«هدنة غزة»: كيف يتجاوز الوسطاء تعقيدات «الشروط الخمسة» لإسرائيل؟

«حماس» توافق على «صفقة شاملة»... ونتنياهو يعتبرها «مناورة»

فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: كيف يتجاوز الوسطاء تعقيدات «الشروط الخمسة» لإسرائيل؟

فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أضرار غارة إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

عادت حركة «حماس» للحديث عن قبولها بتنفيذ «صفقة شاملة» لإنهاء الحرب بقطاع غزة، بعد تمسك الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإطلاق سراح جميع الرهائن، وسط تجاهل منه للمقترح الجزئي الذي طرحته مصر وقطر منذ نحو أسبوعين، ويشمل الإفراج عن بعضهم.

ذلك الحديث الفلسطيني الذي جاء غداة تلميحات قطرية بأن ثمة أفكاراً جديدة تناقش على طاولة اتصالات إقليمية، قوبل بتجديد إسرائيل شروطاً خمسة طُرحت قبل نحو شهر لإنهاء الحرب، منها نزع سلاح «حماس»، وهو ما رفضته الحركة آنذاك.

وشروط حكومة نتنياهو الخمسة تتمثل في: «نزع سلاح (حماس)، وإعادة جميع المحتجزين أحياءً وأمواتاً، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكومة مدنية بديلة ليست من (حماس) ولا من السلطة الفلسطينية».

وفي ضوء ذلك الضجيج من التصريحات دون مفاوضات على أرض الواقع، واستمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، تساءل البعض عن كيفية تجاوز الوسطاء تعقيدات «شروط» إسرائيل.

أسرة فلسطينية نازحة تضع أمتعتها عند خيمة في مخيم البريج بوسط قطاع غزة يوم الأربعاء (أ.ف.ب)

وبحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، فإن الوسطاء أمام أزمة كبيرة إزاء تلك الشروط التي لن تقبل بعضها «حماس» أو إسرائيل، وتوقعوا إما الذهاب لمقترح شامل للحل في إطار مفاوضات تحت النار، مع احتمال أن تفشل حال لم تقدم الحركة تنازلات، أو الوصول لاحتلال كامل قطاع غزة وفرض معادلات جديدة للمحادثات.

وقال ترمب في منشور على منصة «تروث سوشيال»: «أبلِغوا (حماس) بأن تعيد جميع الرهائن العشرين فوراً (وليس اثنين أو خمسة أو سبعة!)، والأمور ستتغير سريعاً. ستنتهي (الحرب)».

قبول صفقة شاملة

وجاء حديث ترمب بعد نحو أسبوعين من عدم تجاوب أميركي أو إسرائيلي مع مقترح الوسيطين المصري والقطري الداعي لوقف إطلاق النار 60 يوماً، والذي قبلته «حماس»، ويتضمن الإفراج عن نحو 10 رهائن أحياء و18 أمواتاً مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى مواقع قريبة من الحدود في غزة، وبدء مفاوضات حول إنهاء الحرب.

وعادت «حماس» عقب تصريحات ترمب لتجدد عبر بيان استعدادها للذهاب إلى «صفقة شاملة» لإنهاء الحرب. واعتبر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ذلك الطرح «مناورة جديدة لا جديد فيها»، وتمسك بالشروط الخمسة التي اتفق عليها «الكابينت» قبل نحو شهر، وقال إنه «يمكن إنهاء الحرب فوراً وفق شروطنا (السابقة)، ومنها تفكيك أسلحة (حماس) والسيطرة الأمنية على القطاع».

فلسطينيون يحملون جثث أطفالٍ مُكفّنين قُتلوا في غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

وكرر مكتب نتنياهو في 19 أغسطس (آب) الماضي تلك الشروط، قائلاً إن «مبادئ إسرائيل لإنهاء الحرب كما حددها مجلس الوزراء (في تصويت بالأغلبية يوم 8 من الشهر ذاته) هي نزع سلاح (حماس)، وإعادة جميع المحتجزين أحياءً وأمواتاً، ونزع سلاح قطاع غزة، والسيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وإقامة حكومة مدنية بديلة ليست من (حماس) ولا من السلطة الفلسطينية».

«إرادة حقيقية»

ودون تفاصيل من الوسطاء، أكد متحدث «الخارجية القطرية»، ماجد الأنصاري، أن أي مقترح بديل يبقى مرهوناً بوجود إرادة حقيقية للوصول إلى اتفاق، مشدداً على أن قطر، بصفتها وسيطاً، لا تملك أوراق ضغط خاصة بها سوى الدفع باتجاه اتفاق، والتعويل على الموقف والضغط الدولي.

وتحدث الأنصاري في بيان الأربعاء عن «وجود اتصالات لتطوير مقترحات جديدة يمكن أن تسهم في الوصول إلى اتفاق»، دون مزيد من التفاصيل.

أستاذ العلوم السياسية والأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، يرى أن «حماس» مضطرة لإعادة الحديث عن «الصفقة الشاملة» في ظل رسائل ترمب وتجاهل إسرائيل للمقترح الجزئي، لأسباب من بينها إدراكها أن واشنطن تدعم نتنياهو، ومحاولة وقف الخسائر الميدانية، متوقعاً ألا يكون أمام الوسطاء مسارات لحلحلة حالية أو لتجاوز شروط إسرائيل.

ويرجح فهمي أن إسرائيل ستواصل التصعيد وحسم احتلال مدينة غزة، ثم قد تفكر بعدها في أرضية جديدة للمفاوضات، موضحاً أنه سيكون أمام «حماس» أن تقدم تنازلات، و«هذا لن يحدث»، وبالتالي «سيتم الذهاب لخيارات صفرية، ومرحلة اغتيالات لقيادات الحركة بالداخل».

مدفعية إسرائيلية تطلق النار باتجاه غزة في 6 مايو 2025 (رويترز)

المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، يتوقع «عدم قبول (حماس) بالشروط الخمسة»، لافتاً إلى أن شروط نتنياهو جزء من شروط المجتمع الدولي والإدارة الأميركية، وبالتالي لن يتنازل عنها.

ويرى أن حديث ترمب يحمل صيغة تهديد، وليست وساطة، ولا دعوة لصفقة شاملة، ولا هدنة جزئية باتت من الماضي، مؤكداً أن الوسطاء ليسوا الأزمة، وليس بيدهم حلول سحرية في ظل تشدد «حماس»، وخاصة بتمسكها بسلاحها الذي بات غير مؤثر بالمعركة، و«هناك مليون طريقة لإخراج مشهد النزاع بالشكل المناسب».

مطالب عربية ودولية

ورغم هذه المخاوف، لا تزال الهدنة محل مطالب عربية ودولية. وطالب وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في كلمة الخميس باجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة، بـ«وقف العدوان الهمجي على غزة»، مؤكداً «دعم الجهود المصرية - القطرية - الأميركية المستهدفة التوصل لوقف دائم لإطلاق النار».

وقال الفاتيكان في بيان، إن البابا ليو دعا خلال اجتماع الخميس مع الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، إلى إجراء مفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن المتبقين، ووقف دائم لإطلاق النار في القطاع.

ودفع القصف الإسرائيلي، الخميس، المزيد من الفلسطينيين إلى النزوح في مدينة غزة، في حين تحدى آلاف السكان الأوامر الإسرائيلية بالمغادرة وبقوا بين الأنقاض في مواجهة أحدث تقدم لإسرائيل، وقُتل 28 فلسطينياً على الأقل بنيران إسرائيلية، وفق ما نقلته «رويترز».

ويتوقع فهمي عدم تدخل الإدارة الأميركية حالياً، وأن تستمر في تجاهل الأوضاع في غزة لحين حسمها عسكرياً بشكل كامل من جانب إسرائيل، مشيراً إلى أن الوسطاء قد ينتظرون تغييراً مفصلياً للذهاب لحل نهائي، أو عودة إسرائيل للاستمرار في صيغة مفاوضات من أجل المفاوضات بلا نتائج وتحت النيران.

في حين يعتقد مطاوع أن الحديث العربي والدولي سيستمر كعادته منذ الحرب، لكن ليس هناك ما يمكن القول إنه يستطيع أن يغير موازين القوة، ويجبر إسرائيل على الجلوس لطاولة التفاوض والقبول باتفاق في ظل تصعيدها العسكري الذي تراه ناجحاً حتى الآن.


مقالات ذات صلة

تقرير: نتنياهو فكر في فتح معبر رفح قبل لقاء ترمب لكنه تراجع

المشرق العربي الرئيس الأميركي دونالد ترمب يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض 4 فبراير 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ) play-circle

تقرير: نتنياهو فكر في فتح معبر رفح قبل لقاء ترمب لكنه تراجع

نقلت صحيفة إسرائيلية، عن مصدر، قوله إن بنيامين نتنياهو عرض فتح معبر رفح بين مصر وغزة في كلا الاتجاهين كبادرة حسن نية قبل اجتماعه مع ترمب، لكنه تراجع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شمال افريقيا منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

محمد محمود (القاهرة)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي لدى وصولهما إلى المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أمس (أ.ف.ب) play-circle

نتنياهو يستعد لترمب بخطة بديلة في غزة... وتركيز على إيران

وسط زخم من التقديرات والتسريبات الإسرائيلية عما جرى إعداده في تل أبيب للقاء دونالد ترمب، مع بنيامين نتنياهو، اعتبرت مصادر إسرائيلية أن اللقاء «معركة مصيرية».

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية 53 % من الشركات أبلغت عن زيادة في طلبات نقل الموظفين الإسرائيليين (أ.ف.ب)

تقرير إسرائيلي: زيادة عدد الراغبين في العمل بالخارج

أظهر تقرير صدر اليوم (الأحد) أن عدد طلبات انتقال إسرائيليين يعملون في شركات متعددة الجنسيات في إسرائيل إلى الخارج، ارتفع العام الماضي نتيجة الحرب على غزة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
تحليل إخباري صبية فلسطينيون ينظرون إلى كهف قُتل فيه 3 شبان على يد القوات الإسرائيلية قرب مدينة جنين بالضفة الغربية أكتوبر الماضي (أ.ف.ب) play-circle

تحليل إخباري الجيش الإسرائيلي يحذر من «فشل استراتيجي» في مواجهة الهجمات الفلسطينية

في حين تشدد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قبضتها على الضفة الغربية وتمارس أبشع عمليات القمع ضد الفلسطينيين تعلو تحذيرات داخلية بأن هذه سياسة «فاشلة استراتيجياً».

نظير مجلي (تل أبيب)

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

رفضت الجامعة العربية اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال، ما يسمى «إقليم أرض الصومال»، مشددة على الوقوف ضد «أي إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل بغية تسهيل مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني أو استباحة موانئ شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».

وعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، أمس (الأحد)، دورةً غير عادية، أكد فيها «الموقف العربي الثابت والواضح بشأن عدّ إقليم الشمال الغربي بالصومال جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي محاولة للاعتراف بانفصاله بشكل مباشر أو غير مباشر».

وطالب البيان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بـ«وضع خطة عمل عربية - أفريقية مشتركة تحُول دون إحداث أي تغيير في الوضع الأمني والجيوسياسي القائم، ومنع أي تهديد لمصالح الدول العربية والأفريقية في هذه المنطقة الحيوية».


«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
TT

«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)

نقلت تسريبات إسرائيلية عن مسؤولين أمنيين كبار أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجاهل مخاوف وتحذيرات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، معتمداً على «سلسلة من التقارير الكاذبة أضرت بالعلاقات مع القاهرة»، خاصة فيما يتعلق بتسليح الجيش المصري في سيناء، وهو ما اعتبره دبلوماسيون وعسكريون سابقون بمصر «دعماً للموقف المصري»، مؤكدين أن «تجاهل نتنياهو كان متعمداً في إطار خطة تكتيكية لخدمة مصالحه الشخصية، ولو على حساب علاقات إسرائيل بمصر».

وبحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، فقد شملت هذه التقارير مزاعم بأنّ مصر تُشيِّد قواعد هجومية في سيناء، وهو ما ردّده السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، وأيضاً مزاعم بأنّ شخصيات بارزة في المخابرات المصرية كانت تتقاضى عمولات من تهريب الأسلحة إلى سيناء، وبأنّ مصر كانت متواطئة في خداع إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).

واحتجّت مصر على حملة التشويه، وأثارت القضية في اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين، ولكن دون جدوى. وقد تسبب ذلك في تصاعد الخلاف بين مصر وإسرائيل.

في سبتمبر الماضي أعلن نتنياهو مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء (رويترز)

يقول السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، إن «التجاهل من جانب نتنياهو لم يكن صدفة، لكنه تجاهل تكتيكي في إطار خطته وسعيه لخدمة نفسه ومصالحه، وتصوير أن هناك خطراً داهماً ودائماً يهدد إسرائيل».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تصوير الخطر على الحدود من جانب مصر مسألة تجعل الرأي العام في إسرائيل يحتشد خلفه تحت تأثير الخوف».

ونوّه هريدي بأن «نتنياهو نفسه وهو يردد الاتهامات ضد مصر يعلم تماماً أنها زائفة، لكنه ينظر لما يجنيه من جراء تلك الأكاذيب من مصالح تصرف النظر عن أي اتهامات توجّه له في ملفات الحرب على غزة، أو غيرها من اتهامات بالفساد، كما أنه يستغل ذلك في إطار الضغوط على مصر التي تقف حجر عثرة أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة».

هريدي أشار كذلك إلى أن «ظهور مثل هذه التسريبات التي تكشف تجاهل نتنياهو للتحذيرات الأمنية من الاتهامات الزائفة لمصر، قد يكون مقصوداً بغرض محاولة تهدئة الأجواء مع القاهرة قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وغير مستبعد أن يعود نتنياهو مرة أخرى لترديد اتهاماته عن الحشد العسكري المصري في سيناء، وغيرها من الاتهامات، ما دام ذلك يخدمه سياسياً في الداخل الإسرائيلي وفي تحركاته الإقليمية الأخرى».

وتثار حالياً خلافات بين مصر وإسرائيل تتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، وتحميل مصر لإسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية في أن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والوجود الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا»، والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية.

وبين الحين والآخر يخرج الجيش الإسرائيلي ببيانات رسمية يشير فيها إلى أنه «أسقط طائرة مُسيَّرة كانت تُهرّب أسلحة من الأراضي المصرية إلى إسرائيل»، وحدث ذلك أكثر مرة في أكتوبر الماضي قبل قرار تحويل الحدود إلى «منطقة عسكرية مغلقة».

وسبق أن عدَّ رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، أن «اتهامات إسرائيل بتهريب السلاح من مصر خطاب مستهلك»، وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن القاهرة «سئمت من هذه الادعاءات التي تُستخدم لإلقاء المسؤولية على أطراف خارجية كلّما واجهت الحكومة الإسرائيلية مأزقاً سياسياً أو عسكرياً».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو «مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء»، وردت «الهيئة العامة للاستعلامات» بتأكيدها على أن «انتشار القوات المسلحة جاء بموجب تنسيق كامل مع أطراف معاهدة السلام».

وأشارت «الهيئة» حينها إلى أن «القوات الموجودة في سيناء في الأصل تستهدف تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب».

مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، اللواء سمير فرج، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يتأكد للجميع زيف ما يردده نتنياهو وإعلامه، وصدق الرواية المصرية، وأن ما يقوله ما هو إلا خطة من أجل خدمة نفسه انتخابياً في الفترة المقبلة، وتصوير أن مصر العدو الرئيسي ولا بد من الاستعداد لها ونسيان أي أمور أخرى تتعلق بالاتهامات الموجهة له».

وأشار إلى أن «تحذيرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل لنتنياهو من مغبة هذه الادعاءات ضد مصر؛ لأن تلك الأجهزة تعلم، وكذلك نتنياهو نفسه يعلم، أن مصر قضت تماماً على الأنفاق التي كانت تهدد الأمن القومي المصري، كما أن التحركات المصرية في سيناء تتم من أجل حفظ الأمن وليست لتهديد أحد».

بدوره، قال وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «طريقة الإسرائيليين هي إطلاق تصريحات مستفزة للتغطية على خروقاتهم، ومصر تعي ذلك جيداً، ولن تنجر إليه؛ فهم يريدون صرف الأنظار عن مخالفتهم لاتفاق غزة في شرم الشيخ، ورغبتهم في عدم الالتزام به».

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، أوضح: «كل ما تطلقه إسرائيل من اتهامات يعتبر استمراراً لتشويه سمعة مصر؛ لأنها الحاجز القوي لأطماعها في الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان، وهذا ليس جديداً. وستستمر هذه الاتهامات الزائفة، والتقارير الإسرائيلية المنشورة حديثاً تؤكد ذلك».

وشدد رشاد على أن «الأجهزة المصرية تعلم جيداً أغراض نتنياهو وما يردده ضد القاهرة؛ لذلك لا تنجر إلى الأرض التي يريد جرها إليها، وتتعامل بحكمة وقوة وحزم، والأيام تثبت صحة وعقلانية الموقف المصري».


احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
TT

احتجاجات مستمرة وقطع طرق بالعاصمة الليبية

رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)
رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة (مكتب الدبيبة)

عاشت العاصمة الليبية، طرابلس، ليلة جديدة على صفيح ساخن، مع تجدُّد موجة احتجاجات غاضبة ضد حكومة «الوحدة» المؤقتة، بالتزامن مع انضمام ما تُعرف بـ«كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» إلى مطالب المحتجين التي تجاوزت الدعوة لإقالة الحكومة إلى المطالبة بإسقاط جميع «الأجسام السياسية» الحاكمة، في بلد يرزح منذ سنوات تحت وطأة الانقسام السياسي والأمني.

وحسب شهود عيان ووسائل إعلام محلية، شهدت طرابلس، مساء السبت، إغلاق الطريق السريع وطريق الشط من قبل محتجين على حكومة عبد الحميد الدبيبة، مع إشعال إطارات في وسط العاصمة، وخروج مظاهرات ليلية بعدة أحياء، احتجاجاً على ما وُصف بتفشي الفساد وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية.

ونقل الدبلوماسي الليبي محمد خليفة العكروت مشهداً اتسم بقطع طرق وحرق إطارات وارتباك في حركة المرور، وازدحام خانق أسفر عن اصطدام عدد من السيارات.

إطارات محترقة في أحد شوارع العاصمة طرابلس (لقطة مثبتة)

ودخلت الاحتجاجات يومها الثاني بعد تظاهرات مماثلة يوم الجمعة في طرابلس، ترافقت مع مظاهرات أخرى في مدينتي مصراتة والزاوية؛ حيث ندد المحتجون بتردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والأمنية، مطالبين بإنهاء المرحلة الانتقالية.

وأعلن قادة «كتائب وسرايا الثوار بمدينة مصراتة» تأييدهم الكامل لما وصفوه بـ«انتفاضة شعبية»، مطالبين بـ«إسقاط كل الأجسام السياسية المسؤولة عن معاناة الوطن»، ودعوا الليبيين إلى الخروج للشوارع، كما وجَّهوا نداءً للأجهزة الأمنية والعسكرية في مصراتة للوقوف إلى جانب المحتجين.

ويبدو أن إشارة البيان إلى «الأجسام السياسية» تشمل مجلسَي النواب والأعلى للدولة، إضافة إلى حكومة الوحدة في طرابلس، والحكومة المكلفة من البرلمان في شرق البلاد.

وتبرأ قادة «الكتائب» في بيان لهم من وكيل وزارة الدفاع عبد السلام زوبي، معتبرين أنه «لا يمثلهم»، وأنه لم يقم بأي دور يُذكَر «في الدفاع عن حقوق الثوار»، أو في التعاطي مع حادثة وفاة رئيس الأركان محمد الحداد، إثر سقوط طائرة كانت تقله وقادة عسكريين بعد قليل من إقلاعها من العاصمة التركية أنقرة، الثلاثاء الماضي، منتقدين صمته حيالها.

كما استنكروا ما وصفوه بالموقف «الهزيل» لحكومة الوحدة، بسبب غياب بيان نعي رسمي متلفز أو مؤتمر صحافي يوضح ملابسات تحطم الطائرة، عادِّين ذلك «إهانة للمؤسسة العسكرية وتضحيات الثوار».

وتُعتبر «كتائب ثوار مصراتة» أكبر وأقوى القوى العسكرية المنظمة في غرب ليبيا، ولعبت منذ بروزها خلال ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، دوراً محورياً في العمليات العسكرية التي أسهمت في إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافي؛ خصوصاً في جبهات مصراتة وسرت وطرابلس.

جانب من إحدى جلسات مجلس النواب الليبي في بنغازي (مكتب إعلام المجلس)

وعلى مدى السنوات اللاحقة، احتفظت هذه التشكيلات بنفوذ عسكري ملحوظ داخل مصراتة وخارجها، مستندة إلى تنظيمها القتالي وتسليحها وقاعدتها الاجتماعية الواسعة، إضافة إلى حضورها في عدد من المفاصل الأمنية والعسكرية للدولة.

في هذه الأثناء، تجددت الحرائق الغامضة في مدينة الأصابعة بغرب البلاد؛ حيث اندلعت نحو 3 حرائق متزامنة، ما أعاد تسليط الضوء على سلسلة الحرائق التي شهدتها المدينة في 19 فبراير الماضي، وأسفرت عن احتراق عشرات -وربما مئات- المنازل.

وناشد المجلس البلدي لمدينة الأصابعة الجهات المعنية توفير سيارة إطفاء إضافية وأخرى للإسعاف، لتعزيز قدرات فرق السلامة الوطنية في ظل محدودية الإمكانات، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الليبية (وال) نقلاً عن مدير مكتب الإعلام بالمجلس، الصديق المقطف.

وأكد المقطف أن أسباب الحرائق «لا تزال مجهولة»، ودعا إلى «تكثيف المتابعة واتخاذ تدابير لحماية السكان؛ خصوصاً مع تكرار الحوادث منذ فبراير الماضي، بعد توقف مؤقت في مايو (أيار)».

أما في شرق البلاد، فيسود تكتم حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقررة في بنغازي يومي الاثنين والثلاثاء، وسط ترجيحات بمناقشة 3 ملفات رئيسية، تشمل اعتماد ترشيحات رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السايح لتعيينات إدارية، وتعديل جدول مرتبات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، إضافة إلى إعادة انتخاب هيكل قيادي جديد للمجلس.