الإنسانية والتخفيف من وطأة الأزمة، مؤكداً أن أي تقدم عملي يبدأ بوقف إطلاق النار على نحو عاجل، بما يوفر حماية للمدنيين ويؤسس لتهيئة بيئة سياسية أكثر قابلية للحل. كما رأى أن تثبيت الهدنة الإنسانية وفتح الممرات أمام الإغاثة «يمهدان الطريق» لمسار سياسي يفضي إلى انتقال مدني مستقل يحقق تطلعات السودانيين في الأمن والاستقرار والسلام.

وفي هذا السياق، أكد الشيخ عبد الله بن زايد التزام دولة الإمارات بالعمل مع المجموعة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة، ضمن جهود تستهدف دعم مسار سياسي مدني مستدام يضع مصلحة الشعب السوداني فوق كل اعتبار.

وكان روبيو قد قال في مؤتمر صحافي إن بلاده منخرطة «بشكل مكثف» مع أطراف إقليمية، لافتاً إلى محادثات أجرتها واشنطن مع مسؤولين في الإمارات والسعودية ومصر، وبالتنسيق مع المملكة المتحدة، في إطار الدفع نحو هدنة إنسانية تسمح بتوسيع عمليات الإغاثة.