ماكرون يواجه أزمات عدة تهدد بقاء حكومته

حل البرلمان مطروح مجدداً والتداعيات قد تقود إلى استقالة الرئيس في النهاية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى الصحافة بمشاركة المستشار الألماني فريدريش ميرتس (غير ظاهر) بمدينة تولون الفرنسية يوم الجمعة (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى الصحافة بمشاركة المستشار الألماني فريدريش ميرتس (غير ظاهر) بمدينة تولون الفرنسية يوم الجمعة (إ.ب.أ)
TT

ماكرون يواجه أزمات عدة تهدد بقاء حكومته

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى الصحافة بمشاركة المستشار الألماني فريدريش ميرتس (غير ظاهر) بمدينة تولون الفرنسية يوم الجمعة (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى الصحافة بمشاركة المستشار الألماني فريدريش ميرتس (غير ظاهر) بمدينة تولون الفرنسية يوم الجمعة (إ.ب.أ)

منذ أعلن رئيس الحكومة الفرنسية عزمه على طرح الثقة بحكومته أمام البرلمان بموافقة رئيس الجمهورية، الذي سيطلب انعقاد «الجمعية الوطنية» يوم 8 سبتمبر (أيلول) الحالي، استباقاً لعرض الميزانية التقشفية التي أعدتها حكومته والتصويت عليها، دخلت فرنسا مرحلة من المطبات الخطرة بعد أن أعلنت أحزاب المعارضة من اليمين واليسار عزمها على رفض منح الثقة المطلوب.

وبما أن حكومة فرنسوا بايرو لا تتمتع بالأكثرية المطلقة ولا بالأكثرية النسبية، فإن سقوطها يوم الاثنين المقبل يبدو مؤكداً. فاليمين المتطرف (التجمع الوطني) لديه 123 نائباً ولدى حليفه «اتحاد قوى اليمين من أجل الجمهورية» 15 نائباً، يضاف إليهم في الطرف المقابل 192 نائباً يسارياً يتشكلون من حزب «فرنسا الأبية (71 نائباً)» و«الحزب الاشتراكي (66 نائباً)» و«الحزب الشيوعي (17 نائباً)» و«الخضر (38 نائباً)» فتكون بهذا المعارضة الهجين قادرة على حشد 330 نائباً، أي ما يساوي راهناً 57 في المائة من «الجمعية الوطنية»؛ مما يعني، حكماً، سقوط بايرو وحكومته وتقديم استقالته إلى إيمانويل ماكرون.

وبذلك، تصبح فرنسا دون حكومة أو ميزانية، علماً بأن أساس الأزمة هو مسودة الميزانية التي أعدتها هذه الحكومة والتي تلحظ عصراً للنفقات قيمته 30 مليار يورو وضرائب إضافية بإجمالي يبلغ 13.8 مليار يورو. وكل ذلك يندرج في إطار السعي إلى خفض مديونية فرنسا البالغة 3 تريليونات و345 مليار يورو، التي تكلف ميزانية الدولة فوائد تبلغ 55 مليار يورو سنوياً، وهي إلى ازدياد؛ بسبب الزيادة المرتقبة للمديونية وارتفاع نسبة الفوائد بسبب ضعف الاقتصاد.

رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو متحدثاً إلى 4 قنوات تلفزيونية مساء الأحد في محاولة لإقناع مواطنيه بصواب ميزانيته لعام 2026 (أ.ف.ب)

سقوط فرنسوا بايرو

رغم سقوطه المرتقب، فإن بايرو ما زال يتعلق بحبال الهواء آملاً إحداث تغير لدى الرأي العام ولدى بعض نواب المعارضة للبقاء في الحكم. لكن مشكلته لا تنحصر في هؤلاء وحدهم؛ إذ إن نواباً ينتمون إلى حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي الذي يشارك رئيسه في الحكومة بِشَغل حقيبة وزارة الداخلية، لن يمنحوا بايرو الثقة.

كذلك، فإن الائتلاف المسمى «الكتلة الوسطية» المتشكلة من الأحزاب الثلاثة الداعمة لماكرون («النهضة» و«الحركة الديمقراطية» و«هوريزون»)، إضافة إلى الحزب الحليف: «الجمهوريون»، ناقمون على بايرو بسبب التجربة المريرة التي يخضعهم لها بقراره طلب الثقة من البرلمان، والتي لم تكن ضرورية. بيد أن رئيس الحكومة، الذي تولى منصبه قبل 8 أشهر فقط، يرى أن العقبات التي تعوق تحركه اليوم لن تتبدد مع موعد التصويت على الميزانية. ورفض ميزانيته كان سيعني أيضاً سقوطه، وهو ما حدث لسابقه ميشال بارنييه.

وفي أي حال، فإن ماكرون بصدد تسجيل رقم قياسي لجهة عدد رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على المنصب معه منذ صيف عام 2024، إذ بلغ عددهم 4 (إليزابيت بورن، وغبريال أتال، وميشال بارنييه، وفرنسوا بايرو). ولا شك في أن خامساً سينضم إلى اللائحة بعد أيام أو أسابيع قليلة.

ومع ذلك، فإن بايرو قرر إطلاق مشاورات مع قادة جميع الأحزاب بدءاً من عصر الاثنين، وهدفه الأول إقناعهم بأن وضع المديونية يشكل الخطر الأول على البلاد، وبالتالي يتعين بدء مواجهته. لكن مشكلته أن الجميع مقتنعون سلفاً بذلك. لكن الافتراق بينهم هو في سبل معالجته. فأحزاب اليسار ترى أن خطته سترهق ذوي الدخل المتوسط والمحدود بينما يترك جانباً الثروات الكبرى ويرفض النظر في أحد عناصر «خطة غابرييل زوكمان»، وهو اقتصادي فرنسي معروف (39 عاماً) درس في الجامعات الفرنسية وفي بريطانيا والولايات المتحدة، وتنص خطته على فرض ضرائب نسبتها اثنان في المائة على الثروات الكبرى التي تزيد قيمتها على مائة مليون يورو. ووفق حساباته، فإن هذا الضريبة يمكن أن توفر لخزينة الدولة ما لا يقل عن 20 مليار يورو، ومن شأنها أن تيسر صعوبات الميزانية الفرنسية. كذلك، تدعو أصوات إلى تحميل الشركات الفرنسية التي استفادت وتستفيد من دعم حكومي واسع نسبة أعلى من الضرائب فيما بعضها يمارس التهرب الضريبي... والرد الحكومي أن الضرائب الإضافية ستدفع بالثروات إلى الهروب من فرنسا، مما يضعف الاقتصاد الذي يحتاج لتمويل.

أسماء بديلة

ليست أزمة فرنسا مالية - اقتصادية فقط، بل إنها سياسية أيضاً. والسبب الأساسي أن انتخابات الصيف الماضي التي جرت بعد أن حل ماكرون البرلمان، جاءت بجمعية وطنية تفتقر إلى أكثرية مطلقة من شأنها أن تساهم في الاستقرار السياسي بفضل الدعم الذي توفره للحكومة.

ورفض ماكرون بشدة تسليم مفاتيح الحكومة لليسار الذي شكل جبهة واسعة تحت اسم «الجبهة الشعبية الجديدة»، رغم أنه شكل أكبر ائتلاف نيابي في البرلمان. كذلك، رفض الأمر نفسه لليمين المتطرف بقيادة المرشحة الرئاسية مارين لوبان. ويحرص ماكرون على رفض تسليم الحكم لجهة تعمد إلى التراجع عن السياسات التي سار بها منذ وصوله إلى «قصر الإليزيه» في عام 2017. لكن مشكلته أن الحلول المتاحة أمامه ليست كثيرة، وأولها سيكون السعي إلى البحث عن بديل لرئيس الوزراء بايرو يمكن أن يكلفه المهمة.

وثمة أسماء مطروحة منها: سيباستيان لوكورنو، وزير الدفاع، وجيرالد دارمانان، وزير العدل، وكاترين فوتران وزيرة العمل والصحة. كذلك، يعود إلى الساحة اسم الوزير والنائب السابق كزافيه برتراند، وجميع هؤلاء يتحدرون من اليمين الفرنسي. ومن اليسار، يبرز اسم رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق برنار كازنوف الذي تُدوول اسمه نهاية العام الماضي قبل أن يرسو خيار ماكرون على بايرو. كذلك، ثمة من يرى أن بوسع رئيس الجمهورية أن يكلف شخصية «تقنية غير سياسية» المهمة شبه المستحيلة مثل تييري بوده، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد جان لوك يحلم برئاسة الجمهورية مجدداً ويدعو لاستقالة ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون في مرمى اليسار المتشدد واليمين المتطرف

الخيار الآخر المتوافر أمام ماكرون هو أن يعمد إلى حل البرلمان مجدداً والدعوة إلى انتخابات جديدة، وهو ما يطالب به جوردان بارديلا رئيس حزب «التجمع الوطني»، وأيضاً جان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» الذي يمثل اليسار المتشدد ومعه بعض اليسارِ المعتدل والبيئويين. لكن خياراً كهذا سيكون محفوفاً بالمخاطر لماكرون ولـ«الكتلة المركزية» الداعمة له؛ إذ إن استطلاعات الرأي تبين أن اليمين المتطرف سيكون الفائز الأكبر بهذه الانتخابات على حساب «الكتلة» المشار إليها ولكن دون الحصول على الأكثرية المطلقة.

جوردان باريلا النجم الصاعد في حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف يطمح لاحتلال منصب رئيس الحكومة بعد الانتخابات التشريعية التي يدعو الرئيس ماكرون لإجرائها بعد حل البرلمان (أ.ف.ب)

وفي الأيام الأخيرة، أكد بارديلا استعداده لتولي رئاسة الحكومة إذا تحقق هذا السيناريو. والخطر الآخر بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي، الذي تنتهي ولايته الثانية في ربيع عام 2027، أن مجيء برلمان جديد يفتقر إلى أكثرية صلبة سيعني تواصل الأزمة، وعندها تبقى استقالته الخيار الأخير المتاح. وعندها ستتحول الأزمة الاقتصادية - السياسية إلى أزمة حكم أو أزمة نظام. وسارع ماكرون، نهاية الأسبوع الماضي، بمناسبة مؤتمر صحافي بمدينة تولون مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس، إلى تأكيد أنه عازم على ممارسة صلاحياته الدستورية حتى اليوم الأخير من ولايته.

يبقى أن ضغوط الشارع تنبئ بخريف بالغ الحرارة، وبعضهم يرى أنه سيكون شبيهاً بما عرفته فرنسا زمن «السترات الصُّفْر». فالدعوة إلى «شل» فرنسا يوم 10 سبتمبر الحالي تحظى بمزيد من الدعم، خصوصاً من اليسار. وفي المقابل، فإن النقابات العمالية بمختلف مشاربها تخطط لإضراب عام شامل ومظاهرات في كل المدن الفرنسية يوم 18 من الشهر الحالي؛ احتجاجاً على ميزانية بايرو والسياسات الاجتماعية والاقتصادية. كذلك ثمة دعوات لتحركات «قطاعية»، كالأطباء وسائقي سيارات الأجرة والعاملين في قطاع النقل العام والصناعات القطاعية، فضلاً عن التلامذة والطلاب.


مقالات ذات صلة

محمد بن سلمان يبحث مع ماكرون مستجدات الأوضاع الإقليمية والتعاون الثنائي

الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء (واس)

محمد بن سلمان يبحث مع ماكرون مستجدات الأوضاع الإقليمية والتعاون الثنائي

بحث ولي العهد السعودي مع الرئيس الفرنسي تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة للتعامل مع المستجدات بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أفريقيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب) play-circle

فرنسا ستعزز دعمها لنيجيريا في مواجهة «التحديات الأمنية»

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده ستعزز «الشراكة» مع نيجيريا «في مواجهة مختلف التحديات الأمنية، وخصوصاً التهديد الإرهابي في شمال البلاد».

«الشرق الأوسط» (باريس)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبجواره نظيره الصيني شي جينبينغ في سيشوان جنوب غربي الصين (أ.ف.ب)

ماكرون يهدد الصين بفرض رسوم جمركية بسبب الفائض التجاري

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه هدد بكين بفرض رسوم جمركية خلال زيارته للصين، إذا لم تتخذ إجراء لتقليل العجز التجاري المتزايد مع الاتحاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون تحضر حفل تسمية الباندا المولود في حديقة حيوان بوفال بفرنسا عام 2017 (أ.ب)

بريجيت ماكرون تزور صديقاً قديماً في الصين: الباندا العملاق «يوان منغ» (صور)

التقت سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون بصديق قديم، وهو باندا عملاق ولد في فرنسا، وذلك أمس (الجمعة) في ختام زيارة إلى الصين مع الرئيس إيمانويل ماكرون.

«الشرق الأوسط» (بكين- باريس)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

فرنسا تنظر بإيجابية إلى التحولات الجارية في سوريا

بعد عام على سقوط بشار الأسد، تنظر فرنسا بإيجابية للتطورات الحاصلة في دمشق، وتعتبر أن سوريا مستقرة ضرورة للتوازن الإقليمي والدولي.

ميشال أبونجم (باريس)

​أوكرانيا تتخلى عن طموح انضمامها إلى «الناتو»

المستشار الألماني فريدريش ميرتس مرحباً بالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب في برلين الأحد (إ.ب.أ)
المستشار الألماني فريدريش ميرتس مرحباً بالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب في برلين الأحد (إ.ب.أ)
TT

​أوكرانيا تتخلى عن طموح انضمامها إلى «الناتو»

المستشار الألماني فريدريش ميرتس مرحباً بالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب في برلين الأحد (إ.ب.أ)
المستشار الألماني فريدريش ميرتس مرحباً بالمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس ترمب في برلين الأحد (إ.ب.أ)

استبق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مشاركته في جولة الحوار الجديدة في العاصمة الألمانية برلين، الأحد، بالإعلان عن تخلي بلاده عن طموحها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي مقابل ضمانات أمنية غربية في حل وسط لإنهاء الحرب مع روسيا.

كما قال زيلينسكي إنه يأمل في إقناع الولايات المتحدة بدعم فكرة تجميد خطوط القتال على الجبهة في أوكرانيا بمواقعها الحالية. وأدلى الرئيس الأوكراني بهذه التصريحات قُبيل محادثات له مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومسؤولين أوروبيين في برلين. ويمثل تخلي أوكرانيا عن الانضمام إلى «الناتو»، تحولاً كبيراً لهذا البلد الذي ناضل من أجل الانضمام إلى الحلف العسكري الغربي، بوصفه ضمانة في مواجهة الهجمات الروسية، وأدرج هذا الطموح في دستوره. وتلبي هذه الخطوة أيضاً أحد أهداف روسيا في الحرب، رغم أن كييف متمسكة حتى الآن بموقفها الرافض للتنازل عن الأراضي لموسكو.

«ضمانات أمنية»

وقال زيلينسكي، الأحد، إن القبول بالضمانات الأمنية التي قدمتها الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيون وغيرهم من الشركاء، بوصفها بديلاً عن عضوية أوكرانيا بحلف شمال الأطلسي، هو بمثابة حل وسط من جانب أوكرانيا. ورداً على أسئلة صحافيين عبر «واتساب»، قال زيلينسكي: «منذ البداية، كانت رغبة أوكرانيا هي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي... هذه ضمانات أمنية حقيقية. لكن بعض الشركاء من الولايات المتحدة وأوروبا لم يدعموا هذا الاتجاه». وأضاف زيلينسكي: «وبالتالي، فإن الضمانات الأمنية الثنائية بين أوكرانيا والولايات المتحدة، والضمانات الشبيهة بالمادة الخامسة المقدمة لنا من جانب الولايات المتحدة، والضمانات الأمنية من الزملاء الأوروبيين، وكذلك دول أخرى مثل كندا واليابان، هي فرصة لمنع غزو روسي آخر». وتابع: «هذا بالفعل حل وسط من جانبنا»، مشيراً إلى أن الضمانات الأمنية يجب أن تكون ملزمة قانونياً.

المستشار الألماني فريدريش ميرتس مرحباً بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في برلين الأحد (إ.ب.أ)

«تجميد خطوط القتال»

وقال الرئيس الأوكراني أيضاً إنه يأمل في إقناع الولايات المتحدة بدعم فكرة تجميد خطوط القتال على الجبهة في أوكرانيا بمواقعها الحالية. وأكد استعداده «للحوار» في أحدث جولة مباحثات رفيعة المستوى بين المبعوث الأميركي والقادة الأوروبيين الداعمين لأوكرانيا حول سُبل إنهاء الحرب مع روسيا. وقال زيلينسكي للصحافيين قبيل وصوله لبرلين: «أرى حالياً أن الخيار الأكثر عدلاً هو أن يبقى كلّ حيث هو. وهذا صائب إذا ما كنا نتكلّم عن وقف لإطلاق النار... وأنا أدرك أن روسيا لا تنظر لهذا الأمر بإيجابية، لكن أتمنى أن يؤيدنا الأميركيون في هذا الصدد».

ووصل الرئيس الأوكراني، الأحد، إلى برلين للمشاركة في جولة الحوار الجديدة، مع وفد أميركي وآخر أوروبي، بشأن وقف إطلاق النار بين أوكرانيا وروسيا. وكان المستشار الألماني فريدريش ميرتس في استقبال الرئيس الأوكراني، بمقر المستشارية. كما وصل إلى العاصمة الألمانية أيضاً وزير الدفاع الأوكراني السابق رستم عمروف، ورئيس هيئة الأركان أندريه هناتوف، واستقبلهم في مقر المستشارية غونتر زاوتر، مستشار شؤون السياسة الخارجية والأمنية لدى ميرتس.

ومن المزمع استئناف المحادثات التي جرت بين ممثلي الولايات المتحدة وأوكرانيا لإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في البداية بمشاركة أوروبية على مستوى المستشارين، خلف أبواب مغلقة. ولم يتم الإعلان على الفور عن مقترحات ملموسة مطروحة حالياً على طاولة النقاش.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصافح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف قبل انطلاق جولة الحوار في برلين الأحد (رويترز)

ويسعى زيلينسكي، خلال لقائه في برلين مع ويتكوف، إلى أن يركز محادثاته على أحدث مقترحاته المتعلقة بخطة السلام التي طرحها الرئيس ترمب. وقال زيلينسكي، بحسب وسائل إعلام أوكرانية، رداً على أسئلة صحافيين، إنه لم يتلق حتى الآن أي رد أميركي على مقترحات التعديل التي قدمها. وكان زيلينسكي صرّح مسبقا بأنه يرى أن أوكرانيا في موقع تفاوضي قوي. وأضاف زيلينسكي أن خطة السلام لن تبدو بالشكل الذي يرضي الجميع، مشيراً إلى وجود مقترحات للتوصل إلى حلول وسط. وتابع قائلاً: «الأهم على الإطلاق هو أن تكون الخطة عادلة قدر الإمكان، ولا سيما بالنسبة لأوكرانيا. والأهم أن تكون فعالة».

ويمارس الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضغوطاً كبيرة على كييف للتوصّل إلى اتفاق منذ تقديمه الشهر الماضي خطّة لإنهاء الحرب عُدّت مراعية لروسيا، خصوصاً فيما يتعلّق بمطلب تخلّي أوكرانيا عن بعض أراضيها. وأثار المقترح الأميركي حراكاً دبلوماسياً متسارع الوتيرة بين واشنطن وحلفاء أوكرانيا الأوروبيين. وكشف مسؤولون أوكرانيون في الفترة الأخيرة أنهم قدّموا لواشنطن نسخة معدّلة من الخطّة. وشدّد الرئيس الأوكراني على «أهمّية القمّة في برلين، حيث نلتقي كلّا من الأميركيين والأوروبيين... وهذه الاجتماعات في برلين تجري اليوم وغداً». وأكّد مسؤول في البيت الأبيض يوم الجمعة أن المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف سيجتمع بزيلينسكي والقادة الأوروبيين في نهاية الأسبوع للتطرّق إلى مفاوضات السلام. ورأى زيلينسكي، الأحد، أن «أكثر ما يهمّ هو أن تكون الخطّة منصفة قدر المستطاع لأوكرانيا في المقام الأوّل؛ لأن روسيا هي من بدأت الحرب».

وتنص «خطة ترمب» على انسحاب الجيش الروسي من مساحات صغيرة غزاها في مناطق سومي وخاركيف ودنيبروبيتروفسك (شمال وشمال شرق ووسط شرق)، مع احتفاظه بالسيطرة على أراضٍ أكبر في خيرسون وزابوريجيا (بالجنوب). ومساء الجمعة، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الأوروبيين والأوكرانيين يطالبون الأميركيين بأن يقدموا لهم «ضمانات أمنية» قبل أي تفاوض بشأن الأراضي التي تحتلها روسيا في شرق أوكرانيا. من جانبه، أفاد مسؤول كبير بأنّ خطة السلام الأميركية تلحظ انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بدءاً من يناير (كانون الثاني) 2027، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». غير أنّ هذا الانضمام يبدو غير مرجّح خلال المهلة المذكورة، لأسباب عدة من بينها المعارضة المحتملة من دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي تربطها علاقات متوترة مع أوكرانيا، مثل المجر.

دمار أمام بقالة في زابوريجيا بعد غارة نفذتها طائرة مسيّرة روسية الأحد (إ.ب.أ)

وتأتي هذه الجهود الدبلوماسية المتسارعة لإنهاء حرب أودت بحياة عشرات الآلاف منذ غزو روسيا أوكرانيا في 2022 في ظلّ ضربات جوية جديدة استهدفت كييف. ومع استمرار تبادل الهجمات بين الطرفين، وسقوط مزيد من الضحايا، أبدى ترمب انزعاجاً واضحاً بشأن عدم إحراز تقدم في المحادثات المرتبطة بخطته لحل النزاع الذي اندلع في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، وأسفر عن مقتل وإصابة مئات الآلاف. وأعلنت موسكو أنها ضربت منشآت للصناعة والطاقة في أوكرانيا ليل السبت بصواريخ فرط صوتية، في هجوم قالت: إنه يأتي رداً على هجمات أوكرانية أصابت «أهدافا مدنية» في روسيا. وحسب سلاح الجوّ الأوكراني، أطلقت روسيا 138 مسيّرة وصاروخاً باليستياً في الليل. وأصابت مسيّرة روسية «أحد المستشفيات في خيرسون»، ما أسفر عن جرح شخصين، وفق ما أفادت الإدارة الإقليمية على «تلغرام». وأصيب 11 شخصاً على الأقلّ في ضربات على زابوريجيا، وفق حاكم المنطقة إيفان فيدوروف.


ميلوني: على أوروبا أن تتقبل استراتيجية ترمب للأمن القومي الجديدة

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال حديثها في مهرجان «أتريو» الذي ينظمه حزبها «إخوة إيطاليا» (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال حديثها في مهرجان «أتريو» الذي ينظمه حزبها «إخوة إيطاليا» (أ.ف.ب)
TT

ميلوني: على أوروبا أن تتقبل استراتيجية ترمب للأمن القومي الجديدة

رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال حديثها في مهرجان «أتريو» الذي ينظمه حزبها «إخوة إيطاليا» (أ.ف.ب)
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال حديثها في مهرجان «أتريو» الذي ينظمه حزبها «إخوة إيطاليا» (أ.ف.ب)

وصفت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، استراتيجية الأمن القومي الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، بأنها بمثابة دعوة للاستيقاظ لأوروبا، في حين قللت من شأن التوترات داخل حكومتها، وأكدت من جديد على دعم إيطاليا لأوكرانيا.

وقالت رئيسة الوزراء الإيطالية، في تصريحات شملت موضوعات واسعة خلال فعالية حزبية في روما، اليوم الأحد: «نريد لإيطاليا أن تظل وفية لشركائها، لكن دون أن تخضع لأحد»، وفقاً لما ذكرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.

وأضافت ميلوني: «لهذا وقفنا مع أوكرانيا منذ اليوم الأول، ولهذا سنواصل الوقوف معها، من منطلق شعور بالعدالة، ولكن في المقام الأول للدفاع عن مصالحنا الوطنية وأمننا»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وأوضحت ميلوني، خلال حديثها في مهرجان «أتريو» الذي ينظمه حزبها «إخوة إيطاليا»، إن استراتيجية ترمب، التي أثارت قلق القادة الأوروبيين، تؤكد رغبة واشنطن في الانسحاب من القارة وإجبار أوروبا على تعزيز دفاعاتها بنفسها.

وتابعت ميلوني، في خطاب استمر نحو ساعة: «لقد أثار الأمر القلق، لأن دونالد ترمب أوضح أكثر من سابقيه أن الولايات المتحدة تعتزم الانسحاب من القارة القديمة، وأنه يجب على الأوروبيين تنظيم أنفسهم للدفاع عن أنفسهم بمفردهم».

وأضافت ميلوني: «ماذا أقول؟ صباح الخير يا أوروبا. صباح الخير. لقد فوضنا أمننا للولايات المتحدة لمدة 80 عاماً، معتقدين أن هذا اليوم لن يأتي أبداً. والأهم من ذلك، أننا تظاهرنا بأن هذا التفويض مجاناً».

وظلت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني واثقة، رغم العقبات القانونية، من أن مراكز ترحيل المهاجرين في ألبانيا، التي تروج لها حكومتها اليمينية، ستعمل وفق المخطط المرسوم.

وقالت ميلوني: «الأمر يسير بالضبط كما أخبرتكم دائماً: المراكز في ألبانيا ستعمل». وأشارت إلى وجود اتفاق داخل الاتحاد الأوروبي على تبني موقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة. وقد اتفقت دول الاتحاد مؤخراً في بروكسل على زيادة الضغط على طالبي اللجوء المرفوضين وترحيلهم بشكل أكثر فاعلية.


الكرملين: موقف واشنطن «حاسم وواقعي» في تسوية الأزمة الأوكرانية

ضابط شرطة يُطفئ سيارة محترقة في موقع غارة جوية روسية بطائرة مسيَّرة وسط الهجوم على أوكرانيا في زابوروجيا (رويترز)
ضابط شرطة يُطفئ سيارة محترقة في موقع غارة جوية روسية بطائرة مسيَّرة وسط الهجوم على أوكرانيا في زابوروجيا (رويترز)
TT

الكرملين: موقف واشنطن «حاسم وواقعي» في تسوية الأزمة الأوكرانية

ضابط شرطة يُطفئ سيارة محترقة في موقع غارة جوية روسية بطائرة مسيَّرة وسط الهجوم على أوكرانيا في زابوروجيا (رويترز)
ضابط شرطة يُطفئ سيارة محترقة في موقع غارة جوية روسية بطائرة مسيَّرة وسط الهجوم على أوكرانيا في زابوروجيا (رويترز)

قال متحدث باسم الكرملين، اليوم الأحد، إن روسيا لن ترضى بتوقيع أوكرانيا على اتفاقيات سلام ثم الشروع لاحقاً في عرقلتها أو إفشالها.

ونقلت قناة «آر تي» التلفزيونية الروسية عن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، قوله إن موسكو تعتمد في تسوية الأزمة الأوكرانية على الولايات المتحدة وليس أوروبا، مؤكداً أن موقف واشنطن «حاسم وواقعي».

وأكد أن تسوية الأزمة الأوكرانية تتطلب وضع نظام محدد يضمن تنفيذ كييف للاتفاقيات بوصفه شرطاً أساسياً للتوصل إلى حل.

وفي السياق، قال الكرملين إن تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، حول الاستعداد للحرب مع روسيا غير مسؤولة، وتُظهر أنه لا يدرك حقاً الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية. وقال روته في كلمة ألقاها في برلين يوم الخميس، إن الحلف يجب أن يكون «مستعداً لحجم الحرب التي تحملها أجدادنا وأجداد أجدادنا»، مضيفاً: «نحن هدف روسيا المقبل».

ونفى الكرملين مراراً اتهامات حلف شمال الأطلسي وبعض القادة الأوروبيين بأن روسيا تخطط لمهاجمة أحد أعضاء الحلف، ووصفها بأنها «هراء» يستخدمه القادة الأوروبيون لإثارة المشاعر المعادية لروسيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، لمراسل التلفزيون الرسمي بافل زاروبين: «هذا التصريح يبدو أنه صدر عن ممثل لجيل تمكن من نسيان ما كانت عليه الحرب العالمية الثانية في الواقع».

وأضاف: «إنهم لا يدركون (ما كانت عليه الحرب). وللأسف، فإن السيد روته، بإدلائه بمثل هذه التصريحات غير المسؤولة، لا يعي ببساطة ما يتحدث عنه».