إرث عربي يصوغ مستقبل الذكاء الاصطناعي العادل

من بغداد وقرطبة… إلى نيوم

إرث عربي يصوغ مستقبل الذكاء الاصطناعي العادل
TT

إرث عربي يصوغ مستقبل الذكاء الاصطناعي العادل

إرث عربي يصوغ مستقبل الذكاء الاصطناعي العادل

بينما تركز المختبرات الغربية على تفوق الآلة، تحمل رؤية 2030 فرصة فريدة لصياغة خوارزميات تُنصف الإنسان لا تنحاز ضده

إرثٌ يضيء الماضي

في التاريخ لحظات لا تموت، بل تبقى كالجذور التي تسقي المستقبل. حين نتأمل مسار الذكاء الاصطناعي اليوم، نكتشف أنّه ليس سليل وادي السيليكون وحده، بل ابن حضاراتٍ سبقت حين جمعت بين العقل والعدالة.

العقل بلا عدالة - سلاح ضد الإنسان

في بغداد، يوم وُلد «بيت الحكمة»، لم يكن العلم ترفاً ولا مجرّد تراكم معارف، بل مشروعاً ينسج الخيوط بين الرياضيات والفلسفة والطب، ليجعل من المعرفة جسراً يخدم الإنسان. هناك كتب الخوارزمي كتابه الذي صار بذرة الخوارزميات، ومن هناك انتقلت شعلة الفكر إلى قرطبة، حيث كان ابن رشد يؤكد أنّ العقل بلا عدالة يتحوّل إلى سلاحٍ ضد الإنسان.

دورة حضارية تنطلق من «نيوم»

اليوم، وبينما تُصاغ معادلات جديدة في مختبرات الغرب تسعى للتفوّق العددي والقوة التقنية، يطلّ من الشرق مشروع مختلف: رؤية 2030. مشروع لا يريد فقط خوارزميات أقوى، بل خوارزميات أعدل. هنا، في قلب نيوم و«ذا لاين»، تحاول المملكة أن تستعيد المعنى الأصيل للعلم: أن يكون أداة تحرير لا أداة هيمنة، وأن يحفظ للإنسان كرامته قبل أن يحسب نبضه أو يقرأ جيناته.

إنها دورة حضارية تستأنف مسارها، من بغداد وقرطبة إلى نيوم، لتقول للعالم: المستقبل لا يُكتب بالأرقام وحدها، بل بالقيم التي تضيء تلك الأرقام. فهل نستطيع اليوم أن نكتب خوارزميات لا تُسابق الزمن فقط، بل تُنصف الإنسان؟

من هيمنة الغرب إلى انكشاف التحيّز

بعد قرون من انتقال مركز الثقل العلمي من بغداد وقرطبة إلى الغرب، صار وادي السيليكون وأوروبا والصين هي المحرّك الرئيسي لصناعة الذكاء الاصطناعي. هناك تُبنى الخوارزميات وتُدرَّب النماذج على ملايين البيانات، وتُسوَّق على أنها «عالمية» وقادرة على خدمة كل إنسان. لكن خلف هذا البريق يختبئ خلل جوهري: التحيّز البنيوي.

تحيّز بنيوي

في الطب مثلاً، كشفت دراسة حديثة منشورة في مجلة «ذا لانسيت» للصحة الرقمية Lancet Digital Health أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المصممة لتشخيص سرطان الجلد تعمل بكفاءة عالية على صور مرضى من ذوي البشرة البيضاء، لكنها تتراجع بشكل مثير للقلق حين تواجه بشرة سمراء أو داكنة. النتيجة: أورام تُغفل، وتشخيصات تتأخر، وأرواح توضع على المحك، لا بسبب قلة الذكاء، بل بسبب قلة العدالة في البيانات.

وليس الطب وحده ساحة لهذا الخلل؛ ففي قطاع التمويل، أثبتت تقارير مستقلة أن خوارزميات البنوك في الولايات المتحدة منحت أصحاب البشرة البيضاء والأحياء السكنية الثرية فرصاً أكبر للحصول على قروض، بينما شددت القيود على الأقليات والفقراء، ورفعت عليهم نسب الفائدة بلا مبرر. وهكذا تحوّل «الذكاء الاصطناعي» من أداة يُفترض أن تُعزّز العدالة الاقتصادية إلى آلة تُعيد إنتاج التمييز الاجتماعي بدقة حسابية باردة.

نسخة رقمية من ظلم قديم

إن ما نراه اليوم ليس سوى إعادة لصدى ما قاله ابن خلدون قبل قرون: «الحقائق إنما تُفهم في سياق العمران وأحوال الناس». فالخوارزميات ليست «محايدة» كما يُروَّج لها، بل تعكس تضاريس البيئة التي صيغت فيها. ومع أن التقنية ترفع شعار العالمية، تظل بياناتها أسيرة المركزية الغربية والشرقية؛ فلا ترى الآلة إلا ما يراه صانعها... ولا تسمع إلا صوته. وهنا تتجلى المفارقة: ذكاء بلا عدالة ليس إلا نسخة رقمية من ظلم قديم، لكن بوجه عصري أنيق.

«ذا لاين» ونيوم: ملامح مستقبل مختلف

في الغرب، تُقاس معظم المشروعات التكنولوجية بميزان الأرباح وسرعة السيطرة على الأسواق، وكأن الهدف الأسمى للتقنية هو تعظيم النفوذ الاقتصادي وحده. فـ«وادي السيليكون» يُقدَّم نموذجاً للابتكار الرقمي، لكنه غارق في تناقضات اجتماعية صارخة: بطالة مقنّعة، فجوات هائلة في الثروة، وهيمنة شركات عملاقة تملك البيانات أكثر مما تملك الدول. أما مدن مثل شنغهاي الذكية، فرغم إنجازاتها الهائلة في البنية التحتية والتقنية الرقمية، فإنها لا تزال محكومة بمنطق السيطرة، حيث يُسخَّر الإنسان للتقنية أكثر مما تُسخَّر التقنية للإنسان.

في المقابل، تطرح المملكة عبر رؤية 2030 منظوراً مغايراً. فمشروع «ذا لاين» في قلب نيوم ليس مجرد هندسة معمارية عملاقة، بل هندسة معرفية تقوم على جعل الذكاء الاصطناعي حاضراً في تفاصيل الحياة اليومية: من إدارة الطاقة إلى التعليم والصحة والنقل. لكنه يتجاوز حدود البرمجيات ليقدّم بعداً غائباً عن معظم النماذج الغربية: البعد البيئي - الاستدامة. فالمدينة مصممة لتعمل بالطاقة المتجددة، ولتُدار مواردها الطبيعية بذكاء يضمن الحفاظ عليها للأجيال المقبلة. هنا يصبح الذكاء الاصطناعي أداة لحماية الكوكب لا لاستنزافه، ولحماية الإنسان لا لاستغلاله.

إحياء فكرة التوازن بين العقل والبيئة

إن تفرد «ذا لاين» يكمن في هذه الفلسفة الجديدة: فلسفة لا ترى في التقنية سباقاً للأرقام أو وسيلة للهيمنة، بل إطاراً لإعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والآلة والطبيعة معاً. والذكاء هنا ليس خوارزمية للحساب وحدها، بل بنية أخلاقية لإعادة توزيع العدالة، وتكريس الشمول، وإحياء فكرة التوازن بين العقل والبيئة.

وكما كانت بغداد في زمن الخوارزمي وقرطبة في زمن ابن رشد منصتين عالميتين لتداول العلم والفكر، يمكن لـ«نيوم» و«ذا لاين» أن تتحوّلا إلى منصتين عالميتين لإعادة صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي: مستقبل لا يُقاس بسرعة الحسابات فحسب، بل بعمق إنصافه للإنسان، ومدى انسجامه مع الأرض التي يعيش عليها.

العدالة كشرط للذكاء

التاريخ لا يروي لنا أن الحضارات ارتقت بالعلم وحده، بل بالعدل الذي صان ثمار ذلك العلم، وضمن أن يبقى في خدمة الإنسان. فـبغداد لم تكن مجرد دارٍ للحسابات والأرقام، بل بيت حكمة حيث التقت الرياضيات بالفلسفة، والطب بالأخلاق، ليصبح العلم مشروعاً يحمل مسؤولية تجاه المجتمع. وقرطبة لم تكن مكتبة ضخمة فحسب، بل فضاءً فكرياً احتضن أسئلة الحرية والحق ومعنى أن يكون العقل خادماً للإنسان لا سيداً عليه.

اليوم، ونحن على أعتاب عصر الذكاء الاصطناعي، يظل المبدأ نفسه حيّاً: لا ذكاء بلا عدالة. فالخوارزميات قد تُبهرنا بقدرتها على التنبؤ ودقة معالجتها، لكنها إن افتقدت البوصلة الأخلاقية تحوّلت إلى سلاح بارد يعيد إنتاج التمييز والظلم، لكن بلغة الأرقام والإحصاءات هذه المرة. هنا يصبح الظلم أكثر قسوة لأنه ممهور بختم «العلم» ومُغلف بواجهة «الحياد».

إن دور العرب في هذا المنعطف التاريخي ليس أن يكونوا مجرد مستهلكين للتقنية، بل صانعين لفلسفتها. فإذا أحسنا استثمار تراثنا الأخلاقي ورؤيتنا المستقبلية، فإننا لا نضيف إلى العالم آلة أسرع فحسب، بل معنىً أعمق: ذكاءً إنسانياً عادلاً يجعل من التقنية جسراً يوحّد البشرية بدل أن يُقسّمها.

فهل نملك الشجاعة لنقول للعالم إن الذكاء بلا عدالة ليس ذكاءً؟

من بغداد إلى نيوم... دورة جديدة للتاريخ

قد يظن البعض أن الربط بين بغداد وقرطبة من جهة، و«نيوم» و«ذا لاين» من جهة أخرى، مجرد استعارة تاريخية أو حنين إلى الماضي. لكنه في جوهره استدعاء لدورة حضارية تتجدد بأدوات مختلفة ولأهداف أوسع. فكما تحوّلت مدننا في الماضي إلى مناراتٍ للعالم، تُصدّر العلم والفلسفة والفكر النقدي، يمكن أن تتحول مدننا الجديدة اليوم إلى مختبرات كبرى للإنسانية تُعيد صياغة الذكاء الاصطناعي، لا كأداة للهيمنة، بل كفضاء للعدالة والشمول.

إننا لسنا محكومين أن نكون مجرد مستهلكين للتقنيات القادمة من الغرب أو الشرق. بل نملك، من خلال «رؤية 2030» وما تحمله من مشروعات جريئة مثل «نيوم» و«ذا لاين»، فرصة تاريخية لنكون صانعي الفلسفة والأخلاقيات التي تُوجّه هذه التقنيات. فكما كان الخوارزمي لا يكتفي بالحساب بل يضع منهجاً للفكر، وكما كان ابن رشد يربط العقل بالعدالة، يمكننا اليوم أن نعيد إحياء هذا الإرث، ونضيف إليه بعداً معاصراً.

بهذا المعنى، لا يصبح الذكاء الاصطناعي مجرد «آلة باردة» تُعيد إنتاج بيانات منحازة، بل مشروعاً إنسانياً جامعاً يعكس تنوع البشر وثراءهم، ويضع العدالة في صلب معادلة المستقبل. وهكذا، تُفتح دورة جديدة للتاريخ: من بغداد وقرطبة التي أشرقت بالعلم، إلى «نيوم» و«ذا لاين» اللتين تحملان شعلة العدالة الرقمية لعالم يتعطش إليها. وكما قال ابن رشد: «العدل أساس العمران».

قوة رقمية ببوصلة أخلاقية

إن مستقبل الذكاء الاصطناعي لن يُقاس بقدرة الخوارزميات على الحساب وحدها، ولا بسرعة معالجتها للبيانات، بل بمدى قدرتها على أن تكون جسراً للعدالة والكرامة الإنسانية. فالقوة الرقمية بلا بوصلة أخلاقية لا تساوي أكثر من آلة باردة تُعيد تدوير التحيّز في ثوب علمي أنيق.

من بغداد حيث صيغ العقل كمنهج، وقرطبة حيث رُبط الفكر بالحرية والعدل، إلى «نيوم» و«ذا لاين» حيث يُصاغ الغد برؤية جديدة، يدور التاريخ ليذكّرنا أن العلم بلا عدل قاصر، وأن التقنية بلا روح فارغة.

لقد آن الأوان أن نعيد تعريف الذكاء الاصطناعي لا كأداة للهيمنة، بل كامتداد لفلسفة إنسانية تُنصف البشر جميعاً. فالتاريخ لا يسأل عن سرعة الحسابات، بل عن معنى ما يُحسب. والسؤال الأعمق الذي يواجهنا اليوم:

هل نمتلك الشجاعة لنصنع ذكاءً يُنصف الإنسان، كما تسعى إليه «رؤية 2030» في العالم العربي، أم نتركه على الطريقة الغربية يتحوّل إلى منظومة تُجمّل الظلم وتؤبّده بلغة الأرقام؟


مقالات ذات صلة

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

الاقتصاد شعار شركة «أوبن إيه آي» في رسم توضيحي (رويترز)

حمّى الذكاء الاصطناعي... مليارات الدولارات تُعيد تشكيل صناعة التكنولوجيا

يشهد قطاع التكنولوجيا العالمي أضخم موجة استثمارية في تاريخه الحديث؛ إذ تحولت حمى الذكاء الاصطناعي من مجرد ابتكارات برمجية إلى معركة وجودية على البنية التحتية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد منتزه على نهر هان في سيول (أرشيفية - رويترز)

اقتصاد كوريا الجنوبية 2026: رهان «أشباه الموصلات» في مواجهة الحمائية العالمية

مع توقع استمرار حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي وتأثيرها على رابع أكبر اقتصاد في آسيا خلال عام 2026، من المتوقع أن تسعى كوريا الجنوبية لمواجهة هذه التحديات.

«الشرق الأوسط» (سيول)
صحتك قلب مطبوع من خلايا المريض تحت إشراف الذكاء الاصطناعي

5 قفزات في الذكاء الاصطناعي الطبي عام 2025

انتقالة نوعية من مرحلة «الاختبار البحثي» إلى «القرار السريري»

د. عميد خالد عبد الحميد (لندن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (د.ب.أ)

بوتين: العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم

قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال اجتماع لمجلس الدولة، اليوم (الخميس)، إن العقد المقبل سيشهد أكبر طفرة تكنولوجية في تاريخ العالم.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تكنولوجيا 5 طرق مُدهشة لاستخدام الذكاء الاصطناعي

5 طرق مُدهشة لاستخدام الذكاء الاصطناعي

أساليب غير تقليدية لمساعدة الصحافيين وصناع البودكاست والمبرمجين.

جيريمي كابلان (واشنطن)

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟
TT

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

خرائط الجينات البشرية: لماذا لا تُمثل كل البشر؟

يعتمد العلماء منذ سنوات طويلة على خرائط الجينات البشرية لفهم كيفية عمل الجسم وتفسير أسباب الأمراض، بل أيضاً لتطوير علاجات دقيقة لها.

بيانات وراثية أوروبية

لكنّ دراسة علمية حديثة كشفت أن هذه الخرائط رغم أهميتها لا تُمثل البشرية جمعاء بعدالة؛ لأنها بُنيت في الأساس على بيانات وراثية لأشخاص من أصول أوروبية، ما أدّى إلى تجاهل جزء كبير من التنوع الجيني العالمي.

وتُشير الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature Communications» في 3 ديسمبر (كانون الأول) 2025 إلى أن هذا الخلل العلمي ليس تفصيلاً بسيطاً، بل قد يؤثر مباشرة في فهمنا للأمراض، وكيف تختلف بين الشعوب، ولماذا تظهر بعض الحالات الصحية بشكل أكثر شيوعاً أو بشدة أكبر لدى مجموعات سكانية دون غيرها.

ما هي خرائط الجينات؟

خرائط الجينات بمثابة دليل إرشادي يوضح مواقع الجينات في الحمض النووي «دي إن إيه» (DNA)، ويشرح كيف تُستخدم هذه الجينات داخل الخلايا لإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات المسؤولة عن معظم وظائف الجسم. لكن الجين الواحد لا يعمل دائماً بالطريقة نفسها، إذ يمكنه إنتاج أكثر من نسخة من التعليمات الجينية تُعرف بجزيئات الحمض النووي الريبي «RNA»، من خلال عملية تُسمى «التضفير» (splicing). وقد تؤدي هذه النسخ المختلفة إلى بروتينات متباينة، ومن ثم إلى اختلافات في وظائف الخلايا والاستجابة للأمراض.

ما التضفير الجيني؟

عند قراءة الخلية للتعليمات الوراثية لا تستخدم النص الخام كما هو، فبعد نسخ الجين إلى الحمض النووي الريبي «RNA» تقوم الخلية بعملية تُسمى التضفير؛ حيث تُزال الأجزاء غير الضرورية، وتُربط الأجزاء المفيدة فقط لتكوين رسالة جينية جاهزة لصنع البروتين.

الأهم من ذلك أن الخلية قد تُغيّر طريقة الربط أحياناً في عملية تُعرف بـالتضفير البديل، ما يسمح للجين الواحد بإنتاج عدة بروتينات مختلفة، وهذه الآلية تفسر التنوع الكبير في وظائف الخلايا، كما تُساعد العلماء على فهم سبب اختلاف الأمراض واستجابتها للعلاج بين الأفراد والشعوب.

أين تكمن المشكلة؟

المشكلة الأساسية، حسب الدراسة، أن معظم خرائط الجينات الحالية اعتمدت على عينات وراثية من أشخاص ذوي أصول أوروبية. ورغم أن البشر يتشابهون جينياً بنسبة تقارب 99.9 في المائة فإن النسبة المتبقية تعكس تاريخاً طويلاً من التطور والاختلافات التي نشأت بسبب العزلة الجغرافية والبيئية.

ويضيف المؤلف المشارك الرئيسي الدكتور روديريك غويغو من مركز «تنظيم الجينوم» بمعهد «برشلونة للعلوم والتكنولوجيا» بإسبانيا، أنه وبسبب هذا التركيز الأوروبي لم تُسجَّل الكثير من النسخ الجينية الموجودة لدى سكان أفريقيا وآسيا والأميركتين، ونتيجة ذلك ظلّت أجزاء مهمة من النشاط الجيني البشري غير مرئية للعلماء.

ماذا اكتشف الباحثون؟

واستخدم فريق البحث تقنية متطورة تُعرف باسم «تسلسل الحمض النووي الريبي طويل القراءة»، وهي تقنية تسمح بقراءة جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» كاملة، وليس على شكل أجزاء صغيرة كما في الطرق الأقدم.

وقام الباحثون بتحليل خلايا دم من 43 شخصاً ينتمون إلى مجموعات سكانية متنوعة حول العالم. وكانت النتيجة مفاجئة؛ حيث جرى اكتشاف نحو 41 ألف نسخة من جزيئات الحمض النووي الريبي «RNA» لم تكن مدرجة في خرائط الجينات الرسمية. والأهم من ذلك أن نسبة كبيرة من هذه النسخ يمكن أن تنتج أشكالاً جديدة أو مختلفة من البروتينات لم يكن العلماء على علم بوجودها من قبل.

وتبيّن أن هذه النسخ الجديدة تظهر بشكل أكبر لدى الأشخاص من أصول غير أوروبية، في حين كانت معظم النسخ لدى الأوروبيين معروفة مسبقاً، ما يؤكد وجود تحيّز علمي غير مقصود في قواعد البيانات الجينية.

لماذا يهمنا هذا الاكتشاف؟

وتكمن أهمية هذه النتائج في ارتباط بعض النسخ الجينية المكتشفة حديثاً بجينات معروفة لها علاقة بأمراض مثل الربو والذئبة الحمراء والتهاب المفاصل الروماتويدي واضطرابات الكولسترول. وهذا لا يعني بالضرورة أن هذه النسخ تسبب الأمراض، لكنه يعني أن العلماء قد يكونون قد أغفلوا إشارات جينية مهمة تُساعد على فهم اختلاف المرض بين الشعوب.

فإذا كانت الخرائط الجينية لا تتضمن كل النسخ الموجودة فعلياً فإن الأبحاث الطبية التي تعتمد عليها قد تكون ناقصة، وقد لا تُفسر بدقة لماذا يستجيب بعض المرضى للعلاج في حين لا يستجيب آخرون.

نحو طب أكثر عدالة

تُشير الدراسة إلى أن الاعتماد على «جينوم مرجعي واحد» لجميع البشر لم يعد كافياً، فعندما استخدم الباحثون خرائط جينية شخصية لكل فرد ظهرت نسخ إضافية لم تكن مرئية من قبل، خصوصاً لدى ذوي الأصول الأفريقية.

ولهذا يدعو العلماء إلى العمل على إنشاء ما يُعرف بـ«البانترانسكريبتوم البشري» (pantranscriptome) وهو مشروع طموح يهدف إلى جمع كل نسخ الحمض النووي الريبي «RNA» المستخدمة في مختلف أنسجة الجسم وعبر مراحل العمر ولدى جميع الشعوب.

الخطوة التالية

ويعترف الباحثون بأن دراستهم ما زالت محدودة، إذ شملت نوعاً واحداً من الخلايا وعدداً صغيراً نسبياً من الأشخاص. ومع ذلك فإن حجم الاكتشافات يُشير إلى أن ما نعرفه اليوم قد لا يكون سوى «قمة جبل الجليد».

ويؤكد العلماء أن بناء خرائط جينية أكثر شمولاً لن يكون مجرد إنجاز علمي بل خطوة أساسية نحو طب جينومي أكثر دقة وعدالة يراعي التنوع الحقيقي للبشرية، ويضمن أن يستفيد الجميع من التقدم العلمي، لا فئة واحدة فقط.


بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
TT

بين عدالة الخوارزمية وضمير الطبيب

الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض
الإفصاح... أساس الثقة بين الطبيب والمريض

لم يعد الذكاء الاصطناعي في الطب ضيفاً تجريبياً، ولا فكرةً مستقبلية تُناقَش في مؤتمرات النخبة. لقد دخل العيادة بهدوء، وجلس إلى جوار الطبيب دون معطف أبيض، وبدأ يشارك في قراءة الأشعة، واقتراح خطط العلاج، وكتابة ملاحظات السجل الطبي، وأحياناً في ترتيب أولويات المرضى أنفسهم.

تساؤلات أخلاقية

ومع هذا الدخول الصامت، وُلد سؤال أكبر من التقنية ذاتها: ما الذي يجب أن يعرفه المريض؟ ومَن يضمن عدالة القرار؟ ومَن يتحمّل الخطأ إن وقع؟

هذه ليست أسئلة فلسفية مجردة، بل أسئلة أخلاقية يومية، يواجهها الطب الحديث في عام 2025، في غرف الطوارئ، وعيادات الأورام، ومراكز الأشعة، وحتى في التطبيقات الصحية التي يحملها المرضى في جيوبهم.

حين يُصبح القرار مشتركاً... مَن المسؤول؟

في الطب التقليدي، كانت المسؤولية واضحة نسبياً: الطبيب يشخّص، ويقرّر، ويتحمّل تبعات قراره. أما في الطب المدعوم بالذكاء الاصطناعي، فقد أصبح القرار مشتركاً، ولكنه غير متكافئ:

- خوارزمية تقترح.

- طبيب يراجع أو يثق.

- مريض لا يرى إلا النتيجة.

فإذا أخطأت الخوارزمية في قراءة صورة، أو بالغت في تقدير خطر، أو تجاهلت متغيراً نادراً... من يُسأل؟ هل هو الطبيب الذي اعتمد عليها؟ أم المستشفى الذي اشترى النظام؟ أم الشركة التي درّبت الخوارزمية على بيانات غير مكتملة؟

هنا، لا يكفي أن نقول إن الذكاء الاصطناعي «أداة مساعدة»، فالأداة التي تُغيّر مسار قرار علاجي قد تُغيّر مصير إنسان.

قرار واحد... ووجوه مختلفة: سؤال العدالة الخوارزمية

عدالة الخوارزمية... هل هي محايدة حقّاً؟

يُروَّج للذكاء الاصطناعي بوصفه أكثر عدالة من البشر، لأنه لا يتعب ولا يتحيّز عاطفياً، لكن الحقيقة العلمية تقول شيئاً أكثر تعقيداً: الخوارزمية ترث تحيّزات البيانات التي دُرِّبت عليها. فإذا كانت البيانات تمثّل فئات عمرية أو عرقية أو جغرافية دون غيرها، فإن القرار الناتج قد يكون دقيقاً لفئة... وخاطئاً لأخرى.

وإذا كانت أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تُدرَّب في بيئات صحية غربية متقدمة، فهل تكون قراراتها عادلة حين تُستخدم في سياقات صحية مختلفة في العالم العربي أو الدول النامية؟

العدالة هنا ليست شعاراً أخلاقياً، بل شرط علمي وسريري. خوارزمية غير عادلة قد تكون أخطر من طبيب متعب.

حق المريض في المعرفة... إلى أي حدّ؟

أحد أكثر الأسئلة حساسية اليوم هو: هل يحق للمريض أن يعرف أن قرار علاجه أسهم فيه ذكاء اصطناعي؟ أخلاقياً، يميل الجواب إلى «نعم»، فالمريض ليس مجرد متلقٍّ للعلاج، بل شريك في القرار، ومن حقه أن يعرف كيف صُنِع هذا القرار، وبأي أدوات، وعلى أي افتراضات.

لكن الواقع السريري أكثر تعقيداً. لا أحد يريد أن يُربك المريض بتفاصيل تقنية لا يفهمها، أو أن يُضعف ثقته بالعلاج، أو أن يحوّل العيادة إلى قاعة شرح خوارزميات. هنا يظهر التحدي الحقيقي: كيف نُفصح دون أن نُرهق؟ وكيف نُصارح دون أن نُقلق؟

الطريق الأخلاقي ليس في الصمت، ولا في الإغراق بالمصطلحات، بل في الإفصاح الذكي: أن يُقال للمريض، بلغة إنسانية بسيطة، إن النظام ساعد الطبيب في التحليل، لكن القرار النهائي بقي بيد الإنسان، وتحت مسؤوليته.

الطبيب بين الثقة والكسل المعرفي

مع ازدياد دقة الأنظمة الذكية، يواجه الأطباء خطراً صامتاً لا يُناقَش كثيراً: الكسل المعرفي. إذ حين يعتاد الطبيب على أن «الخوارزمية لا تخطئ»، قد يتراجع دوره من ناقد علمي إلى مُصدِّق تقني. وهنا لا يصبح الذكاء الاصطناعي مساعداً، بل سلطة خفية.

الطب، في جوهره، ليس قراءة أرقام فقط، بل فهم سياق: مريض قلق، تاريخ اجتماعي، عوامل نفسية، تفاصيل لا تظهر في البيانات. والخطر الحقيقي ليس أن تُخطئ الخوارزمية، بل أن يتوقف الطبيب عن مساءلتها.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لا تُطالب الأطباء برفض التقنية، بل تطالبهم بشيء أبسط وأعمق: أن يبقى الضمير يقظاً، والعقل ناقداً، وألا يُسلِّم القرار الطبي النهائي إلا بعد فهمه، لا بعد نسخه.

حين يتقدّم القرار الآلي... مَن يقود الضمير؟

الشفافية... حين لا نفهم كيف وصل القرار

واحدة من أعقد المعضلات الأخلاقية اليوم هي ما يُعرف بـ«الصندوق الأسود»، فكثير من أنظمة الذكاء الاصطناعي الطبية تصل إلى قرارات دقيقة إحصائياً، لكنها تعجز عن شرح كيف ولماذا وصلت إلى هذه النتيجة.

فكيف يُحاسَب قرار لا يمكن تفسيره؟ وكيف يُناقَش تشخيص لا نعرف مساره المنطقي؟ وهل يجوز أخلاقياً أن نُخضع مريضاً لعلاج، لأن «الخوارزمية قالت ذلك»، دون تفسير قابل للفهم البشري؟

الطب لا يعيش على الدقة وحدها، بل على الشرح والثقة. والمريض لا يطلب دائماً نسبة مئوية، بل يريد أن يفهم. ولهذا، فإن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الطب تدفع اليوم بقوة نحو ما يُسمّى «الذكاء القابل للتفسير»، لا لأنه أجمل علمياً، بل لأنه أكثر إنسانية.

المساءلة القانونية... فراغ يتّسع

إذا حدث الخطأ، يبدأ السؤال الأصعب: مَن يُحاسَب؟ القوانين الصحية في معظم دول العالم لم تُصمَّم لعصر تشارُك القرار بين الإنسان والآلة. فلا هي تُدين الخوارزمية، ولا تُعفي الطبيب، ولا تُحدِّد بوضوح مسؤولية الشركات المطوِّرة.

هذا الفراغ القانوني ليس تفصيلاً إدارياً، بل خطر أخلاقي حقيقي.

فمن دون مساءلة واضحة، قد يُغري الذكاء الاصطناعي بعض الأنظمة الصحية بتوسيع استخدامه بلا ضوابط، أو تحميل الطبيب وحده مسؤولية قرار لم يصنعه منفرداً، ولهذا، فإن النقاش الأخلاقي اليوم لم يعد ترفاً أكاديمياً، بل ضرورة تشريعية: قوانين تُحدِّد المسؤولية، وتحمي المريض، وتُعيد رسم حدود الثقة بين الإنسان والتقنية.

الخلاصة: حين تسبق الخوارزمية... يجب أن يتقدّم الضمير

الذكاء الاصطناعي في الطب ليس شراً ولا خلاصاً. إنه مرآة لما نضعه فيه: بياناتنا، وقيمنا، وانحيازاتنا.

فإن قُدِّم بلا أخلاق، تحوّل إلى أداة باردة، وإن وُضع في يد طبيب بلا مساءلة، أصبح سلطة صامتة. وإن أُدير بحكمة، أعاد للطب جوهره الأصيل: أن يُنقذ الإنسان دون أن يُلغيه.

وكما قال ابن سينا قبل ألف عام: «العلم بلا ضمير خطر على النفس». وفي عصر الخوارزميات، لعل أخطر ما نخسره ليس الخطأ التقني... بل أن ننسى أن الطب، في النهاية، فعل رحمة قبل أن يكون قراراً ذكياً.


دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
TT

دراسة جينية: الإنسان الحديث وصل إلى أستراليا قبل نحو 60 ألف عام

سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة
سكان أستراليا الأصليون ينحدرون من سلالة أفريقية مهاجرة

لطالما كان توقيت وصول الإنسان الحديث إلى أستراليا وكيفية حدوث ذلك واحداً من الأسئلة المثيرة في تاريخ البشرية. وتشير دراسة جينية جديدة إلى أن البشر وصلوا إلى القارة القديمة المعروفة باسم «ساهول» قبل نحو 60 ألف عام، وقد سلكوا في ذلك مسارَيْن مختلفَيْن عبر البحر، في واحدة من أقدم الأدلة المعروفة على الملاحة البحرية المتعمدة.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 بمجلة «Science Advances»، إذ دعّمت ما يُعرف بفرضية «التسلسل الزمني الطويل» التي تفترض أن أولى موجات الاستيطان البشري في أستراليا حدثت قبل ما بين 60 و65 ألف سنة، وليس في فترة لاحقة، كما افترضت بعض النظريات السابقة.

قارة قديمة ونقاش طويل

كانت «ساهول» (Sahul) قارة واحدة تضم ما يُعرف اليوم بأستراليا وغينيا الجديدة وتسمانيا. ومع ارتفاع مستويات البحار بعد العصر الجليدي الأخير قبل نحو 9 آلاف عام انفصلت هذه اليابسة إلى القارات والجزر الحالية.

وعلى مدى عقود اختلف العلماء حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى هذه المنطقة، ففي حين افترضت بعض الدراسات وصولاً متأخراً نسبياً قبل نحو 47 إلى 51 ألف عام، قدمت الدراسة الجديدة أدلة قوية على استيطان أقدم بكثير.

ويقول عالم الآثار كريستوفر كلاركسون، من جامعة غريفيث في أستراليا الذي لم يشارك في الدراسة، إن هذه أول دراسة شاملة تربط بين علم الآثار والوراثة والمناخ والملاحة البحرية، وتقدم حجة قوية للغاية حول توقيت وصول البشر الأوائل إلى أستراليا.

تتبع الأصول عبر خط الأم

وقد اعتمد الباحثون على نوع خاص من الحمض النووي (دي إن إيه) DNA يُعرف بالحمض النووي للميتوكوندريا، الذي يُورث غالباً من الأم فقط. وتُعد هذه المادة الوراثية أداة مهمة لتتبع السلالات البشرية عبر آلاف الأجيال.

وحلل الفريق الجينومات الميتوكوندرية لنحو ألف شخص معظمهم من السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة إلى جانب نحو 1500 جينوم منشور سابقاً. ومن خلال تتبع الطفرات الوراثية الصغيرة تمكّن الباحثون من إعادة بناء سلالات بشرية قديمة تعود إلى نحو 60 ألف عام.

مساران للهجرة نحو «ساهول»

ومن أبرز نتائج الدراسة أن البشر الأوائل لم يصلوا إلى «ساهول» عبر طريق واحد فقط بل عبر مسارَين مختلفين في الفترة الزمنية نفسها تقريباً.

كما يرجّح الباحثون أن إحدى المجموعتَين سلكت مساراً شمالياً عبر ما يُعرف اليوم بالفلبين وشرق إندونيسيا، في حين جاءت مجموعة أخرى عبر مسار جنوبي انطلقت فيه من جنوب شرق آسيا القارية مع عبور مساحات من البحر المفتوح.

وتشير النتائج إلى أن معظم السلالات الحية اليوم بين السكان الأصليين لأستراليا وغينيا الجديدة تعود إلى أسلاف اتبعوا المسار الشمالي.

ويقول عالم الآثار، آدم بروم، من جامعة غريفيث الأسترالية الذي لم يشارك أيضاً في الدراسة، إن هذه النتائج تقدم دعماً قوياً لفكرة أن المسار الشمالي كان المفتاح في الاستيطان الأول لأستراليا، مشيراً إلى اكتشافات حديثة لفنون كهوف قديمة جداً في إندونيسيا تدعم هذا الطرح.

أصل أفريقي واحد

وعلى الرغم من اختلاف المسارات تشير الدراسة إلى أن المجموعتَين تنحدران من سلالة بشرية واحدة خرجت من أفريقيا قبل نحو 70 إلى 80 ألف عام. ويُعتقد أن هذا الانقسام حدث في جنوب أو جنوب شرق آسيا قبل 10 إلى 20 ألف عام من الوصول إلى «ساهول».

ويؤكد الباحث المشارك في كلية العلوم التطبيقية بجامعة هدرسفيلد في المملكة المتحدة، مارتن ريتشاردز، أن السكان الأصليين لأستراليا وسكان غينيا الجديدة يمتلكون أقدم سلالة بشرية متصلة خارج أفريقيا دون انقطاع.

دليل مبكر على الملاحة البحرية

ولا تقتصر أهمية الدراسة على الجانب الجيني فحسب، بل تسلط الضوء أيضاً على القدرات التقنية للإنسان القديم، فالوصول إلى «ساهول» تطلّب عبور مسافات طويلة من البحر المفتوح حتى في فترات انخفاض مستوى سطح البحر.

وتقول الباحثة المشاركة هيلين فار، من مركز علم الآثار البحرية بقسم الآثار في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، إن هذه الرحلات لم تكن نتيجة انجراف عشوائي بل دليل على استخدام القوارب والقيام برحلات بحرية محددة ومقصودة قبل نحو 60 ألف عام.

إعادة رسم تاريخ الهجرة البشرية

وتشير هذه النتائج مجتمعة إلى أن الإنسان الحديث كان أكثر قدرة على التخطيط والتنقل والاستكشاف عما كان يُعتقد سابقاً، وأن استيطان أستراليا لم يكن حدثاً واحداً بسيطاً بل عملية معقدة شاركت فيها مجموعات متعددة ومسارات مختلفة.

ومع استمرار تطور تقنيات تحليل الحمض النووي واكتشاف مواقع أثرية جديدة يتوقع العلماء أن تتضح صورة أكثر دقة عن بدايات انتشار الإنسان الحديث حول العالم، لتؤكد أن أستراليا كانت من أوائل محطات هذه الرحلة البشرية الكبرى.