المولد النبوي في مصر... احتفالات شعبية وفلكلورية تقاوم الزمن

المواكب وجلسات الذكْر والولائم... من أبرز المظاهر

جلسات ذكر ومدح في المولد النبوي (حساب بوابة الأقصر على «فيسبوك»)
جلسات ذكر ومدح في المولد النبوي (حساب بوابة الأقصر على «فيسبوك»)
TT

المولد النبوي في مصر... احتفالات شعبية وفلكلورية تقاوم الزمن

جلسات ذكر ومدح في المولد النبوي (حساب بوابة الأقصر على «فيسبوك»)
جلسات ذكر ومدح في المولد النبوي (حساب بوابة الأقصر على «فيسبوك»)

ترتبط الكثير من المظاهر الاحتفالية التي يقيمها مصريون في ذكرى المولد النبوي بالمتعة، والبحث عن سبل للفرح والسعادة، وتأخذ الاحتفالات صورة جماعية في كثير من الحالات، تظهر فيها الكثير من الممارسات الشعبية والفلكلورية التي تضرب بجذورها في التاريخ المصري.

مصري يعتني بحلاوة المولد التراثية بالقاهرة (رويترز)

وتتعدد مظاهر احتفالات المصريين بالمولد النبوي وطرق استقبالهم له؛ فهناك من يخرجون في مواكب للطرق الصوفية، ومنهم من يحتفل بإقامة الموائد، وقراءة القرآن الكريم، حسب قول الدكتورة حنان سمير الأستاذة بأكاديمية الفنون التي ترى الاحتفالات جزءاً من شخصية المصريين، وهم يحافظون عليها، ويتوارثونها.

هذه الاحتفالات صارت قليلة في القاهرة، خصوصاً في الأحياء الجديدة، لكنها ما زالت قائمة في الأحياء التي ترتبط بآل البيت، مثل حي السيدة زينب، والحسين، وفق حنان سمير التي تضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «المحافظة على صور هذه الاحتفالات تعد ذاتية، تتوارثها الأجيال عبر السنين».

حلوى المولد... من التراث المصري الأصيل (رويترز)

الفنان التشكيلي إبراهيم البريدي الذي صور بلوحاته الكثير من تلك الاحتفالات، مثل زفة الخليفة والخروج بالرايات التي تعبر عن الطرق الصوفية وهي تجوب شوارع المدن والمحافظات، يرى أن المواكب الشعبية بممارساتها المختلفة جزء من موروث المصريين، ويتساوى في ذلك جنوب مصر مع شمالها؛ فالجميع يخرجون للاحتفال بالمولد، كلٌّ بطريقته الخاصة، وهي مرتبطة بالبسطاء من المصريين الذين يرون الاحتفالات مناسبة للترويح عن أنفسهم، والخروج من أعباء الحياة.

لوحة توثق اعتزاز المصريين بالاحتفال بالمولد النبوي (الفنان التشكيلي إبراهيم البريدي)

وعدّ البريدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر البلد الوحيد الذي تنتشر فيه مثل هذه الاحتفالات، وهي موروث وعادة يتميز بها المصريون»، ويضيف: «انظر لمسيرات الطرق الصوفية بأعلامها الملونة، وشكل كل مدينة ومحافظة في الاحتفال بالمولد، ستجد أن كلاً منها لها أسلوبها الذي يميزها عن سواها، حتى القرى لها طريقتها في الاحتفال... بعضها تنتظر ليلة المولد».

إحدى اللوحات المعبرة عن احتفالات المولد النبوي بمصر للفنان إبراهيم البريدي (البريدي)

ويؤكد البريدي احتشاد الآلاف في الساحات والسرادقات الضخمة حيث «تتنوع طرق استقبال المولد بين الإنشاد الديني، وقراءة القرآن، وجلسات الذكْر والمدح، وهناك أثرياء يقيمون الولائم، ولا فرق هنا بين غني وفقير، فالجميع يحضرون لتناول الطعام في جلسات تتميز بكثير من الروحانية ومحبة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)... وهي مناسبة للتعارف والالتقاء بشخصيات قد يكون بعضهم قادماً من بعيد للمشاركة فيها»، وفق تعبيره.

«الراقات الثقافية»

ويعتبر الدكتور مسعود شومان الباحث في الفنون والتراث الشعبي، أن «المصريين من الشعوب النادرة التي تمتلك ما يمكن تسميته (الراقات الثقافية)، والتي تختزن الكثير من المكونات، وتغني الشخصية وتميزها بممارساتها في الحياة عموماً». ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «المصريين شعب احتفالي مؤمن بفكرة ممارسة الطقوس والشعائر».

سكان جنوب مصر يقيمون احتفالات صاخبة سنوياً احتفالاً بالمولد النبوي (حساب بوابة الأقصر على «فيسبوك»)

ويضيف شومان لـ«الشرق الأوسط»: «يعتبر مصريون أن الاحتفال بذكرى مولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) طقس عبور ينقل أرواحهم والزمن الذي يعيشون فيه من حالة إلى حالة، وتأتي احتفالاتهم على مستويات متعددة؛ فمنها الروحي والترويحي بحثاً عن لحظات للفرح والسعادة، والاقتصادي بعرض الحلوى وغيرها من أنواع المنتجات، وفي بعض الأماكن يأخذ الاحتفال شكلاً من أشكال التبرك بالمناسبة، ويظهر ذلك في (زفة الحرفيين)، فيركب كل صاحب حرفة على عربة (كارو) بصحبة مُنادي أو (صيّيت)، ليعرض بضاعته، فتصير الذكرى بمثابة إعلان، ونوع من أنواع التبرك بمولد النبي من أجل جلب الرزق».

عودة الأحصنة المصنوعة من السكر ضمن احتفالات المولد النبوي (رويترز)

ويؤكد شومان أن «حلول المولد النبوي الشريف يذكّر المصريين بتاريخهم؛ لأنهم شعب احتفالي يحب الفرح ويبحث عن السعادة، ولا يوجد احتفال بالمولد النبوي بهذا الشكل إلا عند المصريين؛ فهم يستقبلونه بالحلوى التي يوزعونها على الناس في الشوارع، وتعميم الفرح والبهجة في الأماكن العامة... وهذا كله يؤكد فكرة التسامح الموجودة بين المصريين، وما يمكن تسميته (أفراح الفقراء)، وهؤلاء يمتعهم ذكر النبي بنوع من الغنى والثراء، ويكسبهم الكثير من القوة في مواجهة أعباء الحياة»، على حد تعبيره.


مقالات ذات صلة

محمد ثروت لـ«الشرق الأوسط»: الغناء الديني في مقدمة أولوياتي

يوميات الشرق ثروت يحيي الجمهور الذي شاركه الغناء بالحفل - (وزارة الثقافة المصرية)

محمد ثروت لـ«الشرق الأوسط»: الغناء الديني في مقدمة أولوياتي

أكد المطرب المصري محمد ثروت أنه تعلق بالمدائح النبوية والإنشاد الديني منذ سنوات نشأته الأولى بمدينة طنطا (دلتا مصر).

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق حلوى المولد تجتذب المصريين بمختلف فئاتهم العمرية ومستوياتهم الاجتماعية (الشرق الأوسط)

 «حلوى المولد»... عادة مصرية تقاوم الغلاء وتداعب «النوستالجيا»

«سمسمية، لوزية، فستقية، حمصية، فولية»... هكذا عدّدت المصرية، نجوى رزق، أصناف «حلوى المولد النبوي»، التي اختارتها ضمن عُلبة تقوم بتجميع مكوناتها بنفسها.

محمد عجم (القاهرة )
يوميات الشرق شخصيات «الليلة الكبيرة» من أعمال الفنانين أسامة عمر ومحمد مسعود (الشرق الأوسط)

مهندسون مصريون يحتفلون بـ«المولد النبوي» بمجسّمات تراثية من الخشب

في «المولد النبوي الشريف»، وهو أحد أهم الاحتفالات الإسلامية في مصر، تبرز المجسمات الخشبية والمنسوجات اليدوية لرموز وأمكنة لطالما ارتبطت بهذه المناسبة.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
شمال افريقيا ملك المغرب خلال ترؤسه حفلاً دينياً في الرباط (ماب)

ملك المغرب يعفو عن 742 محكوماً بمناسبة ذكرى المولد النبوي

أصدر الملك محمد السادس عفواً عن مجموعة من الأشخاص، منهم المعتقلون والموجودون في حالة سراح بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
يوميات الشرق أضواء تنير القيروان

الأنوار تغمر مدينة القيروان بمناسبة المولد النبوي الشريف

تلألأت الأنوار في مدينة القيروان التونسية في عرض صوتي وضوئي ضخم يحاكي السيرة النبوية العطرة، ليبث مهرجان المولد النبوي الشريف الذي تحتضنه المدينة أجواء روحية راقية بين أكثر من 600 ألف زائر توافدوا من تونس والبلدان العربية المجاورة، وحضروا احتفال هذه السنة بالمولد النبوي. وتواصلت الاحتفالات إلى غاية يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، لتحول المدينة ذات التاريخ الإسلامي العريق إلى عاصمة للمشاعر الدينية والإحساس الروحي الراقي.

المنجي السعيداني (تونس)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.


مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة، عقب ظهور فيديو يصور عمليات تجهيز مسجد محمد علي بالقلعة لاستقبال حفل زفاف، مساء السبت، وطالب خبراء آثار بالتوقف عن تلك النشاطات، لما تمثله من خطورة بالغة على الأثر، فيما دعا آخرون لفرض مزيد من الإجراءات والضوابط حتى لا تتضرر المواقع وتتعرض للتشويه.

وذكر خبراء آثار أن استضافة المواقع الآثارية حفلات الزفاف وعقد القران، وغير ذلك مما تسمح به وزارة الآثار والسياحة المصرية داخل ساحاتها، يمثل خطراً كبيراً على الأثر، وقال الدكتور فاروق شرف، استشاري ترميم الآثار، ومدير عام إدارة ترميم الآثار الإسلامية والقبطية السابق، إن مسجد محمد علي مبني على أطلال قصر الأبلق، وأغلب الظن أن هناك أسفل المسجد فراغات كثيرة أقيمت فوقها أساساته، وهي على هذه الحال يمكن أن تتأثر سلبياً في حالة تسرب المياه إليها من الأمطار، أو حتى من مخلفات تلك الاحتفالات، مما يؤدي لخلخلة في التربة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مخاوف من حدوث أي انهيار في بعض أجزاء المسجد»، مشيراً إلى أن «وجود أعداد ضخمة من الحضور والمعازيم يمكن أن يؤدي لكارثة، يجب أن يوضع كل هذا في الحسبان، من أجل تلافي أي أضرار قد تلحق بالمسجد، ناهيك عن عمليات تجهيز مسرح في صحن المسجد ووضع المقاعد، وما يصاحب كل هذا من عمليات طرق بأدوات شديدة الخطورة على المسجد، تتسم بالاستهتار واللامبالاة في التعامل مع أرضياته الرخامية الأصلية المصنوعة من الألبستر المصري»، على حد تعبيره.

جانب من تنظيم الحفلات بمسجد محمد علي (صورة من فيديو نشرته المرشدة السياحية هدى راضي)

وأظهر فيديو بثته هدى راضي، وهي مرشدة سياحية كانت توجد في المسجد أثناء عمليات تجهيزه لاستقبال عقد قران، عدداً من الأفراد يستخدمون مطارق حديدية ثقيلة، ويقومون برص قوائم من الحديد على أرضيات صحن المسجد، فضلاً عن تجهيزات مسرح، وقالت المرشدة السياحية وهي تستعرض حجم الضجيج الحادث في المكان: «هذا لا يليق بأثر مهم مثل مسجد محمد علي، ناهيك عن حرمة المسجد أصلاً، الرخام معظمه تضرر، وحين تحدثنا مع المسؤولين قالوا إنه غير أصلي، ويمكن استبداله». وأضافت أن «التعامل مع الأثر غير حذر ولا يحترم قيمته، ناهيك عن قدسية المكان بصفته مسجداً تقام فيه الصلاة، ولا يجب أن يشهد مثل هذه الممارسات».

ويتضمن المسجد مئذنتين، ارتفاع كل واحدة منهما 83 متراً، وهما وفق الدكتور فاروق شرف «معرضتان للسقوط حال حدوث أي هبوط أرضي للمسجد». والمئذنتان مصممتان على الطراز العثماني، وتتميزان بانسيابية ورشاقة كبيرة، وتشبهان القلم الرصاص، وعن المردود المالي المتحصل من تأجير المناطق الأثرية في غير ما خُصصت له، يقول شرف: «لا قيمة له، فلن تعوض النقود ضياع أثر يشكل جزءاً من التراث المصري الذي لا يُقدر بثمن».

وأشار إلى أنه مقتنع تماماً بتوظيف الأثر، وليس ضد السعي لتحقيق أي مردود اقتصادي منه، لكن يجب أن يكون هذا وفقاً لشروط تحمي المواقع من أي ضرر، وأضاف: «في أوروبا يفعلون هذا عندما يكون لديهم مكان ذو قيمة تاريخية، لكنهم يمنعون بتاتاً استخدام النار، والمياه، ويوفرون إجراءات تأمين قوية حال حدوث أي طارئ».

من جهته، قال الباحث الآثاري إبراهيم طايع إن «السماح باستخدام المساجد والمواقع الأثرية في الحفلات والفعاليات غير المنضبطة يمثل خطراً داهماً على الآثار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «طالبنا كثيراً بمنع تلك الممارسات، لكن دون جدوى، وصار مسجد محمد علي مقصداً لحفلات الزفاف، بما فيها من ضجيج وتجهيزات يراها الجميع، ويدركون مخاطرها، ناهيك عما فيها من انتهاك لحرمة المسجد، بصفته مكاناً للصلاة».

بدأ تشييد مسجد محمد علي عام 1830 ميلادياً، واستمر بناؤه 19 عاماً على مساحة 5 آلاف متر، ويتضمن المقبرة التي دفن فيها الملك عام 1849، ويتميز المسجد الذي يحاكي مسجد «السلطان أحمد» بإسطنبول باستخدام المرمر أو الألبستر في تكسية أرضياته وجدرانه، كما يتميز بقباب المآذن المتعددة، وهو المبنى الأكثر بروزاً في القلعة، وبه منبران أحدهما من الخشب المطليّ بالأخضر والذهبي، وهو المنبر الأصلي، بالإضافة إلى منبر آخر من الرخام أضيف إلى المسجد لاحقاً، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.​

من جهتها، قالت أماني توفيق مدير عام قلعة محمد علي لـ«الشرق الأوسط » إن «أي يوم يشهد احتفالاً بالمسجد، تكون هناك مجموعة كاملة تعمل طوال اليوم تتكون من خبراء آثار، وحماية مدنية وفنيين، ورجال أمن يعملون جميعاً على صون المسجد، وتطبيق البروتوكول الموقّع مع شركة (كنوز) المسؤولة عن تنظيم الاحتفالات للحفاظ على المسجد، وفي حالة المخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الكاملة».