طلاب الجامعات والذكاء الاصطناعي: أداة المستقبل.. أم رأس الأخطاء القاتلة؟

أكثر من 80 % منهم يستخدمونه في الدراسة

طلاب الجامعات والذكاء الاصطناعي: أداة المستقبل.. أم رأس الأخطاء القاتلة؟
TT

طلاب الجامعات والذكاء الاصطناعي: أداة المستقبل.. أم رأس الأخطاء القاتلة؟

طلاب الجامعات والذكاء الاصطناعي: أداة المستقبل.. أم رأس الأخطاء القاتلة؟

بالنسبة لكثير من طلاب الجامعات، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من الحياة اليومية.

مع ذلك، يُمثل التبني اليومي الواسع النطاق لأدواته تناقضاً صارخاً مع ما كان عليه الحال قبل عامين: فعندما طرحت «أوبن إيه آي» روبوت الدردشة الخاص بها للجمهور لأول مرة في عام 2022، أثارت فكرة الذكاء الاصطناعي في البيئات المدرسية جدلاً حاداً حول كيفية استخدام هذه التكنولوجيا في الفصول الدراسية، إنْ استخدمت أصلاً... ولكن وبعد ثلاث سنوات فقط، انتشر استخدامها بسرعة، كما كتبت ماريا خوسيه غوتيريز تشافيز (*).

80 - 90 % من الطلاب يستخدمونه يومياً

أظهرت دراسة وطنية حديثة أجرتها شركة «غرامرلي» Grammarly أن 87 في المائة من طلاب التعليم العالي يستخدمون الذكاء الاصطناعي في دراستهم، و90 في المائة يستخدمونه في حياتهم اليومية، حيث يقضون 10 ساعات أسبوعياً في المتوسط، بينما توصلت دراسة أخرى أجراها مجلس التعليم الرقمي إلى نتائج مماثلة، حيث وجدت أن 86 في المائة من الطلاب حول العالم يستخدمون الذكاء الاصطناعي في دراستهم.

ومع ذلك، لا تزال الكليات لا تطبق معايير موحدة لما يُعدُّ استخداماً مقبولاً للذكاء الاصطناعي وما يُعدّ محظوراً. وفي مختلف التخصصات والجامعات في الولايات المتحدة، اكتشفت «غرامرلي» أيضاً أنه بينما يقول 78 في المائة من الطلاب إن مدارسهم لديها سياسة للذكاء الاصطناعي، يقول 32 في المائة إن هذه السياسة هي عدم استخدامه. وأعرب ما يقرب من 46 في المائة من الطلاب عن قلقهم من الوقوع في مشاكل بسبب استخدامهم الذكاء الاصطناعي.

قلق طلابي مشروع

على سبيل المثال، قد يكون استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المواضيع المعقدة التي تُناقش في الفصل الدراسي أمراً مقبولاً بشكل عام، لكن استخدام «تشات جي بي تي» لتحرير مقال قد يثير بعض التساؤلات.

المهارة الأكثر طلباً

في هذه الأثناء، وبينما يتفاعل الطلاب مع العالم الحقيقي ويدرسون خياراتهم المهنية، يشعرون بأنهم سيتخلفون عن الركب إذا لم يطوّروا خبرتهم في الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع إتمامهم فترات التدريب، حيث يُقال لهم ذلك وجهاً لوجه. وقد وُصفت معرفة الذكاء الاصطناعي بأنها المهارة الأكثر طلباً للعاملين في عام 2025.

وهذا ما يُثير مشاعر متضاربة بين طلاب الجامعات، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين محاولة اتباع مجموعتين مختلفتين من القواعد في آنٍ واحد.

استطلاع آراء طلاب الجامعات

لفهم مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على حياة الشباب؛ تواصلت شركة «فاست كومباني» مع طلاب جامعيين في جميع أنحاء البلاد لمعرفة كيفية تعاملهم مع هذه المتطلبات المتضاربة. وقد وجدنا أنه مع استمرار تطور التكنولوجيا الجديدة، فإنها تحفر مكاناً لها في حياة طلاب الجامعات - سواءً شاء الكبار (أو الطلاب أنفسهم) ذلك أم أبوا.

وفي هذا المقال المتميز، ستتعرف على:

الطرق الإبداعية التي يدمج بها طلاب الجيل «زد» الذكاء الاصطناعي في حياتهم ليصبحوا بارعين فيه، حتى لو لم يتمكنوا من استخدامه في دراساتهم. والجيل زد (Generation Z) هم الأفراد الذين وُلدوا بين منتصف التسعينات وأوائل العقد الثاني من الألفية، وعادةً ما يمتد تاريخ ميلادهم بين عامي 1997 و2012. ويتميز هذا الجيل بكونه الجيل الرقمي الأصلي.

• لماذا بدأت شعبية الذكاء الاصطناعي بصفته مساعدَ برمجة تُغير نظرة الجامعات إليه في الصفوف الدراسية؟

• كيف يُحقق الطلاب الحاليون والجدد التوازن بين أساليب التعليم التقليدية والحديثة؟

رفيق يومي

استخدام الطلاب «تشات جي بي تي»:

- مات كوبر، لاعب جامعة ولاية أوهايو، اكتشف طرقاً جديدة لدمج التكنولوجيا في حياته. يقول: «لقد ساعده الذكاء الاصطناعي بشكل لا بأس به، بطرق لا يتوقعها الناس عادةً»... من إنشاء نوتات موسيقية، إلى مساعدته في حفظ السلالم الموسيقية الكبرى وقراءة المفاتيح، أصبح «جي بي تي» مدربه الافتراضي الموثوق. يقول: «في غضون 20 ثانية، يمكنه إنشاء نوتة موسيقية كاملة للتدرب على أي مستوى صعوبة»، وعلاوة على ذلك، يقوم روبوت الدردشة بكل ذلك مجاناً.

- كايتلين كونواي، طالبة في السنة الأخيرة بجامعة لويولا ماريماونت في لوس أنجليس، عادت إلى الجامعة بعد فترة تدريب بدوام كامل في مجال التسويق، وجدت أن الحياة الجامعية أشبه بصدمة ثقافية عكسية بعد خروجها من سوق العمل. لكنها وجدت روبوتات الدردشة سهلة الاستخدام مثل «جي بي تي» مفيدة في إضافة المزيد من التنظيم لأيامها. تقول كونواي: «أستخدمه لإنشاء جدول زمني. على سبيل المثال: (أريد هذا القدر من الوقت للدراسة، ولأداء واجباتي المدرسية، وحضور حصة يوغا)، وسيُخرج لي جدولاً زمنياً سهلاً لأتبعه».

- مليحة محمود، طالبة في السنة الأخيرة في إدارة الأعمال والإعلان بجامعة فلوريدا، تستخدم الذكاء الاصطناعي لتبسيط المهام اليومية خارج الفصل الدراسي. تطلب من «جي بي تي» إعداد سلسلة من الوصفات باستخدام المكونات المتبقية في ثلاجتها (بدلاً من الاعتماد على الوجبات سريعة التحضير كما فعلت أجيال من طلاب الجامعات قبلها). أما في المدرسة، فتعتمد مليحة على الذكاء الاصطناعي بصفته معلمة خاصة، مستعدة للإجابة عن الأسئلة في أي وقت. تقول: «أطلب من الذكاء الاصطناعي أن يُبسّط لي مفهوماً ما كما لو كان يتحدث إلى طالب في المرحلة الإعدادية لفهمه بشكل أفضل».

أدوات «غوغل» و«مايكروسوفت»

• استخدام «غوغل نوتبوك» الذكي. كما ذكر كثير من الطلاب أداة Google Notebook LM، وهي أداة ذكاء اصطناعي تساعد في تحليل المصادر التي تُحمّلها، بدلاً من البحث على الإنترنت عن إجابات. يمكن للطلاب تحميل ملاحظاتهم وقراءاتهم المطلوبة ومذكراتهم على المنصة، وطلب من «نوتبوك إل إم» إنشاء ملخصات صوتية مخصصة بأصوات بشرية.

ومع ذلك، غالباً ما كانت اداة الذكاء الاصطناعي تُدرّس خارج الفصول الدراسية، في بيئة العمل. يقول كثير من الطلاب إنه لم يُسمح لهم باستخدام الذكاء الاصطناعي فحسب، بل شُجِّعوا على استخدامه خلال فترة تدريبهم. وتقول أنيكا تشاكرافارتي، طالبة في السنة الأخيرة بجامعة نيويورك، إنها شعرت في أول تدريب لها في شركة علاقات عامة متخصصة في التكنولوجيا، بأنه «لكي تكون شخصاً ناجحاً، عليك أن تُتقن الذكاء الاصطناعي؛ لذا هناك توتر في هذا الجانب أيضاً».

وتتفق مليحة محمود مع تجربة تشاكرافارتي. وتقول: «خلال فترة تدريبي، شُجِّعت على استخدام الذكاء الاصطناعي». «في البداية، ظننت أنه بديل، أو أنه لا يسمح لنا بالتفكير النقدي. (لكن) كان موفراً للوقت بشكل كبير».

استخدام «مايكروسوفت كوبايلوت». استخدمت مليحة محمود برنامج Copilot من «مايكروسوفت» لنسخ الاجتماعات تلقائياً، وتدوين الملاحظات، وإرسالها إلى المشاركين - وهي مهام كان المتدربون يقومون بها يدوياً في الماضي. كل هذا بعيد كل البعد عن الطريقة التي رُوِّض بها طلاب الجامعات للنظر إلى الذكاء الاصطناعي بوصفه سبباً محتملاً للطرد.

ماضٍ وحاضرٍ متقلبان

نشأ جيل الجامعات اليوم على قلق الانتحال. كان عالمهم قبل اختبار «جي بي تي» يتضمن إعادة التحقق من الاستشهادات واللجوء إلى برامج التحقق من الانتحال عبر الإنترنت.

يقول غرانت دوترو، خريج الاقتصاد والاتصالات حديثاً من كلية ويتون في إلينوي: «كنت أقول لنفسي: (لا أريد التطرق لهذا؛ لأنني لا أريد أن أُتهم يوماً بالانتحال). بالتأكيد، قد يُنظر إليه على أنه أمر محظور للغاية».

على الرغم من أن أكثر من نصف الطلاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل روتيني الآن، فإنه لم يكن دائماً موضع ترحيب - خاصة للطلاب الذين بدأوا دراستهم الجامعية دون استخدام الذكاء الاصطناعي. أعرب معظم الطلاب الذين تمت مقابلتهم عن ترددهم في البداية تجاه الذكاء الاصطناعي؛ بسبب ذلك الخوف المعروف من التعرض للانتحال.

لعقود، أُخبر الطلاب أنهم قد يواجهون عواقب وخيمة عند استخدامهم الإنترنت لتنزيل مقالات جاهزة، أو نسخ مواد من كتب أو مدونات، وغيرها. ومع تقدم التكنولوجيا، ازدادت فرص الانتحال، لا سيما مع ظهور خدمات مثل TurnItIn، التي تُحدّد المصادر المنسوخة وغير المُستشهد بها في المقالات.

على الرغم من أن الكليات تمكنت من اللحاق بوضع الإرشادات المناسبة، فإن السياسات غالباً ما تكون مُقيدة أو غير واضحة أو متروكة للمدرسين. بالنسبة لكثير من المعلمين، فإن سياسات الذكاء الاصطناعي في فصولهم الدراسية ليست شاملة؛ ما يُربك الطلاب وقد يُوقعهم في مشاكل عن غير قصد.

وبالنسبة للطلاب الذين تعتمد سياستهم على أساس كل مُدرّس على حدة، قد يعني هذا أحياناً أن الطلاب الذين يدرسون المقرر الدراسي نفسه، ولكن مع أساتذة مختلفين، قد تكون لديهم تجارب مختلفة تماماً مع الذكاء الاصطناعي، على الأقل في الفصل الدراسي.

غموض السياسات الدراسية

تقول جيني ماكسويل، رئيسة قسم التعليم في «غرامرلي»: من غير المفهوم أخلاقياً بالنسبة لي ألا تُولي مؤسسة كبيرة اهتماماً بالغاً لتحديد سياساتها، والتأكد من اتساقها داخل الأقسام». وأضافت: «نظراً لعدم وضوح المؤسسة بشأن سياستها؛ فإن طلابها يتضررون بسبب هذا النقص في التواصل».

في حين يبدو أن استخدام الذكاء الاصطناعي في المدارس يتراجع تدريجياً بين الطلاب، فإنه يتراجع بالتأكيد في بيئة العمل. قال بعض الطلاب الذين أكملوا تدريباً عملياً أخيراً إنه لم يُسمح لهم باستخدام الذكاء الاصطناعي في العمل فحسب، بل شُجِّعوا على ذلك أيضاً (وبالفعل، يُوصي الخبراء الخريجين الجدد بتطوير مهاراتهم في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما يقول واحد من كل ثلاثة مديرين إنهم سيرفضون توظيف مرشحين لا يمتلكون مهارات الذكاء الاصطناعي).

طريقة جديدة للتعلم

إن الرسائل المتضاربة حول أن «الذكاء الاصطناعي يُوقعك في المشاكل» وأن «الذكاء الاصطناعي هو المستقبل» تُعقّد وجود التكنولوجيا في حياة طلاب الجامعات، سواءً في الصف الدراسي أو خلال التدريب أو في السكن الجامعي. ولكن بالنسبة للكثيرين، تُغيّر هذه التكنولوجيا ببساطة شكل التعلم.

على سبيل المثال، ربما كان إطار تقييم نجاح الطلاب يعتمد على المقالات في الماضي. ولكن اليوم، قد يكون من الأنسب تقييم كلٍّ من المقالة وعملية الكتابة باستخدام التكنولوجيا، كما تقول ماكسويل.

أما الكثير من الطلاب فيقولون إن المعايير تتغير لقياس تعلمهم بالفعل. وأوضحت كلير شو، طالبة الهندسة السابقة في جامعة تورنتو التي تخرجت عام 2024، أنها عندما بدأت دراستها الجامعية، تعلمت أساسيات البرمجة في الوقت نفسه الذي أثار فيه الذكاء الاصطناعي اهتمام أساتذتها. تعلمت بالطريقة «التقليدية» بينما شجعها بعض معلميها على تجربة التقنيات الحديثة. ومع ذلك، لم تبدأ شو باستخدام الذكاء الاصطناعي في المدرسة إلا في عامها الرابع. الآن، تعتقد أنه يمكن تحقيق التوازن بين المدرسة القديمة والمدرسة الحديثة. تقول شو: «يُسمح لك باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي؛ لذا فقد تم رفع مستوى هذا النوع من مهام البرمجة». يشير هذا إلى تحول كبير: في الأوساط الأكاديمية، حيث كان الذكاء الاصطناعي (وفي كثير من الحالات، لا يزال) محظوراً، يتم تبنيه أيضاً، حتى في الصف الدراسي.

تعلم المهارات الأساسية... قبل الذكاء الاصطناعي

ولكن الآن بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي أداة متوقعة، فقد زادت صعوبة مهام البرمجة، كما تقول؛ ما أدى إلى مشاريع أكثر تقدماً في مرحلة مبكرة من حياة الطالب المهنية. وبينما قد يكون هذا مثيراً، ويمثل تحضيراً رائعاً للمستقبل، لا تزال شو تُسلّط الضوء على ضرورة فهم الأساسيات - المهارات التي تتعلمها بنفسك دون مساعدة الذكاء الاصطناعي - قبل الاندفاع. وأوضحت قائلةً: «هناك لحظات معينة لا نزال نحتاج فيها إلى اختبار المهارات الأولية لشخص ما من خلال إعداد بيئات لا تتوفر فيها أدوات الذكاء الاصطناعي»، في إشارة إلى الامتحانات الشخصية التي لا تتوفر فيها أدوات الذكاء الاصطناعي.

تخيل الأمر كما لو كنت تتعلم قيادة السيارة ذات ناقل الحركة اليدوي، بينما توجد السيارات الأوتوماتيكية - فدمج الذكاء الاصطناعي مع أساليب التدريس التقليدية قد يُنشئ تعليماً أكثر شمولية. وبالمثل، بالنسبة لطلاب العلوم الإنسانية، يقوم بعض المدربين بتدوين ملاحظات من الكتب القديمة لقياس هذه «المهارات الأولية»، مثل المناظرة والتواصل والتفكير النقدي أو كتابة نصوص بخط اليد.

يعلم طلاب الجامعات أن الذكاء الاصطناعي لن يختفي. على الرغم من أن الجميع - طلاباً ومعلمين ومدارس ومديرين - لا يزالون يتعثرون في طريقهم نحو تبنيه، فإن بعض جوانب تجربة الدراسة الجامعية قد لا تُنسى.

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات«تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي الصيني يجذب المستثمرين وسط مخاوف «فقاعة وول ستريت»

الاقتصاد علم الصين فوق لوحة إلكترونية تحمل شعار «صنع في الصين» (رويترز)

الذكاء الاصطناعي الصيني يجذب المستثمرين وسط مخاوف «فقاعة وول ستريت»

يزيد المستثمرون العالميون من رهاناتهم على شركات الذكاء الاصطناعي الصينية، متوقعين نجاح نماذج عدة قادمة على غرار «ديب سيك».

«الشرق الأوسط» (نيويورك-هونغ كونغ)
تكنولوجيا ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

خبراء يدعون إلى مقاطعة شرائها

كريس ستوكل - والكر (واشنطن)
الاقتصاد سفينة شحن في ميناء كيلونغ بتايوان (رويترز)

بفضل «الذكاء الاصطناعي».. صادرات تايوان تسجل أسرع نمو في 5 سنوات

شهدت طلبات التصدير التايوانية في نوفمبر (تشرين الثاني) أسرع وتيرة نمو منذ نحو خمس سنوات، مدفوعة بالطلب المتزايد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)
الاقتصاد متداول يراقب شاشات تعرض مؤشرات الأسهم في بورصة نيويورك (إ.ب.أ)

العقود الآجلة الأميركية تصعد مع تجدد الحماس للذكاء الاصطناعي

افتتحت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية أسبوع التداول القصير بسبب عطلة عيد الميلاد على ارتفاع مدفوعة بصعود أسهم التكنولوجيا

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات وإيلون ماسك خلال اللقاء في أبوظبي بحضور الشيخ حمدان بن محمد بن راشد (وام)

ماسك يلتقي قادة الإمارات لبحث فرص الذكاء الاصطناعي

بحث الملياردير الأميركي إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركات تعمل في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، مع قيادة دولة الإمارات آفاق التعاون في الذكاء الاصطناعي.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
TT

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة

لطالما كان توقيت وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وكيفية حدوث ذلك واحداً من الأسئلة المثيرة في تاريخ البشرية. وتشير دراسة جينية جديدة إلى أن البشر وصلوا إلى القارة القديمة المعروفة باسم «ساهول» قبل نحو 60 ألف عام، وقد سلكوا في ذلك مسارَيْن مختلفَيْن عبر البحر، في واحدة من أقدم الأدلة المعروفة على الملاحة البحرية المتعمدة.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 بمجلة «Science Advances»، إذ دعّمت ما يُعرف بفرضية «التسلسل الزمني الطويل» التي تفترض أن أولى موجات الاستيطان البشري في أستراليا حدثت قبل ما بين 60 و65 ألف سنة، وليس في فترة لاحقة، كما افترضت بعض النظريات السابقة.

قارة قديمة ونقاش طويل

كانت «ساهول» (Sahul) قارة واحدة تضم ما يُعرف اليوم بأستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا. ومع ارتفاع مستويات البحار بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 9 آلاف عام انفصلت هذه اليابسة إلى القارات والجزر الحالية.

وعلى مدى عقود اختلف العلماء حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى هذه المنطقة، ففي حين افترضت بعض الدراسات وصولاً متأخراً نسبياً قبل نحو 47 إلى 51 ألف عام، قدمت الدراسة الجديدة أدلة قوية على استيطان أقدم بكثير.

ويقول عالم الآثار كريستوفر كلاركسون، من جامعة غريفيث في أستراليا الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه أول دراسة شاملة تربط بين علم الآثار والوراثة والمناخ والملاحة البحرية، وتقدم حجة قوية للغاية حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى أستراليا.

تتبع الأصول عبر خط الأم

وقد اعتمد الباحثون على نوع خاص من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA يُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا، الذي يُورث غالباً من الأم فقط. وتُعد هذه المادة الوراثية أداة مهمة لتتبع السلالات البشرية عبر آلاف الأجيال.

وحلل الفريق الجينومات الميتوكوندرية لنحو ألف شخص معظمهم من السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة إلى جانب نحو 1500 جينوم منشور سابقاً. ومن خلال تتبع الطفرات الوراثية الصغيرة تمكّن الباحثون من إعادة بناء سلالات بشرية قديمة تعود إلى نحو 60 ألف عام.

مساران للهجرة نحو «ساهول»

ومن أبرز نتائج الدراسة أن البشر الأوائل لم يصلوا إلى «ساهول» عبر طريق واحد فقط بل عبر مسارَين مختلفين في الفترة الزمنية نفسها تقريباً.

كما يرجّح الباحثون أن إحدى المجموعتَين سلكت مساراً شمالياً عبر ما يُعرف اليوم بالفلبين وشرق إندونيسيا، في حين جاءت مجموعة أخرى عبر مسار جنوبي انطلقت فيه من جنوب شرق آسيا القارية مع عبور مساحات من البحر المفتوح.

وتشير النتائج إلى أن معظم السلالات الحية اليوم بين السكان الأصليين لأستراليا وغينيا الجديدة تعود إلى أسلاف اتبعوا المسار الشمالي.

ويقول عالم الآثار، آدم بروم، من جامعة غريفيث الأسترالية الذي لم يشارك أيضاً في الدراسة، إن هذه النتائج تقدم دعماً قوياً لفكرة أن المسار الشمالي كان المفتاح في الاستيطان الأول لأستراليا، مشيراً إلى اكتشافات حديثة لفنون كهوف قديمة جداً في إندونيسيا تدعم هذا الطرح.

أصل أفريقي واحد

وعلى الرغم من اختلاف المسارات تشير الدراسة إلى أن المجموعتَين تنحدران من سلالة بشرية واحدة خرجت من أفريقيا قبل نحو 70 إلى 80 ألف عام. ويُعتقد أن هذا الانقسام حدث في جنوب أو جنوب شرق آسيا قبل 10 إلى 20 ألف عام من الوصول إلى «ساهول».

ويؤكد الباحث المشارك في كلية العلوم التطبيقية بجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة، مارتن ريتشاردز، أن السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة يمتلكون أقدم سلالة بشرية متصلة خارج أفريقيا دون انقطاع.

دليل مبكر على الملاحة البحرية

ولا تقتصر أهمية الدراسة على الجانب الجيني فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على القدرات التقنية للإنسان القديم، فالوصول إلى «ساهول» تطلّب عبور مسافات طويلة من البحر المفتوح حتى في فترات انخفاض مستوى سطح البحر.

وتقول الباحثة المشاركة هيلين فار، من مركز علم الآثار البحرية بقسم الآثار في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، إن هذه الرحلات لم تكن نتيجة انجراف عشوائي بل دليل على استخدام القوارب والقيام برحلات بحرية محددة ومقصودة قبل نحو 60 ألف عام.

إعادة رسم تاريخ الهجرة البشرية

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الإنسان الحديث كان أكثر قدرة على التخطيط والتنقل والاستكشاف عما كان يُعتقد سابقاً، وأن استيطان أستراليا لم يكن حدثاً واحداً بسيطاً بل عملية معقدة شاركت فيها مجموعات متعددة ومسارات مختلفة.

ومع استمرار تطور تقنيات تحليل الحمض النووي واكتشاف مواقع أثرية جديدة يتوقع العلماء أن تتضح صورة أكثر دقة عن بدايات انتشار الإنسان الحديث حول العالم، لتؤكد أن أستراليا كانت من أوائل محطات هذه الرحلة البشرية الكبرى.


اكتشاف علمي لأحد «محركات» سرطان البروستاتا... يمهد لعلاجات أكثر دقة

طبيب يتناقش مع مريض حول صحة البروستاتا
طبيب يتناقش مع مريض حول صحة البروستاتا
TT

اكتشاف علمي لأحد «محركات» سرطان البروستاتا... يمهد لعلاجات أكثر دقة

طبيب يتناقش مع مريض حول صحة البروستاتا
طبيب يتناقش مع مريض حول صحة البروستاتا

في خطوة علمية قد تغيِّر أسلوب فهمنا لسرطان البروستاتا وتشخيصه وعلاجه، كشف باحثون من معهد «آرك» وجامعة «كاليفورنيا»، ومركز «فريد هاتشينسون للسرطان» في واشنطن بالولايات المتحدة، عن منظِّم غير متوقع لمسار مستقبل الأندروجين، وهو بروتين لم يحظَ سابقاً بكثير من الاهتمام، وكان يُعتقد أنه مجرد إنزيم بسيط ضمن مسار تصنيع البروستاغلاندين (prostaglandin).

وجاء هذا الكشف الذي نُشر في مجلة «Nature Genetics» في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، نتيجة فحص شامل للجينوم باستخدام «تقنية كريسبر»، وأعاد تعريف الدور البيولوجي لبروتين «PTGES3» كما فتح الباب أمام فئة جديدة محتملة من العلاجات لسرطان البروستاتا المقاوم للعلاج الهرموني.

نافذة على بيولوجيا الورم

يعتمد سرطان البروستاتا على نشاط مفرط لمستقبِل الأندروجين، وهو بروتين ينظِّم نمو الخلايا استجابة لهرمونات الذكورة.

ولفهم الجينات التي تُبقي هذا المستقبِل نشطاً، طوَّر الباحثون نموذجاً متقدماً لخلايا سرطانية يحمل وسماً فلورياً (fluorescent tag) (هو جزيء مرتبط كيميائياً للمساعدة في اكتشاف جزيء حيوي، مثل البروتين أو الأجسام المضادة أو الأحماض الأمينية) يضيء تبعاً لكمية مستقبِل الأندروجين داخل الخلية، ما سمح بتتبُّعه بدقة لحظة بلحظة.

وبالاستفادة من «تقنية كريسبر» عطَّل العلماء آلاف الجينات واحداً تلو الآخر لاكتشاف الجينات التي يعتمد عليها مستقبِل الأندروجين ليبقى مستقراً وموجوداً داخل الخلية.

ثم جاءت النتائج لتؤكد دور جينات معروفة، مثل HOXB13 وGATA2 لكنها كشفت أيضاً مفاجأة كبيرة في PTGES3 وهو بروتين لم يكن محسوباً ضمن قائمة اللاعبين الرئيسيين في هذا المسار.

* لماذا يُعد PTGES3 اكتشافاً مهماً؟ على خلاف البروتينات المماثلة له لم يكن تأثير PTGES3 مرتبطاً بوظيفته المفترضة كإنزيم. بل ظهر أنه يؤدي دوراً مزدوجاً في دعم مستقبل الأندروجين؛ إذ إنه يعمل كمرافق بروتيني Co-chaperone داخل السيتوبلازم ما يساعد على استقرار مستقبل الأندروجين ويمنع تدهوره. ويعمل أيضاً كعامل مساعد داخل النواة؛ حيث يعزز قدرة المستقبل على الارتباط بالحمض النووي وتشغيل الجينات التي تغذي نمو الورم.

وهذا الدور الثنائي يجعل هذا البروتين كأحد «محركات» سرطان البروستاتا التي تعتمد عليها الخلايا السرطانية لمواصلة النمو والانتشار.

آفاق جديدة لعلاج السرطان

• من المختبر إلى المرضى: عند تحليل بيانات مئات المرضى وجد الباحثون أن ارتفاع مستويات PTGES3 يرتبط بانخفاض فعالية العلاج الهرموني، وهو مؤشر مبكر على مقاومة الورم.

وعند اختبار تعطيل هذا البروتين في فئران مصابة بسرطان البروستاتا انخفضت مستويات مستقبل الأندروجين، وتباطأ نمو الورم بشكل كبير، وهو دليل إضافي على دوره الحاسم واستحقاقه أن يكون هدفاً دوائياً جديداً.

ويقول الباحث الرئيسي لوك غيلبرت (وهو باحث رئيسي في معهد «آرك» وأستاذ مشارك في جراحة المسالك البولية في كلية الطب بجامعة «كاليفورنيا») إن هذا العمل يبرهن على قوة الفحص الجيني غير المنحاز عبر «تقنية كريسبر» وقدرتنا على اكتشاف وظائف جديدة لبروتينات ظنَّ العلماء أنهم يعرفونها جيداً.

• تطوير أدوية علاجية: تستهدف العلاجات الحالية مستقبل الأندروجين مباشرة؛ سواء بتقليل الهرمونات الذكرية أو بحجب قدرة المستقبِل على الوصول إلى الحمض النووي.

لكن النتائج الجديدة تقدِّم استراتيجية مختلفة تكمن بالتدخل في استقرار مستقبل الأندروجين نفسه، عبر التأثير على البروتينات التي تحميه وترافقه ومن ضمنها PTGES3.

ويقول الباحث الأول هاولونغ لي من مركز «فريد هاتشينسون للسرطان» وقسم علاج الأورام بالإشعاع بجامعة «كاليفورنيا»: «نتوقع أن يساعد هذا النهج في فهم عوامل نسخ أخرى مهمة في سرطانات تعتمد على الهرمونات، وليس سرطان البروستاتا فقط».

ويعمل الفريق حالياً على فهم البنية الدقيقة لتفاعل PTGES3 مع مستقبل الأندروجين، تمهيداً لتطوير أدوية تستهدف هذا الارتباط، بما في ذلك تقنيات تفكيك البروتينات مثل PROTACs التي حققت نجاحاً في تجارب سريرية لأهداف دوائية أخرى.

ويمثل اكتشاف PTGES3 كمنظم رئيسي لمستقبل الأندروجين تحولاً مهماً في فهم سرطان البروستاتا؛ خصوصاً لدى المرضى الذين يعانون من مقاومة للعلاج الهرموني.

وإلى جانب كشف آليات جديدة وراء نمو الورم يقدِّم هذا الاكتشاف مساراً واعداً لعلاجات أكثر فعالية ودقة قد تغيِّر مستقبل الرعاية للمرضى المصابين بأحد أكثر السرطانات شيوعاً بين الرجال.

إنه مثال حي على كيف يمكن لتقنيات الجينوم الحديثة -كالفحص الشامل باستخدام «كريسبر»- أن تعيد كتابة قواعد علم الأورام وتفتح آفاقاً علاجية لم تكن متاحة من قبل.


نظرة إلى الذكاء الاصطناعي... وصحة الدماغ في 2025

الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته
الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته
TT

نظرة إلى الذكاء الاصطناعي... وصحة الدماغ في 2025

الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته
الانسان ضائع في عصر الذكاء الاصطناعي وهلوساته

إليكم ما يقوله أربعة من الاختصاصيين في حول الجوانب العلمية التي أثارت اهتمامهم في عام 2025.

الذكاء الاصطناعي: محتوى منمق وغير منطقي

نحن نغرق في بحر من المحتوى المُنمّق وغير المنطقي الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي، كما تتحدث الكاتبة أنالي نيويتز، صاحبة عمود «هذا يُغيّر كل شيء»، عن كيفية انتشار المحتوى المُولّد بالذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في عام 2025.

لا شك أن 2025 سيُذكَر بوصفه عام المحتوى المُنمّق. وهذا المصطلح الشائع يُطلق على المحتوى غير الصحيح والغريب، بل والقبيح في كثير من الأحيان، الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي، وقد أفسد تقريباً كل منصة على الإنترنت... إنه يُفسد عقولنا أيضاً.

لقد تراكمت كميات هائلة من هذا المحتوى المُنمّق خلال السنوات القليلة الماضية، لدرجة أن العلماء باتوا قادرين على قياس آثاره على الناس بمرور الوقت.

• نشاط دماغي أقل لدى المستخدمين. وجد باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الأشخاص الذين يستخدمون نماذج لغوية ضخمة (LLMs)، مثل تلك التي تقف وراء برنامج «تشات جي بي تي»، لكتابة المقالات، يُظهرون نشاطاً دماغياً أقل بكثير من أولئك الذين لا يستخدمونها.

• آثار سلبية على الصحة النفسية. ثم هناك الآثار السلبية المحتملة على صحتنا النفسية، حيث تشير التقارير إلى أن بعض برامج الدردشة الآلية تُشجع الناس على تصديق الأوهام أو نظريات المؤامرة، بالإضافة إلى حثّهم على إيذاء أنفسهم، وأنها قد تُسبب أو تُفاقم الذهان.

• تقنية التزييف العميق. أصبحت تقنية التزييف العميق شائعة؛ ما يجعل التحقق من الحقيقة على الإنترنت أمراً مستحيلاً. ووفقاً لدراسة أجرتها «مايكروسوفت»، لا يستطيع الناس التعرف على مقاطع الفيديو التي يُنشئها الذكاء الاصطناعي إلا في 62 في المائة من الحالات.

وأحدث تطبيقات شركة «اوبن ايه آي» هو «سورا» Sora، وهي منصة لمشاركة الفيديوهات تُنشأ بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي - باستثناء واحد. يقوم التطبيق بمسح وجهك وإدراجك أنت وأشخاص حقيقيين آخرين في المشاهد المزيفة التي يُنشئها. وقد سخر سام ألتمان، مؤسس الشركة، من تبعات ذلك بالسماح للناس بإنشاء فيديوهات يظهر فيها المستخدم وهو يسرق وحدات معالجة الرسومات ويغني في الحمام.

• تقليل الإنتاجية. لكن ماذا عن قدرة الذكاء الاصطناعي المزعومة على جعلنا نعمل بشكل أسرع وأكثر ذكاءً؟ وفقاً لإحدى الدراسات، عندما يُدخل الذكاء الاصطناعي إلى مكان العمل، فإنه يُقلل الإنتاجية، حيث أفادت 95 في المائة من المؤسسات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي بأنها لا تحصل على أي عائد ملحوظ على استثماراتها.

مذنب "سوان" الى يمين تجمّع من النجوم

تدمير الأرواح والوظائف

إن الفساد يُدمر الأرواح والوظائف، ويُدمر تاريخنا أيضاً. أنا أكتب كتباً عن علم الآثار، ويقلقني أن ينظر المؤرخون إلى وسائل الإعلام من تلك الحقبة ويكتشفوا زيف محتوانا، المليء بالخداع والتضليل.

إن أحد أهم أسباب تدويننا الأمور أو توثيقها بالفيديو هو ترك سجل لما كنا نفعله في فترة زمنية محددة. وعندما أكتب، آمل أن أسهم في إنشاء سجلات للمستقبل؛ حتى يتمكن الناس اللاحقون من إلقاء نظرة على حقيقتنا، بكل ما فيها من فوضى.

إن برامج الدردشة الآلية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تُردد كلماتٍ بلا معنى؛ فهي تُنتج محتوًى لا ذكريات. ومن منظور تاريخي، يُعدّ هذا، من بعض النواحي، أسوأ من الدعاية. على الأقل، إن الدعاية من صنع البشر، ولها هدف محدد، وهي تكشف عن الكثير من سياساتنا ومشاكلنا. أما الزيف فيمحونا من سجلنا التاريخي؛ إذ يصعب استشفاف الغاية منه.

ماذا يخبئ لنا المستقبل؟ ماذا سيفعل الذكاء الاصطناعي بالفن؟ كيف سنتعامل مع عالمٍ تندر فيه الوظائف، ويتصاعد فيه العنف، ويتم فيه تجاهل علوم المناخ بشكل ممنهج؟

الحفاظ على صحة الدماغ

كيف تعلمتُ الحفاظ على صحة دماغي؟ تتحدث هيلين تومسون، كاتبة عمود في علم الأعصاب، عن تغييرات بسيطة أحدثت فرقاً كبيراً في صحتها هذا العام.

• غذاء صحي: لقد تعلمت أن أعيش بنمط حياة صحي. كل صباح، أضيف ملعقة من الكرياتين إلى الماء، وأشربه مع الفيتامينات المتعددة، ثم أتناول بعض الزبادي العادي الغني بالبكتيريا. ويتناول أطفالي حبوب الإفطار المنزلية، ويشربون الكفير، ويحاولون التحدث بالإسبانية باستخدام تطبيق «دولينغو». وبعد توصيلهم إلى المدرسة، أغطس في بركة ماء باردة، ثم أستريح في الساونا قبل العمل. لاحقاً، أضيف دائماً ملعقة من مخلل الملفوف إلى غدائي، ولا أفوّت فرصة للمشي قليلاً في الحديقة.

حياتي الجديدة المفعمة بالرضا هي نتيجة مباشرة لقضاء عام كامل في البحث عن طرق مثبتة علمياً للحفاظ على صحة الدماغ - من تعزيز الاحتياطي المعرفي إلى تنمية ميكروبيوم صحي. الآن، وأنا أُقيّم الوضع، أرى أن تغييرات بسيطة أحدثت فرقاً كبيراً.

• تجربة طبية. جاء أحد أبسط الدروس من جو آن مانسون في مستشفى بريغهام والنساء في ماساتشوستس، التي أرسلت إلي تفاصيل تجربة واسعة النطاق على كبار السن تُظهر أن تناول الفيتامينات المتعددة يومياً يُبطئ التدهور المعرفي بأكثر من 50 في المائة. وعندما سألت خبراء آخرين عن المكملات الغذائية، إن وُجدت، التي قد تُعزّز صحة الدماغ، برز الكرياتين في ذهني - فهو يُزود الدماغ بمصدر طاقة عندما يكون في أمس الحاجة إليه. لكن التغيير حدث في سلة مشترياتنا الأسبوعية؛ إذ أقنعتني محادثاتي مع علماء الأعصاب وخبراء التغذية بأهمية العناية المستمرة بميكروبيوم الأمعاء. لذا؛ بدأت عائلتي بتطبيق ذلك: تناول ثلاثة أنواع من الأطعمة المخمرة يومياً بناءً على نصيحة عالم الأوبئة تيم سبيكتور، والامتناع عن تناول الأطعمة فائقة المعالجة في وجبة الإفطار، والحرص على إدخال مزيج متنوع من الأطعمة الكاملة في نظامنا الغذائي.

• التواصل مع البيئة. كما أن التعرّض للبرد والحرارة يُمكن أن يُقلل من الالتهابات والتوتر، ويُعزز التواصل بين الشبكات الدماغية المسؤولة عن التحكم في العواطف واتخاذ القرارات والانتباه؛ ما قد يُفسر ارتباطها بتحسين الصحة النفسية. كما أصبح الخروج إلى الطبيعة أولويةً عائلية. فقد تعلمتُ أن البستنة تُعزز تنوع بكتيريا الأمعاء المفيدة، بينما قد يُفيد المشي في الغابات الذاكرة والإدراك، ويُساعد على الوقاية من الاكتئاب.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو سرعة ظهور النتائج. فبينما تُعدّ بعض العادات استثماراً طويل الأمد في الصحة الإدراكية، إلا أنني مقتنعة بأن عادات أخرى كان لها تأثير فوري: أطفال أكثر هدوءاً، وتحسن في التركيز، وطاقة أكبر. ربما يكون تأثيراً وهمياً، لكن هناك ما يُجدي نفعاً.

مذنبات كونية متألقة

أما شاندا بريسكود - وينشتاين، كاتبة عمود في مجلة «سبيس - تايم»، فقد قدمت ملاحظات ميدانية حول كيفية تصدّر المذنبات عناوين الأخبار في عام 2025.

• المذنب «ليمون» لقد كان عام 2025 حافلاً بالمذنبات. فقد اكتُشف المذنب ليمون Lemmon في يناير (كانون الثاني) الماضي، وظلّ حديث الساعة لمدة تسعة أشهر. كانت صور ذيل ليمون الطويل والجميل، الناتج من تسخين الشمس للمذنب، تخطف أنفاسي في كل مرة.

• المذنب «سوان». ثم كان هناك اكتشاف المذنب C/2025 R2 (سوان) في سبتمبر (أيلول)، وهو مذنب شديد السطوع لدرجة أنه حتى عندما كان قريباً من القمر في عيد «الهالوين»، كان لا يزال مرئياً بوضوح للمراقبين. وكان هناك أيضاً المذنب 3I/أطلس، الذي اشتهر بعد أن أعلن عالم فلك في جامعة هارفارد، متخصص في علم الكونيات، أنه مسبار فضائي.

إن رحلتنا مع المذنبات هذا العام ليست سوى أحدث حلقة في سلسلة طويلة من ردود فعل البشر تجاه الأجرام السماوية الغامضة التي تظهر في السماء. وبينما نستذكر العام الماضي، شهدنا أحداثاً كثيرة مخيفة ومُحبطة؛ ما قد يدفعنا للاعتقاد بأن هذه المذنبات ربما نذرت بنهاية العالم كما نعرفه.

«إنسان دينيسوفان»

«إنسان دينيسوفان» قلب مفاهيمنا عن الإنسان القديم رأساً على عقب. وهنا يستعرض مايكل مارشال، كاتب عمود «قصة الإنسان»، أهم اكتشافات «إنسان دينيسوفان» لهذا العام.

يصادف هذا العام مرور 15 عاماً على اكتشافنا «إنسان دينيسوفان»، وهي إنسان من مجموعة من البشر القدماء الذين عاشوا في ما يُعرف اليوم بشرق آسيا قبل عشرات آلاف السنين. وقد أثار هذا الإنسان فضولي منذ ذلك الحين؛ لذا سررتُ هذا العام برؤية سلسلة من الاكتشافات المثيرة التي وسّعت فهمنا لمكان عيشهم وهويتهم.

• أدلة من جزيئات إصبع. كان «إنسان دينيسوفان» أول أشباه البشر الذين تم اكتشافهم بشكل أساسي من خلال الأدلة الجزيئية. وكانت أول أحفورة معروفة عبارة عن عظمة إصبع من كهف دينيسوفا في سيبيريا، التي كانت صغيرة جداً بحيث لا يمكن التعرف عليها من خلال شكلها، ولكنها أسفرت عن تحليل الحمض النووي في عام 2010. وأشارت النتائج الجينية إلى أن «إنسان دينيسوفان» كان مجموعة شقيقة لـ«إنسان نياندرتال»، الذي عاش في أوروبا وآسيا. كما أظهرت النتائج أيضاً أنهم تزاوجوا مع الإنسان الحديث.

واليوم، يمتلك سكان بعض مناطق جنوب شرقي آسيا، مثل بابوا غينيا الجديدة والفلبين، أعلى نسب الحمض النووي لـ«إنسان دينيسوفان» في جينوماتهم.

ومنذ ذلك الحين، سعى الباحثون جاهدين للعثور على المزيد من الأمثلة على «إنسان دينيسوفان»، لكنّ هذه الجهود كانت بطيئة. ولم يظهر مثال ثانٍ إلا في عام 2019: عظم فك من كهف بايشيا كارست في شياخه على هضبة التبت.

• اكتشافات جديدة. ثم جاء عام 2025 وتدفقت الاكتشافات الجديدة. ففي أبريل (نيسان) الماضي، تأكد وجود «إنسان دينيسوفان» في تايوان. وأكد الباحثون هذا الاكتشاف الآن باستخدام البروتينات المحفوظة داخل الأحفورة. ثم في يونيو (حزيران) الماضي عُثر على أول وجه لإنسان، حيث وُصفت جمجمة من مدينة هاربين شمال الصين عام 2021، وسُميت نوعاً جديداً.

حتى الآن، تبدو هذه النتائج منطقية للغاية. كما أنها رسمت صورة متكاملة لـ«إنسان دينيسوفان» كإنسان ضخم البنية.

وكان الاكتشافان الآخران في عام 2025 مفاجأتين كبيرتين. ففي سبتمبر، أُعيد بناء جمجمة مهشمة من يونشيان في الصين. ويبدو أن جمجمة يونشيان 2 تعود إلى «إنسان دينيسوفان» مبكر، وهو اكتشاف مثير للاهتمام؛ نظراً لقدمها التي تبلغ نحو مليون عام. ويشير هذا إلى أن «إنسان دينيسوفان» كان موجوداً مجموعةً منفصلة منذ مليون عام على الأقل، أي قبل مئات آلاف السنين مما كان يُعتقد سابقاً. كما يدل هذا على أن السلف المشترك بيننا وبين «إنسان نياندرتال»، والمعروف باسم السلف العاشر، قد عاش قبل أكثر من مليون عام.

• استخلاص جينوم من سن وحيدة. بعد شهر واحد فقط، أعلن علماء الوراثة عن ثاني جينوم عالي الجودة لـ«إنسان دينيسوفان»، والذي استُخرج من سنّ عمرها 200 ألف عام في كهف دينيسوفا. الأهم من ذلك، أن هذا الجينوم كان مختلفاً تماماً عن الجينوم الأول المُبلغ عنه، والذي كان أحدث عهداً، كما أنه كان مختلفاً عن الحمض النووي للـ«دينيسوفان» لدى البشر المعاصرين.

ويُشير هذا إلى وجود ثلاث مجموعات على الأقل من الـ«دينيسوفان»: مجموعة مبكرة، ومجموعة لاحقة، ومجموعة تزاوجت مع جنسنا البشري. هذه المجموعة الثالثة، من الناحية الأثرية، تظل لغزاً محيراً.

* مجلة «نيو ساينتست» - خدمات «تريبيون ميديا»