شاه إيران تجاهل اقتراح تسليح الشيعة اللبنانيين... وسوريا رفضت إشراك الأردن في اتفاق ثلاثي

«الشرق الأوسط» تنشر مقتطفات من مذكرات النائب والوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل (الحلقة الأولى)

الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)
الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)
TT

شاه إيران تجاهل اقتراح تسليح الشيعة اللبنانيين... وسوريا رفضت إشراك الأردن في اتفاق ثلاثي

الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)
الوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل يصافح شاه إيران بحضور زلفا شمعون زوجة الرئيس اللبناني كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)

تنشر «الشرق الأوسط» اليوم مقتطفات من كتاب «مذكراتي»، الصادر بثلاثة أجزاء، للنائب والوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل وفيه يروي قصة أدوار لعبها في تاريخ لبنان الحديث. تتناول هذه الحلقة (المقتبسة من الجزء الثالث من المذكرات) الفترة الزمنية بين 1976 و1990، حين كانت الحرب اللبنانية قد اشتعلت، وانخرط فيها لاعبون إقليميون ودوليون.

يتناول هذا الجزء سرد الخليل قصة زيارته شاه إيران رضا بهلوي قُبيل وصول الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى طهران للقاء الشاه. كان الخليل يريد وضع الشاه في صورة التدخل السوري في لبنان، لكن محادثاته فشلت لأن الشاه كان ينتظر موافقات أميركية على تحركاته. يتناول هذا الجزء أيضاً جولات الخليل الإقليمية، وبينها لقاء جمعه بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين؛ لمحاولة وضع حدٍ للأزمة اللبنانية والاقتتال الآخذ في التوسع.

غلاف الجزء الثالث من كتاب «مذكراتي» للنائب والوزير اللبناني الراحل كاظم الخليل (الشرق الأوسط)

يقول الخليل:

في عام 1976، وصلتُ طهران برفقة زوجتي بعد ساعتَي طيران مزعجتَين، وكان خليل (نجل الخليل) بانتظارنا مع موظّفي السفارة. وبعد استراحةٍ وجيزة في صالون الاستقبال، انتقلنا إلى المنزل. صباح يوم الأحد، وصل الرئيس الأسد إلى طهران واستُقبل استقبالاً رسمياً. وفي الساعة الخامسة مساءً، استقبلني الشاه قبل اجتماعه مع الرئيس الأسد، وكان يرافقني ولدي خليل، بعدما استقبلنا في مدخل القصر، كبير المرافقين، وأدخلنا إلى مكتب وزير البلاط أسد الله علم. وعلى الفور استدعانا الشاه، فدخلنا عليه في مكتب فسيح مرصّعة جدرانه بمرايا بلورية من نوع الكريستال الثمين، مسلّطة عليه الأنوار الكهربائية الساطعة بشكلٍ يبهر الناظرين. وكان الشاه واقفاً بالقرب من الباب، فاستقبلني بترحابٍ خاص، وأجلسني إلى جانبه في زاوية من زوايا المكتب الفسيح. شكرته على استقباله لي في الموعد الذي حدّدتُه شخصياً، وهذه سابقة لم تحصل مع الشاه من قبل.

عرضتُ له الأسباب التي فرضت مقابلته قبل اجتماعه مع الرئيس الأسد. ثم نقلت إليه رسالة الرئيس (سليمان) فرنجيّة، وبسطت له حقيقة الفتنة القائمة في لبنان وأسبابها وتطوّرها ونتائجها ودور السوريين في كلّ ذلك، وضلوعهم بكلّ تطوّراتها، وأضفتُ:

- إن الفتنة في لبنان ليست طائفية، وليس سببها مطالب طائفية أو رفع ضيم عن فريق دون الآخر، بل هي مؤامرة حِيكت ضد لبنان لخرابه والقضاء على كلّ مرافق ازدهاره وعمرانه؛ تحقيقاً لإحلال الأنظمة اليسارية فيه، واتّخاذه قاعدة للشيوعية تنطلق منه إلى بلدان المنطقة الأخرى، وكذلك، تحقيقاً لأهداف إسرائيل التي تقضي بخراب كلّ بلدٍ عربي، وفي مقدّمتها لبنان. هذه هي أسباب الفتنة في لبنان والسوريون يعملون على إذكائها، مع العلم أن بإمكانهم إنهاءها ووضع حدٍّ للويلات النازلة بنا في خلال أيّام معدودة؛ لأن لهم تأثيراً شديداً على المقاومة الفلسطينية، وعلى جيش التحرير الذي هو بالاسم جيش فلسطيني، والحقيقة أنه فرقة من الجيش السوري. ونرجو منك أن تطلب من الرئيس الأسد إنهاء الأحداث في لبنان، وأن تصرّ عليه بذلك.

علّق الشاه:

** يقولون إن سبب الفتنة تمسّك المسيحيين بالحكم وتحكّمهم بمرافق الدولة وعدم وصول المسلمين إلى حقوقهم. وهذه المعلومات التي ذكرتَها لي لم يطلعني أحد عليها، وحسناً فعلت بزيارتك؛ إذ أصبح لدي معطيات جديدة. مع العلم بأنني لست ضد المسيحيين ولا أقول ذلك باعتباري مسلماً أو متأثّراً بشعوري الإسلامي، إنما المسيحيون أنفسهم في العالم (وفهمت من مجرى حديثه أنه يقصد أميركا وفرنسا) يقولون إن المسيحيين في لبنان يتشبّثون بالحكم ولا يشاركون المسلمين. أستغرب كيف يقبل العالم الغربي بسيطرة الشيوعية على البلاد العربية التي هي تقدّم له 70 في المائة من الطاقة، فإذا سيطرت الشيوعية تسلّطت على مقدّرات البلاد وصناعة العالم الغربي.

قلت له:

- لعلّ في التساهل مع الشيوعية مصلحة لإسرائيل، أو إنهم غير مقدّرين الوضع حقّ قدره.

** أعلم أن أميركا منذ سنتين، وبعد زيارة نيكسون لإيران، عدّلت سياستها بالنسبة إلى العرب وإسرائيل. وقد زرتُ أميركا مرّتين، وتأكّد لي أن مجلس الشيوخ لم يعد يؤيّد إسرائيل تأييداً مطلقاً، وأن هناك تراجعاً في السياسة الأميركية والرأي العام الأميركي حول تأييد إسرائيل المطلق.

إن وضع سوريا الداخلي ومعارضة حزب البعث العراقي لها واتّفاق سيناء بين مصر وإسرائيل، كلّ ذلك يفرض على سوريا أن تتعاون مع المقاومة الفلسطينية والحزب الشيوعي وقد أدخلت منه وزيرين في الحكومة الحاضرة.

كاظم الخليل يشارك في مناسبة احتفاءً بالرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون (أرشيف كاظم الخليل)

- ألا ترى أن تدخّل المؤتمر الإسلامي يمكن أن يحقق الغرض المطلوب؟

** لا أعتقد ذلك للأسباب الآتية:

لأن المقاومة الفلسطينية والشيوعيين يسيطرون على الشارع السُنّي في بيروت، وأصبح زعماء السنّة أسرى شارعهم؛ ولذا لا فائدة من الاستعانة بهم.

إن قسماً من المقاتلين يتلقّون المساعدات من ليبيا ويقاتلون لحسابها.

قسمٌ آخر يتلقّى المساعدات من العراق ويتقيّد به أيضاً.

إن سوريا قادرة على إنهاء الأزمة كما قدّمت. كما وأن الجيش اللبناني قادر على إنهاء الأزمة وتصفية الوضع من دون حاجة إلى مساعدة سوريا. إنما كلّ ما يُطلب منها ألا تُساعد الشيوعيين إذا قام بواجبه.

غداً سأجتمع مع الرئيس الأسد وسأستمع إليه بكلِّ إصغاء، وسأكون صريحاً معه ويجب أن أصل معه إلى نتيجة.

كاظم الخليل يصافح ملك المغرب الراحل محمد الخامس (أرشيف كاظم الخليل)

الشيوعيون والزعامات الشيعية في لبنان

ويكمل الخليل في مذكراته أنه تطرق مع شاه إيران إلى قضية الشيعة في لبنان وانخراطهم في الأحزاب الشيوعية. يقول:

- توجهت إلى الشاه بالقول: إن أمراً آخر يهمّني أن تقف جلالتك عليه، وهو أن الشيوعيين يحاولون القضاء على الزعامات الشيعية والسيطرة على مناطقهم، كما فعلوا في المناطق السنّية في بيروت وطرابلس وصيدا. مع العلم بأن لا قدرة لزعماء الشيعة على مقاتلة الشيوعيين إذا لم تُقدَّم لهم المساعدات التي يحتاجون إليها، وإذا توفّرت لهم المساعدة إضافة إلى كثرتهم العددية وقدرتهم على القتال، بإمكانهم تحويل مجرى الأحداث اللبنانية. وإني أعتقد أن بإمكان جلالتك أن تؤدّي إلى لبنان والمنطقة أفضل مساعدة إن أقنعت الرئيس الأسد بتسوية الأمور في لبنان، وإن مددت جلالتك يد المساعدة إلى المناطق الشيعية وزعمائها.

أجاب الشاه:

** سأبحث مع الرئيس الأسد فيما يجب بحثه. أما المساعدات فأدرس أمرها في الأيّام القليلة المقبلة مع أصدقائنا، وسأتّخذ بشأنها الإجراءات الواجب اتّخاذها.

ثم التفت إلى خليل، وقال له: «حضّر نفسك لتذهب إلى لبنان وتعمل على تحقيق ما سنتّفق عليه». واتّجه نحوي وقال: «سنجتمع قريباً لبحث التفاصيل والاتّفاق بعد أن نكون قد اتّفقنا مع أصدقائنا»، وقصد بأصدقائنا الإدارة الأميركية.

ودّعتُه وانصرفتُ، وكلّي أمل واستعداد لعمل مجدٍ ونافع، لكن الأيّام مرّت ولحقت بها الأسابيع والأشهر من دون جدوى.

غلاف الجزء الثاني من كتاب «مذكراتي» للنائب والوزير الراحل كاظم الخليل (الشرق الأوسط)

مقابلة الملك حسين

مرّ على وجودي في إيران ما يقرب الشهر وأنا أنتظر تنفيذ ما وعد به الشاه، ومقابلة رئيس وزرائه، وزيارة وزير بلاطه، لكن أمراً من هذا لم يتحقّق. أصبح من الضروري أن أعود إلى لبنان علّني أساهم بتهدئة الأوضاع ومعالجة قضايانا الخاصة، واشتداد التصادم بين جماعتنا والمقاومة بعدما بسطوا نفوذهم على كلّ المنطقة. ولكن العودة إلى لبنان لم تعد سهلة المنال بسبب إقفال المطار، فاعتمدت الانتقال إلى عمّان ومنها في السيارة إلى بيروت.

دخلت على جلالة الملك حسين في مكتبه الصغير (...)، وكان استقباله لي حاراً ولطيفاً، وكذلك معاتبته لي لعدم زيارته منذ مدّة طويلة. ثم قال إنه رغب في زيارتي له لكي يطّلع مني على حقيقة أوضاع لبنان وأحداثه ووسائل معالجتها.

قصصت عليه تفاصيل ما هو جارٍ في لبنان، وما أنا ساعٍ إليه، وعن رحلتي لإيران، وحديثي مع الشاه ومعاونيه وسوء تصرّفهم في آخر الأمر، ثم وجهة نظري بمعالجة الوضع. وأجابني: «لا أستغرب تصرّف الشاه وجماعته، ولستَ أول من يتصرّف معه بمثل ما تصرّفوا، وسوف لا تكون آخر واحد. وأنا أعلم أنهم يعيشون أجواء السفارة الأميركية ويتلقّون كلّ تعليماتهم منها».

أخبرني أنه زار دمشق واجتمع بالرئيس الأسد، ثم القاهرة واجتمع بالرئيس السادات. وبحث معهما موضوع لبنان وطلب منهما العمل على إنهاء الأزمة اللبنانية. وقال إنه يراقب الوضع في لبنان من كثب ويرافق أحداثه منذ البداية، ولم يكن يتوقّع أن يصل إلى هذا القدر من الخطورة. وأضاف:

«إن بعض الدول العربية كانت عازمة على إرسال قوى مسلّحة إلى لبنان لمساندة الفلسطينيين، ومنها مصر التي كانت سترسل فرقة القادسية وهي فرقة عسكرية فلسطينية، والعراق جهّز أيضاً فرقة ليرسلها إلى لبنان. إلّا أن الرئيس حافظ الأسد حال دون ذلك ولم يقبل بدخول أي قوّة غير سوريّة. إن تفاقم الأحداث في لبنان يشكّل خطراً على أمن المنطقة، وليس فقط على سوريا والأردن، وإنه قال ذلك بجدية للرئيس الأسد الذي يعتقد الشيء نفسه».

- إننا نقدّر لجلالتك ما تبذله من جهد ونعلم أنك تهتمّ بلبنان.

** رجوته أن يستمرّ باتّصالاته ونحن مستعدّون للتعاون معه. فارتاح إلى هذا الاستعداد وكرّر عليّ أن أعود لزيارته.

النائب والوزير الراحل كاظم الخليل خلال لقائه بالعاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1976 ويبدو إلى جانبه نجله خليل (أرشيف كاظم الخليل)

ثم انتقلنا إلى بحث أوضاع جنوب لبنان. وقلت له:

«إن مصيبة جنوب لبنان مزدوجة، تحرقه نيران إسرائيل وتهدم كلّ قائم فيه، وفي يوم آخر تخرّبه أيدي المقاومة الفلسطينية. وهو دوماً إما مهجّر وفار من وجه الإسرائيليين، وإما عائد إلى حيث كان اتقاء من رصاص القنص والقتل على الهويّة. هذا واقع أبناء الجنوب. فهل لك أن تمدّ لهم يد المساعدة والجنوبيون يعتبرون أن لك عليهم عطفاً خاصاً؟».

قال الملك: أنا متألّم لوضع لبنان، وبصورةٍ خاصة الجنوب، ومستعدّ لمساعدته، فما هي المساعدة التي يمكنني تأديتها له؟

- يمكنك أن تطلب من الرئيس الأسد أن يضع حدّاً للاعتداءات الفلسطينية على أبناء الجنوب ويمنعهم من إعطاء الذرائع لإسرائيل لتضرب أبناء الجنوب. وإذا كان ذلك غير ممكن، فتسليح أبناء الجنوب للدفاع عن أنفسهم وجعلهم مسؤولين عن مصيرهم، تلك أفضل مساعدة تؤدّيها إليهم.

** موضوع السلاح نبحثه فيما بعد، أما طلب تدخّلي مع الرئيس الأسد، فسأفعله فوراً. وقد أخبرني الشاه أنه بحث معه موضوع لبنان بصورة مطوّلة، وأظهر له اهتماماً بالغاً بموضوع الجنوب، وسأعيد الكرّة عليه. لقد أخبرني الرئيس الأسد أنك عرضت عليه إقامة اتّحاد كونفدرالي بين سوريا وبين لبنان، وذلك باسم الرئيس شمعون.

- نعم، عرضتُ عليهم، أي على وزير الخارجية عبد الحليم خدّام، إقامة اتّفاق ثلاثي بين سوريا والأردن ولبنان، ولم أحدّد هويّة الاتّفاق على أن يكون على غرار الاتّفاق الذي عُقد بين سوريا والأردن. إلّا أن وزير الخارجية خدّام رفض أن يكون الأردن داخلاً فيه، وطلب أن يقتصر على سوريا ولبنان. وقد سلّمني صورة عن الاتّفاق الأردني - السوري لنأخذه أساساً للاتّفاق السوري - اللبناني. ولم أعرض الاتّفاق باسم الرئيس شمعون، بل باسم الرئيس فرنجيّة، ولكن بعد عودتي عرضت الاتّفاق على الرئيس شمعون وبعد درسه وافق عليه من دون تعديل.

** ولِمَ لم تتمّوا الاتّفاق؟

- وعدني الوزير خدّام أن ينقل اقتراحي إلى الرئيس الأسد ويجيبني. ولا أزال أنتظر جوابه المتضمّن موافقة الرئيس الأسد. وعندما حضر خدّام إلى بيروت بعد ثلاثة أيّام من مقابلتنا، سألته عما قرّر بموضوع الاتّفاق. فقال: «دعنا نؤجّله الآن، ونعمل لأجل إيقاف إطلاق النار». وشعرت بأنهم غير راغبين بالاتّفاق وأوقفتُ البحث فيه.

** خدّام ليس رجلاً دبلوماسياً ولا يصلح للمهمّة التي هو منتدب إليها، وقد قلتُ للرئيس الأسد أن يستبدله. آمل أن نبقى على اتّصال، وأن تزورنا من وقتٍ لآخر ونتبادل الرأي، كلّما كان لديك أمر يهمّك بحثه.

اتفاق ثلاثي يشمل سوريا والأردن ولبنان

خرج من مكتبه لوداعي، وأمام باب القصر، وجدت إحدى سيارات القصر تنتظرني لتبقى بتصرّفي مدّة إقامتي في عمّان. وفور خروجي من حضرته، اتّصل هاتفياً بالرئيس الأسد وبحث معه موضوع الجنوب، واستدعى زيد الرفاعي، رئيس وزرائه، إلى القصر وقصّ عليه ما حدّثتُه به. وطلب منه أن يجتمع بي ويبحث موضوع إشراك الأردن بالقضيّة اللبنانية.

في الساعة الرابعة، اتّصل بي رئيس ديوان رئاسة الوزراء، ودعاني لأخذ الشاي مع الرئيس الرفاعي، فلبّيت الدعوة وعقدت معه اجتماعاً طويلاً تطرّقنا فيه إلى جميع المواضيع اللبنانية وغيرها. وأبلغني أن الملك طلب منه أن يذهب إلى دمشق ويقابل الرئيس الأسد، ويبحث معه موضوع بعث فكرة الاتّفاق السوري - الأردني - اللبناني. وطلب مني أن أدرس إمكان موافقة الرئيس فرنجيّة على ذلك. وقد وقفت من مجمل حديث الملك وحديث رئيس وزرائه، أنهما يريدان أن يكون للأردن وجود في لبنان من الناحية السياسية والاجتماعية ورأي مسموع في أوساطه، وأن يساهموا مساهمة عملية بإنهاء الأحداث القائمة في لبنان. وكانت رغبة الملك الاجتماع بي ليعلم مني عن حقيقة موضوع الاتّفاق الذي عرضتُه على السوريين والإصرار على إشراك الأردن به. وقد جُلنا جولة طويلة في هذه المواضيع خلصنا في نهايتها إلى الشكوى من السوريين الذين يقفون حجر عثرة في سبيل أهداف الملك، مع العلم بأن العلاقات في هذه الأيّام بين سوريا والأردن على أثر الاتّفاق بينهما هي في «شهر عسل».


مقالات ذات صلة

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

المشرق العربي انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

تمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين، وتفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - لندن)
خاص عناصر من الجيش اللبناني و«اليونيفيل» في دورية مشتركة قرب الناقورة في جنوب لبنان (أرشيفية - رويترز) play-circle 01:50

خاص شقيق الضباط اللبناني يروي تفاصيل استدراجه واختفائه

لم تتبدد الصدمة عن وجوه أفراد عائلة النقيب المتقاعد من «الأمن العام» اللبناني أحمد شكر، وذلك بعد ترجيحات أمنية وقضائية لبنانية بأن إسرائيل خطفته

حسين درويش (بعلبك (شرق لبنان))
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل الموفد الخاص لرئيس الوزراء العراقي إحسان العوادي (الرئاسة اللبنانية)

عون: عودة سكان جنوب لبنان إلى ديارهم أولوية

أكّد الرئيس جوزيف عون أن «عودة الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم هي الأولوية بالنسبة إلى لبنان، للمحافظة على كرامتهم ووضع حد لمعاناتهم المستمرة حتى اليوم».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عنصر من الجيش اللبناني يقف قرب سيارة مستهدفة في بلدة عقتنيت بقضاء الزهراني استهدفتها غارة إسرائيلية الثلاثاء (إ.ب.أ)

إسرائيل تدشن مرحلة جديدة من القصف بجنوب لبنان

دشّنت إسرائيل مرحلة جديدة من القصف في جنوب لبنان، تتركز بمنطقة شمال الليطاني، قبل نحو أسبوع على إعلان الجيش اللبناني الانتهاء من المرحلة الأولى لـ«حصرية السلاح»

«الشرق الأوسط» (لبنان)
المشرق العربي نواف سلام متحدثاً عن «مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع» بحضور وزير المالية ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد الأسبوع الماضي (رئاسة الحكومة)

«مصرف لبنان» ينسف المشروع الحكومي لرد الودائع قبل إقراره

اختزل حاكم مصرف لبنان المركزي كريم سعيد النزاع المرافق لمناقشات مجلس الوزراء الخاصة بمشروع قانون استرداد الودائع (الفجوة المالية)

علي زين الدين (بيروت)

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

14 دولة تدعو إسرائيل إلى وقف التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية

مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية قرب رام الله بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

ندّدت 14 دولة، من بينها فرنسا وبريطانيا وكندا واليابان، الأربعاء، بإقرار إسرائيل الأخير إنشاء مستوطنات يهودية في الضفة الغربية المحتلّة، داعية الحكومة الإسرائيلية إلى التراجع عن القرار، وإلى الكفّ عن توسيع المستوطنات.

وجاء في بيان مشترك، نشرته وزارة الخارجية الفرنسية: «نحن، ممثلي ألمانيا وبلجيكا وكندا والدنمارك وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وآيرلندا وإيسلندا واليابان ومالطا وهولندا والنرويج وبريطانيا، نندد بإقرار المجلس الوزاري الأمني للحكومة الإسرائيلية إنشاء 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة».

وأضاف البيان: «نؤكد مجدداً معارضتنا أي شكل من أشكال الضم، وأي توسيع لسياسة الاستيطان»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ودعت الدول إسرائيل إلى «العدول عن هذا القرار، بالإضافة إلى ⁠إلغاء التوسع في ‌المستوطنات».

وأضاف ​البيان: «نذكر أن مثل هذه التحركات ⁠أحادية الجانب، في إطار تكثيف أشمل لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية، لا ينتهك القانون الدولي فحسب، بل يؤجج أيضاً انعدام الاستقرار».


تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
TT

تتبّع مصير 55 من جلادي النظام السابق اختفوا مع سقوط الأسد في منافي الترف

صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)
صورة لقرية بارفيخا الفاخرة بالقرب من موسكو ديسمبر 2012 ويُقال إنها تستضيف بشار الأسد حالياً (نيويورك تايمز)

توفّر الشقق السكنية في فندق «فور سيزونز» بالعاصمة الروسية موسكو غرف معيشة تتدلّى فيها ثريات كريستالية، وإطلالات مباشرة على مقر الكرملين، مع خدمة فندقية رفيعة المستوى قادرة على ترتيب كل شيء، من حضور العروض الافتتاحية في مسرح البولشوي إلى استئجار الطائرات الخاصة.

وتُسوَّق هذه المساكن، التي يصل إيجارها إلى 13 ألف دولار أميركي أسبوعياً، على أنها «مثالية للتجمعات العائلية، وحفلات الكوكتيل، والفعاليات التجارية». لكنها، في حالة بعض أكثر مجرمي الحرب المطلوبين في العالم، قد تكون بداية فاخرة لحياة المنفى.

صور متداولة على السوشيال ميديا لتحديد موقع مكان ماهر الأسد

وقد شوهد ماهر الأسد، البالغ من العمر 58 عاماً، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، التي كانت تبث الرعب في نفوس السوريين، في صالة الألعاب الرياضية بالفندق وهو يتمتم بكلمة «العار»، حسب مسؤول سابق. وفي الوقت نفسه، كان آخرون يناقشون مصيرهم على موائد الإفطار، حسب ثلاثة من مرافقي أفراد النظام المقيمين في الفندق.

وتمكّن تحقيق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» من تحديد أماكن وجود عدد كبير من كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين المرتبطين بأكثر فصول التاريخ السوري الحديث دموية، بمن فيهم علماء متورطون في تطوير أسلحة كيميائية، ورؤساء أجهزة استخبارات متهمون بممارسة التعذيب، كما كشف عن تفاصيل جديدة عن أوضاعهم الحالية وأنشطتهم الأخيرة.

انتهى حكم بشار الأسد الطويل والوحشي سريعاً لكنه وحاشيته المقربة وجدوا ملاذاً آمناً في روسيا (نيويورك تايمز)

وسعت الصحيفة الأميركية إلى تتبّع مصير 55 من قادة النظام السابق الذين اختفوا عند سقوط الأسد من السلطة، لتجد أن كثيرين منهم يعيشون في رفاهية أو في حالة اختفاء حذر خلال عامهم الأول في المنفى، وأن الغالبية الساحقة منهم أفلتوا، على ما يبدو، من أي مساءلة قانونية.

وحسب أقارب وأصدقاء ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أُقيمت حفلات عيد ميلاد فاخرة لبنات الأخوين الأسد في فيلا بموسكو وعلى متن يخت في دبي.

اللواء علي مملوك مع بشار الأسد (أرشيفية)

ويعيش علي مملوك، البالغ من العمر 79 عاماً، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات القوي، في شقة بموسكو على نفقة الدولة الروسية، ملتزماً العزلة ورافضاً استقبال معظم الزوار، وفقاً لشخصين مقرّبين منه.

أما غسان بلال، 59 عاماً، الذي يُعدّ أحد أبرز أركان شبكة المخدرات التابعة للنظام، فيقيم هو الآخر في موسكو، بينما يموّل نمط حياة مريحاً لأسرته في الخارج، من إسبانيا إلى دبي، حسب ثلاثة ضباط سابقين.

غير أن العديد من أعوان الأسد لم يحظوا بهذا الاستقبال المترف، فقد اضطر بعضهم إلى دفع رشى للصعود إلى طائرات شحن مكتظة متجهة إلى موسكو، ليُنقلوا بعدها إلى مساكن عسكرية. وكان من بينهم جميل حسن، 73 عاماً، مدير استخبارات سلاح الجو السابق المتهم بالإشراف على التعذيب المنهجي وإعدام المعتقلين، وفقاً لثلاثة أشخاص قالوا إنهم التقوه بعد وصوله. وتفرّق آخرون خارج روسيا، بين دبي ولبنان، بينما بقي بعضهم داخل سوريا متخفّياً.

في المقابل، ترك ضحايا أكثر من خمسة عقود من حكم عائلة الأسد يتساءلون عن أماكن المسؤولين عن بعض أبشع الجرائم في هذا القرن، وعن فرص مثولهم يوماً أمام العدالة.

كان الأشخاص الخمسة والخمسون الذين شملهم تحقيق «نيويورك تايمز»، رجالاً يتمتعون بنفوذ هائل، لكن بحضورٍ عامٍّ محدود. وقد أتاح لهم ذلك، على مدى عقود، إتقان فن إخفاء هوياتهم باستخدام أسماء مستعارة وجوازات سفر مزوّرة أو مشتراة، وجميعهم خاضعون لعقوبات دولية، فيما يواجه عدد منهم مذكرات توقيف دولية.

صورة لغسان بلال على جدار إحدى فيلاته بدمشق التي هُجرت بعد سقوط النظام في سوريا (نيويورك تايمز)

ولسدّ الثغرات المتعلقة بمصائرهم، قام صحافيو «نيويورك تايمز» بتفتيش فيلات مهجورة تعود للنظام، ومراجعة مصادر الإنترنت المفتوحة، والتشاور مع ناشطين ومحامين سوريين يسعون لملاحقة مضطهديهم السابقين. كما أُجريت مقابلات مع جهات إنفاذ قانون دولية وشخصيات من النظام السابق، وفي بعض الحالات تمت مواجهتهم بشكل مباشر.

وأسفر هذا الجهد عن تحديد أماكن وجود نصف هؤلاء فقط، ووجد الصحافيون أنه لم يُحتجز سوى شخص واحد، أما الآخرون فقد اختفوا عن الأنظار أو تركوا آثاراً ضئيلة للغاية.

وتحدث معظم مَن أُجريت معهم المقابلات شرط عدم الكشف عن هوياتهم، إما لانخراطهم في جهود سرية من أجل تحقيق العدالة، وإما خشية التعرّض للانتقام، سواء من شخصيات النظام السابق أو من ضحاياه.

ويؤكد محامون وناشطون يعملون على ملاحقة مرتكبي جرائم حقبة الأسد أن جهودهم تصطدم بغياب الإرادة السياسية، فالحكومة السورية الجديدة تركّز على ترسيخ سلطتها، فيما تتردد بعض الحكومات الأجنبية في تسليم حلفاء سابقين، أو تفضّل الاحتفاظ بالفارّين مصادرَ استخباراتية.

جولات تسوّق ومساكن تعود للحقبة السوفياتية

بالنسبة لبعض أفراد نخبة النظام السوري السابق، بدت الأشهر الأولى في موسكو كأنها سياحة منفى. فقد شوهد جمال يونس، 63 عاماً، المتهم بإصدار أوامر مباشرة بإطلاق النار على متظاهرين عُزّل، وهو يتجوّل على دراجة كهربائية قرب الملعب الوطني الروسي، في مقطع فيديو جرى تداوله على الإنترنت وتأكدت الصحيفة من صحته.

منظر لمركز «موسكو سيتي» للأعمال خلف جدار الكرملين في موسكو (رويترز)

كما شوهد وزير الدفاع السوري السابق علي عباس، 64 عاماً، ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم، 62 عاماً، وكلاهما متهم بالتعذيب والعنف الجنسي خلال الانتفاضة السورية، وهما يتجولان في «المول الأوروبي» الفاخر المؤلف من ثمانية طوابق في موسكو.

ويعيش كفاح ملحم، 64 عاماً، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني السوري، والمستشار المقرّب من الأسد، في فيلا كبيرة بموسكو مع صهره غسان إسماعيل، 65 عاماً، حسب شخصين على تواصل معه. ويُتهم الجنرالان السابقان في الاستخبارات بالإشراف على تعذيب واعتقال المتظاهرين.

وكان ملحم من القلة التي أمكن التواصل معهم للتعليق، إذ أرسل رداً مطوّلاً نفى فيه اتهامات ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، معتبراً أن انتهاكات النظام السابق «لا تُقارن» بجرائم قادة سوريا الجدد، الذين قادوا سابقاً تنظيماً تابعاً لتنظيم «القاعدة». وادعى أن التقارير الموثقة عن التعذيب والإعدامات الجماعية في سجون مثل صيدنايا «مفبركة». وعند سؤاله عن حياته في روسيا، اكتفى بالقول: «نعيش كمواطنين عاديين».

أما الضباط الذين اعتادوا السلطة والنفوذ، فقد وجدوا في المنفى الروسي واقعاً مهيناً، إذ فرضت روسيا قيوداً صارمة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتحدث علناً، كما حدّت من تحركات كثير من كبار المسؤولين عبر إجراءات أمنية مشددة.

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقر يستقبل وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس في يناير 2023 (أرشيفية)

ولم تردّ السلطات الروسية على استفسارات الصحيفة بشأن وجود مسؤولي النظام السوري السابق في البلاد. وبالنسبة إلى أكثر من 1200 ضابط سوري، فقد بدأ فصل أكثر قسوة عندما سارعوا، وأحياناً دفعوا رشى، للصعود إلى طائرات «إليوشن» المتجهة إلى موسكو من قاعدة روسية على الساحل السوري. وعند وصولهم، اضطروا إلى تقديم طلبات لجوء مؤقت، مما جعل كثيرين يشعرون بأن وضعهم القانوني هش.

ولم يُنقل هؤلاء إلى فنادق فاخرة، بل أُسكنوا في منشآت تعود إلى الحقبة السوفياتية، غالباً في غرف جماعية تضم ثلاثة أو أربعة أشخاص. واشتكى كثيرون من الطعام الروسي ومواعيد الوجبات الصارمة.

وفي ظل هذا الوضع، اندلعت تصفيات حسابات قديمة، ففي حادثة أثارت جدلاً واسعاً، تعرّض آصف الدكر، 60 عاماً، قائد الشرطة العسكرية المتهم بالإشراف على تعذيب السجناء، للضرب والبصق من قبل ضباط ناقمين، وفقاً لأربعة ضباط سابقين ومساعد لا يزال على تواصل معه.

وبعد أسابيع من المنفى، خُيّر الضباط بين العيش بحرية على نفقتهم الخاصة، والبقاء على إعانات الدولة وتوزيعهم في أنحاء روسيا. وقيل إن بعض مَن اختاروا الخيار الثاني نُقلوا إلى مناطق نائية مثل سيبيريا.

كشف تحقيق صحيفة «نيويورك تايمز» عن أماكن وجود كبار المسؤولين السوريين الذين فروا وعديد منهم ما زالوا أحراراً محميين بثرواتهم وبمجاملات الدول المضيفة (نيويورك تايمز)

في المقابل، نجح كثير من كبار القادة في تأمين شقق خاصة، غالباً فاخرة. ومن بين مَن لم يتمكن من ذلك في البداية اللواء أوس أصلان، 67 عاماً، المشتبه بإشرافه على عمليات قتل جماعي وقمع دموي للمدنيين.

وقد أُرسل أوس أصلان إلى مدينة قازان، الواقعة على بُعد نحو 450 ميلاً شرق موسكو، وفقاً لثلاثة أصدقاء وضابط زميل قالوا إنه أخبرهم بأنه لا يملك أي مدخرات يعتمد عليها.

غير أن الحياة المتواضعة التي فُرضت عليه سرعان ما دفعته إلى التراجع عن هذا المسار، على حد قولهم، إذ عاد بعد أشهر للظهور مجدداً في شقة فاخرة تُقدَّر قيمتها بملايين الدولارات في موسكو. وقال أحد أصدقائه في دمشق، مازحاً: «حاول أن يبدو فقيراً، لكنه لم يستطع الاستمرار. الآن يعيش أفضل أيام حياته».

صورة ممزقة لماهر الأسد ملقاة على الأرض في فيلته في بلدة يعفور (أ.ف.ب)

ومن بين هؤلاء الجنرال السابق غسان بلال، حسب ضابطين زميلين وصديق للعائلة. وقد زارت الصحيفة عقارين شاسعين قال الجيران إنهما يعودان للجنرال السابق غسان بلال، وكان أحدهما يضم مسابح، وحمّاماً تركياً، وسينما خارجية، إضافة إلى صور عائلية معلّقة على الجدران. وتتهمه العقوبات الأميركية والأوروبية بتسهيل تهريب مخدر الكبتاغون، وهو منبه شديد الإدمان يُقدَّر أنه درّ على النظام أكثر من خمسة مليارات دولار.

وفي أغسطس (آب)، أصدرت فرنسا مذكرة توقيف بحق بلال، متهمةً إياه وستة مسؤولين آخرين بإصدار أوامر باستهداف المدنيين خلال حصار وحشي لمدينة حمص عام 2012. كما اتهمهم المحققون بتدبير التفجير الذي أسفر عن مقتل المصور الفرنسي ريمي أوشليك، ومراسلة الحرب الأميركية ماري كولفن، في العام نفسه.

رئيس هيئة الأركان السورية السابق عبد الكريم إبراهيم (متداولة)

وتعيش زوجته وأبناؤه جزءاً من العام في إسبانيا، حيث تمتلك العائلة عقارات، وفقاً للضابطين وصديقين للعائلة، مؤكدين أن هذا الترتيب قائم منذ سنوات. وتدرس ابنة بلال في جامعة خاصة شمال مدريد، حسب أصدقاء العائلة، وتنشر على ما يبدو على مواقع التواصل الاجتماعي عن دراستها هناك، وقد شاهدها صحافي من «نيويورك تايمز» في أثناء زيارته للحرم الجامعي. ورفضت وزارة الخارجية الإسبانية الرد على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، قائلةً إنها «لا تستطيع تقديم بيانات عن أشخاص بعينهم».

أما الجنرال ياسين ضاحي، البالغ من العمر 64 عاماً، فقد واجه مشكلات صحية ومالية في دبي، حسب إحدى بناته. وكان ضاحي، الذي تقاعد قبل سقوط النظام، يرأس الفرع 235 في إدارة المخابرات العسكرية بدمشق، المعروف بين السوريين باسم «فرع فلسطين» المخيف، بسبب التعذيب المنهجي وحالات الاختفاء القسري.

وانتظر ضاحي يومين لرحلة إجلاء روسية، لكنه، بسبب معاناته من مرض في القلب وخشيته على سلامته، فضّل بدلاً من ذلك الالتحاق بعائلته في دبي بتأشيرة سياحية انتهت صلاحيتها الآن، وفقاً لما قالته ابنته. وأضافت أنه، خوفاً من الترحيل، لم يتمكن من تلقي العلاج في أي مستشفى، وأنه «على وشك نفاد المال». وأشارت الصحيفة إلى أن ضاحي يخشى العودة إلى سوريا، جزئياً لأن صهره، وهو مهندس يعمل في القصر الرئاسي، قُتل فيما يبدو بعملية انتقام.

مطاردة الأشباح

توجد فئة أخرى من مسؤولي النظام السوري السابق: أولئك الذين لم يفرّوا. بعضهم متوارٍ عن الأنظار، وأحدهم على الأقل قيد الاحتجاز، فيما يعيش آخرون في العلن دون ضجيج.

ومن بين الجنرالات الذين قيل إنهم لا يزالون في سوريا، عصام حلاق، الذي أشرف على سلاح الجو السوري من عام 2010 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وهي الفترة التي بدأ فيها النظام استخدام الغارات الجوية ضد شعبه لقمع الاحتجاجات.

وبعد سقوط النظام، شكّل حلاق وعدد من الضباط المتقاعدين لجنة للمحاربين القدامى، وسعوا إلى التعاون مع القيادة السورية الجديدة، مقدمين خبراتهم التقنية في مجالات مثل صيانة الدبابات والطائرات لوزارة الدفاع الناشئة، حسب ثلاثة ضباط زملاء. غير أن هذا التعاون لم يدم طويلاً، إذ قررت الحكومة الجديدة بعد عدة أشهر، العمل فقط مع الضباط الذين تقاعدوا قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية عام 2011، وتقديم معاشات لهم.

وقال الضباط إن حلاق يعيش اليوم في فقر شديد، ويلزم شقته في دمشق خشية اعتقاله، وقد رفض، عبر وسيط، إجراء مقابلة.

ضابط واحد محتجز

ومن بين 55 شخصية من النظام حققت فيها الصحيفة الأميركية، لم يُعثر إلا على شخص واحد بدا أنه محتجز، هو طاهر خليل، البالغ من العمر 70 عاماً، والذي كان يرأس إدارة المدفعية والصواريخ، وأشرف، حسب الاتحاد الأوروبي، على استخدام الأسلحة الكيميائية وضرب مناطق مدنية.

ولسنوات طويلة، كان خليل أشبه بالشبح، إذ ظلت صورته وتفاصيل سيرته الذاتية شبه مجهولة للعامة. غير أن الصحيفة عثرت على صورته وتاريخ ميلاده ومسقط رأسه في ملفات حكومية.

وقادت هذه المعلومات الصحيفة إلى مدينة صافيتا، مسقط رأس خليل، الواقعة على بُعد نحو 90 ميلاً شمال غربي دمشق. وهناك قال مسؤول أمني محلي، اكتفى بذكر اسمه الحركي، إن خليل اعتُقل في فبراير (شباط) بعد أن حاول التخفي عبر تقديم نفسه بوصفه ضابطاً متقاعداً. وشارك المسؤول صورة لخليل في أثناء احتجازه، إلى جانب تفاصيل داعمة أخرى، مؤكداً أنه محتجز حالياً في دمشق.

ولم تعلن الحكومة السورية رسمياً اعتقال خليل، في مؤشر ربما إلى أنها لا تزال تتعامل بحذر مع كيفية معالجة مثل هذه الملفات.

طوّر برنامج الأسلحة الكيمياوية

في قلب حي دمشقي تاريخي، وتحت عرائش من النباتات المتسلقة، يقع مبنى حجري أنيق يعرفه كثير من السوريين، إذ ظهر مؤخراً كخلفية في مسلسل تلفزيوني شهير. لكن قلة فقط تعلم أنه أيضاً منزل عماد الأرمنازي، البالغ من العمر 81 عاماً، المدير السابق لمركز البحوث العلمية الذي طوّر برنامج الأسلحة الكيمياوية السوري. وقد تقاعد عام 2021، ويبدو أنه يعيش حياة مريحة.

قصف إسرائيلي لمركز البحوث العلمية «برزة» شمال دمشق 10 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

فتح الباب مرتدياً رداء الاستحمام، ودعا صحافياً من «نيويورك تايمز» إلى شقة ذات أرضيات رخامية مكسوّة بسجاد شرقي، وكان مستعداً للحديث عن كل شيء، من قصة حياته إلى تاريخ سوريا، باستثناء العمل الذي دفع 33 دولة إلى منعه من دخول أراضيها.

وحسب العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية، لعب الأرمنازي دوراً رئيسياً في إنتاج الأسلحة الكيميائية التي استُخدمت ضد المدنيين السوريين.

وقال محققون في الأمم المتحدة إن الأرمنازي خضع لاستجواب من الوكالة الأممية المكلفة بتطبيق الحظر الدولي على الأسلحة الكيميائية، إلا أنه لم يُستجوب بشأن جرائم حرب محتملة.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت السلطات السورية قد استجوبته، رغم انضمامه في يوليو (تموز) إلى مجلس الأمناء في إحدى الجامعات السورية، وفقاً لمنشور على صفحة الجامعة في منصة «فيسبوك». ويُعد الأرمنازي واحداً من عدة مسؤولين بارزين من حقبة الأسد يبدو أنهم أحرار داخل سوريا، من دون توضيح رسمي عمّا إذا كانوا قد تمت تبرئتهم أو عقدوا صفقات تعاون مقابل التخفيف من العقوبة.

ضميره مرتاح

وقالت وزارة الإعلام السورية إن الحكومة لم تمنح حصانة لمسؤولي النظام السابق، لكنها لم تردّ على طلبات متكررة للحصول على معلومات إضافية بشأن أوضاع كبار المسؤولين أو التحقيقات المتعلقة بجرائمهم. وقال مسؤولان سوريان، طلبا عدم الكشف عن هويتيهما لأنهما غير مخولَين بالتحدث باسم الحكومة، إن أولوية الحكومة تتمثل في تقديم مَن أصدروا الأوامر أو نفذوا الهجمات إلى العدالة، لا العلماء الذين ساعدوهم.

لكن الأرمنازي «كان أكثر بكثير من مجرد موظف بيروقراطي»، حسب نضال شيخاني، مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا، وكذلك منظمة «Same Justice»، التي تبحث في انتهاكات حقوق الإنسان، موضحاً أنه كان «المهندس الرئيسي للمركز، سواء في طموحاته العلمية أو في إرثه الأكثر ظلمة».

وخلال زيارتين لمنزله، رفض الرجل البالغ من العمر 81 عاماً مراراً الحديث عن ماضيه، لكنه أصرّ على التأكيد على نقطة كررها تقريباً كل مسؤول سابق تواصلت معه الصحيفة، وهي أن «ضميره مرتاح».

* خدمة «نيويورك تايمز»

اقرأ أيضاً


مقتل 3 أشخاص في الساحل السوري خلال اشتباكات مع قوات الأمن

نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
TT

مقتل 3 أشخاص في الساحل السوري خلال اشتباكات مع قوات الأمن

نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)
نقطة تفتيش تابعة لقوى الأمن الداخلي السوري في السويداء (رويترز)

قُتل ثلاثة أشخاص، الأربعاء، خلال اشتباكات مع قوات الأمن في محافظة اللاذقية، معقل الأقلية العلوية في غرب سوريا، وفق ما أفاد الإعلام الرسمي.

وأفاد التلفزيون الرسمي عن مقتل ثلاثة أشخاص قال إنهم من «فلول النظام السابق»، في حين أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن عناصر من قوات الأمن الداخلي اشتبكوا مع «مجموعة من المطلوبين الخارجين عن القانون في محيط مدينة جبلة بريف اللاذقية».

ومنذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد قبل أكثر من عام، أعلنت السلطات السورية عن عمليات أمنية عدة ضد ما تسميه «فلول النظام».

ووفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية»، فمحافظة اللاذقية هي أكبر محافظة في منطقة الساحل السوري، وهي معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.

وحصدت أعمال عنف على خلفية طائفية في مارس (آذار) نحو 1700 قتيل غالبيتهم الساحقة من العلويين، وفق وسائل إعلام سورية.

وفي الشهر الماضي، تظاهر الآلاف في مدينة اللاذقية، ومناطق أخرى ذات غالبية علوية، تنديداً باعتداءات متكررة استهدفت هذه الأقلية.

ويعد بسط الأمن أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطات السورية منذ توليها الحكم، ولا سيما في مناطق الساحل التي تسجل فيها حوادث أمنية متكررة.

إسرائيل تستهدف سد المنطرة

وفي سياقٍ موازٍ، ذكر تقرير إخباري أن الجيش الإسرائيلي جدد اعتداءاته على الأراضي السورية، الأربعاء، حيث استهدف سد المنطرة في ريف القنيطرة الشمالي.

وأفادت قناة «الإخبارية» السورية باستهداف الجيش الإسرائيلي للسد بقنبلة من طائرة مسيّرة، «وذلك في إطار إجراءات تهدف إلى منع الاقتراب منه».

وأطلقت قوات الجيش الإسرائيلي أيضاً قنبلة ضوئية باتجاه تل كروم بريف القنيطرة.

واعتدت قوة إسرائيلية، في وقت سابق من اليوم، على أطفال ونساء في أثناء جمعهم للفطر في المنطقة الواقعة بين قريتي العدنانية ورويحينة في ريف القنيطرة الشمالي في جنوب سوريا.

وذكرت وكالة الأنباء السورية، اليوم، أن «قوة للاحتلال مؤلفة من سيارتين أطلقت قنابل دخانية تجاه الأطفال والنساء في أثناء قيامهم بجمع الفطر في المنطقة الواقعة بين القريتين».

وأشارت إلى أن «قوات الاحتلال توغلت، أمس، في مناطق عدة بريفي القنيطرة الشمالي والجنوبي، واعتقلت شابين لساعات ثم أفرجت عنهما».

و«تواصل إسرائيل سياساتها العدوانية وخرقها اتفاق فض الاشتباك لعام 1974، عبر التوغل في الجنوب السوري، والاعتداء على المواطنين»، وفق الوكالة السورية.

وتطالب سوريا باستمرار بخروج القوات الإسرائيلية من أراضيها، مؤكدة أن جميع الإجراءات التي تتخذها في الجنوب السوري باطلة ولاغية، ولا ترتب أي أثر قانوني وفقاً للقانون الدولي، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته وردع ممارسات إسرائيل.