الإليزيه: ما نعرضه ليس اعترافاً بدولة فلسطين فقط بل «خطة سلام متكاملة»

باريس جاهزة لـ«الردّ بالمثل» على أي إجراءات إسرائيلية بحقّها وتعدّ ضم الضفة «خطاً أحمر»

مظاهرة تناصر حرية فلسطين في أثينا السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة تناصر حرية فلسطين في أثينا السبت (أ.ف.ب)
TT

الإليزيه: ما نعرضه ليس اعترافاً بدولة فلسطين فقط بل «خطة سلام متكاملة»

مظاهرة تناصر حرية فلسطين في أثينا السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة تناصر حرية فلسطين في أثينا السبت (أ.ف.ب)

أخيراً، يحل الاثنين، موعد الاعتراف بدولة فلسطين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ستكون فرنسا والمملكة العربية السعودية، راعيتا مبادرة حلّ الدولتين، أول المتحدثين، ليتبعهما، بعد ذلك، قادة غالبية الدول العشر التي أعلنت رسمياً إقدامها على الاعتراف بالدولة العتيدة.

والمفارقة أن المعني الأول بهذا التحول (أي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) سيكون بعيداً عن القاعة الرئيسية للجمعية العامة في نيويورك بسبب رفض واشنطن منحه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة، في ما يعدّه العديد من الدول «إخلالاً» بواجبات الدولة المضيفة. بيد أنه سيتحدث عن بعد في هذا الحدث، الذي ستغيب عنه إسرائيل والولايات المتحدة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الفلسطيني محمود عباس في لقاء على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك 25 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالنظر إلى الدور الرئيسي الذي لعبته باريس في هذا التحول، فإن السؤال المطروح في الأوساط الفرنسية يتناول ردة الفعل الإسرائيلية التي لم يتردد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في اعتبار أن الاعتراف يمثل «مكافأة للإرهاب» ويوفر دعماً سياسياً لحركة «حماس»، بل وصلت به الأمور إلى التنديد بما وصفه بـ«تأجيج معاداة السامية»، وهي السردية التي تبنتها الأوساط الموالية لإسرائيل في فرنسا (سواء اليمين بجناحيه التقليدي والمتطرف أو مجموعات الضغط المنتشرة في الأوساط السياسية والإعلامية).

وترى مصادر دبلوماسية فرنسية أن ما يثير حنق إسرائيل هو أن ما كان في بداية الأمر مبادرة سعودية ــ فرنسية أساسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2024، تحول إلى تيار دبلوماسي دافق وفاعل «نرى ترجمته اليوم».

وكانت باريس، منذ سنوات، تؤكد أنها عازمة على الاعتراف. إلا أنها ربطته باقتناص اللحظة المناسبة «حتى لا يكون عملاً معزولاً لا يقدم ولا يؤخر» على غرار ما قامت به إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا في مايو (أيار) 2024، والذي لم يغير من واقع الأمور شيئاً.

نتنياهو وماكرون خلال اجتماعهما في القدس يوم 24 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

الاعتراف وخطة السلام

ثمة عناصر رئيسية وموضوعية تبرر الخطوة الفرنسية، أولها القناعة بأن تطورات حرب غزة وما تقوم به الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون في الضفة الغربية من شأنهما «وأد أفق قيام دولة فلسطينية إلى الأبد»، وأنها «الحل الوحيد» المقبول لوضع حد للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

والعنصر الثاني أن مواصلة الحرب والعنف والمشاريع الإسرائيلية ستزيد من ضرب استقرار منطقة مهتزة أصلاً. والعنصر الثالث أن ما سيجري الاثنين في نيويورك، كما يقول مصدر رئاسي «ليس مجرد اعتراف، بل خطة سلام متكاملة» يمكن أن تساعد على إنهاء الحرب في غزة، من خلال سيناريو متكامل، وتعرض تصوراً شاملاً لما سيجري «في اليوم التالي» في القطاع المنكوب وفي الدولة الفلسطينية.

شاشة تعرض عدد الأصوات أثناء تصويت أعضاء الجمعية العامة على القرار الخاص بتنفيذ حلّ الدولتين في نيويورك 12 سبتمبر 2025 (رويترز)

يضاف إلى ما سبق أن الخطة التي أقرتها الأمم المتحدة خلال الشهر الحالي، وتعرف باسم «إعلان نيويورك»، توفر في حال تبنيها «بديلاً عن الحرب الدائمة» وتقدم حلولاً لحرب غزة وتدفع باتجاه إحلال سلام دائم والتزامات من الجانب العربي والذهاب الى «هندسة أمنية إقليمية» تكون إسرائيل جزءاً منها.

وأفادت مصادر الإليزيه بأن اجتماعاً برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون سيحصل في نيويورك للبحث في مقترح إيجاد «مهمة لتعزيز الاستقرار» ستكون إقليمية دولية. كذلك، عمدت باريس لـ«تثمين» التزامات الرئيس الفلسطيني التي ضمنها رسالته إلى ماكرون، والتي «كانت تطالب بها إسرائيل منذ سنوات». وأخيراً، فإن الخطة «ليست مجرد إعلان، بل هي خطة عملانية».

تهديدات إسرائيل

سعت باريس، في ما اعتبر مسعى لاجتذاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لتسويق المبادرة من زاوية أنها «استكمال» لما بدأه ترمب في عهده السابق، الذي أفضى الى «اتفاقيات أبراهام».

أحذية ترمز إلى فلسطينيين سقطوا في الحرب الإسرائيلية على غزة في ستراسبور بفرنسا السبت (أ.ف.ب)

وباختصار، فإن مصادر الإليزيه تعتبر أن الخطة المقترحة «يجب أن تفضي إلى نتائج لصالح السلام في المنطقة ولأمن الجميع» وهو ما شدد عليه ماكرون في حديثه لـ«قناة 12» الإسرائيلية.

وبعكس ما تدعيه إسرائيل، فإن باريس تشدد على أن الخطة ستكن بمثابة «نهاية لـ(حماس)».غير أن هذه الحجج لم تنفع في دفع إسرائيل للتعامل مع الخطة بـ«ليونة»، بل عمدت لمحاربتها منذ أول يوم، وانضمت إليها واشنطن التي عملت على «ردع» الدول الراغبة بتبنيها. إلا أن الضغوط المشتركة الإسرائيلية - الأميركية، وآخرها تحذيرات وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، خلال زيارته إسرائيل بداية الأسبوع الماضي، لم تنفع. والدليل أن 142 دولة تبنت «إعلان نيويورك».

إزاء هذا الفشل، انتقلت إسرائيل إلى مرحلة التهديد بإجراءات ردعية تراها المصادر الرئاسية منقسمة إلى قسمين: الأول يتناول العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية. والثاني الإجراءات الانتقامية بحق الفلسطينيين. ورغم تلويح إسرائيل بهذه التدابير، فإن مصدراً رئاسياً كبيراً أصرّ على أن باريس تعمل وفق «أجندة إيجابية ولا تريد الدخول في عملية تدابير انتقامية وتدابير مضادة... نحن نعمل من أجل بناء سلام صلب» في المنطقة.

يحملون لافتة تقول بالإيطالية «أوقفوا الإبادة... فلسطين حرة» خلال احتجاج في رافينا الإيطالية الجمعة (رويترز)

من الناحية العملية، لا تبدو باريس قلقة لأنها راجعت ما قامت به إسرائيل بحق الدول الأوروبية الثلاث (إسبانيا وآيرلندا وسلوفينيا) العام الماضي بعد اعترافها بدولة فلسطين، وبينها استدعاء سفراء الدول المعنية إلى وزارة الخارجية للتعبير عن غضبها. ولاحقاً في ديسمبر (كانون الأول) 2024، عمدت إسرائيل إلى إغلاق سفارتها في دبلن «بسبب السياسات العدائية» لآيرلندا إزاءها. كذلك قامت إسرائيل بحملة سياسية ضد الدول الثلاث، وقررت منع وزراء إسبان من الدخول إليها، وتوعدت بإجراءات إضافية. بالمقابل، عمدت الدول الثلاث إلى اتخاذ إجراءات معاكسة، أهمها تلك التي أقرّتها إسبانيا مؤخراً.

المعاملة بالمثل

بالنظر لما سبق، لا تبدو باريس قلقة، خصوصاً أن مصادر متعددة تؤكد أنها ستعمد إلى اتباع سياسة «المعاملة بالمثل». ومن التدابير التي يمكن أن تلجأ إليها إسرائيل تقليص تمثيل فرنسا الدبلوماسي، حتى إغلاق سفارة فرنسا أو قنصليتها في القدس. ومن الأمور الممكنة وضع اليد على مجموعة ممتلكات تاريخية تديرها فرنسا في القدس الشرقية والضفة الغربية. وتعتبر مصادر فرنسية أن لديها «خططاً جاهزة»، وأن أي تدبير إسرائيلي سيواجه بردّ مناسب.

مظاهرة تحت شعار «عقوبات على إسرائيل ... أوقفوا الإبادة والمجاعة الآن» تضامناً مع فلسطين في فيينا السبت (أ.ف.ب)

أما الخطر الأكبر فعنوانه قيام إسرائيل بالانتقام من الفلسطينيين، ومن أشكال هذا الانتقام القيام بضم الضفة الغربية أو أجزاء منها أو الانطلاق في عملية استيطانية أوسع مما تقوم به حالياً، لجعل قيام دولة فلسطينية أمراً شبه مستحيل على الأرض. وسبق للكنيست أن صوّت على قرار يدعو الحكومة لضمّ الضفة. وسارعت مصادر الإليزيه، الجمعة، إلى التنبيه بأنها تعتبر عملية الضم «خطاً أحمر»، ولكن من دون الإشارة إلى ما سيكون عليه ردّها أو ردّ الدول الأوروبية. وحرصت مصادر الرئاسة على التذكير بأن دولة الإمارات حذّرت من انعكاسات أمر كهذا على التزامها باتفاقية أبراهام، وأن مصر أيضاً قد تعمد إلى اتخاذ إجراءات ما.


مقالات ذات صلة

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

المشرق العربي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز) play-circle

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان اليوم الأربعاء، إن السلطة ماضية في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تطوير وتحديث المنظومة القانونية والمؤسسية.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
الخليج صورة جوية لقبة الصخرة والمسجد الأقصى في القدس (رويترز)

إجماع دولي في جدة على دعم فلسطين... ورفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية

أعلنت وفود دولية رفيعة المستوى من جدة، دعمها لفلسطين ورفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية، مؤكدة ضرورة «حل الدولتين»، وإنهاء الاحتلال، وحماية الحقوق الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج قافلة شاحنات تحمل مساعدات سعودية تدخل سوريا من معبر نصيب مع الأردن 6 يناير (رويترز)

مشاريع «مركز الملك سلمان» في سوريا تتضاعف أكثر من 100 % خلال 2025

أظهرت تحديثات جديدة كشفت عنها المنصة الإلكترونية لـ«مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» تسجيل أرقام جديدة حول مشاريع المركز المنجزة.

غازي الحارثي (الرياض)
المشرق العربي وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يستعرض خريطة لتوسيع مستوطنة «معاليه أدوميم» في الضفة الغربية (أ.ف.ب) play-circle

تقرير أممي: الاستيطان في الضفة الغربية يبلغ أعلى مستوى له منذ 2017

بلغ التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة مستوى قياسياً هذا العام منذ بدء مراقبة الأمم المتحدة في 2017، وفق تقرير صادر عن الأمين العام للمنظمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الخليج مقر وكالة «الأونروا» في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز) play-circle

دول عربية وإسلامية: دور «الأونروا» لا غنى عنه ولا يمكن استبداله

أكدت السعودية ومصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا وقطر، على الدور الذي «لا غنى عنه» لوكالة «الأونروا» في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

TT

وصول جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه إلى طرابلس

يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز)
يؤدي المسؤولون الصلاة بجوار نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين الذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز)

أعيدت جثامين رئيس الأركان الليبي ومرافقيه الذين قضوا في حادث تحطم طائرة قرب أنقرة إلى طرابلس اليوم (السبت).

وقُتل رئيس الأركان الليبي الفريق أول ركن محمد الحداد وأربعة من مرافقيه وثلاثة من أفراد الطاقم بتحطّم طائرة من طراز «فالكون-50» كانوا يستقلونها بعد أقل من أربعين دقيقة على إقلاعها الثلاثاء.

يحمل جنود نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين ملفوفة بالعلم والذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم نقل الجثامين إلى ليبيا من أنقرة (رويترز)

وأشارت وزارة الدفاع التركية في منشور عبر منصة «إكس» إلى أنّ وزير الدفاع التركي يشار غولر ترأس مراسم تأبين مختصرة في قاعدة مرتد الجوية قرب أنقرة.

وعُثر على الصندوق الأسود للطائرة في أرض زراعية قرب موقع التحطم. وأفادت السلطات التركية بأن الطائرة تعرضت لعطل كهربائي، مشيرة إلى أنّ التحقيق في سبب التحطم سيُجرى من جانب «دولة محايدة»، يُحتمل أن تكون ألمانيا.

جنود يحملون نعوش رئيس أركان الجيش الليبي محمد علي أحمد الحداد وسبعة مسؤولين آخرين ملفوفة بالعلم والذين لقوا حتفهم إثر تحطم طائرتهم بعد نحو 30 دقيقة من إقلاعها من أنقرة متجهة إلى طرابلس وذلك خلال مراسم أقيمت في أنقرة (رويترز)

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن فرنسيين اثنين كانا من بين أفراد طاقم الطائرة التي تم استئجارها من شركة «هارموني جيتس» (Harmony Jets) التي تتخذ من مالطا مقراً لها. وتفيد الشركة بأن عمليات الصيانة تجرى في مدينة ليون الفرنسية.

من جانبه، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة اليوم، أن التحقيقات في حادث سقوط طائرة الحداد مستمرة بجدية تامة ومسؤولية.

وشدد الدبيبة، خلال مراسم تأبين الحداد ومرافقيه، على أن حكومته تتابع التحقيق بالتعاون مع تركيا حتى تتضح كل الملابسات.


نتنياهو يمضي رأس السنة في أميركا... متجنباً إغضاب ترمب

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)
قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يمضي رأس السنة في أميركا... متجنباً إغضاب ترمب

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)
قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

تسنَّى لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي تلقَّى دعوةً من الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ للاجتماع معه في نهاية الشهر الحالي، للمرة الخامسة منذ بدء ولايته الرئاسية الثانية قبل أقل من عام، أن يكون ترمب خامس الرؤساء الذين يتعامل معهم خلال جلوسهم في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يعلن برنامج الزيارة، لإنه من المتوقع أن يجتمع ترمب مع نتنياهو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في مستهل زيارة تستمر 8 أيام، وفقاً لتقارير غير رسمية. ويعني ذلك أن نتنياهو سيمضي رأس السنة الجديدة في الولايات المتحدة.

وبالنسبة إلى كثيرين، فإن ترمب «ليس مثل غيره» من الرؤساء الأميركيين الذين اجتمع معهم نتنياهو بصفته رئيساً للوزراء، وحظي بهامش للاختلاف معهم في عدد من القضايا الرئيسية للشرق الأوسط، في مقدمها المسألة الفلسطينية.

خلاف مكلف

منذ انتخابه للمرة الأولى عام 1996 رئيساً لوزراء إسرائيل، اجتمع نتنياهو، الذي يتولى حالياً منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي للمرة السادسة على التوالي، واختلف بنسب متفاوتة، مع الرؤساء الأميركيين السابقين: بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، وجو بايدن. أما الخلاف مع ترمب الآن فـ«يبدو مُكلفاً ومحفوفاً بمحاذير» حيال 3 ملفات رئيسية: الفلسطينيون وحرب غزة، سوريا والرئيس أحمد الشرع، وإيران وبرامجها النووية والباليستية وميليشياتها المزعزعة لاستقرار الشرق الأوسط. أما لبنان، فيعد الآن «الخاصرة الرخوة» في محاولات أميركا لإعادة رسم التوازنات الجديدة في المنطقة.

وقال نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقاً، إيتان غولدريتش، لـ«الشرق الأوسط»: «في الماضي، كان نتنياهو يعترض على خطط الرؤساء الأميركيين»، لكن عليه الآن «ربما أن يكون أكثر حذراً مع الرئيس ترمب» الذي «إذا شعر بأنك لم تعد شخصاً ذا فائدة له، فإنه سيتخلى عنك» كما حدث مع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي. وعدّ أن هناك «فارقاً كبيراً مع بايدن، وربما معظم الرؤساء الذين تعامل معهم نتنياهو» الذي كان في السابق «يحدِّد ما يعتقد أنه يستطيع الإفلات منه». أما مع ترمب، فربما «لا يرى فرصةً كبيرةً للخروج عن المألوف، ويتوقع عواقب وخيمة إذا فعل ذلك».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتمر قبعةً قُدِّمت له من فريق هوكي زاره في البيت الأبيض بواشنطن (أ.ب)

تأييد لإسرائيل... ولكن

وعلى المنوال ذاته، يعتقد خبير الشرق الأوسط، آرون ديفيد ميلر، الذي عمل مع إدارات الرؤساء السابقين: جيمي كارتر، ورونالد ريغان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، وجورج بوش الابن، ورافق عهود الرؤساء السابقين: باراك أوباما، ودونالد ترمب، وجو بايدن، أن «ترمب يختلف عن أي رئيس أميركي آخر في معظم الأمور»، مؤكداً أنه «لم يسبق لأي رئيس (أميركي) أن تعامل مع رئيس وزراء إسرائيلي بالطريقة التي تعامل بها ترمب مع نتنياهو». وأشار إلى أن ترمب قام خلال ولايته الأولى وجزء كبير من ولايته الثانية «بسلسلة من المبادرات والسياسات المؤيِّدة لإسرائيل، التي تجاوزت على الأرجح أي شيء فعله أي رئيس أميركي آخر»، وبينهم الرؤساء السابقون: ريتشارد نيكسون، وهاري ترومان، وبيل كلينتون، الذين «كانوا مؤيدين لإسرائيل بشكل كبير».

خبير الشرق الأوسط آرون ديفيد ميلر (إنترنت)

وتشمل هذه المبادرات بحسب ميلر، وهو حالياً زميل في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقله السفارة الأميركية إلى القدس، واعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وتجاهله سياسات الضم الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإظهاره دعماً عسكرياً في مهاجمة المواقع النووية الإيرانية. ولكن في الوقت ذاته، «انحرف ترمب عن أسلافه وتعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بطريقة أشد صرامة وحزماً من أي رئيسٍ آخر»، موضحاً أن ترمب حذَّر نتنياهو في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من أنه «إذا لم يوافق على خطة النقاط الـ20 لغزة، فإن أميركا ستتخلى عنه»، عادّاً أن ذلك إشارة واضحة إلى أن ترمب «يفتقر إلى الحساسية العاطفية تجاه إسرائيل». على غرار ما كان عليه كلينتون أو بايدن على سبيل المثال. وأكد أيضاً أن «ترمب يتمتع بهامش مناورة سياسية أكبر من أي رئيس أميركي آخر» لأنه «يسيطر على الحزب الجمهوري، مما يحرم رئيس الوزراء الإسرائيلي من الطعن أمام أي جهة أعلى إذا لم تعجبه سياساته».

لا تقل له: «لا»

وقال خبير شؤون لبنان و«حزب الله» لدى مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن، ديفيد داود، لـ«الشرق الأوسط» إنه منذ أيام كلينتون الذي كان أول رئيس أميركي تعامل مع نتنياهو بصفته رئيس وزراء لإسرائيل «كان هناك دائماً احتكاك، فنتنياهو عنيد، ولديه فكرته (...) ولديه رؤية». وأوضح أنه «لأن إسرائيل دولة، وأميركا دولة أخرى، لدينا مصالح مختلفة بين دولتين مختلفتين. وعندما يحصل احتكاك، يتعامل زعيما البلدين مع ذلك بطرق مختلفة. كلينتون كان يشتم نتنياهو في جلساته المغلقة. أوباما الذي كان يسارياً أكثر من كلينتون، والذي كانت علاقته العاطفية مع إسرائيل مختلفة، كان أول رئيس يخرج الخلاف إلى العلن». ولاحظ أنه «عندما يكون الرئيس ترمب على حق أو على خطأ، لا يمكن أن تقول له: لا».

نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى سابقاً إيتان غولدريتش (الشرق الأوسط)

وفيما يتعلق بغزة، ذهب غولدريتش إلى أنه يجب أن يكون اللقاء بين ترمب ونتنياهو «مهماً» في ظل «خشية البعض من أن يفقد ترمب تركيزه على المرحلة الثانية» من خطته في غزة، وهذا ما يمثل «فرصةً لإظهار أن ترمب هو صانع السلام الحقيقي، وأنه سيواصل السعي لتحقيق شيء يتجاوز ما كان في جوهره وقفاً لإطلاق النار». وأضاف أنه «ربما لا يكون نتنياهو متحمساً لجميع جوانب ما قد يحدث»، غير أنه «لا يريد أن يكون هناك تباين واضح بينه وبين الرئيس ترمب»، أو أن «يُنظَر إليه على أنه غير موافق تماماً على ما يفعله ترمب».

وتوقَّع ميلر أن يعلن ترمب «مجلس سلام» لغزة، ولجنة تنفيذية تابعة له. وربما يعلن حكومة تكنوقراطية فلسطينية مؤلفة من 15 فلسطينياً قد تكون لهم جذور في غزة والضفة الغربية، لكنهم ليسوا مقيمين هناك، وربما سيطلب من دولة أو دولتين، ربما أذربيجان أو إيطاليا، نشر قوات في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من غزة.

حتى نيكسون وكيسنجر

ورداً على أسئلة «الشرق الأوسط»، قال ميلر إن ترمب «كان قادراً، ولا يزال قادراً (...) على ممارسة نفوذه كما لم يسبق لأي رئيس أميركي آخر. لا بوش الأب عندما رفض منح إسرائيل ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار. ولا رونالد ريغان، عندما أوقف تسليم طائرات (إف 16)؛ بسبب توسيع إسرائيل نطاق قانونها الإداري إلى مرتفعات الجولان. ولا ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر عندما هدَّدا بالضغط على إسرائيل إذا دمَّرت الجيش المصري الثالث على الضفة الغربية لقناة السويس».

ورأى ميلر أن زيارة مارالاغو «ستسير على ما يرام، لأن لا نتنياهو ولا ترمب يرغبان في حدوث خلاف، فكلاهما بحاجة إلى الآخر. نتنياهو بحاجة إلى إعادة انتخابه عام 2026، وترمب لأنه لا يزال يعتقد أن هناك فرصة، في حال تنفيذ اتفاق غزة، أو في حال وجود أي أمل في التطبيع السعودي - الإسرائيلي، لتحقيق هدف رئيسي، بالإضافة إلى حصوله على جائزة نوبل للسلام». وأضاف: «لا أعتقد أن هذين الرجلين يكنّان لبعضهما مودة حقيقية، ولا أعتقد أنهما يثقان ببعضهما ثقة تامة. أعتقد أنهما يدركان ذلك. كلاهما محتال في نواحٍ كثيرة، لكنهما بحاجة لبعضهما، مع أن نتنياهو، في رأيي، أكثر حاجة إلى ترمب».

خبير شؤون لبنان و«حزب الله» لدى مؤسسة «الدفاع عن الديمقراطيات» في واشنطن ديفيد داود (الشرق الأوسط)

ويرى ديفيد داود أنه «قد يكون ترمب محقاً في قوله إنه تاريخياً أكثر رئيس أميركي مؤيد لإسرائيل، بما يجعله يشعر بأنه يحق له دفع إسرائيل أكثر فأكثر. وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تقول له: لا. الأمر لم يكن كذلك مع بايدن، الذي كانت لديه اختلافات مع نتنياهو. وكانا يحتكان مع بعضهما بعضاً من دون الوصول إلى نتيجة فعلية. عندما يقول ترمب شيئاً، عليك أن تستجيب له».

من أجل سوريا

وفيما يتعلق بسوريا، رأى غولدريتش أن «الرئيس ترمب ربط نفسه بشكل وثيق بالحكومة الجديدة هناك، ويرغب في نجاحها». وأضاف أن «ترمب يتفهم مخاوف إسرائيل في شأن سوريا». لكنه «يرغب أيضاً في استقرار الوضع في سوريا، وأن يرى العالم أنه كان محقاً في وقوفه إلى جانب الشرع، وأن نهج ترمب سيجلب السلام».

وفي ما يتعلق بلبنان، قال غولدريتش: «إن القلق يكمن في أن العام يوشك على الانتهاء، ولم يتم نزع سلاح (حزب الله)، والإسرائيليون يضغطون للتحرك». ورجح أن «يضغط الأميركيون بشدة على الحكومة اللبنانية لنزع سلاح (حزب الله) ومواصلة أداء واجباتها». لكنه أكد أنهم «لا يرغبون في عملية إسرائيلية».

وبشكل ما، يوافق داود على أن «لبنان ليس فعلاً على الرادار الأميركي. والطريقة التي تتصرف فيها إسرائيل بالهجمات الدقيقة التي تستهدف بصورة دقيقة (حزب الله) من دون إحداث دمار مشابه لما حصل في غزة. ضربات إسرائيلية يومية تصيب 95 في المائة أفراد من (حزب الله) من دون رد». ورأى أنه «بالنسبة إلى الرئيسين عون وسلام، فسيكون النقص المتواصل في قوة (حزب الله) عاملاً مسهلاً في نزع سلاحه» عوض الذهاب إلى حرب شاملة جديدة.

وعبَّر ميلر عن اعتقاده بأن «التوقعات بتحقيق تقدم سريع على الجبهة اللبنانية ضئيلة للغاية»، مذكراً بأن هناك بنداً جانبياً في اتفاقية وقف النار الموقعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، «يُلزم الولايات المتحدة بفهم أن لإسرائيل الحق في ردع هجمات حزب الله».


إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»

نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)
نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)
TT

إسرائيل تعترف بـ«جمهورية أرض الصومال»

نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)
نتنياهو يوقع على قرار في مكتبه (إكس)

أصبحت إسرائيل، أمس، أولَ دولة تعترف رسمياً بـ«جمهورية أرض الصومال» (صومالي لاند) المعلنة من جانب واحد «دولة مستقلة ذات سيادة»، وهو قرار من شأنه أن يعيدَ تشكيل الديناميكيات الإقليمية ويختبر معارضة ​الصومال الطويلة الأمد للانفصال، ويعطي تل أبيب موطئَ قدم في منطقة القرن الأفريقي الحساسة، في بلد يملك أطولَ حدود بحرية في قارة أفريقيا.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنَّ إسرائيل ستسعى إلى تعاون فوري مع «أرض الصومال» - التي كانت تُعرف باسم «الصومال البريطاني» سابقاً - وفي بيان له، هنأ نتنياهو رئيس «أرض الصومال» عبد الرحمن محمد عبد الله، وأشادَ بقيادته ودعاه إلى زيارة إسرائيل. وقال نتنياهو إنَّ الإعلان «يتماشى مع روح اتفاقيات إبراهيم، التي وقعت بمبادرة من الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب».

وأعلنت مصرُ أنَّ وزير خارجيتها، بدر عبد العاطي، تحدَّث هاتفياً مع نظرائه من الصومال وتركيا وجيبوتي لمناقشة ما وصفوه بالتطورات الخطيرة في القرن الأفريقي عقب الإعلان الإسرائيلي.

وقالت وزارة الخارجية المصرية إنَّ الوزراء ندَّدوا بالاعتراف الإسرائيلي وأكَّدوا دعمَهم الكامل لوحدة الصومال ‌وسلامة أراضيه.

وتتمتَّع منطقة «أرض الصومال» بحكم ذاتي فعلي، وسلام واستقرار نسبيين، منذ عام 1991 حين انزلق الصومال إلى حرب أهلية، إلا أنَّ هذه المنطقة الانفصالية لم تحظَ باعتراف أي دولة أخرى.