500 جيل من الفئران يُغيّر وجه نيويورك

طفرات وراثية وسلوكيات جديدة تجعل القضاء عليها شبه مستحيل

سكان الظلّ في نيويورك (غيتي)
سكان الظلّ في نيويورك (غيتي)
TT

500 جيل من الفئران يُغيّر وجه نيويورك

سكان الظلّ في نيويورك (غيتي)
سكان الظلّ في نيويورك (غيتي)

قدَّمت دراسة أجراها فريق من الباحثين في نيويورك إجابات عن سؤال بالغ الأهمية، هو: كيف تستطيع الفئران أن تعتاد على حياة المدينة؟ يقول الباحثون إنّ الفئران تعيش في مجتمع موازٍ للمجتمعات البشرية في المدن الرئيسية، إذ تجدها في الشوارع الخلفيّة والأزقة، وتراها في محطات مترو الأنفاق وحول مجارير الصرف، وفي المتنزهات والحدائق العامة. وعادةً ما تُهيمن على مستودعات النفايات وصناديق القمامة، مثل جَمْع من البشر يصطفّ في طابور انتظاره لدخول مطعم أو قاعة سينما.

يعيش في نيويورك ما يُقدَّر بثلاثة ملايين من الفئران، أي ما يعادل فأراً واحداً في المتوسط لكل 3 أفراد. ومعظم هذه الفئران من فصيلة الفئران البنية النرويجية التي وصلت إلى نيويورك على متن السفن في مطلع القرن الثامن عشر. ومنذ ذلك الحين، تعاقب نحو 500 جيل من هذه الفئران على المدينة، وظهرت لديها طفرات وراثية تتعلّق بطبيعة الغذاء، وعملية الأيض، والحركة، والجهاز العصبي، بل إن شكل رؤوسها تغيّر مع مرور الزمن. ومن أجل البقاء، لا تحتاج هذه القوارض سوى إلى أونصة واحدة من الغذاء والماء يومياً.

وخلال الدراسة التي أوردتها «وكالة الأنباء الألمانية»، وضع الفريق البحثي كاميرات حرارية وأجهزة تسجيل صوتي لاسلكية متخصّصة في 3 مواقع بمنطقة مانهاتن في نيويورك، للتنصّت على «حوارات» الفئران غير المسموعة للبشر، ولمتابعة حركاتها في الأماكن المظلمة إذ تبدو مثل أجسام مضيئة أمام عدسات الكاميرات الحرارية. واستخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحويل مقاطع الفيديو ثنائية البُعد إلى مقاطع ثلاثية مجسّمة، تتيح قياس الحجم الحقيقي لهذه القوارض وطريقة تحرّكها للوصول إلى نتائج أكثر دقّة.

وفي تصريحات لموقع «ساينتفيك أميركان» المتخصّص في البحوث العلمية، تقول اختصاصية طب الأعصاب من مركز «بيزيس» البحثي في الولايات المتحدة، إيميلي ماكفيشيوس: «إنها مخلوقات ثرثارة تتواصل بلغة سرّية نكاد لا نسمعها». ويعقّب عضو فريق الدراسة، الباحث رالف بيترسون: «إنها حيوانات اجتماعية تتحلّى بالمرونة والإصرار، وتستطيع العيش في ظروف بيئية صعبة جداً». وتوصَّلت الدراسة إلى أنّ الفئران تتواصل عبر موجات فوق صوتية لا يسمعها البشر، تختلف شدّتها وفق الضجيج في البيئة المحيطة. وقد وجدت الباحثة ماكفيشيوس أنّ صرير الفئران في إحدى المرّات كان أعلى - وفق مقياس الموجات فوق الصوتية - من صافرة سيارة إسعاف خلال مرورها. وتضيف: «كان يبدو كما لو كانت تصرخ بعضها لبعض، لكننا لا نستطيع سماعها».

ذكاء اجتماعي يُربك العلماء ويثير إعجابهم (غيتي)

كما كشفت الدراسة صلة بين حجم الفئران وسلوكياتها؛ فالفئران الأصغر سناً تتحرّك في جماعات يصل عدد أفرادها إلى 20. وتقول ماكفيشيوس: «الفئران الأصغر سنّاً تسير كما لو كانت لا تزال تتعلّم كيفية الحصول على الغذاء، وهي تتحرّك بوتيرة أبطأ ومن دون تنسيق، عبر انطلاقات مفاجئة». ورصد الباحثون أيضاً فئراناً تسير بمفردها، وذكر بيترسون: «إنها ضخمة، ويبدو أنّ دورها يتمثّل في استكشاف البيئة ونقل المعلومات إلى بقية أفراد المستعمرة». وقد طرحت هذه الملاحظة تساؤلات حول التسلسل الاجتماعي وتوزيع الأدوار والمهّمات داخل مجتمع الفئران.

عام 1944، قدّم الكاتب الأميركي الشهير جوزيف ميتشل سلسلة مقالات عن الشخصيات المغمورة في نيويورك، وتطرَّق في أحدها إلى الفئران التي تجوب شوارع المدينة. ونقل عن عامل في مجال إبادة الفئران قوله إنّ «الفئران التي تعيش حتى سنّ الرابعة هي أحكم الوحوش على وجه الأرض وأكثرها ارتياباً بالآخرين، وتتحرّك كما لو كانت تعرف ما الذي تفعله». وردّاً على سؤال بشأن إمكان إيجاد بنايات خالية من الفئران، أجاب هذا الخبير بأنّ محاولة القضاء عليها «إهدار للوقت»، مضيفاً أنّ قتلها يشبه «ابتلاع قرص أسبرين لعلاج السرطان».

ويشير المتخصّصون إلى أنّ قتل الفئران بالسمّ يُهدّد الحيوانات الأليفة والأنظمة البيئية، كما أنها تتكاثر بسرعة تفوق فترة سريان السمّ نفسه. فالفئران تبلغ سنّ التكاثر بعد مولدها بشهرين إلى 3، وتستغرق فترة حملها 3 أسابيع فقط، وتنجب في المرّة الواحدة من 6 إلى 12 صغيراً. وفي الظروف المثالية، يستطيع الزوجان إنجاب آلاف الفئران الوليدة كل عام، رغم أنّ معدلات بقاء الصغار على قيد الحياة تظلّ منخفضة بشكل كبير.

وترى ماكفيشيوس أنّ التخلّص من الفئران يتطلّب توفير بيئة غير ملائمة لمعيشتها، فالقوارض مثلاً لا تحبّذ العيش في الأماكن المفتوحة كما بيَّنت التجارب. ولهذا السبب يحرص عمال الحدائق في نيويورك على إزالة أي تجمعات للعشب والشجيرات غير المشذّبة، للاستفادة من هذه المعلومة في مقاومة الفئران. ويقول بيترسون: «البشر يستخفّون بذكاء الفئران»، مشيراً إلى ضرورة إيجاد حلول مستقبلية مثل ابتكار أنظمة روبوتية لمتابعة تحرّكاتها، ووضع أنظمة مراقبة لتحديد أماكن تجمّعاتها حتى تتمكّن السلطات البلدية من تركيز جهودها في مواقع معيّنة بالمدينة لضمان تحقيق نتائج أفضل.

وخلال إجراء الدراسة، أبدى كثير من سكان نيويورك اهتماماً بالفكرة والبحث العلمي، ولكلّ منهم قصة أو تجربة شخصية يرويها عن الفئران؛ فبعضهم يقول إنه رأى فئراناً كبيرة بحجم القطط، وآخرون يقصّون روايات عن فئران تستطيع قرض قضبان الحديد. ويبدو أنه في خضم عالم حافل بالاختلافات، اتّفق البشر على أمر واحد... وهو الفئران.


مقالات ذات صلة

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يظهر في الحمض النووي للدببة القطبية

يوميات الشرق الدراسة الأولى من نوعها تُثبت وجود صلة بين ارتفاع درجات الحرارة وتغير نشاط الحمض النووي في الثدييات البرية (رويترز)

دراسة: ارتفاع درجات الحرارة يظهر في الحمض النووي للدببة القطبية

أظهرت دراسة حديثة أن الدببة القطبية في إحدى أسرع مناطق القطب الشمالي ارتفاعاً في درجات الحرارة تُظهر تغيرات واضحة في سلوك حمضها النووي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق «ضمير الأفيال» يرحل (إنستغرام)

العالم يودّع «حارس الأفيال» وأشرس مُحاربي تجارة العاج

قضى حياته في الدراسة وبذل الجهود من أجل حماية الأفيال الأفريقية...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق البحر يخفي أكثر مما يبوح (إيست غرامبيان)

العلماء يكتشفون «أخطبوط السبع أذرع»... مخلوق لا يظهر إلا نادراً

عُثر على مزيد من بقايا مخلوق بحري غير عادي يعيش في أعماق البحار يُسمّى «الأخطبوط ذو السبع أذرع» على شاطئ في مقاطعة أبردينشاير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يتميز هذا النوع من النمل الأبيض برأسه الطويل وفكوك سفلية مخفية (رودولف شيفران - زوكيز)

اكتشاف نوع جديد من النمل الأبيض يُشبه حوت موبي ديك

في أعالي غابة مطيرة في أمريكا الجنوبية، أذهل نوع جديد من النمل الأبيض صغير الحجم فريقاً من العلماء الدوليين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون تحضر حفل تسمية الباندا المولود في حديقة حيوان بوفال بفرنسا عام 2017 (أ.ب)

بريجيت ماكرون تزور صديقاً قديماً في الصين: الباندا العملاق «يوان منغ» (صور)

التقت سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون بصديق قديم، وهو باندا عملاق ولد في فرنسا، وذلك أمس (الجمعة) في ختام زيارة إلى الصين مع الرئيس إيمانويل ماكرون.

«الشرق الأوسط» (بكين- باريس)

آثاريون مصريون يطالبون بإعادة النظر في ترميم تماثيل بالأقصر

ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
TT

آثاريون مصريون يطالبون بإعادة النظر في ترميم تماثيل بالأقصر

ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)
ترميم تمثال أمنحتب الثالث بـ«معبد ملايين السنين» (وزارة السياحة والآثار)

جددت أعمال الترميم الأحدث في معبد «ملايين السنين» بالأقصر، وما حظيت به من إشادات من الأوساط الآثارية، الحديث عن أعمال ترميم قديمة لتمثال رمسيس الثاني وتماثيل أخرى أثرية بالأقصر تعرضت للتشويه بسبب الترميم، مع مطالبات بإعادة النظر في هذا الملف، سواء بترميمها بطريقة احترافية.

كان وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، شهد إزاحة الستار عن تمثالين ضخمين من الألبستر للملك أمنحتب الثالث بعد ترميمهما وإعادة تركيبهما ورفعهما بموقعهما الأصلي بالصرح الثالث بالمعبد الجنائزي للملك بالبر الغربي بالأقصر.

ووصف الوزير في بيان، الأحد، هذا العمل، بالإنجاز الكبير الذي يستهدف الحفاظ على وإحياء أحد أهم معالم الحضارة المصرية العريقة، بما يليق بقيمته التاريخية، وبما يسهم في تعزيز مكانة الأقصر أحد أهم المقاصد السياحية والثقافية على مستوى العالم.

وأشار إلى التعاون المصري الألماني الممتد لسنوات طويلة، مؤكداً أنه يمثل نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي المثمر، ومعرباً عن تطلعه إلى استمرار هذا التعاون لسنوات عديدة قادمة بما يخدم أهداف الحفاظ على التراث الإنساني، وكرّم الدكتورة هوريج سوروزيان مديرة المشروع، والدكتورة نايري هابيكيان مهندسة الموقع.

ولم تتوقف الإشادة بمستوى الترميم والتعاون الدولي عند المستويات الرسمية، بل أشاد آثاريون ومهتمون بشؤون الآثار بالترميم الذي حدث بمعبد ملايين السنين، وقال الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، إن «البعثة الأوروبية التي تعمل بالموقع، والتابعة للمعهد الألماني، نجحت في جمع الأجزاء المتفرقة لتمثال أمنحتب الثالث بطريقة علمية سليمة، بل قاموا بإعجاز بكل المقاييس»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «قبل عشر سنوات اكتشفوا هذا التمثال وبدأوا في تجميع قطعه ليقدموا نموذجاً مهماً في الترميم، فهو ليس استكمالاً للتماثيل بما يؤدي لتحولها إلى تماثيل مسخ كما حدث في أماكن أخرى»، وطالب عبد المقصود بإعطاء مديرة المشروع وساماً على الجهود التي قامت بها، في الوقت نفسه أشار إلى نماذج أخرى لتماثيل تم تشويهها قائلاً: «هناك من يأتي بأسياخ حديد وخرسانة ليستكلموا التمثال وقواعد الترميم الصحيحة لم تقل هذا الأمر»، مضيفاً: «وجود بعض التماثيل المرممة بشكل خاطئ أمام معبد الأقصر وأمام معبد الكرنك فيه إساءة»، وأشار إلى أنه تم تشكيل لجنة لبحث هذا الأمر من قبل ثم توقف عملها.

وكان مشروع الحفاظ على تمثالي ميمنون ومعبد الملك أمنحتب الثالث شمل العديد من الأعمال، من أبرزها ترميم وإعادة تركيب ورفع زوج من التماثيل الجالسة المصنوعة من الكوارتزيت عند مدخل الصرح الثاني، كما تم رفع تمثالين ملكيين واقفين من الكوارتزيت عند البوابة الشمالية لحرم المعبد. وقد أُتيحت عملية إنقاذ هذه الآثار المفككة وإخراجها من الطمي والمياه المالحة وإعادتها إلى مواقعها الأصلية.

وقال الخبير الآثاري والمتخصص في علم المصريات، الدكتور أحمد عامر، إن ترميم تمثالي الملك أمنحتب الثالث كان بمثابة مرحلة مهمة في عمليات الترميم، حيث تم ترميمهما بأعلى دقة وكفاءة.

وأضاف عامر لـ«الشرق الأوسط» أنها «ليست المرة الأولى في إظهار المهارة والدقة في أعمال الترميم، فقد تم ترميم طريق الكباش بشكل عالمي، وأيضاً صالة الأعمدة بمعبد الكرنك، لذلك لا بد من تشكيل لجنة مختصة لمراجعة التماثيل التي أثارت جدلاً في الفترات الماضية بمدينة الأقصر، منها على سبيل المثال تمثال الملك رمسيس الثاني والموجود أمام واجهة معبد الأقصر حتى الآن».

وسبق أن أعلن المجلس الأعلى للآثار قبل سنتين عن تشكيل لجنة لبحث ما أثير حول ترميم تمثال رمسيس الثاني بطريقة وصفها البعض بأنها لا تتوافق مع المبادئ والقواعد التقاليد المرعية في ترميم القطع الأثرية.

وأشاد الكاتب والباحث المهتم بالآثار المصرية، محمود مرزوق، بأعمال الترميم التي تمت بـ«معبد ملايين السنين»، وكتب عبر صفحته على «فيسبوك» إن فريق العمل استمر لسبع سنوات حتى خرج بنتيجة رائعة في ترميم تمثال أمنحتب الثالث، لافتاً إلى أن الخطأ في عمليات الترميم خصوصاً في الآثار المصرية القديمة يصعب تصحيحه، مؤكداً أن سر النجاح في ترميم التمثال الخاص بأمنحتب الثالث هو عدم التدخل في عمل المتخصصين.


«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
TT

«بهجة»... معرض فني مصري يستعيد شغف الطفولة

اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)
اللوحات رصدت بيئات ومشاهد متنوعة (الشرق الأوسط)

«بداخلي طفل صغير... كثيراً ما يبكي، قليلاً ما يفرح، فقد كثر بكاؤه بفعل ما يحدث بعالمنا المعاصر من تمزق وحروب وضحايا من الأطفال والكبار، وأحاول استعادة هذا الطفل مع طاقة من التفاؤل والفرح».

بهذه الكلمات وصف الفنان التشكيلي المصري، صلاح بيصار، معرضه «بهجة» المقام حالياً في غاليري «أوبتنو» بالزمالك (وسط القاهرة)، معتبراً أنه بهذه الأعمال التي يتداخل فيها الحس الشعبي مع الروح السريالية مع الألوان الساخنة المبهجة يستطيع أن يستعيد تلك الروح الطفولية المليئة بالبراءة والفرح والبهجة.

وفي هذا المعرض الذي يضم أكثر من 50 لوحة بأحجام مختلفة، يعود بيصار للرسم بعد فترة انقطاع، ويؤكد أن سبب انقطاعه عن الرسم كان الالتزام بالكتابة، فهو أيضاً واحد من أبرز النقاد التشكيليين في مصر.

الألوان المبهجة وألعاب السيرك في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

ويضم المعرض لوحات تبث البهجة في نفس المتلقي بألوانها المبهجة الساخنة في معظمها، ويصور الفنان من خلال أعماله السيرك وما به من مفارقات مضحكة أو عجيبة وغريبة، والقرية بمفرداتها وتفاصيلها المتنوعة، وكذلك البيوت والقصص الشعبية تجد مكاناً داخل لوحاته.

ويقول بيصار إنه يقدم «عالماً ينتمي للفانتازيا الشعبية بروح الخيال وحس سيريالي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن هذا العالم «تتصالح فيه كل الكائنات فى البر والبحر الطبيعة المفتوحة وتحت الماء»، فهو عالم يتسع للبشر والحيوانات والطيور والأسماك وحتى الفراش والنمل.

كل هذه العناصر تتحاور في لوحات بيصار محفوفة بالزينات والبيارق والأعلام، كأنه يقدم من خلالها دعوة للسلام، «لتعود الحياة بعالمنا إلى مرافئ المحبة والحلم والصفاء»، على حد تعبيره.

ومن تفاصيل البيئة الشعبية بكل مفرداتها يعيد بيصار تشكيل العالم بعيون طفل لم تفارقه الدهشة، وربما لهذا السبب بدت الألوان الزاهية هي المسيطرة في كل اللوحات، حتى تلك التي ترصد الطبيعة والبيوت الريفية البسيطة.

الفنان يرى في العالم مساحة رحبة للبشر والحيوانات وكل الكائنات (الشرق الأوسط)

صلاح بيصار المولود في المنوفية (دلتا مصر) عام 1952، تخرج في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، وتخصص في الديكور، إلا أنه اتجه أكثر للعمل الصحافي وحاز جائزة نقابة الصحافيين في الإخراج الصحافي في ثمانينات القرن الماضي، كما اهتم بالكتابة والنقد، وربما لهذا توقف عن تنظيم معارض فردية لأعماله منذ عام 1994، وإن كان شارك من بعده في العديد من المعارض الجماعية والفعاليات التشكيلية.

ويعتمد الفنان على الحس التعبيري في تقديم نماذج من القرية والشارع المصري، ولكن يبدو الاهتمام الكبر منصباً على لاعبي السيرك، لما يتضمنه عالمهم من تنوع في ألوان البهجة وتفاصيلها بالألعاب المختلفة، بينما تبدو المدرسة السريالية بتقنياتها الغرائبية الأقرب للحلم واضحة في اللوحات، ولكنها سريالية شعبية بالطريقة والأسلوب الخاص بالفنان.

وتبرز اللوحات الكبيرة مشاهد بانورامية للقرية أو للسيرك أو الشارع أو يمكن أن يخصصها للبورتريه، بينما تركز اللوحات الصغيرة الحجم على التفاصيل البسيطة التي تقترب من رموز وتيمات الحكايات الشعبية، في قالب فني يمنحها بعداً جديداً مشحوناً بطاقة من الفرح.


ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
TT

ساعة ذكية لتقليل نوبات غضب الأطفال

الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)
الساعة الذكية ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية مثل ارتفاع معدل ضربات القلب (مايو كلينك)

طوّر باحثون في مجموعة «مايو كلينك» الطبية الأميركية نظاماً مبتكراً يعتمد على الساعة الذكية لتنبيه الآباء عند أولى مؤشرات نوبات الغضب الشديدة لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية، ما يتيح التدخل السريع قبل تفاقم النوبة.

وأوضح الباحثون أن هذا النظام يُقلّص مدة وحدّة نوبات الغضب، ما يخفف الضغط النفسي على الطفل ووالديه، ويُحسّن الأجواء الأسرية، ويُقلّل من الصراعات اليومية. ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية «JAMA Network Open».

ونوبات غضب الأطفال هي انفعالات مفاجئة وشديدة، تظهر في صورة بكاء حاد أو صراخ أو رفض للأوامر أو سلوك عدواني أحياناً. وغالباً ما تنتج هذه النوبات عن عجز الطفل عن التعبير عن مشاعره أو السيطرة عليها، وقد تكون أكثر حدّة وتكراراً لدى الأطفال المصابين باضطرابات عاطفية وسلوكية.

ورغم أن نوبات الغضب تُعد جزءاً طبيعياً من نمو بعض الأطفال، فإن استمرارها لفترات طويلة أو شدتها الزائدة قد يؤثر سلباً في الصحة النفسية للطفل والعلاقات الأسرية، ما يستدعي تدخلاً تربوياً أو علاجياً مبكراً للحد من آثارها.

ويعتمد النظام على ساعة ذكية يرتديها الطفل، ترصد مؤشرات التوتر الفسيولوجية، مثل ارتفاع معدل ضربات القلب أو التغيرات في الحركة أو النوم. وتُنقل هذه البيانات إلى تطبيق على هاتف الوالدين مزوّد بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يُحلِّلها لحظياً ويُرسل تنبيهاً فورياً يحثّ الوالدين على التواصل مع الطفل وتهدئته في الوقت المناسب.

وأُجريت التجربة السريرية على 50 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات، كانوا يعانون اضطرابات عاطفية وسلوكية. واستُخدم نظام الساعة الذكية لدى نصف المشاركين على مدى 16 أسبوعاً، في حين واصل النصف الآخر العلاج القياسي. وقيَّمت الدراسة مدى التزام العائلات باستخدام التقنية، وقدرة التنبيهات الفورية على تغيير سرعة استجابة الوالدين وسلوك الأطفال.

وأظهرت النتائج أن التنبيهات الفورية ساعدت الآباء على التدخل خلال 4 ثوانٍ فقط، وأسهمت في تقليص مدة نوبات الغضب الشديدة بمعدل 11 دقيقة، أي نحو نصف المدة المسجّلة لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج التقليدي فقط.

كما بيّنت النتائج أن الأطفال ارتدوا الساعة الذكية لنحو 75 في المائة من فترة الدراسة، ما يعكس قابلية التطبيق وارتفاع مستوى تفاعل العائلات مع هذه التقنية.

وقال الباحثون إن «هذه الدراسة تُظهر أن تدخلات صغيرة، إذا جاءت في التوقيت المناسب، يمكن أن تغيّر مسار نوبة الاضطراب العاطفي لدى الطفل؛ إذ تمنح الوالدين فرصة للتدخل الداعم، مثل الاقتراب من الطفل، وتقديم الطمأنة، وتعزيز المشاعر الإيجابية، وإعادة توجيه الانتباه، قبل أن تتصاعد النوبة».

وأضافوا أن هذا النظام يُثبت أن بيانات الأجهزة الذكية اليومية يمكن أن تساعد الأسر في الوقت الحقيقي؛ فقد تبدو الساعة الذكية جهازاً بسيطاً، لكنها عندما تُدعَم بعلاجات قائمة على الدليل وتحليلات متقدمة، تتحول إلى بارقة أمل للأسر التي تواجه أعراضاً سلوكية شديدة في المنزل.