بين كثبانٍ تتبدل مع الريح وليلٍ صحراوي قاسٍ، وُلدت ملحمة «القيد» التي يستعد صناعها لعرضها في صالات السينما السعودية في 4 سبتمبر (أيلول). الفيلم، الذي يقوده المخرج حسام الحلوة، لا يكتفي باستحضار أجواء عشرينات القرن الماضي، بل يضع المشاهد أمام تجربة إنتاجية ضخمة هي الأولى من نوعها بين «تلفاز 11» و«نيوم» لإنتاج 9 أعمال سينمائية خلال 3 سنوات.
العمل من تأليف الروائي أحمد الحقيل، في أولى تجاربه مع الشاشة، وبطولة يعقوب الفرحان إلى جانب سعد الشطي، وخالد عبد العزيز، وبراء عالم، وفهد المطيري، وأيمن مطهر، لكن ما يميّزه أيضاً هو الطابع الإنتاجي العالمي الذي جمع مدير التصوير البلجيكي شون دون، وفريق المكياج الإسباني «InsideFX»، والمصمم الفني أحمد باعقيل، ليشكلوا فريقاً يوازن بين الرؤية المحلية والأدوات العالمية.

تصوير «القيد» لم يكن مهمة يسيرة؛ فالمشاهد جرى تنفيذها في بيئة صحراوية نائية، وسط ظروف مناخية قاسية. غير أن الدعم الذي وفرته «نيوم» أتاح، حسب فريق العمل، إمكانات إنتاجية متكاملة تجاوزت تلك التحديات؛ فقد تم الاعتماد على أحدث تقنيات المؤثرات البصرية وتصميم الصوت والموسيقى، لتقديم عمل يواكب معايير السينما العالمية من دون أن يفقد نكهته المحلية.
في حديث له مع الـ«الشرق الأوسط»، قال المخرج حسام الحلوة: «اخترنا فترة العشرينات الميلادية؛ لأنها تمثل حالة اجتماعية ونمط حياة مختلفة عن الفترة التي تلي توحيد المملكة، حيث عم النظام والأمن والاستقرار، وبدأ سكان الجزيرة بالتوجه للنظام الحضري أكثر، وهذا الجانب من تاريخنا أراه جذاباً جداً ومثيراً للاهتمام وجديراً بالتأمل. لكننا لم نقيد أنفسنا بسرد حدث موثق، بل فتحنا مساحة للخيال داخل معطيات تلك الفترة وظروفها. هذا منحنا حرية أكبر لنصنع تجربة درامية مؤثرة».

ويضيف: «بدأت الفكرة حسب علمي من علي الكلثمي وفريق التطوير في (تلفاز 11) ثم تعاونوا مع الكاتب أحمد الحقيل في تطوير القصة والشخصيات، وهنا انضممت للمشروع، وشاركت في تطوير النص. كان لدينا جميعاً رغبة مشتركة في صناعة ملحمة بدوية برؤية تستلهم أحداثها من التاريخ والموروث، وتحكى بلغة سينمائية رصينة. وبالنسبة إليَّ، لا أتعامل مع الرسالة كخطاب مباشر، بل هي تجربة يعيشها المشاهد، ويتأملها بطريقته الخاصة. كان مهماً أن تكون الشخصيات حقيقية، تعكس دوافع إنسانية قابلة للتصديق، ويمكن للمشاهد التفاعل معها مثل: الانتقام، الشرف أو الكرامة، إثبات الذات».
الحلوة عاشق للسينما من عمر مبكر، وأمضى وقتاً طويلاً في تأمل ودراسة الأفلام والمخرجين والأساليب والأدوات السينمائية. وهذا كله أثر، بشكل واعٍ أو غير واعٍ، في تشكيل طريقته في سرد القصة سينمائياً، فهو يرى أن السينما أداة تعبير ولغة سرد وهي في تطور دائم مثل أي لغة، وليس هناك استثناء يخص المحتوى التاريخي كما يعتقد أن بالإمكان إعادة تخيل الحدث التاريخي بأسلوب يواكب ذائقة المشاهد اليوم من دون فقد مصداقية الحدث. وعن ذلك يقول: «أردت أن أنقل القصة البدوية من قالبها التلفزيوني المعروف إلى السينما، وساعدنا حجم المشروع في استثمار إمكانات حديثة في التصوير والمؤثرات البصرية والخدع السينمائية وتصميم الصوت والموسيقى وتصميم الإنتاج، للخروج بعمل يرضي توقعات المشاهد».
ويكشف المخرج عن رحلة تطوير النص قائلاً: «تطوير النص رحلة فيها بحث واكتشاف وتحليل وإعادة تأويل. وفي لحظة ما يصبح النص كائناً حياً يشارك في كتابة نفسه، وتحاول أن تفهمه وتتواءم معه أو توقفه عند حده ثم تعيد توجيهه للمسار المرغوب. أحمد الحقيل (الكاتب) يتميز بخيال واسع وغزارة أفكار وفهم عميق لشخصياته، كما أنه مثقف، ولديه معرفة واسعة بحقبة الأحداث وثقافتها. العمل معه كان من أكثر التجارب التي يمكن أن أقول عنها بناءة. بعد كل نسخة ينجزها يسمع مني، وقد يقتنع بها أو يقنعني بغيرها أو يبني على ما أقول ما هو أفضل. وبالإضافة لذلك النص كان يتطور باستمرار، ليس فقط في أثناء الكتابة، بل حتى في التصوير والمونتاج. أحياناً كنت أصور مشاهد معينة بطرق عدة لأفتح لنفسي خيارات لاحقاً في أثناء المونتاج».
ويضيف الحلوة عن الشراكة مع «نيوم»: «(تلفاز 11) دخلت المشروع بحماس وإيمان كبيرين، و(القيد) هو أكبر وأهم مشروع لهم حتى الآن. هذا أشعرني بمسؤولية، لكن في الوقت نفسه كان يعني منحي ثقة وتمكيناً، وكان له أثر كبير أن أعمل بحُرية وبموارد كافية. ومدينة نيوم وفرت بيئة إنتاجية متكاملة ساعدتنا على تجاوز صعوبات التصوير في الصحراء. ولم يكن من الممكن إنجاز تصوير الفيلم بالوقت الذي أُنجز فيه من دون دعم (نيوم)».
بهذه الرؤية التي تمزج بين الأصالة والخيال، وبين الإنتاج المحلي والطاقم العالمي، يقدّم «القيد» نفسه منعطفاً مهماً في المشهد السينمائي السعودي؛ فهو لا يكتفي بفتح نافذة على تاريخ الجزيرة وموروثها، بل يسعى إلى طرحه في إطار بصري معاصر يعكس طموحات الصناعة السينمائية في المملكة، ويثبت أن رمال الصحراء قادرة على أن تُصبح مسرحاً لأكبر الحكايات.


