تُظهر الكوميدية اللبنانية أمل طالب أنها تواصل رحلة النضج التي تتطلَّب جهداً ووعياً وحرصاً على تطوير الأداء. بدأ عرضها «طالب بصيص أمل» على مسرح «ديستركت 7» في بيروت، إعلاناً بأنّ حضورها لم يعُد مصادفة أو ضربة حظّ، وإنما مشروع تصرّ على استكماله بكلّ ما يتطلّبه من صقل وتدريب وتراكم خبرة؛ فمنذ ظهورها على الشاشة، حملت إشارات الموهبة الفطرية. لكن، مثل باقي المواهب، لم يكن يكفيها البريق الأول لتصير محترفة. بين البدايات، ثم المحاولة المتواضعة في برنامج تلفزيوني لم يكن الأكثر نجاحاً، وصولاً إلى أمسية بيروتية امتلأت مقاعدها بالجمهور المُتشوّق، راحت ترسم لنفسها مساراً ركيزته الأساسية أنّ الضحكة ليست سهلة المنال، والمسرح يختلف تماماً عن الفيديو السريع في مواقع التواصل.

جمهور أمل طالب يعرفها... ابنة مدينة بعلبك، تنقل لهجتها البقاعية، وتستمدّ من قصص البيت والقرية مادة كوميدية قريبة من كثيرين. حتى شَعرها المتموّج صار جزءاً من صورتها، كما الدبكة التي تدخل معها المسرح في كلّ مرة. هذه العناصر البسيطة صنعت هوية يعرفها الناس ويتفاعلون معها. لكن الهوية وحدها لا تكفي، وإلا انقلبت إلى تكرار يُهدّد التجربة بالجمود. فالمطلوب أن تتحوّل هذه الهوية إلى بوابة نحو مساحات أوسع، تسمح بالتجريب وتفتح المجال لتجديد الخطاب الكوميدي بدل الاكتفاء بما يُخشى أن يصبح مألوفاً.
قدَّمت في سهرتها نكاتاً عن الخيبات العاطفية، عن العائلة والعلاقة المُرهقة بالوضع المادي، وموضوعات مضحكة أخرى. هنا برزت قوتها الأساسية: القدرة على تحويل المعاناة اليومية إلى مادة طريفة تُتيح للجمهور التماهي. الكوميديا عندها تستعير الواقع، وتُعيد تدويره عوض الهروب منه. ومع ذلك، ليست كلّ النكات متساوية. بعضها جاء لامعاً ذكياً، وبعضها الآخر وقع في المباشَرة المتوقَّعة؛ ما يُذكّر بأنّ الضحكة لا يمكن ضمانها سلفاً، وأنّ الكوميديا تقيم دائماً على حافة المغامرة.
سبق أمل على المسرح زميلان من جيل المنصّات. الكوميديّة دلال القادمة من «إنستغرام» بدت عفوية، قريبة من الجمهور، وإنْ بالغت في تأكيد هذه العفوية. وحين استسلمت للتفاعل الطبيعي، أضحكت فعلاً. أما طوني صليبا، ابن «تيك توك»، فدخل إلى المسرح شبه فارغ من المحتوى، مُتكئاً على ابتذال لم يعُد يُضحك. ما يصلح للفيديو القصير لا يصلح بالضرورة للعرض الحيّ، وهنا ظهر الفارق بين الضحكة السريعة على الشاشة والامتحان الحقيقي في مواجهة جمهور مباشر. هذه المقارنة غير المباشرة أضاءت أكثر على أمل طالب، بكونها الأكثر جاهزية من بين الثلاثة، لكنها في الوقت نفسه وضعت أمامها تحدّياً أكبر: كيف تُثبت أنها ليست فقط «الأكثر خبرة»، بل أيضاً «الأكثر ابتكاراً»؟

وبالفعل نجحت. أعلنت أنها تعمل على ساعة كوميدية جديدة ستتشارك في كتابتها مع آخرين. هذه الخطوة تدلّ على وعيها بأنّ الكوميديا مهنة دقيقة تحتاج إلى عرق الكتابة وتجريب النصوص قبل تقديمها. والأهم أنها باتت تعرف أنّ التجربة المسرحية تستدعي أكثر من الاعتماد على الشخصية المحبوبة والهوية المحلّية؛ تحتاج إلى تنويع، وعمق في الطرح، وإيقاع مضبوط يقي النكتة من الاستهلاك. وهنا يُمكن القول إنّ خيارها الانفتاح على أقلام أخرى، إنْ أثبتت قيمة، يُشكّل انتقالة نوعية، قد ترفعها من مرحلة البدايات إلى مرحلة أكثر احترافاً، شرط ألا تفقد صوتها الخاص وسط هذا التعاون.

تعالت الضحكات في المسرح، فتحقّق الهدف المباشر من السهرة. لكن النقد لا بدّ أن يُسجّل أنّ أمل طالب، رغم قدرتها على التماهي مع الناس، لا تزال أمام امتحان صعب: كيف تحافظ على هذا التوهّج من دون أن تُكرّر نفسها؟ كيف تُحوّل البساطة إلى عمق، والعفوية إلى احتراف، واللهجة المحلّية إلى خطاب كوميدي يتخطّى الحدود؟ هنا يكمن مستقبلها. فالكوميديا، مثلها مثل أي فنّ، لا ترحم التكرار، ولا تُسامح الركود. وهي إذ تستند إلى محبة الجمهور، مدعوّة اليوم لأن تبني فوق هذا الحبّ أساساً أمتن، وإلّا بقيت حبيسة اللحظة الآنية، تعيش من ضحكة إلى أخرى، من دون أن تؤسّس لمسار طويل في المشهدَيْن الكوميدي اللبناني والعربي.






