مَن سوف يدافع عن النظام العالمي الليبرالي؟

تساءل المحلل الأميركي جيمس هولمز في تقريره عما إذا كان القانون الدولي ما زال سارياً

لقطة عامة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رويترز)
لقطة عامة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رويترز)
TT

مَن سوف يدافع عن النظام العالمي الليبرالي؟

لقطة عامة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رويترز)
لقطة عامة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رويترز)

تساءل المحلل الأميركي الدكتور جيمس هولمز في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية عما إذا كان القانون الدولي ما زال سارياً. ويوضح أنه من خلال مطالعة الأخبار اليومية، من الصعب الهروب من الشعور بأن قانون الغاب؛ قانون القوة الغاشمة الذي حكم الشؤون الدولية من العصور القديمة حتى العصور الحديثة نسبياً، قد طغى على مبدأ عدم جواز تعديل الحدود الدولية بقوة السلاح.

وقال هولمز، وهو رئيس كرسي «جيه سي وايلي» للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية، وزميل هيئة تدريس في كلية الشؤون العامة والدولية بجامعة جورجيا، إن عصبة الأمم، التي كانت قد تم تأسيسها بعد صدمة الحرب العالمية الأولى، قد سعت إلى تقديس ذلك المبدأ الأساسي في القانون الدولي، إلى جانب مبدأ تقرير المصير. وأضاف هولمز، في تحليل نشرته الوكالة الألمانية للأنباء، أن «تقرير المصير» هو فكرة أن الشعوب التي تحدد نفسها كأمم لها الحق في إنشاء دولها القومية الخاصة، وليس إجبارها على العيش تحت حكم شعوب غريبة.

ورغم تطلعاتها السامية، لم تتمكن عصبة الأمم قَطّ من حشد الإجماع أو القوة اللازمة للنضال من أجل مبادئها؛ ولذا اندلعت الحرب العالمية الثانية. وبعد هزيمة دول «المحور»، أسس المنتصرون الأمم المتحدة، وهي منظمة دولية من المفترض أن تكون أكثر حزماً وقوة لفرض مبدأ «الأمن الجماعي» الذي ينص على أن العدوان ضد أحد هو عدوان ضد الجميع، ويستوجب رداً مشتركاً من الجميع.

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبِلاً نظيره الروسي فلاديمير بوتين في تيانجين منذ أسبوع (د.ب.أ)

لماذا لم تعد الأمم المتحدة تقوم بدور فاعل؟

لقد عقدت الحرب الباردة الأمم المتحدة، وبصفة خاصة مجلس الأمن التابع لها والضامن الرئيسي للسلام والأمن الدوليين، في غضون سنوات قليلة بعد انطلاق أنشطة الهيئة الدولية في سان فرانسيسكو.

وتابع هولمز أن السبب وراء ذلك واضح؛ إذ تستطيع أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن: الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا العظمى، أن تمنع صدور أي قرار يقضي باستخدام القوة.

وبناء على ذلك، سوف تظل الأمم المتحدة دائماً تقريباً عاجزة عن التحرك في أوقات الخطر الجسيم. والأمر المثير للتعجب، هو أنه كانت هناك استثناءات لهذه القاعدة، وهي بصفة خاصة استثناءان؛ فقد تمكنت إدارة الرئيس الأميركي هاري ترومان من حشد هجوم مضاد مشترك من الولايات المتحدة والأمم المتحدة لصد الهجوم الكوري الشمالي على كوريا الجنوبية عام 1950، وإحباط تدخل مسلح من جانب الصين في وقت لاحق في ذلك الصراع. وقد أعادت هذه الحملة الحدود بين الكوريتين إلى ما كانت عليه، رغم أن الثمن البشري كان باهظاً.

وكانت «المهمة الشرطية» الكورية في الأساس هي محصلة جهود الأمم المتحدة لإنفاذ السلام حتى عام 1990، عندما شنّ معتدٍ شرير بشكل غير عادي؛ الرئيس العراقي صدام حسين، عدواناً صارخاً عبر الحدود ضد دولة مجاورة وعضو ذي سيادة في الأمم المتحدة، هي الكويت.

The 164th ordinary session of the Arab League Council at the ministerial level (Arab League)

وأظهرت تلك اللحظة الواضحة أنه من المحتمل القيام بعمل مشترك للمرة الثانية. ومن خلال تفويض واضح من الأمم المتحدة - ودون اعتراض من الاتحاد السوفياتي الذي كان آنذاك في طور الانهيار - أسست أميركا تحالفاً من 35 دولة، وطردت الجيش العراقي من الكويت في وقت قصير.

ومنذ تحرير الكويت في عام 1991، استأنفت الأمم المتحدة سجلها الباهت في دعم المبادئ الأساسية. وأوضحت اثنتان من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهما الصين وروسيا، نيتهما تعديل النظام العالمي الذي تساعدان في رئاسته من الناحية الظاهرية.

ويعد رئيسا القوتين العظميين الصين وروسيا، شي جينبينغ وفلاديمير بوتين، على التوالي، مفسدين داخل النظام. ويسود التقاعس عن اتخاذ أي إجراء حتى في الوقت الذي تتحرك فيه القوى العظمى ضد القوى الصغرى.

المشاركون في اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن الجمعة (أ.ف.ب)

وتتعرض أوكرانيا لضغوط شديدة، بعد أن خسرت نحو 20 في المائة من أراضيها لصالح الجيش الروسي. ويهدد كل يوم جيش التحرير الشعبي الصيني بالقضاء على نظام الحكم الذاتي الليبرالي في تايوان، وفي الوقت نفسه ينشر قوات بحرية نظامية وغير نظامية لانتزاع السيطرة على جزر قبالة السواحل ومياه بحرية من جيران الصين في جنوب شرقي آسيا.

والشيء الأسوأ من ذلك، هو أن روسيا والصين دولتان نوويتان كبيرتان، مما يزيد من تعقيد معضلة كيفية الدفاع عن ضحايا العدوان. ويميل عدد قليل من الدول إلى تحدي عدو يمتلك أسلحة نووية؛ ولذا يبدو أن عصر المؤرخ اليوناني ثيوسيديدس قد عاد مرة أخرى.

لقد حذر المؤرخ الكبير للحرب البيلوبونيسية، وهي الصراع الذي دار في القرن الخامس قبل الميلاد بين تحالفين متنافسين بقيادة أثينا وإسبرطة، من أن القوة تتغلب على العدالة في الشؤون الدولية. فلا يمكن للمرء أن يتوقع العدالة إلا إذا امتلك القدرة - وتحديداً القوة العسكرية - للمطالبة بها.

وقد دفع تدمير الدولة المدينة ميلوس اليونانية (416 قبل الميلاد) على يد أثينا، إحدى القوى العظمى في العالم الإيجي بمنطقة بحر إيجه، ثيوسيديدس إلى التعبير عن هذه البديهية الصعبة في السياسة الدولية.

نائب المندوب الروسي ديميتري بوليانسكي متحدثاً في جلسة لمجلس الأمن بنيويورك (رويترز)

وسواء شاء المرء أو أبى، عادت الدبلوماسية لترتكز على القوة الخشنة. وكما في اليونان القديمة، لا تستطيع الدول الضعيفة التفاوض على اتفاق عادل عندما يملك خصمها المقاتل القوة المسلحة، وقوة الإرادة والإصرار على الإيذاء لفرض مطالبه بالقوة. وتجد هذه الدول نفسها في ورطة ميلوس، وينطبق تحذير ثيوسيديدس من الضعف العسكري بالمثل على المواجهات الحالية التي يشهدها البحر الأسود وغرب المحيط الهادئ.

وإذا لم يعد القانون الدولي يشكل في حد ذاته حاجزاً خاصاً به أمام العدوان عبر الحدود، فإنه سوف تكون هناك حاجة لتحالفات مسلحة تسليحاً جيداً للدفاع عنه، أو المخاطرة برؤية انهيار نظام عالمي مفيد.

واختتم المحلل تقريره بالقول: «إنه لا ينبغي لنا أن نترك أوكرانيا وتايوان وغيرهما من الدول المحاصرة لمصير مماثل لمصير الدولة المدينة ميلوس» التي خضعت لاحتلال أثينا لها.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق سفينة مستشفى تغرق في ساعة وقطعها تنجو بعد قرن (أ.ف.ب)

قطع نادرة من شقيقة «تايتانيك» تخرج من «قبرها» البحري بعد 109 أعوام

تمكّن غوّاصون من استرجاع قطع أثرية من سفينة «بريتانيك»، الشقيقة لسفينة «تايتانيك» المشؤومة، وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من قرن على غرقها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية من النادر أن تتكرر في تاريخ كأس العالم قصة مشابهة لما حدث بنهائي 1954 (ذا أثلتيك)

​كيف فازت ألمانيا الغربية بكأس العالم 1954؟

من النادر أن تتكرر في تاريخ كأس العالم قصة مشابهة لما حدث بنهائي 1954

The Athletic (برلين)
يوميات الشرق «رسالة حب من الماضي»... زجاجة تحمل حنين 66 عاماً تجرفها الأمواج إلى شاطئ بولندي

«رسالة حب من الماضي»... زجاجة تحمل حنين 66 عاماً تجرفها الأمواج إلى شاطئ بولندي

عثر صبيان في العاشرة من عمرهما على كنز عاطفي نادر: رسالة حب مكتوبة بخط اليد، محفوظة داخل زجاجة، يعود تاريخها إلى عام 1959.

«الشرق الأوسط» (غدانسك )
تحليل إخباري أوكرانيون يتفرجون على معدات عسكرية روسية مدمرة في كييف الأحد (إ.ب.أ)

تحليل إخباري دروس الردع في حرب أوكرانيا... «السيف والدرع» بأسلحة المستقبل

وفَّرت المناوشات التي حصلت بين الهند وباكستان، مسرحاً جديداً لتجربة الأسلحة، الصينيّة، والأميركيّة، والفرنسيّة والإسرائيليّة، ومنها ما هو من صنع محلّي.

المحلل العسكري

انقطاع الكهرباء عن كييف ومحيطها بعد هجوم روسي

حريق خلفه هجوم روسي سابق على كييف (رويترز)
حريق خلفه هجوم روسي سابق على كييف (رويترز)
TT

انقطاع الكهرباء عن كييف ومحيطها بعد هجوم روسي

حريق خلفه هجوم روسي سابق على كييف (رويترز)
حريق خلفه هجوم روسي سابق على كييف (رويترز)

قال الجيش الأوكراني ​إن روسيا شنت هجوماً جوياً في وقت مبكر من صباح اليوم (الثلاثاء) على كييف، وذلك ‌بعد يومين ‌من ‌انتهاء جولة ​محادثات ‌السلام التي قادتها الولايات المتحدة في ميامي يوم الأحد.

وقالت الإدارة العسكرية في كييف على تطبيق «تلغرام»: «تعمل ‌قوات الدفاع الجوي على القضاء على التهديد في سماء العاصمة»، وحثت السكان على البقاء في الملاجئ لحين ​إعطاء الضوء الأخضر لهم بالخروج.

ولم يذكر المسؤولون حتى الآن ما إذا كان الهجوم أسفر عن سقوط قتلى أو مصابين أو تسبب في وقوع أضرار، ولم يتضح على الفور ‌النطاق الكامل للهجوم، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء.

وقالت وزارة ‌الطاقة ‌الأوكرانية ‌لاحقاً، إن ‌روسيا هاجمت مجدداً قطاع الطاقة في ‌أوكرانيا، ‍مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في ​عدد من المناطق منها العاصمة كييف والمنطقة المحيطة بها.

شخص يسير في شارع مظلم خلال انقطاع التيار الكهربائي في مدينة أوديسا الجنوبية بأوكرانيا (أ.ف.ب)

في المقابل، قال فلاديمير فلاديميروف، حاكم منطقة ​ستافروبول الروسية، إن هجوماً أوكرانياً بطائرات مسيرة خلال الليل، أدى إلى اندلاع حريق في منشأة صناعية ‌بالمنطقة الواقعة ‌في ‌جنوب البلاد.

وأضاف ​فلاديميروف ‌على تطبيق «تلغرام»، أنه لم ترد أنباء عن وقوع إصابات.

ولم يحدد فلاديميروف المنشأة التي اشتعلت فيها النيران. وتدير شركة النفط الروسية ‌العملاقة «لوك أويل» مجمع ‍«ستافرولين للبتروكيماويات» في بوديونوفسك بستافروبول، كما توجد في المنطقة أيضاً بنية تحتية لخطوط أنابيب الغاز ومواقع ​تخزين الوقود، وهو ما يجعلها جزءاً من منظومة الطاقة والمواد الكيميائية الأوسع نطاقاً في روسيا.

وتقول أوكرانيا إن ضرباتها داخل روسيا تهدف إلى شل المجهود العسكري الروسي في الحرب التي بدأتها موسكو منذ ما ‌يقرب من 4 سنوات.

وبالأمس قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه يتوقع أن تشن روسيا هجمات شديدة على بلاده خلال عيد الميلاد (الكريسماس).

وأضاف زيلينسكي أثناء حديثه في كييف أمام دبلوماسيين، أن طبيعة روسيا تدفعها لشن ضربات كبيرة في عيد الميلاد، مشيراً إلى صعوبة الوضع نتيجة نقص أنظمة الدفاع الجوي.


مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة

محققون في موقع اغتيال الجنرال الروسي بموسكو أمس (رويترز)
محققون في موقع اغتيال الجنرال الروسي بموسكو أمس (رويترز)
TT

مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة

محققون في موقع اغتيال الجنرال الروسي بموسكو أمس (رويترز)
محققون في موقع اغتيال الجنرال الروسي بموسكو أمس (رويترز)

قُتل جنرال في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي بانفجار سيارة في جنوب موسكو، صباح أمس، في أحدث اغتيال لشخصية عسكرية بارزة، وذلك بعد ساعات فقط من إجراء مندوبين روس وأوكرانيين محادثات منفصلة في ميامي حول خطة لإنهاء الحرب.

وقُتل رئيس قسم التدريب العملياتي في هيئة أركان القوات المسلحة الروسية، الجنرال فانيل سارفاروف (56 عاماً) بانفجار شحنة ناسفة كانت موضوعة أسفل سيارته المركونة في حي سكني، جنوب موسكو.

من جهة أخرى، قالَ نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس، إنَّ روسيا تمارس «أقصى درجات ضبط النفس» رداً على ما وصفها بأنَّها خطوات «استفزازية» من حلف شمال الأطلسي (الناتو).


سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)

قالت الشرطة إن سيارة اندفعت نحو حشد من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون مشاهدة عرض في مدينة بشرق هولندا، مساء اليوم الاثنين، ما أسفر عن إصابة تسعة أشخاص، ثلاثة منهم على الأقل إصاباتهم خطيرة.

وأوضحت شرطة جيلدرلاند، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحادث لا يبدو متعمداً في الوقت الحالي، لكنها فتحت تحقيقاً.

وكان الناس ينتظرون مشاهدة عرض لمركبات مزينة بأضواء عيد الميلاد في مدينة نونسبيت، الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً شرق أمستردام.

وقالت بلدية إلبورج المجاورة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن العرض توقف بعد الحادث.

وقال رئيس البلدية يان ناثان روزندال في بيان: «ما كان ينبغي أن يكون لحظة تضامن انتهى بقلق وحزن كبيرين».

وأضافت الشرطة أن السائقة، وهي امرأة (56 عاماً) من نونسبيت، أصيبت بجروح طفيفة، وتم توقيفها «كما هو معتاد في حوادث المرور الخطيرة»، دون تقديم مزيد من التفاصيل.