الصين تستعرض تحالفاتها الإقليمية والدولية في «قمة شنغهاي»

شي يستضيف بوتين ومودي وكيم... ويبحث أزمتي تايوان وأوكرانيا

مودي وبوتين وشي خلال قمة «بريكس» في كازان أكتوبر 2024 (رويترز)
مودي وبوتين وشي خلال قمة «بريكس» في كازان أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

الصين تستعرض تحالفاتها الإقليمية والدولية في «قمة شنغهاي»

مودي وبوتين وشي خلال قمة «بريكس» في كازان أكتوبر 2024 (رويترز)
مودي وبوتين وشي خلال قمة «بريكس» في كازان أكتوبر 2024 (رويترز)

تستعرض الصين تحالفاتها الإقليمية والدولية عبر استضافتها، الأحد، مجموعة من الزعماء الأوراسيين للمشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، ثم حضور فعاليات إحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويستقبل الرئيس الصيني شي جينبينغ نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في حدث دولي يُقدّم طرحاً بديلاً للحوكمة الغربية في العالم، ويبحث قضايا بارزة كأزمتي تايوان وأوكرانيا. وسينعقد اجتماع منظمة شنغهاي الأحد والاثنين في تيانجين، شمال الصين، وسيبدأ الزعماء بالتوافد للمشاركة فيه اعتباراً من السبت. وسيمدّد بعض القادة زيارتهم إلى الصين للمشاركة في سلسلة أحداث تستعرض فيها بكين قوتها العسكرية، من خلال عرض عسكري ضخم متوقّع يوم الأربعاء، في الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية.

بوتين... الضيف الرئيسي

سيكون الرئيس الروسي «الضيف الرئيسي» في العرض العسكري بساحة تيانانمين في بكين، وفق الكرملين. كما سيجري محادثات سياسية وتجارية وأمنية مع شي، وسيحضر قمة شنغهاي للتعاون. وقال يوري أوشاكوف، مساعد السياسة الخارجية بالكرملين، للصحافيين، إن بوتين سيزور الصين، أكبر شريك تجاري لروسيا، في الفترة بين 31 أغسطس (آب) إلى 3 سبتمبر (أيلول)، مشيراً إلى أن قيام الزعيم الروسي برحلة من هذا النوع على مدار 4 أيام أمر نادر للغاية. وسيتم تخصيص أول يومين لقمة منظمة شنغهاي للتعاون التي تقام في مدينة تيانجين. وأضاف أوشاكوف أنه من المقرر أن يتوجه بوتين بعد ذلك إلى بكين، حيث من المتوقع أن يجري محادثات مع شي، ويحضر عرضاً عسكرياً في ميدان تيانانمن، احتفالاً بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية. وأضاف أن بوتين سيحضر بصفته «الضيف الرئيسي»، وسيجلس على يمين شي، بينما سيجلس الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على يسار شي.

لقاء بين شي وبوتين في الكرملين 9 مايو الماضي (رويترز)

وأوضح أوشاكوف أن بوتين سيعقد أيضاً عدداً من الاجتماعات الثنائية مع قادة آخرين، منهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وأضاف أوشاكوف أنه لم يجرِ بعد تأكيد عقد لقاء مع الزعيم الكوري الشمالي، لكنه قيد المناقشة. وسيضم الوفد الروسي عدداً من كبار المسؤولين، منهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الدفاع أندريه بيلوسوف، ورئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا، والرئيس التنفيذي لشركة «غازبروم» أليكسي ميلر، ورؤساء أكبر البنوك والشركات الروسية. وأكّد أوشاكوف أنه من المقرر توقيع 3 وثائق تتعلق بـ«غازبروم» في الصين، وأحجم عن التطرق إلى مزيد من التفاصيل حول هذا الأمر. وأفادت 3 مصادر روسية لوكالة «رويترز» قبل الزيارة، أن التجارة بين روسيا والصين، التي ارتفعت لتبلغ مستويات قياسية بعد أن عزلت الحرب في أوكرانيا موسكو، تشهد الآن تراجعاً، وهو اتجاه يسعى بوتين إلى معالجته.

مودي وشي... علاقة معقّدة

إلى جانب زيارة بوتين، تُعدّ مشاركة ناريندرا مودي لافتة، ولا سيّما أنها زيارته الأولى إلى الصين منذ عام 2018. وتأتي بعد أيام من فرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية جديدة على الصادرات الهندية، رداً على شراء نيودلهي للنفط الروسي.

مودي وشي خلال اجتماع لـ«بريكس» في غوا بالهند أكتوبر 2016 (أ.ب)

وتخوض الصين والهند، أكبر دولتين من حيث الكثافة السكانية في العالم، صراعاً على النفوذ في جنوب آسيا. ووقع اشتباك عسكري دامٍ على حدودهما عام 2020. لكن تحسن العلاقات بدأ يظهر في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما التقى مودي وشي لأول مرة منذ 5 سنوات خلال قمة في روسيا. وقال ليم تاي وي، المتخصص في شؤون شرق آسيا بجامعة سوكا في اليابان، إن «الصين ستبذل كل ما في وسعها لاستمالة الهند، خصوصاً من خلال الاستفادة من التوترات التجارية بين نيودلهي وواشنطن». وأعلنت الصين والهند مؤخراً استئناف الرحلات الجوية المباشرة بينهما، وإحياء المحادثات بشأن الحدود المتنازع عليها، وإعادة إصدار التأشيرات السياحية، وتعزيز المبادلات التجارية. لكن الخلافات لا تزال قائمة، كما قال ليم تاي وي. ولم يكن مودي من القادة الأجانب الذين أعلنت بكين حضورهم العرض العسكري في 3 سبتمبر.

قمة شنغهاي

من المتوقّع أن يشارك نحو 20 زعيماً في قمة منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضمّ 10 دول كاملة العضوية، وعدداً من الدول المراقبة والشريكة.

وتأسست منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001، وهدفها إحداث توازن مع المنظمات الغربية، وتعزيز التعاون في مجالات السياسة والأمن ومكافحة الإرهاب والتجارة. وفي مواجهة ما تراه بكين «عداءً غربياً» في ملفي تايوان وأوكرانيا، ينظر شي وبوتين إلى منظمة شنغهاي للتعاون كساحة لتعزيز نفوذهما، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين.

كيم جونغ أون لدى زيارته إلى قاعدة تدريب عسكرية 28 أغسطس (رويترز)

ورجّحت ليزي لي، الباحثة في معهد سياسات جمعية آسيا، ومقره الولايات المتحدة، خروج القمة بنتائج ملموسة. وقال للوكالة الفرنسية إن «منظمة شنغهاي للتعاون تعمل بالتوافق. وعندما تكون هناك دول لديها خلافات عميقة حول قضايا أساسية، مثل الهند مع باكستان، أو الصين مع الهند، فإن ذلك يحُدّ حتماً من الطموحات». وأضافت أن بكين تريد قبل كل شيء إثبات قدرتها على جمع قادة مختلفين تماماً، وأن الحوكمة العالمية «لا تخضع لهيمنة الغرب». وعند تقديم القمة، أدانت الصين «الهيمنة» الأميركية، واعتبرت منظمة شنغهاي للتعاون منارة «للاستقرار» أمام الاضطرابات التي يشهدها العالم.


مقالات ذات صلة

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة خطية من الرئيس الصيني

الخليج وزير الخارجية السعودي يتسلم الرسالة من نظيره الصيني (واس)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة خطية من الرئيس الصيني

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية من الرئيس الصيني شي جينبينغ، تتصل بالعلاقات الثنائية بين البلدين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
أوروبا ماكرون مستقبلاً شي في قصر الإليزيه (أرشيفية - أ.ب)

ماكرون يزور الصين بينما توازن أوروبا بين المنافسة والاعتماد على بكين

سيبدأ ماكرون رحلته بزيارة قصر المدينة المحرمة في بكين غدا الأربعاء وسيلتقي مع الرئيس شي جينبينغ يوم الخميس في العاصمة الصينية قبل أن يجتمعان مرة أخرى الجمعة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والصيني شي جينبينغ مع زوجتَيهما بـ«الإليزيه» في مايو 2024 (إ.ب.أ)

ماكرون في «زيارة دولة» إلى الصين لتعزيز الشراكة

يتوجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين بين 3 و5 ديسمبر، في رابع زيارة له منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في ربيع عام 2017.

ميشال أبونجم (باريس)
آسيا الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي يحييان الجنود لدى زيارتهما قاعدة بحرية أميركية في يوكوسوكا يوم 28 أكتوبر 2025 (رويترز)

ترمب يتصل بتاكايتشي وسط التوتر بين الصين واليابان

وسط التوتر مع الصين، قالت رئيسة الوزراء اليابانية، ساناي تاكايتشي، إن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اتصل بها وناقش معها التعاون الوثيق بين بلديهما.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا عَلما الصين وتايوان (رويترز)

رئيس وزراء تايوان: «العودة» للصين ليست خيارا للشعب التايواني

قال رئيس الوزراء التايواني تشو جونغ-تاي اليوم الثلاثاء إن «العودة» إلى الصين ليست خيارا لسكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة.

«الشرق الأوسط» (تايبه)

رئيس أركان الجيش: 70 % من مقاتلي «طالبان باكستان» مواطنون أفغان

قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (أ.ب)
قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (أ.ب)
TT

رئيس أركان الجيش: 70 % من مقاتلي «طالبان باكستان» مواطنون أفغان

قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (أ.ب)
قائد الجيش الباكستاني الجنرال عاصم منير (أ.ب)

ذكر رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال عاصم منير، أن 70 في المائة من مقاتلي حركة «طالبان باكستان» الذين يدخلون باكستان هم «مواطنون أفغان»، وحث «طالبان» على اتخاذ إجراءات لتأمين الحدود.

وأضاف منير أن هذا من شأنه أن يصعّد حدة التوترات الأمنية مع حكام «طالبان» في أفغانستان، وفق وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء الأحد.

في هذه الصورة التي نشرتها «إدارة العلاقات العامة المشتركة بين الخدمات» يظهر رئيس أركان القوات المسلحة الباكستانية قائد الجيش الجنرال عاصم منير (وسط) وقائد البحرية الباكستانية الأدميرال نويد أشرف (على اليسار) وقائد القوات الجوية الباكستانية المارشال الجوي ظهير أحمد بابر وهم يحضرون مراسم استعراض حرس الشرف بمقر القيادة العسكرية المشتركة في روالبندي بباكستان يوم 8 ديسمبر 2025 (أ.ب)

ولم ترد كابل علناً بعدُ على ادعاءات الجنرال عاصم منير بشأن وجود مواطنين أفغان في صفوف حركة «طالبان باكستان».

وفي حديثه خلال مؤتمر وطني للباحثين في إسلام آباد، حث الجنرال منير قيادة «طالبان» على اتخاذ إجراءات ملموسة لمنع المسلحين من استخدام أراضي أفغانستان قاعدة لشن هجمات في باكستان.

وكثيراً ما أشارت باكستان إلى المخاوف الأمنية بوصفها سبباً رئيسياً لزيادة عمليات ترحيل المهاجرين الأفغان؛ بحجة أن المسلحين يستغلون الحدود التي يسهل اختراقها لشن هجمات عبر الحدود وزعزعة استقرار المناطق الباكستانية.


حريق هائل بسوق في كابل يخلف خسائر قدرها 700 ألف دولار

تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

حريق هائل بسوق في كابل يخلف خسائر قدرها 700 ألف دولار

تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
تمرّ السيارات بينما تهدم حركة «طالبان» سينما «أريانا» التاريخية في كابل يوم 18 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

ذكر مسؤولون أن حريقاً هائلاً اندلع بسوق «مندوي» التاريخية في كابل، فجر الأحد؛ ما أدى إلى تدمير عشرات من المتاجر وتسبب في خسائر تقدر بنحو 700 ألف دولار.

وألقى المسؤولون الضوء على المخاطر المستمرة في المناطق التجارية بالعاصمة، وفق وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء الأحد.

ونشب الحريق في سوق للأحذية داخل منطقة مندوي؛ وهي من أقدم وأنشط مراكز تجارة الجملة في كابل، حيث تباع بضائع مستوردة، مثل الأحذية والملابس والأدوات المنزلية.

وأظهرت صور متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي دخاناً كثيفاً وألسنة لهب متصاعدة تلتهم صفوفاً متراصة من المتاجر.

وقالت وزارة داخلية «طالبان» إن الحريق ناجم عن تماس كهربائي، وهي مشكلة يقول تجار وخبراء إنها شائعة في الأسواق ذات الأسلاك القديمة والرقابة المحدودة على متطلبات السلامة.

ولم ترد تقارير عن حدوث خسائر بشرية.


قبل مذبحة بونداي... لطالما شعر يهود أستراليا بالتهديد

ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)
ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)
TT

قبل مذبحة بونداي... لطالما شعر يهود أستراليا بالتهديد

ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)
ريبيكا دي فيرولي مع ابنتها كلوي وهما تُجهّزان الشمعدان العائلي في منزلهما في نورث بونداي يوم الأحد (نيوريوك تايمز)

أصبحت الحراسة المسلحة والحواجز الخرسانية والتدابير الأمنية السرية جزءاً من الحياة، في خضم ازياد الهجمات المعادية للسامية، وتداخل الغضب تجاه إسرائيل مع مشاعر الكراهية إزاء اليهود.

من جهتها، وعلى مدار الأعوام الثلاثة والثلاثين التي نشأت خلالها، كونها يهودية في أستراليا، لطالما عانت ريبيكا دي فيرولي طويلاً شعوراً دائماً بالهشاشة؛ شعوراً لازمها كما لازمها حضور الشمس والبحر والرمال في تفاصيل حياتها.

كان حراس مدججون بالسلاح يقفون أمام كل كنيس، وكل مركز رعاية أطفال، وحتى دار المسنين اليهودية، التي كانت تزور فيها جدها، في حين تُحاوط جدران عالية مدارس اليهود التي التحقت بها. أما والدها، الذي فرّت عائلته من بولندا في خضم مذبحة ضد اليهود، فكان يمنع الأسرة من حضور التجمعات اليهودية، خصوصاً في الأماكن المفتوحة مثل المتنزهات.

وقالت إنها كانت ترد عليه: «بحقك، نحن في أستراليا، لا تكن سخيفاً».

نصب تذكاري بالقرب من شاطئ بونداي يوم الجمعة (نيوريوك تايمز)

ومع ذلك، وجدت نفسها مساء الأحد الماضي، على شاطئ بونداي في سيدني، ممددة فوق ابنها البالغ 5 سنوات تحت طاولة طعام، تحاول حماية جسده الصغير بجسدها، في حين تنهال طلقات الرصاص حولهما. وبالقرب منهما، أُصيب حاخام في صدره حين كان يقدم النقانق للضيوف، وكان يلهث محاولاً التقاط أنفاسه.

من وجهة نظر أعضاء المجتمع اليهودي الأسترالي الصغير والمترابط، كان الهجوم الدموي على احتفال الحانوكا بمثابة أسوأ كوابيسهم، وقد تحقق على أرض الواقع. في الواقع، تفاقمت المخاوف التي لطالما سيطرت عليهم، على نحو حاد، منذ هجوم جماعة «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تلاه من حرب إسرائيل على غزة، التي أطلقت موجة من الخطاب المعادي للسامية وأعمال التخريب، حسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، السبت.

والد ماتيلدا (10 سنوات) إحدى ضحايا حادثة إطلاق النار في بونداي يشعل شمعة خلال مراسم إحياء اليوم الوطني للذكرى على شاطئ بونداي في سيدني الأحد 21 ديسمبر 2025 بعد الحادث الذي وقع في 14 ديسمبر (أ.ب)

وكان الشعور بالهشاشة حاضراً بشكل خاص داخل مجتمع ينحدر كثير من أفراده من نسل ناجين من المحرقة النازية، ونشأوا في عائلات فرّت إلى أقصى بقاع العالم هرباً من الاضطهاد في أوروبا.

ووجد اليهود الذين فرّوا من المجر، قرب شاطئ بونداي الخلاب، ملاذاً لهم، إذ كانت المعيشة بالقرب من الشاطئ ميسورة التكلفة نسبياً بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى مر السنوات، اعتادت عائلاتهم الاجتماع على رمال الشاطئ لإقامة احتفالات دينية ومجموعات صلاة، فضلاً عن الاحتفال السنوي بعيد الحانوكا، الذي تخللته إقامة حديقة حيوانات صغيرة، وطلاء وجوه الأطفال بألوان زاهية.

أما المسلحان اللذان فتحا النار خلال احتفال هذا العام، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً، فكانا يستلهمان أفكارهما من تنظيم «داعش»، وفقاً لما أفادت به السلطات.

وجاءت المذبحة في أعقاب سلسلة من الهجمات المعادية للسامية في أستراليا خلال العامين الماضيين، شملت إحراق معابد يهودية وإضرام النار في منشآت تجارية يملكها يهود. وردت الحكومة الفيدرالية برفع مستوى الحماية الشرطية، وتشديد قوانين جرائم الكراهية، وتخصيص ملايين الدولارات لتعزيز التدابير الأمنية.

وبعد هجوم الأحد، اشتكى كثير من اليهود من أن حكومة رئيس الوزراء أنتوني ألبانيزي، لم تتحرك بالسرعة الكافية، حتى بعد أن قدمت مبعوثة الحكومة لمكافحة معاداة السامية، جيليان سيغال، قائمة طويلة بالإجراءات المقترحة في يوليو (تموز).

أصبحت الحراسة المسلحة والحواجز والاحتياطات السرية جزءاً من الحياة وسط الهجمات المعادية للسامية والخطوط غير الواضحة بين الغضب من إسرائيل وكراهية اليهود (نيوريوك تايمز)

وقال واين ميلر (50 عاماً)، الذي انتقل من جنوب أفريقيا عام 2008 بعد تعرضه للعنف هناك: «لم نعد نشعر بالأمان في أستراليا». وكان ميلر من بين المشاركين في الاحتفال الذي استُهدف يوم الأحد، برفقة ابنتيه البالغتين 3 و4 سنوات. وأضاف: «نشعر بأن حكومتنا خذلتنا».

كما تعرض طفلا دي فيرولي، كلوي (7 سنوات) ولوي (5 سنوات)، لمشاعر معاداة للسامية في وقت سابق من هذا العام، عقب تخريب جدران مدرستهما برسومات بذيئة معادية لليهود. وعلى أثر ذلك، أغلقت المدرسة أبوابها ليوم كامل، واستمر وجود ضباط شرطة بزيّ رسميّ داخلها لأسابيع، إلى جانب الحراس المسلحين المعتادين.

وعندما سألها طفلاها لماذا استهدفت مدرستهما، عجزت عن تفسير الأمر، واكتفت بالقول إن هناك «أناساً سيئين في هذا العالم».

وفي صباح اليوم التالي لإطلاق النار، كان لدى لوي سيلٌ من الأسئلة من جديد، فشعرت والدته بعجز أكبر عن تفسير السبب وراء تحولهم إلى أهداف للكراهية لمجرد أنهم يهود.

واكتفت بالقول: «الأمر صعب. نحن أنفسنا لا نملك إجابات».

وفي سياق متصل، قال كثير من اليهود الأستراليين إن شعورهم بالانتماء إلى البلاد اهتز بقوة بعد يومين فقط من هجمات السابع من أكتوبر، عندما تجمّع متظاهرون مؤيدون لفلسطين على درجات دار أوبرا سيدني، وأطلق بعضهم شعارات معادية للسامية.

ومع استمرار الحرب في غزة، وجد كثيرون أنفسهم ممزقين بين الرغبة في التعبير بحرية عن هويتهم اليهودية، والخوف من أن يجعلهم ذلك هدفاً لأعمال عنف. وفي منتدى مجتمعي على موقع «ذا جويش إندبندنت»، كتب أحدهم أنه يشعر «وكأنك تمشي على جسر حبال هش».

من ناحيتها، قالت إيرين فيهرر، اختصاصية نفسية تنظم جلسات دعم جماعية وفردية بعد الهجوم، إن بعض مرضاها اليهود لجأوا إليها بعد شعورهم بأن معالجيهم السابقين يعارضون حرب إسرائيل في غزة، الأمر الذي كان يختلط أحياناً بمشاعر كراهية لليهود.

وأضافت أن ابنتها -التي تدرس في مدرسة يهودية يحمل شعارها رمزاً عبرياً- بدأت تخاف من ارتداء الزي المدرسي علناً، بعد أن تعرضت مع صديقاتها للسباب ورمي الأغراض عليهن في مركز تجاري.

وعلّقت إيرين فيهرر على ذلك بقولها: «تشعر بأن كل تفصيلة صغيرة في حياتك يمكن أن تكون مصدر خطر».

(صورة من الأعلى) مشيعون يحضرون مراسم تأبين ضحايا حادث إطلاق النار على شاطئ بونداي في سيدني 21 ديسمبر 2025 يُتهم أب وابنه بإطلاق النار على حشد محتفل بعيد الحانوكا في 14 ديسمبر بتأثرهما بـ«فكر تنظيم داعش» (أ.ف.ب)

وفي سياق متصل، أوضحت سارة شوارتز، المحامية المعنية بمجال حقوق الإنسان في سيدني، التي شاركت في تأسيس مجلس اليهود في أستراليا بعد بدء الحرب، أنها فعلت ذلك لمواجهة الخطابات اليمينية من مؤسسات يهودية تدعم إسرائيل بشكل مطلق.

وأضافت أن اليهود سيدفعون الثمن إذا جرى تحميل الهجوم على شاطئ بونداي لحركة التضامن مع فلسطين أو للهجرة، بدلاً من تحميله لآيديولوجية «داعش».

وقالت: «إذا انتصرت هذه الرسائل المثيرة للانقسام، فلن تؤدي إلا إلى تأجيج الكراهية والمعاداة للسامية تجاه اليهود».

ومثل دي فيرولي، قضت جيسيكا تشابنيك كاهن الأيامَ التالية للهجوم في التفكير بما يجب أن تقوله لأطفالها، وبأي قدر من التفصيل.

في أثناء الهجوم، ألقت جيسيكا بنفسها فوق ابنتها البالغة 5 سنوات على الأرض الخرسانية في منطقة النزهات، في حين حاول آباء آخرون مذعورون إبقاء أطفالهم ساكنين وصامتين حتى لا يجذبوا انتباه المسلحين. وقالت إن ابنتها، شيمي، كانت ساكنة إلى حد أنها خشيت أن تكون قد خنقتها بالخطأ.

أما ابنها البالغ 9 سنوات، فقد ركض حافي القدمين مع والده باتجاه مكان إطلاق النار بحثاً عنها وعن أخته، وسأل في تلك الليلة: لماذا قد يفعل أحدهم شيئاً مثل هذا في احتفال حانوكا؟

واستطردت قائلة إنه: «عندما تسمع طفلاً يحاول فهم الأمر، يبدو الأمر أشد عبثاً».

وأضافت أن أطفالها مدركون لهويتهم اليهودية، لكنها وزوجها تعمّدا إبعادهم حتى الآن عن معرفة أي شيء عن معاداة السامية، أو الحرب العالمية الثانية، أو هتلر.

وقالت إنها ردّت على ابنها بأكبر قدر من الصدق الممكن: «هناك أناس في هذا العالم يتخذون قرارات سيئة للغاية. يتركون الكراهية تُسيطر عليهم، ويعتقدون، بشكل خاطئ، أن إيذاء الآخرين سيجعلهم سعداء».