السفير الياباني لدى اليمن: قرار 2216 لا يزال هو الأساس لحل الأزمة اليمنية

أكد لـ«الشرق الأوسط» أن السعودية قوة دافعة لإحلال السلام وتحظى بثقة المجتمع الدولي

السفير الياباني لدى اليمن يويتشي ناكاشيما (تصوير: تركي العقيلي)
السفير الياباني لدى اليمن يويتشي ناكاشيما (تصوير: تركي العقيلي)
TT

السفير الياباني لدى اليمن: قرار 2216 لا يزال هو الأساس لحل الأزمة اليمنية

السفير الياباني لدى اليمن يويتشي ناكاشيما (تصوير: تركي العقيلي)
السفير الياباني لدى اليمن يويتشي ناكاشيما (تصوير: تركي العقيلي)

أكد السفير الياباني لدى اليمن يويتشي ناكاشيما، أن طوكيو ما زالت ترى في قرار مجلس الأمن رقم 2216 حجر الزاوية لأي تسوية سياسية شاملة في اليمن، داعياً المجتمع الدولي والدول الإقليمية إلى دعم الجهود الرامية إلى تطبيقه بوصفه جوهر الحل، على حد وصفه.

وأوضح ناكاشيما في حوار مع «الشرق الأوسط» أن السعودية باتت اليوم دولة محورية وفاعلة في معادلات الشرق الأوسط، وقوة دافعة لإحلال السلام، لافتاً إلى أن المجتمع الدولي يضع ثقته الكبيرة في القيادة السعودية، لا سيما فيما يتعلق بالملف اليمني، مشيراً إلى أن بلاده تنسق عن قرب مع الرياض في هذا السياق.

أكد ناكاشيما أن طوكيو ترى في قرار مجلس الأمن رقم 2216 حجر الزاوية لأي تسوية سياسية شاملة في اليمن (تصوير: تركي العقيلي)

وفي معرض حديثه، شدّد ناكاشيما على عدم وجود أي قنوات تواصل بين اليابان وجماعة الحوثيين، لكنه أقرّ بأن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر مثَّلت مصدر قلق بالغ لطوكيو ولشركاتها، التي تكبّدت خسائر فادحة جراء هذه التهديدات، على حد تعبيره.

العلاقات اليابانية - اليمنية

وأوضح أن العلاقات الثنائية بين اليابان واليمن جيدة، وهناك تشاور وتنسيق مستمر، مبيناً أن هذه العلاقات تستند إلى الثقة المتبادلة من الجانبين، وقال: «الشعب اليمني يثق بالمنتجات اليابانية وجودتها، ونحن نثق باليمن عبر التعاون وتقديم المساعدات الاقتصادية وفي المحافل الدولية».

السفير الياباني لدى اليمن يويتشي ناكاشيما (تصوير: تركي العقيلي)

مهمة أممية صعبة

ويرى السفير الياباني أن الأمم المتحدة تبذل عبر مبعوثها السويدي هانس غروندبرغ، جهوداً كبيرة لتحقيق السلام في اليمن، إلا أن هذه الجهود لم تصل إلى النتائج المرجوّة، على حد قوله، وأضاف: «هناك تطورات جديدة جعلت من الوضع أكثر تعقيداً منذ بدء الصراع قبل نحو عشر سنوات، الأمر مرتبط بالحرب في غزة، الحوثيون بدأوا شن هجمات على سفن الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وهذه خطوة تجلب ردود فعل من إسرائيل عبر قصف المنشآت المدنية، هذا الوضع يجعل من مهمة المبعوث الأممي صعبة جداً، ودور الدبلوماسية أصبح ضيقاً».

لا تواصل مع الحوثيين

وأكد أن بلاده أو شركاتها لا تُجري أي تواصل مباشر مع جماعة الحوثيين بشأن ضمان أمن مرور السفن التجارية اليابانية في البحر الأحمر وخليج عدن.

يعتقد السفير أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر قلّصت مساحة الدبلوماسية وعقَّدت المشهد اليمني (تصوير: تركي العقيلي)

وأضاف السفير أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر «غير مسبوقة»، موضحاً أنها مثّلت «مفاجأة كبيرة للحكومة اليابانية ولشركات الملاحة التي تعبر سفنها تلك المنطقة»، مشيراً إلى أنها أصبحت مصدر قلق بالغ.

ولفت ناكاشيما إلى أن غياب بوادر التفاؤل في الأفق يرتبط باستمرار الحرب الدائرة في غزة، الأمر الذي يزيد من تعقيد المشهد ويجعل التوصل إلى حلول قريبة أمراً مستبعداً.

خسائر كبيرة

وفيما يتعلق بخسائر الشركات اليابانية جرّاء الهجمات في البحر الأحمر، أوضح السفير أنْ لا أرقام دقيقة متاحة حتى الآن بشأن حجم الخسائر التي تكبدتها الشركات اليابانية نتيجة هذه الهجمات. لكنه أشار إلى تقرير للبنك الدولي كشف عن أن المنطقة فقدت نحو 75 في المائة من حركة الشحنات العابرة بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ونهاية 2024. مبيناً أن اليابان بوصفها من أبرز الدول التي تعتمد على هذا الممر البحري، واجهت خسائر كبيرة، واضطرت بعض شركاتها إلى تحويل مساراتها عبر أفريقيا، الأمر الذي حمَّلها تكاليف إضافية باهظة.

السفير يويتشي ناكاشيما خلال زيارته ميناء عدن (UNDP)

مؤتمر الأمن البحري

وشدّد السفير الياباني يويتشي ناكاشيما على أهمية مؤتمر الأمن البحري المزمع عقده في العاصمة السعودية الرياض الأسبوع المقبل بالشراكة مع بريطانيا في توحيد جهود الدول المعنية بأمن البحر الأحمر وتعزيز قدراتهم البحرية، مؤكداً أنها خطوة «لا غنى عنها» بصرف النظر عن تطورات الملف اليمني، نظراً لكون البحر الأحمر قد أصبح «موضوع الساعة» ويحظى باهتمام متزايد من المجتمع الدولي.

وأوضح أن طوكيو واصلت، باستثناء فترات وجيزة، دعم قوات خفر السواحل اليمنية عبر تدريب أفرادها في اليابان ودول أخرى.

مؤشرات إيجابية

وقال ناكاشيما إنه خرج بعد زيارته مدينة عدن منتصف يوليو (تموز) الماضي ولقائه الرئيس رشاد العليمي وعدداً من الوزراء ومسؤولي الأمم المتحدة، بانطباع «أوضح وأفضل» عن الأوضاع، ولمس مؤشرات إيجابية على بدء تحرك الحكومة الشرعية، من أبرزها انتظام عقد اجتماعات مجلس الوزراء أسبوعياً كل يوم أربعاء.

السفير ناكاشيما خلال لقاء سابق مع رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن وجود المسؤولين في عدن «يعكس جدية في العمل لتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور، خصوصاً فيما يتعلق بأزمة الكهرباء، وهناك بوادر تحرك نحو الأفضل، بعد خطوات الحكومة للسيطرة على سعر العملة المحلية، وهو ما انعكس بتحسن نسبي في قيمتها»، مشدداً على أن «هذه المؤشرات الإيجابية تتطلب متابعة واستمرارية لضمان ترسيخ هذا التغيير».

فتح سفارة في عدن

وفيما يخص احتمال إعادة فتح سفارة اليابان في عدن، أوضح أن بلاده لا تستبعد هذه الخطوة، غير أن أي قرار في هذا الشأن سيبقى رهناً بالتطورات المقبلة، والتنسيق مع الحكومة الشرعية، وكذلك بانتظار اللحظة التي تتيح العودة إلى العاصمة صنعاء.

دور سعودي موثوق لإحلال السلام

وفيما يتصل بالدور السعودي، أكد السفير الياباني يويتشي ناكاشيما، أن المملكة العربية السعودية باتت اليوم دولة محورية وحيوية في المنطقة، وقوة فاعلة في مساعي إحلال السلام. وأوضح أن ملامح الدبلوماسية السعودية أصبحت أكثر وضوحاً وآفاقها أرحب، وهو ما جعل المجتمع الدولي يضع ثقته الكبيرة في القيادة السعودية، لا سيما فيما يخص الملف اليمني.

جانب من استقبال السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر للمبعوث الأممي الخاص لليمن في أغسطس الماضي (الشرق الأوسط)

وأشار إلى أن المشاورات مع الرياض مستمرة بشكل وثيق، مذكّراً بأن المبعوث الأممي يزور السعودية بانتظام، إلى جانب الأدوار البارزة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، وهي مؤسسات وصفها بأنها ذات «حجم كبير وتأثير ملموس»، الأمر الذي يجعل التنسيق معها ضرورة لضمان انسجام الجهود الدولية.

وأضاف ناكاشيما أن مقاربة الرياض في الملف اليمني تنسجم مع التوجهين الأوروبي والأميركي، لكنه لفت إلى أن الظروف الراهنة لم تسمح بعد بخوض نقاش موسع حول إعادة الإعمار. ومع ذلك، شدد على أن الاستعدادات قائمة للمرحلة المقبلة، التي ستتطلب -على حد تعبيره- تعزيز قدرات الحكومة الشرعية إدارياً ومالياً، بما يمكّنها من أداء دورها على نحو أفضل.

قرار 2216 هو الأساس

وحول الأنباء عن مداولات بشأن إمكانية صدور قرارات جديدة من مجلس الأمن حول اليمن، قال السفير الياباني إنه لم يطّلع رسمياً على مثل هذه المقترحات، مشدداً على أن القرار 2216 ما زال يمثل الإطار الأشمل والأساسي لإحلال السلام في اليمن.

وأوضح أن «بعض الجوانب المستجدة، مثل التطورات في البحر الأحمر، قد لا تكون مشمولة في القرار الحالي، لكن ذلك لا يغيّر من جوهر القضية ولا من أسس الحل». وأضاف: «الحل المنشود للقضية اليمنية قائم وقابل للتطبيق، وما يتطلبه الأمر هو تركيز المجتمع الدولي والدول الإقليمية جهودها على تنفيذ هذا القرار، وتقديم الدعم والتسهيلات اللازمة للمبعوث الأممي والأطراف المعنية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية».


مقالات ذات صلة

العالم العربي مأرب تضم أكثر من 209 مخيمات مكتظة بالأسر النازحة (إعلام حكومي)

مأرب تشكو نقص المساعدات وضغط النزوح الإضافي من الشرق

تشهد محافظة مأرب اليمنية تصاعداً مقلقاً في موجات النزوح المقبلة من حضرموت والمهرة، في ظل التطورات الأمنية والعسكرية الأخيرة، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي يشيد بجهود السعودية والإمارات في خفض التصعيد شرق اليمن

أشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، بجهود السعودية والإمارات في احتواء التصعيد وخفض التوتر بالمحافظات الشرقية

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحوثيون يُرهِبون المجتمع اليمني بالاعتقالات وتلفيق تهم التجسس (إ.ب.أ)

موجة اعتقالات حوثية إضافية تطول 10 موظفين أمميين

صعّدت الجماعة الحوثية من حملتها ضد الأمم المتحدة ووكالاتها، باحتجازها عشرة من موظفي المنظمة اليمنيين ليرتفع العدد في معتقلات الجماعة إلى 69 موظفاً

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي جانب من اجتماعات سابقة لقيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء (إعلام محلي)

«مؤتمر صنعاء» يستكمل مسلسل رضوخه للحوثيين

استكمل جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرة الحوثيين مسار الرضوخ لإملاءات الجماعة حيث قام قادته بفصل الأمين العام وتعيين نائب بدلاً عن نجل صالح.

محمد ناصر (تعز)

النازحون من جنوب لبنان ينتشرون في العمق... ويبدأون حياة جديدة

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
TT

النازحون من جنوب لبنان ينتشرون في العمق... ويبدأون حياة جديدة

آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)
آلية للجيش اللبناني في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان تعبر قرب أبنية متضررة جراء الحرب (أرشيفية - رويترز)

لا يزال نحو مائة ألف مواطن لبناني من الطائفة الشيعية، تهجروا من منازلهم ومناطقهم نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، يعيشون في مناطق متفرقة رغم مرور أكثر من عام على إعلان وقف النار.

الحرب، وإن كانت قد توقفت بشكل موسع، فإنها مستمرة بأشكال أخرى، سواء من خلال عمليات الاغتيال التي تطول عناصر وقياديي «حزب الله»، أو من خلال الاستهدافات لمبانٍ ومنشآت تقول إسرائيل إن الحزب يعمل فيها على إعادة بناء قدراته العسكرية.

بموازاة تأخير عملية إعادة الإعمار التي يُنظر إليها على أنها السبب الرئيسي لعدم عودة العدد الأكبر من النازحين إلى بلداتهم وقراهم، إلا أن الخشية المستمرة من تدحرج الأمور باتجاه حرب جديدة في أي وقت، تجعل القسم المتبقي يفضل مواصلة التمركز في مناطق تُعتبر مُحيّدة حيث لا نفوذ وسيطرة لـ«حزب الله».

عناصر من الجيش اللبناني بمحاذاة آلية استهدفتها غارة إسرائيلية في جبل لبنان الجنوبي الأربعاء (أ.ف.ب)

وتنتظر مئات العائلات النازحة دفعة جديدة من المال يفترض أن يؤمنها «حزب الله» لمن دُمرت منازلهم بدل إيجار وإيواء، بعدما كان قد أمّن هذه المبالغ قبل عام. وتشير المعلومات إلى أن هؤلاء تلقوا وعوداً ببدء قبض مستحقاتهم الأسبوع المقبل. أما المبلغ الإجمالي المطلوب فقدره 110 ملايين دولار.

توزعهم على المناطق

وحسب الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، فإن الشيعة النازحين توزعوا على عدة مناطق؛ من نزحوا من الشريط الحدودي وعددهم حوالي 90 ألفاً، نصفهم موجود في القرى الجنوبية القريبة، أي في صور والنبطية وصيدا وقضاء الزهراني وغيرها، ونصفهم الآخر موجود في الضاحية الجنوبية ومناطق بيروت، موضحاً أن «سكان الضاحية نزح حوالي 10 آلاف منهم، نصفهم إلى مناطق متفرقة من بيروت والنصف الآخر إلى مناطق متاخمة، وبالتحديد إلى ضواحي جبل لبنان القريبة من العاصمة كالحازمية والمنصورية وسن الفيل وغيرها».

منطقة اقتصادية

ونفى شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، ما يتم الترويج له عن أن «حزب الله» يشتري شقق الراغبين ببيعها في الضاحية، لافتاً إلى أنه في المقابل «يصر على ألا تُدفع أموال للمتضررين إنما أن تتم عملية إعادة إعمار منازلهم بشكل مباشر خشية أن ينتقل هؤلاء للسكن في مناطق أخرى».

وأشار شمس الدين إلى «ازدياد الحديث عن منطقة اقتصادية ممتدة من الناقورة حتى شبعا بعمق 5 كلم، على أن تُنشأ شركة على غرار شركة (سوليدير) لإعادة الإعمار فيصبح من لهم أملاك في هذه المنطقة يحملون أسهماً في هذه الشركة من دون أن يتمكنوا من العودة للسكن فيها».

أبناء الشريط الحدودي

يبدو أن قسماً كبيراً من أبناء منطقة الشريط الحدودي وصلوا إلى قناعة في هذا المجال فأقدموا على نقل أعمالهم إلى مناطق سكنهم وحتى بدأوا أعمالاً جديدة، خاصة أولئك الذين كانوا يعملون في الزراعة والمواشي.

ويشير حسين.م (46 عاماً) إلى أنه ورغم تعلقه بأرضه فإنه لم يعد يفكر بالعودة إليها بعد أن وسّع أعماله في بيروت، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أنا كنت أعمل سنكرياً (مصلح السباكة) في بلدتي وكانت الأعمال محدودة. هنا في بيروت فرص العمل أكبر بكثير لذلك ها نحن نؤسس من جديد هنا».

عمال يعيدون ترميم كنيسة تضررت بفعل قصف إسرائيلي في بلدة ديردغيا بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

من جهته، يستبعد الكاتب السياسي ورئيس تحرير موقع «جنوبية» علي الأمين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تكون أكثرية أبناء الشريط الحدودي فقدت الأمل بالعودة إلى قراها وإعادة إعمارها، «وإن صارت العودة هذه أمراً ليس بالهين واليسير، ودونها عقبات كبرى»، لافتاً إلى أن «ما تبدل أنهم أصبحوا أكثر جهوزية لتقبل عودة بشروط يدركون أنها ستكون قاسية عليهم، بسبب ما يعتقدون أن إسرائيل ستفرضه على إعادة الإعمار وعلى العائدين، علماً بأن القرى المدمرة ليست خالية تماماً فقد أتاحت إسرائيل للعديد من العائلات العودة ولكن بفرض قواعد وشروط تجعل السكان وكأنهم تحت سلطة الاحتلال، فأي عمل أو نشاط في هذه القرى يتطلب إذناً مسبقاً من الاحتلال ليوافق أو يرفض».

وضع سكان الضاحية

أما سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، فقد عاد كثيرون إليها بعد إعلان وقف النار، لكن أعداداً كبيرة أخرى لا تزال تؤجل العودة خشية اندلاع جولة حرب جديدة أو حتى تخطط لبيع ممتلكاتها هناك.

ويتحدث أمير ر. (35 عاماً) عن تجربته لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «إمكاناتنا المادية قبل نحو 10 سنوات لم تكن تسمح لنا بشراء منزل إلا في الضاحية، ولكننا كنا دائماً نفكر بالانتقال عندما تتحسن ظروفنا المعيشية... باغتتنا الأحداث الأخيرة واضطررنا لمغادرة منزلنا يوم اغتيال فؤاد شكر، لأنه عندها اعتبرنا أن الوضع الأمني لم يعد يسمح بالوجود في الضاحية وقد انتقلنا للسكن في منزل للإيجار في بعبدا لا نزال نسكن فيه لأن الوضع لا يزال غير مستقر»، لافتاً إلى أنه وعائلته اختاروا السكن في منطقة بعبدا باعتبارها قريبة من مدارس أولاده، «كما أن بعض أقاربنا وجيراننا اختاروا الحدث والشويفات وخلدة ودير قوبل».

ويؤكد أمير أنه «مع الوقت نخطط لبيع منزلنا الذي تضرر خلال الحرب، لكننا ننتظر كي يهدأ الوضع أكثر لنتمكن من تحصيل سعر جيد يخولنا شراء منزل آخر خارج الضاحية».

وقد عمد كثير من النازحين الذين يملكون الإمكانات والفرص للهجرة فيما يعمل آخرون لتحقيقها.


لبنان: «حزب الله» يخوض معركة قانون الانتخابات من موقع القلق

جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)
جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)
TT

لبنان: «حزب الله» يخوض معركة قانون الانتخابات من موقع القلق

جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)
جلسة البرلمان اللبناني انعقدت الخميس بغياب ممثلي «القوات» و«الكتائب» وقوى التغيير (الوكالة الوطنية)

لم تكن مقاطعة «القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب» لجلسة مجلس النواب الأخيرة، خطوة معزولة عن سياقها السياسي، بل شكّلت، وفق أوساط نيابية معارضة، ترجمة مباشرة للقلق من مسار تشريعي يُخشى أن يتحوّل مدخلاً إلى تعطيل الانتخابات أو تأجيلها تحت عناوين تقنية.

في هذا المناخ، عاد قانون انتخابات 2018 إلى الواجهة، ليس بوصفه نصاً إصلاحياً قيد التطوير، بل بوصفه قانوناً وُلد من تسوية سياسية ظرفية، ويُعاد استدعاؤه اليوم في لحظة اختلال سياسي حاد، مع ما يرافق ذلك من اشتباك حول بند مقاعد المغتربين، وتوقيت أي تعديل، وحدود ما يمكن تسويقه داخلياً وخارجياً.

قانون ابن لحظته السياسية

في هذا السياق، يقدّم الأمين العام لـ«الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات» (LADE) عمار عبود قراءة تشخيصية لجذور الأزمة. ويقول عبود لـ«الشرق الأوسط» إنّ قانون الانتخابات المعمول به «لم يُصمَّم بوصفه قانوناً عملياً مستقراً بقدر ما وُلد من لحظة سياسية وصفقة بين القوى التي أقرّته»، عادّاً أنّ القانون الذي طُبّق للمرة الأولى في انتخابات عام 2018 «كان نتيجة تسوية بين أحزاب، صيغت بما يخدم توازنات تلك المرحلة ومصالح أطرافها».

ويضيف أنّ الإشكالية الأساسية اليوم تكمن في أنّ «المعطيات تبدّلت جذرياً بعد سبع سنوات، مع الأزمة والتحولات السياسية والاجتماعية»، ما يجعل النقاش حول تعديل القانون «أقرب إلى محاولة إعادة تكييفه مع توازنات سياسية جديدة»، محذّراً من أنّ هذا المسار «يتحوّل عملياً إلى إعادة توزيع ومحاصصة إذا جرى بمنطق حماية المكتسبات لا بمنطق إصلاح قواعد اللعبة الانتخابية».

بند المغتربين

أحد أبرز عناوين الاشتباك يتمثّل في بند المقاعد الستة المخصّصة للمغتربين. ويشير عبود إلى أنّ القوى السياسية في عام 2018 «اتّفقت على المبدأ لكنها رحّلت التفاصيل، فتمّ تثبيت فكرة المقاعد الستة من دون حسم كيفية تطبيقها». ويقول: «جرى تأجيل التنفيذ في الاستحقاقات اللاحقة، والآن عاد البند إلى الواجهة لأن النص بقي غامضاً: هل هي دائرة اغتراب واحدة ينتخب فيها جميع المغتربين ستة نواب؟ أم ست دوائر؟ وكيف يكون التوزيع الطائفي لهذه المقاعد؟ وما شروط الترشح لها؟ وما الجهة التي تشرف على العملية في الخارج؟ وكيف تُطبَّق الرقابة؟».

رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خلال المؤتمر العام للحزب 2025 (القوات)

ويشدّد عبود على أنّ هذا الغموض يجعل تطبيق المادة «متعذّراً عملياً من دون تعديل تشريعي»، مؤكداً أنّ الخيارات الواقعية تنحصر بين «تفصيل النص بشكل واضح ليصبح قابلاً للتنفيذ، أو إلغاء المقاعد الستة»، وفي الحالتين «لا مفرّ من العودة إلى المجلس النيابي».

كواليس التأجيل

لكن خلف النقاش القانوني، تكشف مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط» أنّ التداول في الكواليس ذهب أبعد من ذلك، إذ طُرح خيار تأجيل الانتخابات دورة كاملة. ويقول مصدر نيابي إنّ هذا الطرح «هرطقة دستورية»، موضحاً أنّ التأجيل، إن حصل، «لا يكون إلا مرحلياً أو تقنياً ولمدّة محدودة، غالباً سنة واحدة، ولا يمكن تبريره قانونياً لدورة كاملة».

جنازة رئيس أركان «حزب الله» هيثم الطبطبائي وآخرين قُتلوا معه بضربة إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويضيف المصدر أنّ هذا الطرح قُوبل برفض واضح من دبلوماسيين غربيين، شدّدوا خلال اتصالاتهم مع المسؤولين اللبنانيين على أنّ أي تأجيل طويل «غير مقبول دولياً»، و«لا يمكن تسويقه بوصفه خطوة إصلاحية أو تقنية».

وحسب المصدر، أعاد المسؤولون اللبنانيون الترويج لصيغة بديلة تقوم على «تأجيل تقني محدود حتى شهر يوليو (تموز) المقبل، تُقدَّم بوصفها تخريجة تسمح بإجراء تعديلات لوجيستية، من بينها إتاحة مشاركة المغتربين عبر انتخابهم داخل لبنان، بدلاً من الذهاب إلى تطبيق ملتبس للمقاعد الستة في الخارج».

تاريخ القوانين الانتخابية

في السياق الأوسع، يقدّم الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين قراءة تاريخية تضيء على طبيعة النقاش الحالي. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ الانتخابات النيابية العامة في لبنان أُجريت 16 مرة منذ الاستقلال عام 1943 وحتى اليوم، فيما عُدِّل قانون الانتخاب نحو 10 مرات، لافتاً إلى أنّ «الدافع الأساسي وراء هذه التعديلات لم يكن تحسين صحة التمثيل، بل حسابات القوى السياسية قُبيل كل استحقاق، حيث تسعى كل جهة إلى تعديل القانون في التوقيت الذي يخدم مصلحتها ويُحرج القوى الأخرى».

ويوضح شمس الدين أنّ «جميع القوانين الانتخابية التي عُدِّلت أو اعتُمدت جاءت عملياً على قياس القوى السياسية، ولم تُحقّق الهدف المعلن منها، أي تصحيح التمثيل»، مشيراً إلى أنّ «الانتقال في انتخابات 2018 و2022 من النظام الأكثري إلى النظام النسبي لم يكن انتقالاً سليماً، إذ جاءت النسبية مشوّهة، لكنها مع ذلك حقّقت مصالح واضحة للقوى السياسية، ما يفسّر تمسّكها بهذا القانون في انتخابات 2022، واستمرار التمسّك به حتى انتخابات 2026».

ويضيف أنّ «النقاش الدائر حالياً لا يتناول جوهر القانون، بل يقتصر على تعديلات طفيفة»، موضحاً أنّ «الحديث لا يشمل إعادة النظر بحجم الدوائر أو بطريقة الاقتراع، بل ينحصر في مسائل فرعية، مثل مقاعد المغتربين الستة أو 128 مقعداً، والكوتة النسائية من عدمها، أو خفض سن الاقتراع إلى 18 أو إبقائه عند 21 عاماً»، مؤكداً أنّ «جوهر القانون الانتخابي نفسه خارج أي نقاش جدي، رغم أنّ هذه النقاط تبقى أقل أهمية من معالجة الأساس الذي يُفترض أن يقوم عليه أي قانون انتخابي عادل».

السلاح في قلب المعادلة

غير أنّ هذا السجال، وفق معارضين، لا ينفصل عن معضلة السلاح. فملف الانتخابات بات ورقة ضغط في مواجهة تصاعد المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، وسط مخاوف من أن يتحوّل التأجيل، أو التلويح به، إلى أداة مقايضة سياسية، تقوم على إرجاء الاستحقاق أو تعديل قواعده مقابل تهدئة النقاش حول سلاح «حزب الله» أو ترحيله إلى مرحلة لاحقة.

وتشير مصادر معارضة لـ«حزب الله»، إلى أنّ بعض القوى، لا سيما «الثنائي الشيعي»، تخوض معركة القانون من موقع القلق، في ظل تراجع شعبيتها بعد الحرب والأزمة الاقتصادية، ما يعزّز الإغراء باستخدام أدوات التعطيل أو شراء الوقت، سواء عبر مقاطعة أو عبر فتح باب تعديلات متأخرة.

تحذير من لعبة الوقت

في خضم هذا المشهد، يحذّر عبود من فتح باب التعديلات في توقيت قاتل، قائلاً إنّ النقاش في القانون «قبل أشهر من موعد الانتخابات يخالف أبسط المبادئ الديمقراطية».

ويحذّر من أنّ استمرار المراوحة حول تفسير النصوص أو تجنّب الحسم التشريعي «يدفع البلاد إلى طريق مسدود»، لأن الحكومة «لا تستطيع تطبيق مادة غير محددة الشروط، فيما يتحوّل الخلاف السياسي إلى لعبة وقت قد تُستخدم ذريعة لفتح الباب أمام سيناريوهات التأجيل، بدل الذهاب إلى انتخابات في موعدها، وبقواعد واضحة، تعكس إرادة الناخبين لا حسابات القوى السياسية».


لـ«منع إقامة دولة فلسطينية»... إسرائيل تقر إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة

صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

لـ«منع إقامة دولة فلسطينية»... إسرائيل تقر إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة

صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)
صورة لمستوطنة إسرائيلية بشرق مدينة نابلس في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

وافق المجلس الأمني في إسرائيل، الأحد، على إقامة 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة، في خطوة قال وزير المال اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش إنها تهدف إلى «منع إقامة دولة فلسطينية».

ووفق بيان صادر عن مكتب سموتريتش، فإنه وبموجب هذا الإعلان يرتفع عدد المستوطنات التي تمت الموافقة عليها خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى 69 مستوطنة.

وتأتي الموافقة الإسرائيلية بعد أيام على إعلان الأمم المتحدة تسارع وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية بحيث بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 2017 على الأقل، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وجاء في بيان مكتب سموتريتش: «تمت الموافقة في المجلس الوزاري المصغّر على اقتراح وزير المالية ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لإقرار وتنظيم 19 مستوطنة جديدة» في الضفة الغربية المحتلة.

ووصف البيان الخطوة بأنها «تاريخية»، وتهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية. وقال سموتريتش: «على أرض الواقع، نحن نمنع إقامة دولة إرهاب فلسطينية».

وأضاف: «سنواصل تطوير وبناء وتعزيز الاستيطان في أرض تراثنا التاريخي، إيماناً بعدالة الطريق الذي نسلكه».

وبحسب البيان: «تُعد مواقع هذه المستوطنات ذات أهمية استراتيجية عالية، ويتصدرها إعادة إقامة مستوطنتي غانيم وكاديم» اللتين سبق أن أزيلتا في شمال الضفة الغربية قبل نحو عقدين.

ومن بين المستوطنات التي تمت الموافقة عليها أيضاً، خمس مستوطنات عشوائية كانت قائمة بالفعل لكنها لم تكن تتمتع بوضع قانوني.

تأجيج التوترات

كان الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش دان «التوسع المستمر» للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وقال في وقت سابق من الشهر الجاري «هذا التوسع يواصل تأجيج التوترات، ويعيق وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم، ويهدد قابلية قيام دولة فلسطينية مستقلة تمامًا، ديموقراطية، متصلة جغرافيًا وذات سيادة».

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، تزايدت الدعوات لإقامة دولة فلسطينية، إذ أعلنت عدة دول أوروبية إلى جانب كل من كندا وأستراليا اعترافها بفلسطين كدولة ما أثار غضب إسرائيل.

وقال غوتيريش «تمثل هذه الأرقام زيادة حادة مقارنة بالسنوات السابقة»، مشيرًا إلى أن متوسط عدد الوحدات السكنية الاستيطانية التي أُضيفت سنويًا بين عامي 2017 و2022 بلغ 12.815 وحدة.

وأضاف «هذه التطورات تُرسّخ الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وتنتهك القانون الدولي، وتقوّض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير».

كما كانت إسرائيل أقرت الصيف الماضي مشروع (إي وان) الاستيطاني الذي من شأنه فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وأثار بدوره ردود فعل فلسطينية ودولية غاضبة.

ويعتبر المشروع من أكبر المشاريع الاستيطانية التي أعلنت عنها الحكومة الإسرائيلية مؤخرا وخصوصا أنه سيضمن بناء 3400 وحدة استيطانية جديدة وتوسعة مستوطنة معاليه أدوميم الواقعة إلى الشرق من القدس.

تحذير من ضم الضفة الغربية

كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد حذر إسرائيل من ضم الضفة الغربية وهي خطوة يحاول وزراء في الحكومة اليمينية في إسرائيل تطبيقها بأسرع وقت ممكن.

وباستثناء القدس الشرقية، التي احتلتها إسرائيل وضمتها مع الضفة الغربية عام 1967، يعيش نحو 500 ألف مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، بالإضافة إلى نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.

وسبق أن قال ترمب في مقابلة مع مجلة «تايم»، «ستفقد إسرائيل كل دعمها من الولايات المتحدة إذا تم ذلك».

وتُعدّ جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي، فيما تُعتبر البؤر الاستيطانية غير قانونية أيضا بموجب القانون الإسرائيلي.

تصاعد العنف

شهدت الأشهر القليلة الماضية تصاعداً في هجمات مستوطنين إسرائيليين، خصوصا من البؤر الاستيطانية، استهدفت فلسطينيين وناشطين إسرائيليين وأجانب مناهضين للاستيطان، وأحياناً جنوداً إسرائيليين.

كما تصاعدت أعمال العنف في أنحاء الضفة منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، قُتل ما لا يقل عن 1027 فلسطينياً، بينهم مسلحون، في الضفة الغربية برصاص القوات الإسرائيلية والمستوطنين منذ بدء الحرب.

وفي الفترة نفسها، قُتل 44 إسرائيلياً، بينهم جنود، في هجمات نفذها فلسطينيون في الضفة الغربية، وفق أرقام رسمية إسرائيلية.