في مشهد سينمائي اعتاد تتويج المخرجين أو الممثلين أو كُتّاب السيناريو، خطف مشروع سعودي، متخصص في تصميم الإنتاج، الأضواءَ هذا الأسبوع، بعد أن حاز «جائزة الأفلام»، ضمن الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الخامسة؛ حيث ذهبت الجائزة إلى شركة «مخزن 7»، التي أسسها مصمم الإنتاج أحمد باعقيل، وهي شركة سعودية تُلبي احتياجات الصناعة في الإنتاج وخدمات التصميم.
ويُمثل هذا الفوز سابقة لافتة؛ إذ يُسلط الضوء على دور «تصميم الإنتاج» بوصفه ركيزة أساسية في بناء عالم الفيلم، وهي مهنة طالما عملت في الظل، قبل أن يضعها «مخزن 7» في دائرة الضوء محلياً، خصوصاً أن خدمات هذه الشركة تشمل معظم الإنتاجات السينمائية السعودية الحديثة.

قصة البداية
يستعيد باعقيل خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بدايات المشروع، قائلاً: «بدأت القصة مطلع 2021، بعد أن عدت من لوس أنجليس؛ حيث درست الماجستير في الفنون، وعملت على مجموعة من الأفلام القصيرة في مهام متعددة... هناك اكتشفت حجم الفجوة في البنية التحتية لصناعة الأفلام، وعندما عدت إلى السعودية، كان حماسي لردم هذه الفجوة كبيراً».
ويضيف: «بدأ (مخزن 7) بمصممي إنتاج ومخرجين فنيين محليين، وسرعان ما أصبح لهم حضور لافت... كانت الانطلاقة صعبة، لكن في وقت قصير أصبحت الشركة اسماً في تصميم الإنتاج، ونجحت في إنجاز كثير من الأفلام التي وصلت إلى دور السينما، وحققت نجاحات جماهيرية».
وبسؤاله عن سبب اختيار هذا الاسم، يجيب باعقيل: «أردنا اسماً عربياً يحمل أكثر من دلالة؛ لذا فكلمة (مخزن) قد تُشير إلى مستودع، لكنها أيضاً مخزن أفكار وطاقة وإبداع... أما الرقم 7 فيرمز إلى الفن السابع، وهي السينما».

تجارب صعبة
استطاع فريق «مخزن 7» أن يضع بصمته على أبرز الإنتاجات السعودية في السنوات الأخيرة، من بينها «مندوب الليل»، و«سطار»، و«الزرفة»، و«القيد»، و«ناقة»، كما امتد هذا الحضور إلى أعمال عالمية، مثل فيلم «ديزرت وريور» (محارب الصحراء) الذي سيُعرض قريباً؛ حيث شاركت الشركة بوصفها فريقاً محلياً ضمن طاقم الإنتاج الدولي.
وعن أصعب التجارب التي واجهته، يقول باعقيل: «لكل فيلم تحدياته الخاصة... ففي فيلم (أحلام العصر) كان علينا بناء شقة كاملة وغمرها بالماء لتنفيذ مشهد الغرق، وجرى ذلك على 3 مراحل، أما في (القيد) فقد واجهنا تحدي تنفيذ عالم تاريخي مقنع بكل تفاصيله من الملابس إلى الديكورات. وفي (ناقة) كان التحدي يكمن في تصميم أماكن واقعية بدقة شديدة».

ما هو تصميم الإنتاج؟
ربما لا يزال مفهوم تصميم الإنتاج غير واضح لدى الكثيرين، بسؤال باعقيل عن رؤيته حول هذا يقول: «إذا أردنا تبسيطه، فهو العامل الذي يجعل المشاهد يُصدق العالم المعروض أمامه... هو تحويل النص إلى واقع بصري ملموس، يشمل الملابس، ومواقع التصوير، وتكوين المكان، وكل التفاصيل البصرية التي تبني صدقية القصة».
ويؤكد باعقيل أن المشاهد بات أكثر وعياً وذكاءً، وهو ما يضاعف مسؤولية مصممي الإنتاج، ويتابع: «أي خطأ في التفاصيل قد يُخرج الجمهور من حالة التصديق».
عالم «مخزن 7»
ويشمل «مخزن 7» أقساماً عدة، منها «منسج» الذي يُركز على تصميم الملابس السينمائية بكوادر سعودية بالكامل، كما يحرص باستمرار على استقطاب مواهب جديدة في التصميم والغرافيكس وغيرهما، وهنا يقول باعقيل: «ما يُميزنا أننا لسنا مجرد شركة تنفذ خدمات، بل كيان يقوده فنانون حريصون على تطوير الصناعة من الداخل للخارج. هذا ما أعطانا قوة الاستمرار».

انتصار لمهنة غير مرئية
وحول الجائزة التي نالها المشروع، يصفها باعقيل بأنها «مبادرة عظيمة»؛ لأنها التفتت للبنية التحتية في صناعة الأفلام، ويضيف: «هذا التكريم لا يخصني وحدي، بل يشمل كل شخص عمل في (مخزن 7)، وكان جزءاً من رحلته... شعرت بها كالتفاتة مهمة لكل من أسهم في هذا الكيان. وبالنسبة لي، هو فوز لكل الشركات العاملة في هذا المجال، ودعوة لمزيد من الحضور والتطوير».
ويرى باعقيل أن الفوز يُمثل أيضاً «انتصاراً لمهنة تصميم الإنتاج»، التي لم تحظَ سابقاً بالاعتراف الكافي في الجوائز الوطنية أو حتى في النقاشات العامة. ويردف «اليوم، بات واضحاً أنه لا فيلم يُصدّق دون تصميم إنتاج متقن... وهذه الجائزة هي رسالة بأن هذا التخصص له مكانة مستدامة في الصناعة».
ومع الدعم المستمر من وزارة الثقافة والجهات الحكومية، تترسخ ملامح صناعة سينمائية سعودية أكثر نضجاً وتكاملاً، فبعد أن كان الحلم يقتصر على كتابة سيناريو أو إخراج فيلم قصير، باتت هناك منظومة متكاملة تشمل التصوير، والإخراج، والمونتاج، والتصميم الفني، والآن تصميم الإنتاج بوصفه أحد الأعمدة الأساسية، ما يجعل «مخزن 7» ليست مجرد شركة، بل حالة تؤكد أن بناء السينما لا تتم أمام الكاميرا فقط، بل في الكواليس؛ حيث تُصنع العوالم ويُبنى الخيال.






