أطلق فريق دولي بقيادة جامعة جنيف، وبمشاركة باحثين من المركز الوطني السويسري لبحوث الكواكب، وجامعة ووريك البريطانية، ومعهد الفيزياء الفلكية بجزر الكناري، برنامجاً طموحاً لرسم خريطة للكواكب الخارجية الواقعة فيما يُعرف بـ«صحراء نبتون».
وأوضح الباحثون أن هذا البرنامج، المسمى «ATREIDES»، يهدف لفهم أعمق لآليات تكوّن الأنظمة الكوكبية وتطورها، ونُشرت نتائجه الأولى، الاثنين، بدورية «Astronomy and Astrophysics».
وتمثل «صحراء نبتون» منطقة غامضة حول النجوم تشهد ندرة في الكواكب التي تقع أحجامها بين الكواكب الصخرية الصغيرة والعمالقة الغازية. ورغم اكتشاف آلاف الكواكب الخارجية، فإن وجود هذه الفئة داخل تلك المنطقة يظل محدوداً بشكل غير متوقع، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان غيابها ناتجاً عن ظروف التكوّن الأولى أو عن عوامل لاحقة مثل التبخر بالأشعة النجمية أو التفاعلات المدارية. لذا تعد دراسة هذه المنطقة مفتاحاً لفهم تطور الأنظمة الكوكبية.
وقدّم الفريق أولى نتائجه من خلال رصد النظام الكوكبي «TOI-421». وأظهر التحليل أن النظام يتميز بهندسة مدارية مائلة بشكل مفاجئ، ما يقدم أدلة جديدة على تاريخ فوضوي لهذه العوالم البعيدة.
وللإجابة عن سؤال أساسي حول الآليات الفيزيائية التي تتحكم في تكوين الأنظمة الكوكبية وتطورها، ركّز الباحثون على فئة محددة من الكواكب الخارجية تُعرف بـ«النبتونات الخارجية»، وهي كواكب تدور خارج مجموعتنا الشمسية وتبلغ كتلتها نحو 20 ضعف كتلة الأرض.
وخلال العقد الماضي، حقق العلماء تقدماً كبيراً في فهم توزيع الكواكب الخارجية. فهذه النبتونات نادرة جداً بالقرب من النجوم، لكنها تظهر بكثرة في مناطق أبعد قليلاً تُعرف بـ«السافانا»، وهي منطقة أكثر اعتدالاً في توزيع الكواكب. وبين «السافانا» والصحراء تقع منطقة تُسمى «الحافة النبتونية»، حيث تزداد كثافة هذه الكواكب أكثر من غيرها، بينما تظل شبه غائبة في «صحراء نبتون».
وتشير إحدى الفرضيات الرئيسية في البرنامج إلى أن هذا المشهد نُحِت بفعل آلية «هجرة الكواكب» من مواقع تكوّنها إلى مداراتها الحالية. فبعضها يهاجر مبكراً وببطء عبر القرص الغازي، مما ينتج عنه مدارات متوازية، بينما تُدفع أخرى بعنف إلى مداراتها لاحقاً فيما يُسمى «الهجرة عالية اللامركزية»، وهو ما يؤدي إلى مدارات غير متوازية.
ومن خلال قياس ميل مدارات كواكب النظام «TOI-421» مقارنة بالمستوى الاستوائي للنجم، تبيّن أن الكوكبين «TOI-421c» و«TOI-421b» في حالة عدم محاذاة شديدة. ويختلف ذلك تماماً عن نظامنا الشمسي حيث تدور الكواكب في مستوى متقارب مع خط استواء الشمس، ما يكشف عن تاريخ مضطرب للنظام بعد تكوّنه.
وبحسب الباحثين، فإن هذه النتيجة تُعد مجرد بداية؛ إذ لا تقدم بيانات قيّمة حول نظام محدد فقط، بل تساهم أيضاً في تحسين أدوات التحليل والنمذجة الخاصة ببرنامج «ATREIDES». ومع ذلك، فإن فهم تطور الأنظمة الكوكبية بشكل شامل يتطلب دراسة عدد كبير من الأنظمة المشابهة بدقة متناهية.


