مستقبل الحرب... مفاهيم مُستدامة ووسائل جديدة

المسيّرات تحطّم الدبابات والذكاء الاصطناعي يدخل ساحة المعركة

دبابة أوكرانية قرب خطوط القتال ضد روسيا في إقليم دونيتسك يوم 3 سبتمبر الحالي (رويترز)
دبابة أوكرانية قرب خطوط القتال ضد روسيا في إقليم دونيتسك يوم 3 سبتمبر الحالي (رويترز)
TT

مستقبل الحرب... مفاهيم مُستدامة ووسائل جديدة

دبابة أوكرانية قرب خطوط القتال ضد روسيا في إقليم دونيتسك يوم 3 سبتمبر الحالي (رويترز)
دبابة أوكرانية قرب خطوط القتال ضد روسيا في إقليم دونيتسك يوم 3 سبتمبر الحالي (رويترز)

لا يمكن فعلاً توقع مستقبل الحرب، فهي كالحرباء، تتبدّل بتبدّل الواقع الميداني، كما قال كلوزفيتز. هي ثقب أسود، يبتلع كل شيء، هي بمنزلة لقاء بين إرادتين متنازعتين، لكنه لقاء دمويّ يسعى إلى الإلغاء. تتأقلم طبيعة الحرب مع محيطها وظروفها، فهي قاتلة بالسهم، في قديم الحروب، وقاتلة بالبندقيّة والمدفعية، وأيضاً بالسلاح النووي، في الحروب الحديثة، وهي حتماً ستكون قاتلة مع دخول الذكاء الاصطناعي ساحات المعارك.

ولكن ما ثوابت الحرب؟

إذا كانت الحرب من صنع الإنسان، فهي تتضمّن حتماً كثيراً من خصائص الطبيعة البشريّة. لكن ما يُقلق المفكرين والمخططين العسكريين لا يرتبط بفشل الفكر العسكريّ أو الفشل في الفكر الاستراتيجيّ. فالاستراتيجيّة ستبقى تُعرّف، رغم التحولات الكبرى، بأنها «تلك الأفعال، أو السلوكيات، في أرض المعركة، التي تسعى إلى ربط الأهداف بالوسائل المتوافرة»، وذلك بهدف تحقيق الأهداف السياسيّة. ما يُقلق المفكرين والمخططين العسكريين في الواقع يرتبط بما أنتجته الثورة التكنولوجيّة من وسائل جديدة دخلت مسرح الحرب لتخلط الحابل بالنابل، وتشكّل التحدي الأكبر للقادة العسكريين في القدرة على التأقلم مع الواقع الجديد، خصوصاً أن هذه الوسائل الجديدة دخلت الحرب دون التحضير المُسبق لها من الجيوش.

مفاهيم مُستدامة - وسائل جديدة

يبقى التجسس على العدو أمراً ثابتاً، لكنه يحصل بطرق ووسائل جديدة. ففي الحرب الباردة، شكّل الاستعلام البشري (HUMINT) المصدر الأهم لمعرفة نيّات الآخر. ومع الثورة التكنولوجية، تعدّدت وسائل التجسس وجمع المعلومات عن العدو، سواء من خلال المصادر العامة والمفتوحة (OSINT) أم عبر الخرق السيبراني.

يُعد القيصر بطرس الأكبر أوّل من أسَّس مدرسة للمدفعيّة في روسيا. أسهم هذا السلاح في انتصار بلاده في كثير من المعارك والحروب، خصوصاً ضد نابليون في معركة بورودينو عام 1812. يصف الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين المدفعيّة بأنها «آلهة المعركة». لكن المدفعيّة ترجَّلت مؤقتاً عن عرشها في الحرب الأوكرانيّة بسبب المُسيّرات التي طوّرتها أوكرانيا وبسبب الصواريخ المتطورة التي أمدها بها الغرب. وإذا كانت المدفعية الروسية تعتمد قبل الحرب الأوكرانيّة، وفي بداياتها، على مبدأ الحشد المدفعي (MASS) وكثافة النيران، فإن المسيّرات ضربت مبدأ الحشد، الأمر الذي ألزم روسيا بتغيير التكتيك المدفعي، والعمل على مقارعة أوكرانيا في مجال المسيّرات. فعلى سبيل المثال، كانت المدفعية خلال الحربين العالميتين السبب الأساسي في مقتل أكبر عدد من الجنود.

مسؤولون أوكرانيون وبولنديون في معرض للمسيّرات الأوكرانية بكييف يوم 12 سبتمبر 2025 (المكتب الصحافي لوزارة الخارجية الأوكرانية-أ.ف.ب)

في الحرب الأوكرانية، استعمل الجيش الأوكراني المسيّرات بديلاً للمدفعية، بحيث كانت هذه المسيّرات السبب الأساسي لمقتل الجنود الروس (70 - 80 في المائة). في مكان آخر، وفي مسرح الحرب الأوكرانيّة نفسه الذي تحوّل إلى مسرح اختبار للأسلحة، وأيضاً إلى مسرح للابتكارات التكتيكيّة، تسببت المسيّرات الأوكرانيّة في تدمير نحو 12000 آلية روسية، بين دبابة وعربة مُدرّعة. فهل يعني هذا نهاية عصر الدبابة والمدفع؟ بالطبع لا. لكن المطلوب هو تعديل طريقة القتال المشترك (Combined) بين مختلف الأسلحة، وكذلك التكتيكات، بالإضافة إلى تعديل التصميم لهذه الأسلحة، كي تتلاءم مع المخاطر الجديدة.

في الختام، تُنظّر المؤرّخة الأميركيّة سارة باين (Sarah Paine) بأن الولايات المتحدة الأميركيّة تمارس حالياً دور الدولة المارقة، وعلى مسارين يتأرجحان بين «الكونيّة» و«الانعزالية»، وهي تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة، حتى على حساب الحلفاء. ما يُعزّز هذه المقاربة هو توافر وسائل القوة لدى الولايات المتحدة، والقدرة على الضرب من بُعد، وانطلاقاً من الأراضي الأميركيّة، كما حصل خلال الضربة الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانيّة.

تُضيف المؤرّخة الأميركيّة قائلةً إن الولايات المتحدة تحوّلت من حماية الحلفاء إلى معاقبة الأعداء. فهل ستُؤثّر هذه المقاربة على مستقبل الحرب؟ بالطبع نعم، ولكن كيف؟ سيظهر ذلك بالتأكيد في مقبل الأيام.


مقالات ذات صلة

لافروف: ينبغي عدم اختزال العلاقات الروسية الأميركية في المشكلة الأوكرانية

أوروبا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

لافروف: ينبغي عدم اختزال العلاقات الروسية الأميركية في المشكلة الأوكرانية

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم الاثنين، إنه لا ينبغي اختزال العلاقات الروسية الأميركية في المشكلة الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (رويترز)

إيطاليا تمهد الطريق أمام استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا خلال العام المقبل

تستعد إيطاليا لمواصلة تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا في العام المقبل، بعد موافقة حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني اليمينية، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (روما)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يمد يده لمصافحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنكوردج (ألاسكا) - 15 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)

مكالمة ترمب مع بوتين «إيجابية»

أعلن البيت الأبيض، ظهر الاثنين، أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أجرى مكالمة هاتفية «إيجابية» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يصافح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعدة عسكرية في أنكوريج بولاية ألاسكا الأميركية 15 أغسطس 2025 (رويترز)

البيت الأبيض: ترمب أجرى مكالمة هاتفية «إيجابية» مع بوتين بشأن أوكرانيا

أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب مكالمةً هاتفيةً «إيجابيةً» مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الاثنين، بشأن الحرب مع أوكرانيا، وفق المتحدثة باسم البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا مصافحة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريدا أمس الأحد (أ.ف.ب)

زيلينسكي: ضمانات واشنطن الأمنية قوية لـ15 عاماً قابلة للتجديد

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاثنين، أنّ واشنطن اقترحت على كييف ضمانات أمنية «متينة» لمدة 15 عاماً قابلة للتجديد في مواجهة روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لافروف: ينبغي عدم اختزال العلاقات الروسية الأميركية في المشكلة الأوكرانية

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)
TT

لافروف: ينبغي عدم اختزال العلاقات الروسية الأميركية في المشكلة الأوكرانية

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم الاثنين، إنه لا ينبغي اختزال العلاقات الروسية الأميركية في المشكلة الأوكرانية، مشيراً إلى أن الاتصالات مع واشنطن بشأن تطبيع العلاقات مستمرة منذ فبراير (شباط).

وأضاف، في تصريحات نقلتها وكالة «نوفوستي»، أن فريقي التفاوض التابعين لوزارتي الخارجية الروسية والأميركية يهدفان لاستعادة عمل البعثات الدبلوماسية، لكنه أكد ضرورة الانتقال في الحوار مع أميركا إلى قضايا استئناف حركة الطيران وإعادة الممتلكات الدبلوماسية.

وقال وزير الخارجية الروسي إن الغرب يدرك أن المبادرة الاستراتيجية في أوكرانيا في يد الجيش الروسي تماماً، وأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يحاول يومياً حل النزاع في أوكرانيا ويحاول عدم الخضوع لضغوط كييف وأوروبا.

وشدد لافروف على ضرورة إجراء انتخابات في أوكرانيا في ضوء انتهاء ولاية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لافتاً إلى أن موسكو تعتقد أن إدارة ترمب تشاركها الرأي في هذا الصدد.

وقال: «لا يمكن أن تكون الانتخابات في أوكرانيا ذريعة لوقف إطلاق النار وإعادة تسليح الجيش الأوكراني... على أوكرانيا والغرب الاعتراف بالواقع الإقليمي الجديد بعد عامي 2014 و2022».

وأكد لافروف ضرورة وضع ضمانات ملزمة قانوناً للقضاء على الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا.

وعلى صعيد العلاقات مع أميركا قال إن روسيا تراقب عن كثب الخطوات الأميركية في مجال الاستقرار الاستراتيجي، لافتاً إلى أن موسكو تنتظر أن تكمل الولايات المتحدة دراستها لمبادرة الرئيس فلاديمير بوتين بشأن الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية.

وأضاف: «تنتظر دول عديدة رداً أميركياً واضحاً على اقتراح روسيا بشأن معاهدة ستارت الجديدة».

ورداً على سؤال بشأن العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، قال لافروف إن موسكو تعكف على إعداد الرد على قرار الاتحاد بحظر تصاريح السفر «شنغن» على الروس.


إيطاليا تمهد الطريق أمام استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا خلال العام المقبل

رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (رويترز)
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (رويترز)
TT

إيطاليا تمهد الطريق أمام استمرار المساعدات العسكرية لأوكرانيا خلال العام المقبل

رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (رويترز)
رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (رويترز)

تستعد إيطاليا لمواصلة تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا في العام المقبل، بعد موافقة حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني اليمينية، الاثنين، على مرسوم يسمح باستمرار تسليم الأسلحة والمعدات العسكرية لكييف، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وتعد إيطاليا أحد أقوى شركاء أوكرانيا الذين يعتمد عليهم داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وقال وزير الخارجية أنتونيو تاياني إن الدعم سيستمر، معبراً في الوقت نفسه عن «دعم الجهود الأميركية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا وإنهاء الحرب».

وقد اضطرت الحكومة إلى تأجيل إقرار المرسوم الذي كان مقرراً في أوائل الشهر الحالي بسبب اعتراضات من جانب أحد الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم.

وطالب حزب الرابطة اليميني الشعبوي، بقيادة نائب رئيس الوزراء ماتيو سالفيني، إلى إدخال تعديلات على نص المرسوم للتركيز بصورة أكبر على المساعدات المدنية، مع قصر المساعدات العسكرية على الأسلحة التي تخدم أغراضاً دفاعية.

ووافقت الحكومة الائتلافية لاحقاً على تعديلات لغوية طفيفة دون تغيير جوهري في مضمون المرسوم، الذي ينص أيضاً على تمديد تصاريح الإقامة لبعض الأوكرانيين في إيطاليا.

وقد ازدادت انتقادات سالفيني للمساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا. وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، قال إن إرسال الأسلحة لن يحل النزاع.


لاتفيا تكمل سياجاً أمنياً بطول 280 كيلومتراً على الحدود الروسية

جندي من لاتفيا (إ.ب.أ)
جندي من لاتفيا (إ.ب.أ)
TT

لاتفيا تكمل سياجاً أمنياً بطول 280 كيلومتراً على الحدود الروسية

جندي من لاتفيا (إ.ب.أ)
جندي من لاتفيا (إ.ب.أ)

أكملت لاتفيا سياجاً أمنياً بطول 280 كيلومتراً على حدودها مع روسيا، كما أفادت إدارة الممتلكات الحكومية في بيان، اليوم الاثنين.

ويظهر مقطع مصور بالفيديو للتركيبات مسارات دورية تجري على طول السياج المقوى بالأسلاك الشائكة.

ووصف وزير الداخلية ريهاردز كوزلوفسكيس هذا الحاجز إلى جانب سياج مماثل تم إكماله في عام 2024 على طول الحدود مع بيلاروس، بأنه «مساهمة كبيرة في أمن سكان لاتفيا وبلدنا».

وتعتزم لاتفيا إنشاء المزيد من تجهيزات البنية التحتية وأنظمة المراقبة على طول الحدود مع بيلاروسdh وروسيا بحلول نهاية عام 2026.

ونقل عن كوزلوفسكيس قوله في البيان: «هدفنا الأساسي هو إنشاء أحدث سبل حماية الحدود على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي».

وبدأت لاتفيا تعزيز حدودها مع روسيا وبيلاروسdh بعد غزو روسيا لأوكرانيا، الذي تعتبره ريغا تهديداً للأمن القومي للبلاد.

وتعتزم دول البلطيق الثلاث لاتفيا وإستونيا وليتوانيا إقامة عوائق للدبابات وكتل خرسانية على طول الحدود الروسية والبيلاروسية لحماية نفسها من الهجمات المحتملة.