اغتيال كيرك يفتح النقاش عن مستقبل الحزب الجمهوري بعد ترمب

هل يتحول إلى قوة انتخابية مستدامة أم ينزلق إلى مزيد من الاستقطاب؟

جانب من الاستعدادات لمراسم تأبين كيرك في أريزونا يوم 20 سبتمبر (رويترز)
جانب من الاستعدادات لمراسم تأبين كيرك في أريزونا يوم 20 سبتمبر (رويترز)
TT

اغتيال كيرك يفتح النقاش عن مستقبل الحزب الجمهوري بعد ترمب

جانب من الاستعدادات لمراسم تأبين كيرك في أريزونا يوم 20 سبتمبر (رويترز)
جانب من الاستعدادات لمراسم تأبين كيرك في أريزونا يوم 20 سبتمبر (رويترز)

بينما ودّع الأميركيون الناشط اليميني تشارلي كيرك في مراسم تأبين تقدّمها الرئيس دونالد ترمب، أعاد أحدث اغتيال سياسي في الولايات المتحدة تسليط الضوء على الحزب الجمهوري وما يواجهه من تحولات عميقة. فبينما ينشغل البيت الأبيض في الردّ على خصومه من «اليسار الراديكالي»، تكشف الكواليس عن صراع على النفوذ داخل الحزب، وعن صعود وجوه جديدة تستعدّ لمرحلة ما بعد ترمب، في حال فشلت جهوده لإعادة انتخابه مرة ثالثة.

ما بدا في البداية أزمة مأسوية داخل الحركة اليمينية، تحوّل سريعاً إلى اختبار سياسي: من يقود قاعدة ترمب بعده؟ وما شكل الحزب الجمهوري في العقد المقبل؟

إرث كيرك مع «ماغا»

كان كيرك أحد أبرز الأصوات التي قادت تنظيم الشباب الجمهوريين عبر مؤسسة «نقطة تحوّل». اغتياله مثّل ضربة شخصية وسياسية للرئيس ترمب، لكنه دفع في المقابل إلى تقارب أكبر بين «نقطة تحوّل» وحركة «لنجعل أميركا عظيمة (ماغا)».

نصب تذكاري لتكريم ذكرى تشارلي كيرك في فينكس بأريزونا يوم 20 سبتمبر (أ.ف.ب)

نائب الرئيس جي دي فانس، الذي يُعدّ الوريث المحتمل لترمب، وذكر أن كيرك قد يكون من أبرز المؤهلين لمرافقته على بطاقة الترشيح الرئاسي نائباً له في حال ترشح عام 2028 أو بعد ذلك، أكّد في برنامج تذكاري عن كيرك أن «الرسالة ستستمر»، في إشارة إلى أن الحركة ترى في نفسها الوارث المباشر لمشروع كيرك في تعبئة جيل جديد من الجمهوريين.

في عمر 41 عاماً، برز فانس بوصفه الوجه الجديد للحزب الجمهوري، الذي يجمع بين حيوية جيل جديد وخبرة سياسية آخذة في الترسخ من موقعه في مجلس الشيوخ. وقال السيناتور الجمهوري النافذ ليندسي غراهام إن «فانس يمتلك طاقة وقاعدة جماهيرية تشبه ما كان لدى ترمب عام 2016، لكنه أكثر تركيزاً على قضايا الجيل الجديد من الناخبين الجمهوريين».

أحد المحللين في معهد «أميركان إنتربرايز» أضاف قائلاً إن «الرهان على فانس يعكس رغبة الحزب في الجمع بين الشعبوية، وبين محاولة صياغة رؤية اقتصادية محافظة جديدة».

أثار اغتيال كيرك صدمة في صفوف المحافظين بأميركا (أ.ف.ب)

وبالفعل، يحاول فانس بناء شبكة تمويل وتحالفات على مستوى الولايات، ويظهر في خطاباته أكثر صرامة من ترمب في الدفاع عن «المبادئ الجمهورية»، مستخدماً في أحيان كثيرة لغة صدامية مع خصومه في اليسار. هذه الاستراتيجية تهدف إلى تأكيد ولائه للإرث الترمبي، مع إظهار نفسه بوصفه قائداً جديداً للحزب الجمهوري.

ماركو روبيو، وزير الخارجية القوي ومستشار الأمن القومي في إدارة ترمب، عاد إلى الواجهة بوصفه اسماً محتملاً في سباق خلافة ترمب. خبرته الطويلة في السياسة الخارجية، وصلاته الوثيقة بترمب، تجعله خياراً واقعياً لمنصب نائب الرئيس أو حتى المرشح الرئاسي المنافس مستقبلياً. حتى أنه نال ثقة السيناتور تيد كروز، الذي كان يُعدّ مرشحاً رئاسياً محتملاً. وقال إن «ماركو لديه الخبرة التي يحتاج إليها الحزب إذا أراد مواجهة الصين وروسيا في العقد المقبل». وبعد مقتل كيرك، لا يستبعد مقرّبون من فانس وروبيو ترشحهما معاً. ويرون أن الشراكة بين الرجلين قد تمنح الحزب توازناً بين الحرس القديم والطموح الجديد. ويؤكد محللون قائلين إن «روبيو قد يكون الخيار الذي يوازن بين إرث ترمب ورغبة الحزب في خطاب أكثر مؤسساتية».

«السلالة الترمبية»

يبقى نفوذ عائلة ترمب حاضراً بعمق في الحزب الجمهوري. دونالد ترمب جونيور يدعم بقوة صعود فانس، بينما يحافظ إريك ترمب وزوجته لارا، نائبة رئيس لجنة العمل السياسي في الحزب الجمهوري، على حضور إعلامي وسياسي مؤثر. وبعد مقتل كيرك، قال دونالد جونيور إن «اغتياله لن يوقف الحركة. نحن جميعاً ملتزمون بضمان أن الحزب الجمهوري يبقى حزب الشعب، لا حزب النخب».

نصب تذكاري لتكريم ذكرى تشارلي كيرك في فينكس بأريزونا يوم 19 سبتمبر (أ.ف.ب)

هذه «السلالة الترمبية» تضمن استمرار تأثير العائلة، حتى ولو انتقلت القيادة الشكلية إلى أسماء أخرى. وفي الكواليس، تواصل المستشارة وكبيرة موظفي البيت الأبيض سوزي وايلز لعب دور مركزي في إدارة المرحلة الانتقالية. مستقبلها مرتبط مباشرة بقرارات ترمب، لكن ولاء فانس وروبيو لها يشير إلى استمرار حضورها بوصفها لاعباً أساسياً في هندسة الحزب.

دور الإعلام الجديد

من أبرز ملامح المرحلة المقبلة في السياسة الأميركية التحول الإعلامي، حيث لم تعد القنوات التقليدية هي المنصة الوحيدة للجمهوريين. البودكاست والمحتوى الرقمي المُوجّه باتا مركز الثقل، خصوصاً لجذب الناخبين الشباب، وهي استراتيجية إعلامية برع فيها تشارلي كيرك، وصنعت اسمه.

أشخاص يتجمّعون للمشاركة في مراسم تأبين كيرك بأريزونا يوم 21 سبتمبر (أ.ب)

هذه القنوات أتاحت لترمب وأنصاره تجاوز الإعلام التقليدي الذي يتهمونه بالتحيّز، ورسّخت نموذجاً جديداً من السياسة الشعبوية المباشرة، حيث يُعاد إنتاج الخطاب المحافظ بلغة أكثر حدّة وسرعة في الانتشار.

وفيما لم يُقرأ اغتيال كيرك كأنه حادث فردي، بل كأنه جزء من شعور جماعي لدى الجمهوريين بأنهم تحت «هجوم منظم» من قوى اليسار، فقد غذّى هذا الشعور خطاب الانتقام، ودعا بعض رموز الحركة إلى تجريم الحزب الديمقراطي، أو على الأقل المنظّمات المقرّبة منه. ترمب نفسه لم يسعَ إلى تهدئة الأجواء، بل كرّر اتهاماته لليسار بالتطرف. في المقابل، حاول بعض الجمهوريين المعتدلين الدعوة إلى التهدئة، لكن أصواتهم بدت خافتة أمام صخب «ماغا» التي تصوّر المرحلة كأنها حرب وجودية. هكذا حذر السيناتور الجمهوري المخضرم ميت رومني، قائلاً إن «الحزب يقف على مفترق خطير: إما أن يواجه خطاب العنف بوضوح، وإما سيجد نفسه رهينة تيارات متطرفة».

ويقول بعض المحللين إن «اغتيال كيرك رسّخ عقلية الحصار داخل قاعدة الحزب، وهذا ما قد يدفع إلى جولة جديدة من الاستقطاب بدل الحوار». والنتيجة هي بيئة سياسية متوترة تتغذى على الاستقطاب، حيث يختلط العنف الفردي بالخطاب الحزبي، ويصبح التطرف عبر الإنترنت وقوداً لجيل جديد من الناشطين الغاضبين.

أشخاص يشاركون في مراسم تأبين كيرك بأريزونا يوم 21 سبتمبر (أ.ب)

بعد اغتيال تشارلي كيرك، لم يعد السؤال الأهم فقط من يخلف ترمب، بل كيف سيتحوّل الحزب الجمهوري في بنيته وأسلوب عمله. الواضح أن مستقبل الحزب يتجه نحو جيل جديد يقوده فانس وروبيو، محاطاً بعائلة ترمب ومستشاريه، ومسنوداً بإعلام بديل أكثر تأثيراً من القنوات التقليدية.

لكن التحدي الأكبر لا يكمن في الأشخاص، بل في المناخ السياسي: هل يستطيع الحزب التحول إلى قوة انتخابية مستدامة دون الانزلاق نحو مزيد من التطرف والعنف؟ أم أن عقلية الحصار التي تجذرت بعد مقتل كيرك ستقود إلى انقسام أعمق في أميركا؟

في الحالتين، يبدو أن مستقبل الحزب الجمهوري سيظل مرهوناً بإرث ترمب، حتى وإن تغيّر اسمه أو وجوه قادته.


مقالات ذات صلة

ترمب: سيتّضح خلال أسابيع ما إذا كان ممكناً إنهاء الحرب في أوكرانيا

الولايات المتحدة​ ترمب يمد يده لمصافحة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات في مقر إقامته في بالم بيتش (ا.ف.ب)

ترمب: سيتّضح خلال أسابيع ما إذا كان ممكناً إنهاء الحرب في أوكرانيا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنه تم إحراز «تقدم كبير» في المحادثات مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في منتجع مارالاغو الأحد.

«الشرق الأوسط» (فلوريدا)
المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 4 فبراير 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ) play-circle

تقرير: نتنياهو فكر في فتح معبر رفح قبل لقاء ترمب لكنه تراجع

نقلت صحيفة إسرائيلية، عن مصدر، قوله إن بنيامين نتنياهو عرض فتح معبر رفح بين مصر وغزة في كلا الاتجاهين كبادرة حسن نية قبل اجتماعه مع ترمب، لكنه تراجع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ب)

ترمب المتفائل: زيلينسكي وبوتين جادّان

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب متفائلاً بقرب التوصل إلى اتفاق سلام لدى استقباله نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مارالاغو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي لدى وصولهما إلى المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب) play-circle

نتنياهو يستعد لترمب بخطة بديلة في غزة... وتركيز على إيران

وسط زخم من التقديرات والتسريبات الإسرائيلية عما جرى إعداده في تل أبيب للقاء دونالد ترمب، مع بنيامين نتنياهو، اعتبرت مصادر إسرائيلية أن اللقاء «معركة مصيرية».

نظير مجلي (تل أبيب)
تحليل إخباري ترمب ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يتصافحان في البيت الأبيض 13 فبراير 2025 (رويترز)

تحليل إخباري استراتيجية ترمب للأمن القومي... من الاحتواء إلى إعادة الاصطفاف

تُعدّ وثيقة الأمن القومي التي صدرت عن إدارة ترمب هذا الشهر أهم وثيقة جيوسياسيّة أميركيّة، إذ ترسم توجّهات واشنطن الداخلية كما الخارجيّة.


ترمب: سيتّضح خلال أسابيع ما إذا كان ممكناً إنهاء الحرب في أوكرانيا

ترمب يمد يده لمصافحة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات في مقر إقامته في بالم بيتش (ا.ف.ب)
ترمب يمد يده لمصافحة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات في مقر إقامته في بالم بيتش (ا.ف.ب)
TT

ترمب: سيتّضح خلال أسابيع ما إذا كان ممكناً إنهاء الحرب في أوكرانيا

ترمب يمد يده لمصافحة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات في مقر إقامته في بالم بيتش (ا.ف.ب)
ترمب يمد يده لمصافحة نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات في مقر إقامته في بالم بيتش (ا.ف.ب)

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إنه تم إحراز «تقدم كبير» في المحادثات مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في منتجع مارالاغو الأحد.

وقال ترمب للصحافيين خلال مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماعه مع نظيره الأوكراني: «نحن نقترب كثيراً، وربما نقترب جداً» من إنهاء الحرب، مشيراً إلى أن نتائج المفاوضات بشأن اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا قد تُعرف في الأسابيع المقبلة.

زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي مع ترمب عقب اجتماعهما في منتجع مارالاغو الأحد (رويترز)

وأضاف ترمب: «أعتقد أننا سنعرف في غضون أسابيع بطريقة أو بأخرى» ما إذا كانت المحادثات قد أثمرت، مشيراً إلى أن المفاوضات كانت "صعبة للغاية».

ورداً على سؤال حول زيارة محتملة لأوكرانيا، لم يستبعد ترامب ذلك وقال «اقترحت الذهاب إلى هناك والتحدث أمام برلمانهم».

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (أ.ب)

من جهتها قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، عقب مكالمة هاتفية مع الرئيس ‌الأوكراني ‌فولوديمير ‌زيلينسكي ،⁠والرئيس ​الأميركي ‌دونالد ترمب، وزعماء أوروبيين، إنه تم إحراز تقدم ملموس ⁠خلال المناقشات وشددت على ‌ضرورة تقديم ‍ضمانات ‍أمنية قوية ‍لأوكرانيا.

وكتبت على منصة التواصل الاجتماعي إكس قائلة: «​أوروبا مستعدة لمواصلة العمل مع أوكرانيا ⁠وشركائنا الأميركيين لتعزيز هذا التقدم. ويُعد تقديم ضمانات أمنية قوية منذ البداية أمراً بالغ الأهمية في هذا ‌المسعى».


مقتل شخص وإصابة آخر بجروح بتحطم مروحيتين في ولاية نيوجيرسي الأميركية

مروحية محطمة في مدينة هامونتون جنوبي ولاية نيوجيرسي الأميركية (أ.ب)
مروحية محطمة في مدينة هامونتون جنوبي ولاية نيوجيرسي الأميركية (أ.ب)
TT

مقتل شخص وإصابة آخر بجروح بتحطم مروحيتين في ولاية نيوجيرسي الأميركية

مروحية محطمة في مدينة هامونتون جنوبي ولاية نيوجيرسي الأميركية (أ.ب)
مروحية محطمة في مدينة هامونتون جنوبي ولاية نيوجيرسي الأميركية (أ.ب)

قال مسؤولون أميركيون إن شخصاً واحداً على الأقل لقي حتفه، فيما أصيب شخص آخر بجروح خطيرة إثر تحطم مروحيتين في مدينة هامونتون الواقعة جنوبي ولاية نيوجيرسي. ووصفت إدارة الطيران الاتحادية الحادث بأنه تصادم جوي.

وقال قائد شرطة هامونتون، كيفين فريل، إن فرق الإنقاذ تعاملت مع بلاغ عن حادث تحطم جوي قرابة الساعة 11:25 صباحاً بالتوقيت المحلي، اليوم الأحد، وإن الشرطة وفرق الإطفاء أخمدت لاحقاً النيران التي التهمت إحدى المروحيتين، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

ولقي شخص واحد حتفه، فيما نُقل آخر إلى مستشفى قريب وهو في حالة حرجة تهدد حياته. وأظهر مقطع فيديو من موقع الحادث مروحية وهي تدور بسرعة قبل ارتطامها بالأرض.

وذكر فريل أنه قد تم إبلاغ إدارة الطيران الاتحادية والمجلس الوطني لسلامة النقل بالحادث وسيباشران التحقيق في الحادث.


ترمب المتفائل: زيلينسكي وبوتين جادّان

جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ب)
جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ب)
TT

ترمب المتفائل: زيلينسكي وبوتين جادّان

جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ب)
جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ب)

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب متفائلاً بقرب التوصل إلى اتفاق سلام لدى استقباله نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مارالاغو، الأحد، وقال أمام الصحافيين: «لدينا مقومات التوصل إلى اتفاق»، عادّاً أن «زيلينسكي وبوتين جادّان بشأن السلام» ويرغبان في التوصّل إلى اتّفاق، وأنّ الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا وصلت إلى مراحلها النهائية. كما أكّد الرئيس الأميركي العمل على «اتفاق أمني قوي» لصالح كييف تُشارك فيه الدول الأوروبية، دون تقديم تفاصيل حول طبيعة الضمانات الأميركية.

ترمب وزيلينسكي يتوسّطان وفديهما خلال المحادثات في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ف.ب)

وقبل ساعات قليلة من لقائه مع زيلينسكي، أجرى ترمب مكالمة هاتفية «جيدة جداً ومثمرة» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول جهود إنهاء الحرب في أوكرانيا. وأكّد الكرملين أنّ الرئيسين الروسي والأميركي أجريا مكالمة هاتفية «ودية»، مشيراً إلى أنّهما سيتحدثان مجدداً بعد لقاء فلوريدا. وقال المستشار الدبلوماسي في الكرملين، يوري أوشاكوف، للصحافيين إنّ «المحادثة بأكملها دارت في جو ودي». وأضاف: «اتفق الطرفان على التحدث مجدداً عبر الهاتف بعد اللقاء بين الرئيس الأميركي وزيلينسكي».ونقل الإعلام الروسي والأميركي عن أوشاكوف قوله إن الاتصال، الذي جاء بمبادرة من الرئيس ترمب، استمرّ ساعة و15 دقيقة. وقال أوشاكوف، وفق منشور للصحافي الروسي بافيل زاروبين على «تلغرام»، إن الرئيس الأميركي وافق روسيا على أن وقف إطلاق النار في أوكرانيا لن يؤدي إلا إلى «إطالة أمد النزاع وتعريضه لخطر تجدّد الأعمال القتالية». كما تحدّث عن اتفاق موسكو وواشنطن على تشكيل مجموعات عمل لبحث ملف أوكرانيا ابتداءً من يناير (كانون الثاني).

أمل أوكراني

استقبل الرئيس الأميركي نظيره الأوكراني في مارالاغو، مقرّ إقامته الخاص في بالم بيتش، حيث يمضي الرئيس الجمهوري البالغ 79 عاماً عطلته، والذي أصبح بمثابة ملحق للبيت الأبيض. ومن المقرر أن يستضيف ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المقر عينه، الاثنين.

ويسعى زيلينسكي للحصول على موافقة الرئيس الأميركي على النسخة الأخيرة من خطة السلام الرامية إلى إنهاء الحرب المستمرة مع روسيا منذ أربع سنوات. وقال الرئيس الأميركي لموقع «بوليتيكو»، الجمعة، إن نظيره الأوكراني الذي يصل حاملاً معه أحدث مقترحاته بشأن القضية الشائكة المتعلقة بتقاسم الأراضي، «لا يملك أي شيء حتى أوافق أنا عليه». مع ذلك، بدا ترمب واثقاً في نتائج المحادثات، قائلاً: «أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام معه. وأعتقد أنها ستسير على ما يرام مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين»، الذي يعتزم التحدث معه «قريباً».

جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ف.ب)

وبعد لقاء زيلينسكي بترمب، من المرتقب أن يجري الرئيسان مكالمة هاتفية مع الزعماء الأوروبيين، حسب ما أفاد الناطق باسم الرئاسة الأوكرانية. وقال سيرغي نيكيفوروف في تصريحات للإعلام إنه «من المرتقب إجراء مكالمة هاتفية بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي دونالد ترمب، والزعماء الأوروبيين»، بعد اللقاء الثنائي.وأعرب زيلينسكي خلال محطة له في كندا، السبت، عن أمله في أن يكون الاجتماع مع ترمب «بنّاءً للغاية»، مشيراً إلى أنه تشاور مسبقاً مع حلفائه الأوروبيين. وأكد الأوروبيون للرئيس الأوكراني «دعمهم الكامل»، وفق المستشار الألماني فريدريش ميرتس. وفي كندا، حصل زيلينسكي على حزمة مساعدات اقتصادية جديدة بقيمة 2.5 مليار دولار كندي (1.8 مليار دولار أميركي) من رئيس الوزراء مارك كارني.

بوتين يُهدّد

تأتي القمة في فلوريدا عقب اقتراح الرئيس الأوكراني نسخة جديدة من الخطة الأميركية لإنهاء الحرب، بعد تعديلها إثر محادثات مع أوكرانيا؛ وهو ما أثار استياء موسكو. ويعتقد الكرملين أن كييف تحاول من خلال هذه النسخة الأخيرة «نسف» المحادثات، بعد نسخة أولية كانت أكثر مراعاة للمطالب الروسية.

صورة وزّعها الكرملين يوم 27 ديسمبر لزيارة بوتين أحد مراكز قيادة القوات المسلحة الروسية في موقع غير محدد (رويترز)

وفي تصعيد للضغط الميداني، أعلنت روسيا، السبت، أنها سيطرت على بلدتين جديدتين في شرق أوكرانيا، هما ميرنوغراد وغوليايبول. وقال بوتين، السبت: «إذا لم ترغب السلطات بكييف في تسوية هذه القضية سلمياً، فسنحل كل المشكلات التي تواجهنا بالوسائل العسكرية». وأضاف الرئيس الروسي أن «قادة نظام كييف ليسوا في عجلة من أمرهم لحلّ هذا النزاع سلمياً». واستذكر قائلاً: «لقد تحدثت عن هذا الأمر قبل عام في خطاب ألقيته في وزارة الخارجية». وعشية الاجتماع في فلوريدا، هاجمت موسكو كييف والمنطقة المحيطة بها بمئات المسيّرات وعشرات الصواريخ؛ ما أسفر عن مقتل شخصين وانقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من مليون منزل. وأعلنت شركة «دتيك»، أكبر مستثمر خاص في قطاع الطاقة الأوكراني، الأحد استئناف تزويد «جميع المنازل في العاصمة» بالتيار الكهربائي.ورأى زيلينسكي أن هذا الهجوم يُجسّد «ردّ روسيا على جهودنا السلمية». ولم يعد دونالد ترمب يُخفي استياءه من طول أمد المفاوضات. فقد صرّحت الناطقة باسمه كارولاين ليفيت في 11 ديسمبر (كانون الأول) أنه «يشعر بإحباط شديد من كلا الجانبين». وفي 19 ديسمبر، حثّ الرئيس الأميركي أوكرانيا على اتخاذ إجراءات لإنهاء المراوحة المستمرة.

من جهته، أكّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو ستواصل «انخراطها مع المفاوضين الأميركيين لوضع اتفاقات دائمة تعالج الأسباب الجذرية للنزاع»، مع انتقاده للأوروبيين، وفق تصريحات نقلتها وكالة «تاس» للأنباء. وقال لافروف: «بعد تغيّر الإدارة في الولايات المتحدة، أصبحت أوروبا والاتحاد الأوروبي العقبة الرئيسية أمام السلام»، عادّاً أن الأوروبيين «لا يخفون نواياهم في الاستعداد لحرب ضد روسيا». وتابع أن «طموح القادة الأوروبيين يعميهم حرفياً: فهم ليسوا غير مبالين بالأوكرانيين فحسب، بل يبدو أنهم غير مبالين أيضاً بشعوبهم».

20 بنداً

تقترح الوثيقة المكونة من 20 بنداً تجميد خطوط القتال على الجبهة، من دون التطرق إلى المطلب الروسي بسحب القوات الأوكرانية من نحو 20 في المائة من منطقة دونيتسك الشرقية التي لا تزال تحت سيطرتها. إلا أن زيلينسكي عبّر عن انفتاح مشروط على إنشاء «منطقة منزوعة السلاح» و«اقتصادية حرّة» تؤمّنها شرطة أوكرانية في دونباس، في حال وافقت روسيا على سحب قواتها.

أوكرانيون يعاينون الدمار الذي خلّفه القصف الروسي على كييف يوم 28 ديسمبر (أ.ف.ب)

كما أن النص الجديد لم يعد يتضمن أي التزام قانوني على أوكرانيا بالامتناع عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو مطلب رئيسي آخر للكرملين. إلى جانب مصير دونباس، المنطقة الواقعة في شرق أوكرانيا التي تطالب بها موسكو، ومصير محطة زابوريجيا النووية التي يحتلها الروس في الجنوب، من المتوقع أن يناقش الرئيسان الضمانات الأمنية التي يمكن أن تقدمها القوى الغربية في جزء من اتفاق سلام محتمل.

جانب من اجتماع زيلينسكي وكارني مع قادة أوروبيين عبر اتّصال فيديو في هاليفاكس يوم 27 ديسمبر (أ.ف.ب)

وشدّد زيلينسكي، السبت، على أن «هذه الضمانات الأمنية يجب أن تأتي بالتزامن مع نهاية الحرب». وكان الرئيس الأميركي قد أشار مؤخراً إلى أن أوكرانيا، من وجهة نظره، لديها كل المصلحة في تجميد خطوط الجبهة بأسرع وقت ممكن في مواجهة أي تقدم روسي مستقبلي، يعدّه حتمياً. وقال في الثامن من ديسمبر إن «روسيا متقدمة، ولطالما كانت كذلك». لكن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أكدت، السبت، عقب مكالمة هاتفية مع زيلينسكي، على ضرورة أن يحافظ أي اتفاق سلام على «سيادة» أوكرانيا و«وحدة أراضيها».