شاه إيران تجاهل اقتراح تسليح الشيعة اللبنانيين... وسوريا رفضت إشراك الأردن في اتفاق ثلاثي

«الشرق الأوسط» تنشر مقتطفات من مذكرات النائب والوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل (الحلقة الأولى)

الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)
الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)
TT

شاه إيران تجاهل اقتراح تسليح الشيعة اللبنانيين... وسوريا رفضت إشراك الأردن في اتفاق ثلاثي

الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)
الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)

تنشر «الشرق الأوسط» اليوم مقتطفات من كتاب «مذكراتي»، الصادر بثلاثة أجزاء، للنائب والوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل وفيه يروي قصة أدوار لعبها في تاريخ لبنان الحديث. تتناول هذه الحلقة (المقتبسة من الجزء الثالث من المذكرات) الفترة الزمنية بين 1976 و1990، حين كانت الحرب اللبنانية قد اشتعلت، وانخرط فيها لاعبون إقليميون ودوليون.

يتناول هذا الجزء سرد الخليل قصة زيارته شاه إيران رضا بهلوي قُبيل وصول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى طهران للقاء الشاه. كان الخليل يريد وضع الشاه في صورة التدخل السوري في لبنان، لكن محادثاته فشلت لأن الشاه كان ينتظر موافقات أميركية على تحركاته. يتناول هذا الجزء أيضاً جولات الخليل الإقليمية، وبينها لقاء جمعه بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين؛ لمحاولة وضع حدٍ للأزمة اللبنانية والاقتتال الآخذ في التوسع.

غلاف الجزء الثالث من كتاب «مذكراتي» للنائب والوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل (الشرق الأوسط)

يقول الخليل:

في عام 1976، وصلتُ طهران برفقة زوجتي بعد ساعتَي طيران مزعجتَين، وكان خليل (نجل الخليل) بانتظارنا مع موظّفي السفارة. وبعد استراحةٍ وجيزة في صالون الاستقبال، انتقلنا إلى المنزل. صباح يوم الأحد، وصل الرئيس الأسد إلى طهران واستُقبل استقبالاً رسمياً. وفي الساعة الخامسة مساءً، استقبلني الشاه قبل اجتماعه مع الرئيس الأسد، وكان يرافقني ولدي خليل، بعدما استقبلنا في مدخل القصر، كبير المرافقين، وأدخلنا إلى مكتب وزير البلاط أسد الله علم. وعلى الفور استدعانا الشاه، فدخلنا عليه في مكتب فسيح مرصّعة جدرانه بمرايا بلورية من نوع الكريستال الثمين، مسلّطة عليه الأنوار الكهربائية الساطعة بشكلٍ يبهر الناظرين. وكان الشاه واقفاً بالقرب من الباب، فاستقبلني بترحابٍ خاص، وأجلسني إلى جانبه في زاوية من زوايا المكتب الفسيح. شكرته على استقباله لي في الموعد الذي حدّدتُه شخصياً، وهذه سابقة لم تحصل مع الشاه من قبل.

عرضتُ له الأسباب التي فرضت مقابلته قبل اجتماعه مع الرئيس الأسد. ثم نقلت إليه رسالة الرئيس (سليمان) فرنجيّة، وبسطت له حقيقة الفتنة القائمة في لبنان وأسبابها وتطوّرها ونتائجها ودور السوريين في كلّ ذلك، وضلوعهم بكلّ تطوّراتها، وأضفتُ:

- إن الفتنة في لبنان ليست طائفية، وليس سببها مطالب طائفية أو رفع ضيم عن فريق دون الآخر، بل هي مؤامرة حِيكت ضد لبنان لخرابه والقضاء على كلّ مرافق ازدهاره وعمرانه؛ تحقيقاً لإحلال الأنظمة اليسارية فيه، واتّخاذه قاعدة للشيوعية تنطلق منه إلى بلدان المنطقة الأخرى، وكذلك، تحقيقاً لأهداف إسرائيل التي تقضي بخراب كلّ بلدٍ عربي، وفي مقدّمتها لبنان. هذه هي أسباب الفتنة في لبنان والسوريون يعملون على إذكائها، مع العلم أن بإمكانهم إنهاءها ووضع حدٍّ للويلات النازلة بنا في خلال أيّام معدودة؛ لأن لهم تأثيراً شديداً على المقاومة الفلسطينية، وعلى جيش التحرير الذي هو بالاسم جيش فلسطيني، والحقيقة أنه فرقة من الجيش السوري. ونرجو منك أن تطلب من الرئيس الأسد إنهاء الأحداث في لبنان، وأن تصرّ عليه بذلك.

علّق الشاه:

** يقولون إن سبب الفتنة تمسّك المسيحيين بالحكم وتحكّمهم بمرافق الدولة وعدم وصول المسلمين إلى حقوقهم. وهذه المعلومات التي ذكرتَها لي لم يطلعني أحد عليها، وحسناً فعلت بزيارتك؛ إذ أصبح لدي معطيات جديدة. مع العلم بأنني لست ضد المسيحيين ولا أقول ذلك باعتباري مسلماً أو متأثّراً بشعوري الإسلامي، إنما المسيحيون أنفسهم في العالم (وفهمت من مجرى حديثه أنه يقصد أميركا وفرنسا) يقولون إن المسيحيين في لبنان يتشبّثون بالحكم ولا يشاركون المسلمين. أستغرب كيف يقبل العالم الغربي بسيطرة الشيوعية على البلاد العربية التي هي تقدّم له 70 في المائة من الطاقة، فإذا سيطرت الشيوعية تسلّطت على مقدّرات البلاد وصناعة العالم الغربي.

قلت له:

- لعلّ في التساهل مع الشيوعية مصلحة لإسرائيل، أو إنهم غير مقدّرين الوضع حقّ قدره.

** أعلم أن أميركا منذ سنتين، وبعد زيارة نيكسون لإيران، عدّلت سياستها بالنسبة إلى العرب وإسرائيل. وقد زرتُ أميركا مرّتين، وتأكّد لي أن مجلس الشيوخ لم يعد يؤيّد إسرائيل تأييداً مطلقاً، وأن هناك تراجعاً في السياسة الأميركية والرأي العام الأميركي حول تأييد إسرائيل المطلق.

إن وضع سوريا الداخلي ومعارضة حزب البعث العراقي لها واتّفاق سيناء بين مصر وإسرائيل، كلّ ذلك يفرض على سوريا أن تتعاون مع المقاومة الفلسطينية والحزب الشيوعي وقد أدخلت منه وزيرين في الحكومة الحاضرة.

كاظم الخليل يشارك في مناسبة احتفاءً بالرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)

- ألا ترى أن تدخّل المؤتمر الإسلامي يمكن أن يحقق الغرض المطلوب؟

** لا أعتقد ذلك للأسباب الآتية:

لأن المقاومة الفلسطينية والشيوعيين يسيطرون على الشارع السُنّي في بيروت، وأصبح زعماء السنّة أسرى شارعهم؛ ولذا لا فائدة من الاستعانة بهم.

إن قسماً من المقاتلين يتلقّون المساعدات من ليبيا ويقاتلون لحسابها.

قسمٌ آخر يتلقّى المساعدات من العراق ويتقيّد به أيضاً.

إن سوريا قادرة على إنهاء الأزمة كما قدّمت. كما وأن الجيش اللبناني قادر على إنهاء الأزمة وتصفية الوضع من دون حاجة إلى مساعدة سوريا. إنما كلّ ما يُطلب منها ألا تُساعد الشيوعيين إذا قام بواجبه.

غداً سأجتمع مع الرئيس الأسد وسأستمع إليه بكلِّ إصغاء، وسأكون صريحاً معه ويجب أن أصل معه إلى نتيجة.

كاظم الخليل يصافح ملك المغرب الراحل محمد الخامس (أرشيف كاظم الخليل)

الشيوعيون والزعامات الشيعية في لبنان

ويكمل الخليل في مذكراته أنه تطرق مع شاه إيران إلى قضية الشيعة في لبنان وانخراطهم في الأحزاب الشيوعية. يقول:

- توجهت إلى الشاه بالقول: إن أمراً آخر يهمّني أن تقف جلالتك عليه، وهو أن الشيوعيين يحاولون القضاء على الزعامات الشيعية والسيطرة على مناطقهم، كما فعلوا في المناطق السنّية في بيروت وطرابلس وصيدا. مع العلم بأن لا قدرة لزعماء الشيعة على مقاتلة الشيوعيين إذا لم تُقدَّم لهم المساعدات التي يحتاجون إليها، وإذا توفّرت لهم المساعدة إضافة إلى كثرتهم العددية وقدرتهم على القتال، بإمكانهم تحويل مجرى الأحداث اللبنانية. وإني أعتقد أن بإمكان جلالتك أن تؤدّي إلى لبنان والمنطقة أفضل مساعدة إن أقنعت الرئيس الأسد بتسوية الأمور في لبنان، وإن مددت جلالتك يد المساعدة إلى المناطق الشيعية وزعمائها.

أجاب الشاه:

** سأبحث مع الرئيس الأسد فيما يجب بحثه. أما المساعدات فأدرس أمرها في الأيّام القليلة المقبلة مع أصدقائنا، وسأتّخذ بشأنها الإجراءات الواجب اتّخاذها.

ثم التفت إلى خليل، وقال له: «حضّر نفسك لتذهب إلى لبنان وتعمل على تحقيق ما سنتّفق عليه». واتّجه نحوي وقال: «سنجتمع قريباً لبحث التفاصيل والاتّفاق بعد أن نكون قد اتّفقنا مع أصدقائنا»، وقصد بأصدقائنا الإدارة الأميركية.

ودّعتُه وانصرفتُ، وكلّي أمل واستعداد لعمل مجدٍ ونافع، لكن الأيّام مرّت ولحقت بها الأسابيع والأشهر من دون جدوى.

غلاف الجزء الثاني من كتاب «مذكراتي» للنائب والوزير الراحل كاظم الخليل (الشرق الأوسط)

مقابلة الملك حسين

مرّ على وجودي في إيران ما يقرب الشهر وأنا أنتظر تنفيذ ما وعد به الشاه، ومقابلة رئيس وزرائه، وزيارة وزير بلاطه، لكن أمراً من هذا لم يتحقّق. أصبح من الضروري أن أعود إلى لبنان علّني أساهم بتهدئة الأوضاع ومعالجة قضايانا الخاصة، واشتداد التصادم بين جماعتنا والمقاومة بعدما بسطوا نفوذهم على كلّ المنطقة. ولكن العودة إلى لبنان لم تعد سهلة المنال بسبب إقفال المطار، فاعتمدت الانتقال إلى عمّان ومنها في السيارة إلى بيروت.

دخلت على جلالة الملك حسين في مكتبه الصغير (...)، وكان استقباله لي حاراً ولطيفاً، وكذلك معاتبته لي لعدم زيارته منذ مدّة طويلة. ثم قال إنه رغب في زيارتي له لكي يطّلع مني على حقيقة أوضاع لبنان وأحداثه ووسائل معالجتها.

قصصت عليه تفاصيل ما هو جارٍ في لبنان، وما أنا ساعٍ إليه، وعن رحلتي لإيران، وحديثي مع الشاه ومعاونيه وسوء تصرّفهم في آخر الأمر، ثم وجهة نظري بمعالجة الوضع. وأجابني: «لا أستغرب تصرّف الشاه وجماعته، ولستَ أول من يتصرّف معه بمثل ما تصرّفوا، وسوف لا تكون آخر واحد. وأنا أعلم أنهم يعيشون أجواء السفارة الأميركية ويتلقّون كلّ تعليماتهم منها».

أخبرني أنه زار دمشق واجتمع بالرئيس الأسد، ثم القاهرة واجتمع بالرئيس السادات. وبحث معهما موضوع لبنان وطلب منهما العمل على إنهاء الأزمة اللبنانية. وقال إنه يراقب الوضع في لبنان من كثب ويرافق أحداثه منذ البداية، ولم يكن يتوقّع أن يصل إلى هذا القدر من الخطورة. وأضاف:

«إن بعض الدول العربية كانت عازمة على إرسال قوى مسلّحة إلى لبنان لمساندة الفلسطينيين، ومنها مصر التي كانت سترسل فرقة القادسية وهي فرقة عسكرية فلسطينية، والعراق جهّز أيضاً فرقة ليرسلها إلى لبنان. إلّا أن الرئيس حافظ الأسد حال دون ذلك ولم يقبل بدخول أي قوّة غير سوريّة. إن تفاقم الأحداث في لبنان يشكّل خطراً على أمن المنطقة، وليس فقط على سوريا والأردن، وإنه قال ذلك بجدية للرئيس الأسد الذي يعتقد الشيء نفسه».

- إننا نقدّر لجلالتك ما تبذله من جهد ونعلم أنك تهتمّ بلبنان.

** رجوته أن يستمرّ باتّصالاته ونحن مستعدّون للتعاون معه. فارتاح إلى هذا الاستعداد وكرّر عليّ أن أعود لزيارته.

النائب والوزير الراحل كاظم الخليل خلال لقائه بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1976 ويبدو إلى جانبه نجله خليل (أرشيف كاظم الخليل)

ثم انتقلنا إلى بحث أوضاع جنوب لبنان. وقلت له:

«إن مصيبة جنوب لبنان مزدوجة، تحرقه نيران إسرائيل وتهدم كلّ قائم فيه، وفي يوم آخر تخرّبه أيدي المقاومة الفلسطينية. وهو دوماً إما مهجّر وفار من وجه الإسرائيليين، وإما عائد إلى حيث كان اتقاء من رصاص القنص والقتل على الهويّة. هذا واقع أبناء الجنوب. فهل لك أن تمدّ لهم يد المساعدة والجنوبيون يعتبرون أن لك عليهم عطفاً خاصاً؟».

قال الملك: أنا متألّم لوضع لبنان، وبصورةٍ خاصة الجنوب، ومستعدّ لمساعدته، فما هي المساعدة التي يمكنني تأديتها له؟

- يمكنك أن تطلب من الرئيس الأسد أن يضع حدّاً للاعتداءات الفلسطينية على أبناء الجنوب ويمنعهم من إعطاء الذرائع لإسرائيل لتضرب أبناء الجنوب. وإذا كان ذلك غير ممكن، فتسليح أبناء الجنوب للدفاع عن أنفسهم وجعلهم مسؤولين عن مصيرهم، تلك أفضل مساعدة تؤدّيها إليهم.

** موضوع السلاح نبحثه فيما بعد، أما طلب تدخّلي مع الرئيس الأسد، فسأفعله فوراً. وقد أخبرني الشاه أنه بحث معه موضوع لبنان بصورة مطوّلة، وأظهر له اهتماماً بالغاً بموضوع الجنوب، وسأعيد الكرّة عليه. لقد أخبرني الرئيس الأسد أنك عرضت عليه إقامة اتّحاد كونفدرالي بين سوريا وبين لبنان، وذلك باسم الرئيس شمعون.

- نعم، عرضتُ عليهم، أي على وزير الخارجية عبد الحليم خدّام، إقامة اتّفاق ثلاثي بين سوريا والأردن ولبنان، ولم أحدّد هويّة الاتّفاق على أن يكون على غرار الاتّفاق الذي عُقد بين سوريا والأردن. إلّا أن وزير الخارجية خدّام رفض أن يكون الأردن داخلاً فيه، وطلب أن يقتصر على سوريا ولبنان. وقد سلّمني صورة عن الاتّفاق الأردني - السوري لنأخذه أساساً للاتّفاق السوري - اللبناني. ولم أعرض الاتّفاق باسم الرئيس شمعون، بل باسم الرئيس فرنجيّة، ولكن بعد عودتي عرضت الاتّفاق على الرئيس شمعون وبعد درسه وافق عليه من دون تعديل.

** ولِمَ لم تتمّوا الاتّفاق؟

- وعدني الوزير خدّام أن ينقل اقتراحي إلى الرئيس الأسد ويجيبني. ولا أزال أنتظر جوابه المتضمّن موافقة الرئيس الأسد. وعندما حضر خدّام إلى بيروت بعد ثلاثة أيّام من مقابلتنا، سألته عما قرّر بموضوع الاتّفاق. فقال: «دعنا نؤجّله الآن، ونعمل لأجل إيقاف إطلاق النار». وشعرت بأنهم غير راغبين بالاتّفاق وأوقفتُ البحث فيه.

** خدّام ليس رجلاً دبلوماسياً ولا يصلح للمهمّة التي هو منتدب إليها، وقد قلتُ للرئيس الأسد أن يستبدله. آمل أن نبقى على اتّصال، وأن تزورنا من وقتٍ لآخر ونتبادل الرأي، كلّما كان لديك أمر يهمّك بحثه.

اتفاق ثلاثي يشمل سوريا والأردن ولبنان

خرج من مكتبه لوداعي، وأمام باب القصر، وجدت إحدى سيارات القصر تنتظرني لتبقى بتصرّفي مدّة إقامتي في عمّان. وفور خروجي من حضرته، اتّصل هاتفياً بالرئيس الأسد وبحث معه موضوع الجنوب، واستدعى زيد الرفاعي، رئيس وزرائه، إلى القصر وقصّ عليه ما حدّثتُه به. وطلب منه أن يجتمع بي ويبحث موضوع إشراك الأردن بالقضيّة اللبنانية.

في الساعة الرابعة، اتّصل بي رئيس ديوان رئاسة الوزراء، ودعاني لأخذ الشاي مع الرئيس الرفاعي، فلبّيت الدعوة وعقدت معه اجتماعاً طويلاً تطرّقنا فيه إلى جميع المواضيع اللبنانية وغيرها. وأبلغني أن الملك طلب منه أن يذهب إلى دمشق ويقابل الرئيس الأسد، ويبحث معه موضوع بعث فكرة الاتّفاق السوري - الأردني - اللبناني. وطلب مني أن أدرس إمكان موافقة الرئيس فرنجيّة على ذلك. وقد وقفت من مجمل حديث الملك وحديث رئيس وزرائه، أنهما يريدان أن يكون للأردن وجود في لبنان من الناحية السياسية والاجتماعية ورأي مسموع في أوساطه، وأن يساهموا مساهمة عملية بإنهاء الأحداث القائمة في لبنان. وكانت رغبة الملك الاجتماع بي ليعلم مني عن حقيقة موضوع الاتّفاق الذي عرضتُه على السوريين والإصرار على إشراك الأردن به. وقد جُلنا جولة طويلة في هذه المواضيع خلصنا في نهايتها إلى الشكوى من السوريين الذين يقفون حجر عثرة في سبيل أهداف الملك، مع العلم بأن العلاقات في هذه الأيّام بين سوريا والأردن على أثر الاتّفاق بينهما هي في «شهر عسل».


مقالات ذات صلة

هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

تحليل إخباري مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

ينتظر الجيش اللبناني قراراً سياسياً يفترض أن تتخذه الحكومة للانتقال مطلع العام لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة التي كان قد وضعها لحصرية السلاح.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي ضبط صواريخ من نوع «سام 7» معدة للتهريب خارج البلاد في البوكمال شرق سوريا (سانا)

مصدر: الصواريخ المضبوطة داخل البوكمال كانت ستهرب إلى «حزب الله» في لبنان

رجحت مصادر أن تكون الجهة التي كان من المفترض تهريب دفعة صواريخ «سام 7» إليها عبر الأراضي السورية هي «حزب الله» بلبنان، الذي كان يقاتل أيضاً إلى جانب نظام الأسد.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الحكومة اللبنانية ملتئمة برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان: سلام يدافع عن «استرداد الودائع» رغم الاعتراضات الواسعة

دافع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام عن مشروع قانون استرداد الودائع المصرفية المجمدة منذ عام 2019، واصفاً إياه بـ«الواقعي» و«القابل للتنفيذ».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مودعون يرفعون لافتات اعتراضية على مشروع قانون استعادة الودائع خلال تحركات شعبية على طريق القصر الجمهورية (الشرق الأوسط)

انطلاقة «غير آمنة» لمشروع قانون الفجوة المالية في لبنان

كشف توسّع موجة الاعتراضات على مشروع قانون «الفجوة» المالية، حجم العقبات التي تعترض الوصول إلى محطة تشريع القانون في البرلمان.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي ضابط في الجيش اللبناني إلى جانب ضابط إيطالي ضمن عديد «اليونيفيل» خلال مهمة مشتركة في جنوب لبنان (اليونيفيل)

إيطاليا تطلب رسمياً من لبنان إبقاء قواتها في الجنوب بعد انسحاب «اليونيفيل»

طلبت إيطاليا رسمياً من لبنان، إبقاء قوات لها في منطقة العمليات الدولية جنوب الليطاني بجنوب البلاد بعد انسحاب «اليونيفيل» منها، وهو مطلب رحب به لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

حلب: اجتماع عسكري موسع لقيادة الشمال لبحث الأوضاع والجاهزية

استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)
استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)
TT

حلب: اجتماع عسكري موسع لقيادة الشمال لبحث الأوضاع والجاهزية

استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)
استمرار النزوح من حيي الشيخ مقصود والأشرفية الثلاثاء رغم اتفاق قوات الحكومة السورية و«قسد» على خفض التصعيد مساء الاثنين في مدينة حلب (رويترز)

مع عودة الهدوء الحذر إلى أحياء مدينة حلب بعد ليلة عنيفة، تخللها تعطيل للمدارس والدوائر العامة وسط المدينة، عقدت وزارة الدفاع اجتماعاً عسكرياً موسعاً في منطقة «نبع السلام» شمال سوريا، لبحث الجاهزية العسكرية على ضوء التطورات الجارية، فيما قالت وسائل إعلام سورية رسمية إن المناطق المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، تشهد حالات نزوح، رغم اتفاق وقف تبادل النيران وخفض التصعيد.

وارتفعت حصيلة استهداف «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لأحياء سكنية في مدينة حلب، إلى 4 ضحايا، و9 جرحى. وحسب تلفزيون سوريا نقلاً عن مديرية صحة حلب، فإنّ الضحايا الـ4 من المدنيين، هم: فاتن هندي، ومحمد شريفة، وعفاف إبراهيم، ومحمد الدرويش.

من اجتماع القيادة العسكرية في الشمال السوري (سانا)

وشهدت منطقة «نبع السلام» شمال سوريا، اجتماعاً عسكرياً موسعاً، عقده معاون وزير الدفاع للمنطقة الشمالية العميد فهيم عيسى وحضره قائد الفرقة 72 في الجيش العربي السوري، العميد عقيل عامر، وعدد من الضباط القادة.

وقالت وزارة الدفاع إن الاجتماع بحث آخر التطورات الميدانية، وجاهزية وانتشار التشكيلات العسكرية في المنطقة، حسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا). وذكرت وزارة الدفاع في منشور عبر قناتها على «تلغرام»، أنه جرى بحث آخر التطورات الميدانية، وجاهزية وانتشار التشكيلات العسكرية في المنطقة.

وفي الـ22 من أغسطس (آب) الماضي، أجرى العميد فهيم عيسى، زيارة تفقدية إلى قيادة الفرقة 60 للاطلاع على واقع عملها والجاهزية العسكرية والإدارية فيها، كما أجرى في الـ13 من مايو (أيار) الماضي جولة تفقدية للقوات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في مناطق شرق الفرات.

وتندرج هذه الاجتماعات والزيارات ضمن جولات ميدانية تهدف إلى متابعة مستوى الاستعداد القتالي والإداري في تشكيلات الجيش العربي السوري.

يقوم مسعفون بوضع جريح على نقالة داخل مستشفى في مدينة حلب شمال سوريا (رويترز)

وأعلنت وزارة الصحة السورية، الثلاثاء، ارتفاع حصيلة اشتباكات حلب إلى 4 قتلى و9 جرحى. بينهم طفلان وعاملان في الدفاع المدني، وذلك جراء القصف على أحياء سكنية في المدينة.

وأعلن محافظ حلب تعليق الدراسة مؤقتاً في جميع المدارس والجامعات الحكومية والخاصة، الثلاثاء، وإغلاق المكاتب الحكومية في وسط المدينة، بعد اتفاق «قسد» ووزارة الدفاع السورية على التهدئة وخفض التصعيد، حيث أعلنت وزارة الدفاع السورية «إصدار القيادة العامة للجيش أمراً بوقف استهداف مصادر نيران قوات «قسد» بعد تحييد عدد منها.

ألسنة اللهب تتصاعد من مبنى سقطت عليه قذيفة من «قسد» بعد اندلاع اشتباكات في حلب الاثنين (رويترز)

وبدورها قالت قوات «قسد»، في بيان لاحق، إنها أصدرت تعليمات بوقف تبادل الهجمات مع القوات الحكومية عقب اتصالات خفض التصعيد. وفي بيان آخر الثلاثاء، اتهمت «قسد» الحكومة في دمشق، بالتعمد إلى «فبركة وترويج خبر كاذب ومختلق عن قصف مزعوم لمشفى الرازي في مدينة حلب، في محاولة مكشوفة للتضليل وقلب الحقائق». ونفى بيان «قسد» الذي نشرته على معرفاتها الرسمية بشكل قاطع «أن مستشفى الرازي لم يكن مستهدفاً بأي استهداف، وأن ما حدث هو تحريض صارخ ومنهجي يهدف إلى التستر على الجرائم الحقيقية».

ألسنة اللهب تتصاعد من مبنى سقطت عليه قذيفة من «قسد» بعد اندلاع اشتباكات في حلب الاثنين (رويترز)

وكانت وسائل إعلام محلية في حلب أفادت بسقوط قذائف في محيط مشفى الرازي في حلب حيث تم إسعاف المصابين وضحايا الاشتباكات، وقالت قناة «الإخبارية السورية» الرسمية إن حالة هدوء تسود منطقة مشفى الرازي في حلب الذي تعرض للاستهداف، وحالة ترقب للساعات المقبلة.

كما أفادت القناة الرسمية بفرض قوى الأمن الداخلي طوقاً أمنياً في المنطقة المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود لحماية المدنيين من الاستهدافات وتأمين مغادرتهم. وقالت إن المناطق المجاورة لحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب تشهد حالات نزوح، وذلك رغم وقف تبادل النيران.

سكان بعض أحياء مدينة حلب يتفقدون سيارات متضررة الثلاثاء عقب موجة هجمات في اليوم السابق (رويترز)

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، مساء الاثنين، أن «القيادة السورية حريصة على إنجاح اتفاق آذار»، مشيراً إلى أن «الحكومة السورية تغلب أي اتفاق يجنب المدنيين الفوضى».

وأشار البابا، في تصريحات إعلامية، إلى أن «قسد» حاولت «إفشال اتفاق العاشر من آذار»، مضيفاً أنها «تحاول تعطيل اتفاق آذار الذي ينتهي برأس السنة»، ونفى أن تنجر الحكومة لاستفزازات قد تعطل الاتفاق المعلن عنه مع «قوات سوريا الديمقراطية». وأوضح المتحدث أن موقف الحكومة يقوم على «تغليب» خيار الاتفاق الذي يحفظ المدنيين من الفوضى، لكن بعد الرد على أي استفزازات.

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والتركي هاكان فيدان خلال مؤتمر صحافي مشترك في دمشق (إ.ب.أ)

وجاء التصعيد العسكري المفاجئ في حلب متزامناً مع زيارة وفد تركي كبير إلى دمشق وبحث ملف تنفيذ اتفاق 10 آذار (مارس) مع اقتراب انتهاء مهلة تنفيذه.

وصرح وزير الخارجية التركي بأن «قوات سوريا الديمقراطية» لا تعتزم فيما يبدو الوفاء بالتزامها بالاندماج في القوات المسلحة للدولة بحلول الموعد النهائي المتفق عليه بنهاية العام، مع التأكيد مع الجانب السوري على ضرورة تنفيذ الاتفاق، حيث تأمل دمشق أن ينهي دمج «قسد» أكبر انقسام في سوريا بين مناطق سيطرة الإدارة الذاتية (الكردية) شمال شرقي سوريا ومناطق سيطرة الحكومة السورية، وهو يمثل عاملاً رئيسياً في منع تثبيت الاستقرار وتحقيق الأمان.


وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره التركي أهمية الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال استقباله نظيره التركي هاكان فيدان بالقاهرة أغسطس الماضي (الخارجية التركية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال استقباله نظيره التركي هاكان فيدان بالقاهرة أغسطس الماضي (الخارجية التركية)
TT

وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره التركي أهمية الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال استقباله نظيره التركي هاكان فيدان بالقاهرة أغسطس الماضي (الخارجية التركية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال استقباله نظيره التركي هاكان فيدان بالقاهرة أغسطس الماضي (الخارجية التركية)

قالت وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء) إن الوزير بدر عبد العاطي، أكد في اتصال هاتفي مع نظيره التركي هاكان فيدان، أهمية تثبيت وقف إطلاق النار، والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وذكرت الوزارة، في بيان، أن عبد العاطي شدَّد خلال الاتصال على ضرورة تدشين لجنة تكنوقراط فلسطينية مؤقتة لإدارة الشؤون اليومية لسكان القطاع «تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية للاضطلاع بكامل صلاحياتها ومسؤولياتها».

كما أكد وزير الخارجية المصري على أهمية نشر قوة الاستقرار الدولية في غزة، وبدء مسار التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع التأكيد على «الرفض الكامل لأي إجراءات أو ممارسات من شأنها تقويض وحدة الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في الضفة الغربية».

وتسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المضي قدماً والانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة؛ لتجنب العودة إلى الحرب، والحفاظ على وقف إطلاق النار الهش الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وتشمل المرحلة الثانية من الاتفاق انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من أجزاء من غزة، ونشر قوة دولية للاستقرار، وبدء العمل بهيكل الحكم الجديد الذي يتضمَّن «مجلس السلام» بقيادة ترمب. ومن المنتظر أن تنتشر القوة الدولية المزمعة في الجزء الخاضع حالياً لسيطرة الجيش الإسرائيلي من القطاع.

وأشارت وزارة الخارجية المصرية، في بيانها اليوم، إلى أن عبد العاطي وفيدان تطرقا أيضاً إلى الوضع في سوريا، حيث أكد عبد العاطي أهمية الدفع نحو حل سياسي شامل ومستدام يقوم على الحفاظ على وحدة الدولة وسلامة أراضيها.

وفي هذا السياق، شدَّد وزير الخارجية المصري على ضرورة خفض التصعيد في سوريا، وتغليب الحلول السياسية والحوار مساراً وحيداً لتحقيق الاستقرار، ورفض أي ممارسات تمس أمن المدنيين.

كما ناقش الوزيران خلال اتصالهما الترتيبات الجارية لزيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لمصر، خلال الرُّبع الأول من 2026، ليترأس مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسى الاجتماع الثاني لمجلس التعاون الاستراتيجي الرفيع المستوى.

ولفت عبد العاطي إلى أهمية الزيارة في البناء على الزخم الذي تشهده العلاقات المصرية - التركية خلال الفترة الأخيرة، متطلعاً لأن تسهم الزيارة في دعم التعاون الاقتصادي، وزيادة معدلات التبادل التجاري، وتشجيع الاستثمارات المتبادلة.


غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

في بلدة بني سهيلة بجنوب قطاع غزة، لا تجد أم أحمد قديح جواباً لأطفالها الذين يرتجفون خوفاً مع كل غارة إسرائيلية، ويسألونها: لماذا لا يغادرون للنجاة نحو غرب خان يونس، حيث تتركز حركة النزوح؟

خلال الأسبوع الأخير، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة على المناطق الشرقية من خان يونس، أي تلك الواقعة شرق الخط الأصفر، حيث يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين في خيام أو منازل تضررت جراء حرب ضروس استمرت لعامين.

تقول قديح (40 عاماً)، المقيمة مع أطفالها في خيمة إلى جوار منزلها المدمر: «لا ننام طوال الليل بسبب الخوف لتواصل القصف في المنطقة الشرقية»، مضيفة أنّ أطفالها يسألونها: «لماذا لا ننزح من المنطقة، أصوات الانفجارات لا تتوقف، إلى أين سنذهب؟ وأنا لا أملك جواباً؛ لأنه فعلياً لا يوجد بديل حقيقي»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

صورة لرضيع متوفى في مستشفى ناصر نتيجةً لسياسة إسرائيلية مستمرة تُقيّد بشدة الوصول إلى الأدوية وحليب الأطفال والمعدات الطبية الأساسية وأنظمة التدفئة (د.ب.أ)

وتتابع أن «منطقة المواصي (غرب خان يونس) ممتلئة بالكامل بالخيام»، مشيرة إلى أن البقاء قرب المنزل المدمر «أهون علينا من المجهول».

وفي شمال شرقي خان يونس، يقول عبد الحميد الفرا (70 عاماً) إن عائلته تقيم على أنقاض منزلها المدمر جزئياً، مؤكداً أن «بقاءنا هنا (...) ليس لأننا بأمان، بل لأننا لا نجد مكانا آخر»، قبل أن يضيف بنبرة من التحدي: «لن نخرج من هنا (...) هذه أرضنا مهما اشتد القصف سنبقى، والتهجير لن يكون حلاً لنا، بل مأساة جديدة».

وحسب الفرا، لم تعد المواصي قادرة على استيعاب مزيد من النازحين، بينما يرى أن استمرار نسف المنازل في المناطق الشرقية يهدف إلى «إفراغ المنطقة بالكامل من شرق الخط الأصفر».

والخط الأصفر الخاضع لسيطرة إسرائيل، وهو خط ترسيم بموجب هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» دخلت حيّز التنفيذ منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول).

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير الخط الأصفر بأنه «الحدود الجديدة» مع إسرائيل.

وقال الجيش إن ضرباته تعود إلى «تهديدات» الفصائل الفلسطينية.

وأوضح في بيان إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» أن عملياته «الحالية في غزة وانتشاره على وجه الخصوص في منطقة الخط الأصفر، تتمّ لمواجهة تهديدات مباشرة من منظمات إرهابية في غزة».

«لا خيام ولا طعام ولا دواء»

اندلعت الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، عقب هجوم غير مسبوق شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، وأسفر عن مقتل 1221 شخصاً، حسب إحصاء لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

ومنذ اندلاع الحرب، قُتل أكثر من 70 ألف شخص في غزة، وفق وزارة الصحة في القطاع، في حين نزح معظم سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وكثيرون منهم مرات عدة.

ومنذ سريان وقف إطلاق النار، يتبادل الطرفان بانتظام الاتهامات بخرقه.

وحسب المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، فإن بعض السكان يغادرون منازلهم بسبب القصف، لكن الأعداد تبقى محدودة؛ ذلك أن «لا خيارات أمام المواطنين، كثيرون يفضّلون البقاء رغم مخاطر الموت بسبب القصف، ولا مكان آمناً في القطاع».

ويشير بصل إلى أن الجيش الإسرائيلي «كثَّف في الأسابيع الأخيرة القصف الجوي والمدفعي يومياً على خان يونس ومناطق أخرى في القطاع لترحيل الناس؛ لتبقى المناطق الشرقية خالية أمام الاحتلال».

سيدات ينتظرن استلام حصص غذائية مُتبرع بها في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

يصف رئيس بلدية خان يونس علاء البطة القصف الإسرائيلي بأنه «خروق لاتفاق وقف إطلاق النار»، عادَّاً أنّه يهدف إلى «تهجير الناس من مناطقهم»، وطالب بتدخل عاجل لوقف تلك الخروق؛ إذ إن «مئات آلاف النازحين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة لا خيام ولا طعام ولا دواء».

وفي بلدة خزاعة، يقول محمود بركة (45 عاماً) إن القصف المدفعي «لا يتوقف» في المناطق الشرقية، وإن أصوات الانفجارات «قريبة جداً».

يسير الناس وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويلفت بركة إلى أن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات نسف يومية للمنازل «وكأننا في ساحة حرب. هدف الاحتلال إخافتنا».

ويردف: «لا ننام طوال الليل. أطفالي ما زالوا يرتجفون من الخوف وأيضاً من البرد، نحن نعيش مأساة حقيقية، لكن فعلياً لا يوجد خيار ولا بديل أمامنا إلا البقاء هنا».

ويأمل بركة بانتهاء هذا الوضع مع بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي، مؤكداً: «نحاول استرجاع حياتنا بالتدريج؛ فنحن تعبنا جداً».

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بشأن تأخير بدء مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية، وتولي سلطة مؤقتة إدارة القطاع بدلاً من حكومة حركة «حماس»، إضافة إلى نشر قوة استقرار دولية.