«هدنة غزة»: مقترح «متعثر» وتصعيد عسكري يُهدد مساره

حديث عن خلافات بين إسرائيل والوسيطين القطري والمصري بشأن الاتفاق الجزئي

الحزن يُخيم على فلسطينيين خارج مستشفى الشفاء في مدينة غزة حيث نُقل ضحايا النيران الإسرائيلية قبل تشييع جنازاتهم (أ.ف.ب)
الحزن يُخيم على فلسطينيين خارج مستشفى الشفاء في مدينة غزة حيث نُقل ضحايا النيران الإسرائيلية قبل تشييع جنازاتهم (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: مقترح «متعثر» وتصعيد عسكري يُهدد مساره

الحزن يُخيم على فلسطينيين خارج مستشفى الشفاء في مدينة غزة حيث نُقل ضحايا النيران الإسرائيلية قبل تشييع جنازاتهم (أ.ف.ب)
الحزن يُخيم على فلسطينيين خارج مستشفى الشفاء في مدينة غزة حيث نُقل ضحايا النيران الإسرائيلية قبل تشييع جنازاتهم (أ.ف.ب)

يُراوح مقترح الهدنة في قطاع غزة مكانه منذ أن طرحه الوسيطان المصري والقطري، في 18 أغسطس (آب) الحالي، دون ردّ إسرائيلي أو دعم أميركي مباشر حتى الآن رغم موافقة حركة «حماس».

هذا المشهد المتعثر يأتي متزامناً مع توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية في مدينة غزة، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تهديداً لمسار المفاوضات، وسط توافقات أميركية إسرائيلية قد لا تقبل إلا بمقترح شامل بشروط إسرائيل، وهذا ما سترفضه «حماس»، وتتفاقم الأزمة.

وبات التصعيد يسبق مساعي المشهد التفاوضي بخطوات، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، الجمعة، مدينة غزة التي يقطنها نحو مليون فلسطيني «منطقة قتال خطيرة»، لا تشملها «حالة الهدنة التكتيكية (التي تُطبق في مناطق محددة يومياً لتسهيل توزيع المساعدات) والمؤقتة للأنشطة العسكرية»، مؤكداً أنه بدأ العمليات التمهيدية والمراحل الأولية للهجوم عليها.

وأفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان الجمعة، بأنه تمت استعادة جثة الرهينة إيلان فايس من قطاع غزة، مؤكداً أنه جرى أيضاً انتشال جثة شخص آخر، لم تُعلَن هويته بعد.

ومؤكداً استمرار التصعيد بغزة، أفاد موقع «أكسيوس» الأميركي، الخميس، بأن وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، أخبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، وغاريد كوشنر، صهر ترمب ومستشاره السابق في فترة رئاسته الأولى، بأن بلاده لا تسعى لاحتلال غزة طويلاً.

وجاء تأكيد ديرمر خلال اجتماع بالبيت الأبيض ترأسه ترمب، الأربعاء، وعرض خطة إسرائيل «العملياتية لاحتلال مدينة غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية خلال العملية»، وأظهر الاجتماع أن المسألة الرئيسية لا تزال تتعلّق بمن سيُسيطر على قطاع غزة بدلاً من «حماس»، حسب «أكسيوس».

فيما دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في مؤتمر صحافي بالقدس، الخميس، الحكومة، إلى البدء بضم مناطق من قطاع غزة إذا استمرت حركة «حماس» في رفض نزع سلاحها، ضمن ما سمّاه خطة «الانتصار في غزة بحلول نهاية العام».

تصاعد الدخان بعد عملية للجيش الإسرائيلي في حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

بينما لا يزال المشهد التفاوضي يراوح مكانه، إذ أكّد رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ووزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي، أن «الجانب الإسرائيلي لم يُقدِّم أي رد رسمي على مقترح الهدنة حتى الآن».

وشدد الجانبان المصري والقطري، في بيانين لوزارتي الخارجية بالبلدين، مساء الخميس، على «استمرار التنسيق بين البلدين في إطار الوساطة المشتركة لإنهاء الحرب على غزة، وضمان حماية المدنيين، وإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، وتدفق المساعدات الإنسانية لمعالجة الأوضاع الكارثية في القطاع».

وأكدت قطر ومصر وفق البيانين أن «المقترح يُمثل فرصة لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، ووقف العدوان، وضمان التدفق العاجل والآمن للمساعدات الإنسانية إلى القطاع، في إطار يتسق مع المقترحات التي طرحها مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف»، وأدانتا «استمرار العدوان الإسرائيلي وتوسع نطاق العمليات العسكرية في غزة (...) التي ستؤدي إلى تعقيد الأوضاع، وإضعاف فرص التوصل إلى سلام عادل وشامل».

وحسبما أوردته قناة «كان» الإسرائيلية، من المقرر أن يعقد المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابنيت) اجتماعاً، الأحد المقبل، لمناقشة تطورات الحرب على غزة ومسار المفاوضات، خصوصاً بعد عدم إحراز أي تقدم في الاجتماع الذي عُقد أخيراً في تل أبيب بين وفد إسرائيلي ومصري، مشيرة إلى «خلافات بين إسرائيل والوسيطين المصري والقطري حول الاتفاق الجزئي الذي وافقت عليه (حماس)».

وبرأي أستاذ العلوم السياسية، المُختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، الدكتور طارق فهمي، فإن تصدّر التصعيد العسكري حالياً يهدف منه نتنياهو مزيداً من الضغوط على «حماس» لإجبارها على تقديم تنازلات كبيرة، ليس فقط في إطلاق سراح كل الرهائن ولكن في الترتيبات الأمنية؛ لذلك يمضي في احتلال وتطويق مدينة غزة.

ويعتقد فهمي أن ذلك التصعيد يأتي وسط توافقات أميركية-إسرائيلية على الاحتلال، دون أن تبدي واشنطن خطوة جادة نحو وقف إطلاق النار بهدف تنفيذ السيطرة أولاً، مؤكداً أن الجهود المصرية-القطرية مستمرة ولن تتوقف ولن تجمد بهدف نزع فتيل التصعيد؛ خصوصاً أن الكرة الآن في ملعب إسرائيل، واستراتيجية الأمر الواقع التي تنتهجها ستُهددها وستُهدد المنطقة.

فلسطينيون يفرّون من منازلهم في حي الصفطاوي بجباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أن المفاوضات ستستمر متعثرة بسبب التجاهل الأميركي الخطير للمقترح المصري-القطري، وعدم إبداء أي تفاعل معه، بل التناغم مع إسرائيل في المُضي في عملياتها العسكرية، مشيراً إلى أن المشهد بات معقداً بسبب التصعيد الإسرائيلي الذي قد يُهدد المنطقة كلها، وسيزيد من وتيرة الرفض والضغوط الدولية أيضاً.

بالمقابل، ندّد وزراء خارجية آيسلندا وآيرلندا ولوكسمبورغ والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا بشدة في بيان مشترك، الجمعة، بأحدث هجوم لإسرائيل في قطاع غزة، وإعلانها تأسيس وجود دائم في مدينة غزة، حسب «رويترز».

ودعا نشطاء، يستعدون للإبحار من إسبانيا، الأحد المقبل، إلى غزة على متن عشرات القوارب التي تحمل مساعدات، الحكومات إلى الضغط على إسرائيل للسماح لأسطولهم -الأكبر حتى الآن- بالمرور.

ومن المقرر أن ينطلق مئات النشطاء المناصرين للفلسطينيين من 44 دولة، ومن بينهم الناشطة السويدية غريتا تونبري، والسياسية اليسارية البرتغالية ماريانا مورتغوا، من عدة موانٍ إلى غزة، ضمن «أسطول الصمود العالمي»، وفق ما نقلته «رويترز»، الجمعة.

ويعتقد فهمي أن الضغوط ستتواصل على إسرائيل، ومنها عبر ما هو قادم بعد أيام في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما مع الاعترافات الأوروبية المحتملة بالدولة الفلسطينية، وهذه لها دلالة رمزية أكثر منها سياسية وواقعية. ويتوقع في ظل تواصل الضغوط أن تعود إسرائيل للمفاوضات، ولكن تحت النيران، وتُطالب بحزمة واحدة بشروطها وتقديم «حماس» تنازلات كبيرة، وقد ترفض الحركة الفلسطينية ذلك، رغم المأزق الذي تعيشه حالياً بعد إغلاق قناة التواصل مع الأميركان.

ويُرجح الرقب أن يقبل الوسيطان المصري والقطري بألا تُغلق أبواب المفاوضات ولو بعرض المقترح الشامل على الطاولة بهدف تعطيل ذلك التصعيد الإسرائيلي، مؤكداً أن الضغوط المتواصلة من مختلف أنحاء العالم يجب أن تتواصل معها عقوبات دولية واضحة لإيقاف تهجير الفلسطينيين المحتمل جرّاء تلك العملية العسكرية الحالية، وفتح مسار تسوية حقيقي يدعم استقرار المنطقة.


مقالات ذات صلة

للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

شؤون إقليمية عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)

للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

للمرة العاشرة على التوالي، تقدَّمت الحكومة الإسرائيلية بطلب للمحكمة العليا لتمديد مهلة الرد على التماس «رابطة الصحافيين الأجانب»؛ للسماح بالدخول الحر لقطاع غزة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي أطفال ينتظرون الحصول على نصيبهم من الطعام بمخيم النصيرات في غزة (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، بالتقدم الذي أُحْرِزَ بشأن المجاعة في غزة، لكنه أوضح أن هذا التقدم لا يزال هشاً للغاية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية سيدات فلسطينيات أمام جنود إسرائيليين يعتقلون مواطنين في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تسمح للآلاف من جنود الاحتياط بالاحتفاظ ببنادق في منازلهم

يستعدّ الجيش الإسرائيلي لتسليح نحو 10 آلاف جندي احتياطي من الفرقة 96 ببنادق طويلة تُحفظ في منازلهم على مدار العام

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع نظيره اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال اجتماع سابق (أرشيف - رويترز)

تقرير: اليونان تدرس إرسال مهندسين إلى غزة ضمن المرحلة الثانية من خطة ترمب

ذكرت قناة «إن 12» الإخبارية الإسرائيلية، يوم السبت، أن اليونان تدرس إرسال مهندسين إلى قطاع غزة ضمن المرحلة الثانية من اتفاق ترمب لوقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
المشرق العربي والدة أحمد زيود خلال تشييع جثمانه خلال جنازته قرب جنين في الضفة الغربية اليوم (أ.ب)

مقتل 3 فلسطينيين بقصف إسرائيلي على شرق مدينة غزة

قُتل ثلاثة فلسطينيين، صباح اليوم الأحد، في قصف إسرائيلي استهدف حي الشجاعية شرق مدينة غزة، فيما قتل فتى وشاب برصاص الجيش الإسرائيلي في واقعتين منفصلتين بالضفة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
TT

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، يوم الأحد، الشركاء في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى «تغليب الحكمة ولغة الحوار».

وأوضح مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي دعا كذلك إلى «تجنيب الشعب اليمني والأمن الإقليمي والدولي، تهديدات غير مسبوقة، وعدم التفريط بالمكاسب المحققة خلال السنوات الماضية بدعم من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، وفي المقدمة مكاسب القضية الجنوبية العادلة».

وقال المصدر إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وجّه «باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض أي سياسات خارج الأطر الدستورية، ومرجعيات المرحلة الانتقالية».

وشدّد على أن «القيادة السياسية الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد المواقف السياسية العليا للدولة، وبالتالي فإن استغلال السلطة، واستخدام الصفة الوظيفية، أو المنصب الرسمي لتحقيق مكاسب سياسية، يعد خرقاً جسيماً للدستور والقانون».

كما نقل المصدر عن العليمي دعوته «كافة المكونات السياسية، وأبناء الشعب اليمني، الالتفاف حول مشروع الدولة الوطنية، وحشد كافة الطاقات نحو معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، وإنهاء المعاناة الإنسانية».


وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

وأضاف عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان مونداي سيمايا كومبا أن مصر ليست لديها أي مشكلات مع دول حوض النيل «باستثناء دولة واحدة في حوض النيل الشرقي»، في إشارة إلى إثيوبيا.

وافتتحت إثيوبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي «سد النهضة» الضخم على نهر النيل الذي بدأت تشييده في 2011، وهو مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعدّه مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية المصري إنه ناقش مع نظيره في جنوب السودان أهمية الوصول إلى تهدئة في السودان، والتوصل لهدنة إنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 أشعلها صراع على السلطة خلال مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً)، بنسبة زيادة 42.8 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2024، وبينما تحتفي الحكومة والبنك المركزي، بزيادة التحويلات التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، يرى خبراء أنها «تظل غير كافية لسد احتياجات الدولة من النقد الأجنبي».

ووجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، الأحد.

ووفق عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب محمود الصعيدي، فإن «أي زيادة في تحويلات المصريين بالخارج تعني زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، ما يمكِّنها من زيادة احتياطاتها من النقد الأجنبي، الذي وصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 50.215 مليار دولار».

وأشار الصعيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر النقد الأجنبي الأخرى وهي السياحة، وقناة السويس، والاستثمار، والتصدير تشهد تحسناً هي الأخرى».

مؤتمر مصري يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج... أغسطس الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

ووفق البنك المركزي، حقَّقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «تدفقات قياسية خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، لتسجِّل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق».

وأضاف البنك المركزي، في بيان الأحد، «على المستوى الشهري، ارتفعت التحويلات خلال شهر أكتوبر 2025 بمعدل 26.2 في المائة، لتسجل نحو 3.7 مليار دولار، مقابل نحو 2.9 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2024».

وبينما يعدّ النائب البرلماني زيادة تحويلات المغتربين إنجازاً يُحسب للحكومة، التي «استطاعت القضاء على السوق السوداء، وأصبحت تحويلات المصريين بالخارج تتدفق عبر القنوات الرسمية»، يشكك خبيرا الاقتصاد خالد الشافعي ووائل النحاس في «قدرة هذه التحويلات على سد احتياجات الدولة من العملة الصعبة».

واتخذت الحكومة في مارس (آذار) 2024، قراراً بتعويم الجنيه، ارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى 50 جنيهاً بعدما كان يسجل نحو 30 جنيهاً، وانعكس ذلك على تحجيم السوق السوداء للعملة الصعبة.

ويرى الشافعي أن زيادة تحويلات المصريين تظل دون المأمول، وغير قادرة هي أو المصادر الأخرى للدولار على سد احتياجات مصر من العملة الصعبة، «ما دام هناك دين على الدولة، وعجز في الموازنة العامة، فذلك يعني أن الأزمة ما زالت قائمة».

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الرُّبع الثاني من العام، أي يونيو (حزيران) الماضي، وفق بيانات رسمية.

وزير العمل المصري يلتقي الجالية المصرية في إيطاليا خلال زيارته... ديسمبر 2025 (وزارة العمل المصرية)

يتفق معه الخبير الاقتصادي وائل النحاس، قائلاً إن «تحويلات المصريين في الخارج تحقق نوعاً من الوفرة في المعروض النقدي بالسوق المصرية، تكفي لسد فوائد الدين، لكن لا تكفي لسد أصل الدين، أو تقلل حجم الأزمة الاقتصادية، التي تحتاج إلى زيادة موارد الدولة الدولارية التي تقوم بالأساس على نشاط خاص بها مثل عوائد قناة السويس، أو تصدير معادن وغيرها، أو نتاج صناعة وطنية».

وعدّ النحاس أن «البيانات الرسمية مرة تتحدث عن التحويلات بالسنة المالية، وأخرى بالسنة الميلادية، في محاولة للتركيز على هذه الزيادات بوصفها إنجازاً».

ويتساءل النحاس: «بالنظر إلى عدد المصريين العاملين في الخارج لو قدرناه بـ10 ملايين مصري، فيعني أن متوسط التحويل من كل مصري شهرياً نحو 300 دولار، والتي يحولها عادة لأهله في الداخل، فأين ادخارات هؤلاء؟»، مشيراً إلى أن «حجم التحويلات مقارنة بأعداد المصريين يكشف عن أن جزءاً منهم ما زال يفضِّل قنوات أخرى لادخار أمواله».

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

أما الشافعي، فيرى أن الحكومة تحتاج إلى العناية بملف المغتربين بصورة أكبر، سواء من خلال طرح أوعية ادخارية واستثمارية لاجتذابهم بعوائد مرتفعة، أو تقديم تسهيلات على الاستثمار وفتح مشروعات متوسطة وصغيرة، بالإضافة إلى العمل على زيادة أعدادهم ومعها زيادة الموارد الدولارية.

وظهرت توجهات حكومية لافتة خلال الشهور الماضية لفتح أسواق عمل للعمالة المصرية، حيث زار وزير العمل المصري محمد جبران قبل يومين إيطاليا «لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التشغيل، والتدريب المهني، ونقل العمالة»، وفق بيان للوزارة. ويرى الشافعي أن هذا التوجه «جاء متأخراً».

وزير الخارجية المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (وزارة الخارجية)

ويقول الشافعي: «غالبية المصريين في الخارج سافروا بجهودهم الشخصية، ولم تعمل الحكومة سابقاً بشكل فعال في هذا الملف»، مطالباً بإنشاء مراكز تأهيل للمصريين الذين يرغبون في العمل بالخارج بداية من العامل، وحتى رئيس مجلس الإدارة، والعلماء، وفتح أسواق لهذه العمالة. وعلق: «وقتها ستقفز التحويلات إلى 100 مليار دولار وأكثر وليس فقط 39».

ويتخوف النحاس من أن «زيادة تحويلات المغتربين وموارد السياحة وكلها موارد رغم أهميتها في تحقيق وفرة دولارية في السوق، لكنها تظل غير متينة، وقابلة لأن تشهد هزات في أي وقت، ومعها عودة أزمة العملة الصعبة».

بالتزامن، وجَّه الرئيس المصري الحكومة، الأحد، إلى «تسريع مسار الاستدامة المالية، وتعزيز الانضباط المالي، وتحسين هيكل المديونية، والتركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي».