معركة ترمب مع الجامعات تغير وجهات الطلاب الدوليين

عميد جامعة نيو هايفن: «نسعى لافتتاح حرم جامعي في الرياض»

طلاب دوليون في حرم جامعة هارفارد في 23 مايو 2025 (رويترز)
طلاب دوليون في حرم جامعة هارفارد في 23 مايو 2025 (رويترز)
TT

معركة ترمب مع الجامعات تغير وجهات الطلاب الدوليين

طلاب دوليون في حرم جامعة هارفارد في 23 مايو 2025 (رويترز)
طلاب دوليون في حرم جامعة هارفارد في 23 مايو 2025 (رويترز)

مع بداية الموسم الدراسي في الولايات المتحدة، تعيش الجامعات الأميركية أجواء مختلفة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة؛ فمقاعدها التي اكتظت في السابق بطلاب من كل حدب وصوب تشهد فراغاً غير مسبوق بسبب المواجهة المفتوحة التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد الجامعات. هذه المواجهة التي بدأت بسبب اتهامه لها بمعاداة السامية تطورت لتصل إلى تغييرات جذرية في نظام تأشيرات دخول الطلاب الدوليين منعت الآلاف منهم من الالتحاق بالجامعات الأميركية، وأدت، بحسب أرقام أولية، إلى تراجع وصلت نسبته إلى 40 في المائة في الالتحاق الدولي لطلاب جدد.

يستعرض تقرير واشنطن وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، طبيعة التغييرات التي فرضتها الإدارة على تأشيرات الطلاب الدوليين وتداعياتها السياسية والاقتصادية والثقافية، بالإضافة إلى أهداف الإدارة الأميركية من خلال هذه الإجراءات.

أسباب المواجهة

تحتدم معركة ترمب مع الجامعات الأميركية وعلى رأسها هارفارد (رويترز)

تتحدث سيسيليا استرلاين، كبيرة الباحثين في ملف الهجرة في مركز نيسكانين، عن الأسباب التي دفعت بإدارة ترمب إلى الدفع باتجاه تغييرات في الجامعات الأميركية والتحاق الطلاب الدوليين، منها 3 أسباب ذكرها الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة: معاداة السامية بعد مظاهرات حافلة شهدها حرم الجامعات بسبب حرب غزة، والتحاق طلاب دوليين على حساب طلاب أميركيين، بالإضافة إلى اتهامات بالتجسس الأكاديمي، لكن استرلاين تقول إن الإدارة صعبت بشكل كبير على جميع الطلاب الدوليين من دون استثناء المجيء إلى الولايات المتحدة، وعقّدت من عملية التحاقهم وإصدار التأشيرات، مضيفة: «إن التغييرات الأخيرة أثرت سلباً على كل الطلاب الدوليين، ولم تشمل حالات محددة تشكل خطراً تم التحقيق بها، إذن هناك غياب لاستراتيجية واضحة في هذا الإطار».

من ناحيته، يرى ويليام لورانس، الدبلوماسي السابق والبروفسور في الجامعة الأميركية في واشنطن، أن استراتيجية ترمب تقضي بـ«استعمال الساطور لحل المشكلة وليس المشرط الجراحي»، بحسب توصيفه، في إشارة إلى القرارات الجذرية التي شملت كل الجامعات الأميركية والطلاب الدوليين.

وأشار لورانس إلى أنه وفيما يتعلق باتهامات معاداة السامية مثلاً في جامعات كـ«هارفارد»، كان على ترمب فتح تحقيقات بالمسألة والتعامل مع المخرجات لتحسين الأمور، بدلاً من قرار قطع ملياري دولار من التمويل الفيدرالي لأبحاث علمية كالسرطان مثلاً، والتي نقضته محكمة أميركية، وأضاف: «هناك نحو ثلاثة آلاف جامعة في أميركا، وربما كان هناك احتجاجات في 300 فقط، لكن هذا لا يعني أن 3000 جامعة يجب أن ترزح تحت المعاناة، ولا يعني أن عشرات آلاف الطلاب يجب ألا يأتوا إلى الولايات المتحدة الأميركية. تريد معالجة معاداة السامية والاحتجاجات في الحرم؟ نعم، ولكن ليس بهذه الطريقة».

تدهور نسبة الالتحاق الدولي

طلاب دوليون في حرم جامعة هارفارد في 23 مايو 2025 (رويترز)

أما د. جينس فريدريكسن، عميد جامعة نيو هايفن، فيتحدث عن تأثير إجراءات الإدارة على الالتحاق الدولي في جامعته، فيقول: «هنا في جامعة نيو هايفن، رأينا هذا التراجع في الحضور الدولي للطلاب. نحن تقليدياً كنا مؤسسة تهم الطالب الأجنبي، فالولايات المتحدة الأميركية كانت باكورة الأواسط الأكاديمية حول العالم، وكنا نشهد هذا الإقبال من حول العالم للمساهمة في النمو الاقتصادي والقيادة والتطور، وأيضاً البحث العلمي، ونتحمس للعودة إلى الصفوف، ولرؤية الطلاب من حول العالم يأتون إلى جامعتنا، لكن الأعداد تراجعت بشكل دراماتيكي. وهنا في الجامعة نتحدث عن خمسين إلى ستين في المائة من التراجع».

وتحذر استرلاين من أن إجراءات متشددة من النوع الذي تفرضه إدارة ترمب على الطلاب الدوليين من شأنها أن تدفعهم إلى الذهاب إلى بلدان منافسة ككندا أو أستراليا أو بريطانيا أو حتى الصين، وتذكر على وجه التحديد تغييرات في تأشيرات دخول الطلاب تحصر فترة وجودهم في أميركا بأربعة أعوام فقط، ما قد يعرقل دراستهم في بعض المجالات؛ كالطب مثلاً، وتشير إلى أن الإجراءات الجديدة تتطلب أن يقدم الطلاب طلباً لتمديد تأشيراتهم بعد انقضاء مهلة الـ4 أعوام، الأمر الذي قد يؤدي إلى انقطاع في الدراسة، خاصة في ظل وجود تأخير كبير في خدمات الهجرة بسبب الكم الهائل من القضايا التي تتعامل معها دوائر الهجرة إثر قرارات ترمب المتعلقة بالهجرة، مضيفة: «التداعيات قد تكون كبيرة جداً، فهذا قد يؤثر أيضاً على أشخاص يدرسون الطب مثلاً، ومن يعالجون المرضى، إذن هم يقطعون عناية المرضى أيضاً وليس فقط الدراسة».

تراجع «القوة الناعمة»

مظاهرات في جامعة هارفارد في 17 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

ويتخوف فريدريكسون من حالة عدم اليقين التي تخلقها إجراءات من هذا النوع، خاصة في ظل فترات انتظار طويلة في السفارات الأميركية للحصول على موعد للتأشيرات، ويضيف: «مع مرور الوقت أخشى أننا سنكون في سيناريو حيث الشباب لن يتطلعوا إلى القدوم إلى هنا بسبب كل هذه العقبات، وهذا ما رأيناه ينعكس على الطلاب الذين يذهبون إلى أسواق أخرى بعد أن كانت الولايات المتحدة الأميركية الوجهة الأولى للابتكار والتعليم مع النخب العالمية التي كانت تأتي إلى هنا، في وقت نحتاج إليه إلى هذه المواهب».

ويحذر البعض من تأثير القرارات على القوة الأميركية الناعمة، ويتحدث لورانس عن هذا الجانب مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من رؤساء الحكومات والدول الأجنبية ممن درسوا في الولايات المتحدة، مضيفاً: «هذه قوة ناعمة هائلة. وهذا سيختفي اليوم مع الإجراءات والسياسات المعتمدة. إن القوة الناعمة الأميركية كانت بالغة الأهمية، الابتكار، والتعليم، والأبحاث هي من بين الركائز التي ينظر إليها العالم أجمع».

ويؤثر تراجع الالتحاق الدولي بالجامعات مباشرة على الاقتصاد الأميركي، وتشير استرلاين إلى التوقعات التي تشير إلى تراجع عدد الطلاب الدوليين هذا العام بـ150 ألف طالب، وخسارة استثمارات بقيمة سبعة مليارات دولار. بالإضافة إلى خسارة نحو ستين ألف وظيفة أميركية، وتفسر: «هذه مساهمات ووظائف يشغلها أميركيون هنا في الولايات المتحدة، وتموَّل جزئياً من خلال مساهمات الطلاب الدوليين؛ لأن هؤلاء يدفعون الرسوم الجامعية، ولكنهم أيضاً مستهلكون مثل الأميركيين، ويدفعون إيجاراً ويشترون سلعاً.، وهذه استثمارات مهمة بالنسبة للولايات المتحدة».

ويتطرق فريدريكسون إلى تأثير الإجراءات الجديدة سلباً على برامج تبادل الطلاب، فيذكر توجهاً جديداً لجامعته نيو هايفين في هذا الإطار التي أطلقت برامج جديدة خارج الولايات المتحدة، منها افتتاح حرم جامعي في الرياض في فبراير (شباط) 2026، فقال: «نحن في لحظة تغيير بوتيرة عالية. ونحن بحاجة إلى إعادة إحياء هذه الخبرات. إذن ما نقوم به هو البحث عن فرص لهذه البرامج حول العالم»، مضيفاً: «إن جامعة نيو هايفن ستكون الأولى لفتح حرم أو فرع خارج الولايات المتحدة للابتكار الرقمي والأعمال، تماشياً مع رؤية 2030. على الجامعات الأميركية اليوم إعادة التفكير بكيفية الانكشاف إلى الساحة العالمية، ونحن سنراها تتوجه نحو برامج جديدة».


مقالات ذات صلة

«العدل» الأميركية: حذف صور من ملفات إبستين «لا علاقة له بترمب»

الولايات المتحدة​ نائب المدعي العام تود بلانش (أ.ب)

«العدل» الأميركية: حذف صور من ملفات إبستين «لا علاقة له بترمب»

قالت وزارة العدل الأميركية إن حذف أكثر من 12 صورة من ملفات قضية جيفري إبستين لا علاقة له بالرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز) play-circle

ستارمر يناقش جهود السلام في أوكرانيا خلال اتصال هاتفي مع ترمب

ذكر مكتب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن رئيس الوزراء بحث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجهود المبذولة لتحقيق «نهاية عادلة ودائمة» للحرب في أوكرانيا.

شؤون إقليمية تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

عادت القيادات السياسية والعسكرية تتحدث عن قلق شديد وشعور بالخطر الوجودي من النشاط الإيراني المتجدد لشراء وإنتاج الصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ المدمرة الأميركية «يو إس إس توماس هودنر» (DDG-116) المزودة بصواريخ موجهة تغادر ميناء بونسي في بورتوريكو وسط تحركات عسكرية مستمرة... وذلك في 20 ديسمبر 2025 (رويترز) play-circle

هل تنجح ضغوط ترمب الاقتصادية في دفع مادورو للتخلي عن السلطة؟

نفذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديداتها واحتجزت ناقلة نفط ثانية قبالة سواحل فنزويلا في ضربة جديدة لنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لدفعه للتنحي.

هبة القدسي
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يستعد لتوسيع حملته على الهجرة في 2026

يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتوسيع حملته على المهاجرين في عام 2026، بإضافة تمويلات جديدة تصل إلى مليارات الدولارات، وتتضمن مداهمة مزيد من مواقع العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الوفدان الأميركي والأوكراني: محادثات ميامي كانت «مثمرة وبناءة»

الوفد الأميركي برئاسة ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لدونالد ترمب خلال مباحثات مع وفد أوكراني في برلين (حساب ويتكوف عبر منصة «إكس»)
الوفد الأميركي برئاسة ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لدونالد ترمب خلال مباحثات مع وفد أوكراني في برلين (حساب ويتكوف عبر منصة «إكس»)
TT

الوفدان الأميركي والأوكراني: محادثات ميامي كانت «مثمرة وبناءة»

الوفد الأميركي برئاسة ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لدونالد ترمب خلال مباحثات مع وفد أوكراني في برلين (حساب ويتكوف عبر منصة «إكس»)
الوفد الأميركي برئاسة ستيف ويتكوف المبعوث الخاص لدونالد ترمب خلال مباحثات مع وفد أوكراني في برلين (حساب ويتكوف عبر منصة «إكس»)

رحب الوفدان الأميركي والأوكراني، في بيان مشترك، يوم الأحد، بالتبادلات «المثمرة والبناءة» التي جرت خلال المفاوضات في ميامي مع حلفاء أوروبيين، بهدف إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وجاء في البيان الذي نشره ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لدونالد ترمب، ورستم عمروف كبير المفاوضين الأوكرانيين، على منصة «إكس»: «على مدار الأيام الثلاثة الماضية في فلوريدا، عقد الوفد الأوكراني سلسلة من الاجتماعات المثمرة والبناءة مع شركائه الأميركيين والأوروبيين».

وأضاف البيان: «أولويتنا المشتركة هي وقف القتل، وخلق الظروف لتعافي أوكرانيا واستقرارها وازدهارها على المدى الطويل». وتابع: «يجب أن يكون السلام ليس فقط توقفاً للأعمال العدائية، ولكن أيضاً أساساً لمستقبل مستقر».

وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأحد)، إن المفاوضات الجارية في ولاية فلوريدا بهدف إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا «بنّاءة».

وأضاف زيلينسكي، في منشور عبر منصة «إكس»: «نمضي بوتيرة سريعة إلى حد ما، ويعمل فريقنا في فلوريدا مع الجانب الأميركي»، حسبما ذكرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.

وقال زيلينسكي: «تمت دعوة ممثلين أوروبيين أيضاً. هذه المفاوضات بنّاءة، وهذا أمر مهم».

ويوجد مفاوضون أوكرانيون وأوروبيون وأميركيون في ميامي بولاية فلوريدا خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع، لإجراء محادثات يتوسط فيها ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لدونالد ترمب، وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي، كما يوجد الموفد الروسي كيريل ديميترييف في ميامي منذ السبت.

وكان آخر اجتماع رسمي مباشر بين وفدي أوكرانيا وروسيا في يوليو (تموز) بإسطنبول، وأسفر عن عمليات تبادل للأسرى، من دون إحراز تقدم ملموس في مسار المفاوضات، لكن زيلينسكي شكّك في إمكانية أن يأتي اجتماع من هذا القبيل الآن بنتائج جديدة.


«العدل» الأميركية: حذف صور من ملفات إبستين «لا علاقة له بترمب»

نائب المدعي العام تود بلانش (أ.ب)
نائب المدعي العام تود بلانش (أ.ب)
TT

«العدل» الأميركية: حذف صور من ملفات إبستين «لا علاقة له بترمب»

نائب المدعي العام تود بلانش (أ.ب)
نائب المدعي العام تود بلانش (أ.ب)

قالت وزارة العدل الأميركية، اليوم (الأحد)، إن الحذف المفاجئ لأكثر من 12 صورة من الملفات التي أفرج عنها حديثاً، والمتعلقة بالتحقيق في قضية مرتكب الجرائم الجنسية الملياردير الراحل جيفري إبستين «لا علاقة له بالرئيس الأميركي دونالد ترمب».

وأوضح نائب المدعي العام تود بلانش لشبكة «إن بي سي نيوز»، أن الصور المفقودة أظهرت ضحايا محتملين لإبستين لم يتم التعرف عليهم سابقاً بوصفهم ضحايا، مضيفاً أن الملفات المعنية حذفت بناء على مخاوف أثارتها «مجموعات حقوق الضحايا».

وقال بلانش إن الصور ستتاح للجمهور مرة أخرى بمجرد تحديد ما إذا كانت بحاجة إلى تنقيح، بيد أنه لم يحدد موعداً لذلك.

وبعد ظهر أول من أمس (الجمعة)، وتحت ضغط شعبي واسع، قامت وزارة العدل برفع 4 مجموعات بيانات تحتوي على آلاف من ملفات إبستين إلى موقعها الإلكتروني مع اقتراب انتهاء المهلة المحددة لذلك.


هل تنجح ضغوط ترمب الاقتصادية في دفع مادورو للتخلي عن السلطة؟

المدمرة الأميركية «يو إس إس توماس هودنر» (DDG-116) المزودة بصواريخ موجهة تغادر ميناء بونسي في بورتوريكو وسط تحركات عسكرية مستمرة... وذلك في 20 ديسمبر 2025 (رويترز)
المدمرة الأميركية «يو إس إس توماس هودنر» (DDG-116) المزودة بصواريخ موجهة تغادر ميناء بونسي في بورتوريكو وسط تحركات عسكرية مستمرة... وذلك في 20 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

هل تنجح ضغوط ترمب الاقتصادية في دفع مادورو للتخلي عن السلطة؟

المدمرة الأميركية «يو إس إس توماس هودنر» (DDG-116) المزودة بصواريخ موجهة تغادر ميناء بونسي في بورتوريكو وسط تحركات عسكرية مستمرة... وذلك في 20 ديسمبر 2025 (رويترز)
المدمرة الأميركية «يو إس إس توماس هودنر» (DDG-116) المزودة بصواريخ موجهة تغادر ميناء بونسي في بورتوريكو وسط تحركات عسكرية مستمرة... وذلك في 20 ديسمبر 2025 (رويترز)

نفذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديداتها بفرض حصار شامل على ناقلات النفط المبحرة من فنزويلا وإليها، واحتجزت يوم السبت ناقلة نفط ثانية قبالة سواحل فنزويلا في ضربة جديدة لنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تستهدف مضاعفة الضغوط لدفعه للتخلي عن السلطة.

وأثارت التحركات الأميركية العسكرية والتهديدات المتكررة واحتجاز ناقلات النفط تساؤلات حول الهدف الحقيقي لإدارة ترمب؛ ما بين مكافحة المخدرات وأطماع السيطرة على النفط والمعادن النادرة وهدف الإطاحة بنظام مادورو، وتساؤلات حول مدى نجاح هذه الاستراتيجية في تغيير السلطة في فنزويلا، وتساؤلات أخرى تجادل بأن مصادرة ناقلات النفط هي أعمال حرب تتطلب تفويضاً من الكونغرس.

مبررات واشنطن

تعتمد استراتيجية واشنطن في فرض هذه الضغوط ضد فنزويلا على المخاوف الأمنية المتعلقة بتهريب المخدرات مثل الكوكايين والفنتانيل والاتجار بالبشر، إضافة إلى الرغبة في تقوية النفوذ الأميركي في أميركا اللاتينية التي تعد «الفناء الخلفي» للولايات المتحدة.

وتتماشى هذه الاستراتيجية مع استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترمب التي أعلنتها قبل أسبوعين، والتي تركز على أميركا اللاتينية، معتبرة فنزويلا «نقطة البداية» للقضاء على العديد من المشاكل المثيرة للقلق في نصف الكرة الغربي، على أن يتوسع نطاق الضغط ليشمل كوبا أيضاً.

وأشارت سوزي ويلز رئيسة موظفي البيت الأبيض في مقابلتها مع مجلة «فانيتي فير» إلى أن «الولايات المتحدة تسعى للإطاحة بالرئيس الفنزويلي»، وقالت إن «ترمب يريد مواصلة تدمير القوارب حتى يستسلم مادورو».

وخلال الأسابيع الماضية ضاعفت إدارة ترمب إرسال مجموعات ضاربة من عشرات السفن الحربية والطائرات، ونشرت 15 ألف جندي أميركي قبالة سواحل فنزويلا، وصفها ترمب بأنها أكبر أسطول بحري تم إرساله في تاريخ أميركا الجنوبية. وأسفرت عمليات مكافحة تهريب المخدرات عن تدمير 28 قارباً ومقتل ما لا يقل عن 104 أشخاص، كما أعلن ترمب أن «حكومة فنزويلا هي منظمة إرهابية أجنبية». ودعمت إدارة ترمب المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو الحائزة جائزة «نوبل للسلام»، والمرحبة بتدخل ترمب في منطقة البحر الكاريبي.

شبح الحرب

غموض حول أهداف إدارة ترمب في فنزويلا ما بين مكافحة المخدرات وأطماع النفط وإسقاط النظام في كاراكاس (رويترز)

وعلى خلاف ترويج الرئيس ترمب لنفسه بأنه «صانع سلام»، فقد أعلن في مقابلة يوم الجمعة أنه لا يستبعد إمكانية شن حرب على فنزويلا. وطالبها عبر تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي بإعادة جميع النفط والأراضي والأصول الأخرى التي يقول إن فنزويلا «سرقتها» من الولايات المتحدة، وقال: «لقد استولوا على حقوقنا النفطية. كان لدينا الكثير من النفط هناك. لقد طردوا شركاتنا، ونريد استعادتها»، وهي إشارة لقيام فنزويلا بتأميم قطاعها النفطي في عام 1976، ما أثر على الشركات الأميركية. لكن تصريحات ترمب بعدم استبعاد شن حرب ضد فنزويلا تقابلها انتقادات واعتراضات من المشرعين بالكونغرس؛ إذ ينص الدستور الأميركي على ضرورة موافقة الكونغرس على أي أعمال حربية في البر أو البحر. كما يكشف استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيياك أن 53 في المائة من الأميركيين يعارضون هجمات ترمب على السفن في المياه الإقليمية لفنزويلا، ويعارض 63 في المائة أي عمل عسكري ضد فنزويلا.

ولم يطالب ترمب علناً بتنحي مادورو عن السلطة، لكنه قال مراراً وتكراراً إن أيام الزعيم الفنزويلي أصبحت معدودة. وأفادت بعض التقارير بأن ترمب أعطى الضوء الأخضر لعمليات سرية ضد نظام مادورو الذي يسيطر على فنزويلا منذ عام 2013.

وأشارت وكالة «رويترز» إلى أن هناك ما يصل إلى 11 مليون برميل من النفط الخام الفنزويلي عالقة على متن 39 ناقلة ترسو قبالة الساحل الفنزويلي. ويمثل النفط أكثر من 80 في المائة من الصادرات لفنزويلا، ونحو 90 في المائة من إيرادات الحكومة، مما يفاقم الوضع الاقتصادي الداخلي الذي يعاني منذ سنوات من الانهيار الاقتصادي نتيجة للسياسات الاشتراكية في فنزويلا. ويعاني 80 في المائة من سكان فنزويلا من مستويات عالية من الفقر.

هل ينجو مادورو؟

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحمل سيفاً كان ملكاً لإيزيكيل زامورا وهو جندي فنزويلي وقائد الفيدراليين في الحرب الفيدرالية في حين يخاطب أنصاره خلال مسيرة لإحياء ذكرى معركة سانتا إينيس في نفس اليوم الذي مُنحت فيه زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو جائزة «نوبل للسلام» لعام 2025 في النرويج... وذلك في كاراكاس بفنزويلا يوم 10 ديسمبر 2025 (رويترز)

وأشارت ميليسا فورد مالدونادو مديرة مبادرة نصف الكرة الجنوبي بمعهد «سياسة أميركا أولاً» إلى أن «الديكتاتور الفنزويلي تحدى لسنوات التوقعات بانهيار نظامه، إلا أن التصعيد المتواصل من قبل إدارة ترمب لمصادرة ناقلات النفط وفرض حصار على السفن، يضرب النظام الفنزويلي في أضعف نقاطه، وهي تجارة النفط الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد، مما يعرض نظام مادورو لخطر شديد؛ لأنه لا يستطيع البقاء دون عائدات النفط». وأضافت: «يحتاج مادورو لأموال النفط لشراء الولاء ودفع رواتب الجنرالات والكارتلات للبقاء في السلطة».

من جانبه، أشار جورج جرايساتي رئيس مجموعة «الإدماج الاقتصادي» إلى أن الضغط النفطي وحده لن يؤدي إلى إسقاط نظام مادورو، بل «مزيج من العقوبات والمصادرات لناقلات النفط، إضافة إلى العزلة الدولية». وقال: «الضغط النفطي وحده لا يكفي، والضغط الدبلوماسي وحده لا يكفي، لكن حينما تجتمع كل هذه العوامل فهناك فرصة أكبر بكثير لسقوط مادورو فعلياً».

ويختلف معه كالي براون رئيس شركة «بولاريس» للأمن القومي الذي أشار إلى أن «الأنظمة الاستبدادية غالباً ما تتغلب على العقوبات من خلال التحول إلى مصادر إيرادات غير مشروعة، ولا يظهر نظام مادورو اهتماماً كبيراً بتأثير العقوبات الأميركية على شعبه».

ويرى محللون أن استراتيجية «الخنق الاقتصادي» التي تمارسها إدارة ترمب قد تؤدي إلى نتائج عكسية تعزز موقف مادورو الذي يروج لرواية «سرقة النفط في ممارسة استعمارية جديدة»، وتجتذب هذه الرواية جمهوراً من الفنزويليين غير المؤيدين له، وتعاطفاً من شرائح اجتماعية معارضة ومترددة، لكنها حساسة لانتهاكات السيادة.

ويرى مسؤولون سابقون أن هذه الاستراتيجية الأميركية إذا لم تنجح في إقناع مادورو بالفرار، فلن يتبقى أمام الولايات المتحدة سوى خيارين؛ الانسحاب أو تغيير النظام بالقوة. ويقول إليوت أبرامز المبعوث الخاص لترمب في ولايته الأولى إلى فنزويلا، إنه «من الممكن أن يعلن الرئيس في غضون شهر أو شهرين النصر، على أساس أن تهريب المخدرات بحراً قد انخفض بشكل كبير، لكن إذا نجا مادورو وانسحب ترمب فهذه هزيمة».

وحذر المحللون من التحديات التي ستنجم من الإطاحة المفاجئة للنظام في كاراكاس، ونصحوا إدارة ترمب بالنظر في عروض الوساطة المقدمة من المكسيك والبرازيل اللتين تحرصان على تجنب التصعيد المسلح في أميركا اللاتينية.