التقارب التركي مع الشرق الليبي… مصالح اقتصادية وترتيبات عسكرية

على وقع ترقّي نجلي حفتر بالقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»

حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)
TT

التقارب التركي مع الشرق الليبي… مصالح اقتصادية وترتيبات عسكرية

حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)

حظيت زيارة خاطفة ومتزامنة لوفدين؛ عسكري واستخباراتي، تركيين إلى شرق ليبيا باهتمام مراقبين، خصوصاً أنها تزامنت مع تصعيد رتبة الفريق أول صدام، نجل المشير خليفة حفتر، لمنصب نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني»، وشقيقه خالد رئيساً للأركان العامة.

طيّ صفحة الخصومة

قد تُفهم هذه الزيارة، حسب مراقبين، على أنها إعلان ضمني عن طيّ صفحة الخصومة، التي ارتبطت بدعم تركيا لقوات حكومة «الوفاق» في مواجهة «الجيش الوطني» خلال حرب طرابلس (2019-2020)، لكنها تثير في الوقت نفسه تساؤلات حول ما إذا كانت تمهّد لتوافقات في الملفات العسكرية والأمنية والحدودية، أم أنها تشكّل نقطة انطلاق لنفوذ تركي متنامٍ في شرق ليبيا؟

مدير صندوق إعمار ليبيا بلقاسم حفتر ورئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم كولن خلال لقاء في بنغازي (الصفحة الرسمية للصندوق)

ولا تبدو مسارعة أنقرة للتقارب مع سلطات بنغازي، بعد التغييرات الأخيرة في هرم القيادة العسكرية الليبية، مثاراً للدهشة من منظور دوائر سياسية في شرق ليبيا. وهي وفق وصف الدبلوماسي وسفير ليبيا السابق لدى سوريا، محمد شعبان المرداس، «براغماتية سياسية، وذكاء استراتيجي متبادل من الطرفين الليبي والتركي تحكمه المصالح»، نافياً أن تكون «نقطة بداية لنفوذ تركي في شرق ليبيا».

والملاحَظ أن أول نشاط رسمي لصدام حفتر في منصبه الجديد، نائباً لوالده، كان مباحثاته مع وفد عسكري تركي، زار بنغازي برئاسة مدير عام الدفاع والأمن في وزارة الدفاع التركية، الجنرال إيلكاي ألتنداغ، على متن البارجة التركية «جزيرة الحنّة»، وبعد ساعات قليلة من تنصيبه في البرلمان الليبي. وعقب هذا اللقاء بيوم واحد، جاءت مباحثات رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، مع حفتر ونجليه صدام وخالد في بنغازي.

هذا التسارع التركي نحو توطيد العلاقات مع شرق ليبيا، عزاه المرداس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضغوط سابقة مارستها المعارضة التركية على الرئيس رجب طيب إردوغان ضد سياسات التدخل الخشن في دول الإقليم، ومن بينها ليبيا».

رئيس الأركان التركي خلال زيارة سابقة لمركز قيادة العمليات التركي - الليبي في طرابلس (وزارة الدفاع التركية)

وإذ يعيد الدبلوماسي الليبي التذكير بـ«خبرة رئيس الاستخبارات التركية بالملف الليبي، أخذاً في الاعتبار عمله السابق مستشاراً لإردوغان؛ فإنه يعتقد «بقناعة أنقرة بغياب الشريك الفاعل في غرب ليبيا، مع تعدد الرؤوس الحاكمة، وتناحر الميليشيات، في مقابل السعي لتوطيد العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع شريك قوي يتمركز في بنغازي».

وبعد أكثر من 5 أعوام من تدخل تركي أخرج قوات «الجيش الوطني» خارج الحدود الإدارية للعاصمة طرابلس، تتزاحم الإشارات نحو هذا التقارب، الذي يوصف بـ«البراغماتي»، والذي قد يتخذ شكل تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة. ويتزامن ذلك مع تقارير عن احتمال تمرير مجلس النواب في بنغازي الموافقة على مذكرة ترسيم حدود بحرية في البحر الأبيض المتوسط، سبق أن وقعتها حكومة «الوفاق» السابقة، برئاسة فائز السراج في 2019.

ومن شأن تمرير البرلمان هذه المذكرة أن يمنح أنقرة «شرعية أكبر» لأنشطة استكشاف نفطي بين ليبيا وجزيرة كريت في البحر المتوسط، وهو ما يثير اعتراضات من اليونان والاتحاد الأوروبي، فيما لم تُبدِ الجارة مصر ردّ فعل على هذا التطور.

توافُق تركي مع شرق ليبيا

يشير الباحث الليبي حافظ الغويل، وهو زميل أول ومدير تنفيذي في مركز «ستيمسن» الدولي بالولايات المتحدة، إلى إدراك أنقرة «حتمية حدوث توافقات مع السلطات المسيطرة في شرق ليبيا، لكن تحت سقف محكوم بمعادلة أمنية وعسكرية دقيقة». ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «توافقات تركيا مع حفتر غير آيديولوجية، كما أنها ليست دبلوماسية بالمعنى الكامل»، مفسّراً ذلك بأن أنقرة «لا تعترف بالمنطقة الشرقية كياناً منفصلاً عن الحكومة المركزية في طرابلس، وتتعامل معها على أنها قوة أمر واقع على الأرض».

صدام حفتر في لقاء مع كولن في بنغازي (إعلام القيادة العامة)

ويلحظ الغويل أن تركيا «تتعامل بجدية مع البرلمان الليبي، حتى وإن كانت تدرك أنه فقد شرعيته، لأنها تريد أن يوافق على مذكرة ترسيم الحدود البحرية، حتى يكون لها واقع قانوني حقيقي في المجتمع الدولي».

وفي المعسكر الآخر من المشهد الليبي، تلتزم حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الصمت لكن نشطاء في غرب البلاد شنّوا حملة انتقادات لاذعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ذكّرت بتصريحات لحفتر في عام 2019، تحدث فيها عمّا يوصف بـ«المستعمر التركي».

من جهته، يوضح الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، أن «زيارة رئيس الاستخبارات التركية إلى بنغازي، من دون أن يتوقف في طرابلس، إلى جانب استضافة رئيس جهاز المخابرات الليبية، حسين العايب، مؤتمراً استخباراتياً في بنغازي، تظهران ازدياد الضغوط على الدبيبة».

ومع ذلك، لم يغب الاهتمام بالملف التركي عن دائرة اهتمام الجهات الرسمية في طرابلس، إذ كان الاحتفال بيوم «القوات المسلحة التركية» في مقر سفارة أنقرة بطرابلس مناسبة لظهور مسؤولين من غرب ليبيا.

وكان لافتاً لأنظار متابعين للاحتفال، الذي أُقيم منتصف الأسبوع الماضي، الظهور النادر والمفاجئ لرئيس المجلس الرئاسي السابق، فائز السراج، بصحبة نائبه السابق أحمد معيتيق في الاحتفال التركي. علماً أن السراج، الذي غاب عن المشهد السياسي منذ مغادرته منصبه في عام 2021، يوصف بأنه «مهندس» الشراكة الأمنية القوية لسلطات طرابلس مع تركيا قبل 6 أعوام.

بدوره، يرى الباحث والمحلل السياسي التركي، جواد جوك، أن «أنقرة تنتهج اليوم مقاربة تدفع نحو توحيد المؤسسات الليبية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن سياسات إردوغان «تميل إلى ترسيخ العلاقات العسكرية والأمنية مع بنغازي، بالتوازي مع الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع طرابلس».

يشار إلى أن بيان وزارة الدفاع التركية، الذي أعقب مباحثات أعضاء الوفد العسكري التركي مع نظرائهم الليبيين على متن فرقاطة تركية في ميناء بنغازي، بيّن أن المحادثات تناولت سبل تعزيز التعاون العسكري تحت شعار «ليبيا واحدة... جيش واحد».

مصالح اقتصادية

لم تغب أوراق المصالح الاقتصادية المتصاعدة بين شرق ليبيا وأنقرة، عن تقديرات دبلوماسيين ومحللين، خصوصاً في ضوء ما عُدّ «تنافساً محموماً» بين تركيا ودول عربية على الظفر بعقود مشروعات الإعمار، التي يشرف عليها «صندوق تنموي»، يقوده بلقاسم حفتر.

وفي هذا السياق، كانت زيارة رئيس الاستخبارات التركية بصحبة بلقاسم حفتر إلى جامعة بنغازي وملعبها، اللذين خضعا لأعمال تطوير بنيتهما التحتية، عبر شركات إنشاءات تركية، مثل «ليماك» و«سلحدار أوغلو» و«أنكامينا».

ولا تتوفر أرقام رسمية حول إجمالي قيمة مشاريع الإعمار التي تنفذها شركات تركية في شرق ليبيا، لأنها تخضع لـ«صندوق تنمية وإعمار ليبيا» البعيد عن سلطة الأجهزة الرقابية، بنصٍّ قانوني وضعه البرلمان.

إردوغان خلال لقاء سابق مع عقيلة صالح بحضور رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش في القصر الرئاسي (الرئاسة التركية)

لكن الثابت أن الشركات التركية استعادت حضورها القوي في المشهد الإنشائي واللوجيستي في شرق ليبيا، بعد سنوات من الغياب، أعقبت «ثورة فبراير (شباط)»، مع توقيع عقود لتنمية مطارات ومستشفيات ومشاريع كهرباء، وملاعب في بنغازي والبيضاء وشحات وطبرق (شرقي ليبيا). وتتوقع مصادر في بنغازي لـ«الشرق الأوسط»، «الانخراط في مزيد من المشروعات بين تركيا والسلطات في بنغازي خلال الفترة المقبلة».

ووسط زخم زيارات المسؤولين الأتراك، وتوطيد حلقات الاتصال الأمنية والعسكرية، يرصد باحثون، من بينهم المحلل الليبي محمد الأمين، مفارقةً مفادها أن «ليبيا حاضرة في حسابات الإقليم والعالم أكثر مما هي حاضرة في مشروع وطني داخلي يقوم عليه الليبيون».


مقالات ذات صلة

ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

شمال افريقيا الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)

ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

هيمنت أزمة نقص السيولة على المشهد الليبي؛ في ظل اصطفاف المواطنين أمام المصارف لساعات طويلة، إلى جانب نقاشات موسعة مع خبراء ومسؤولين حول سبل المعالجة.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا افتتاح «الحوار المهيكل» في ليبيا (أرشيفية - البعثة الأممية)

مصراتة تنتفض لـ«حل الأجسام المسيطرة» على المشهد الليبي

دافعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، مجدداً، عن «الحوار المهيكل» الذي ترعاه في العاصمة طرابلس، رغم الجدل المثار حول إمكانية نجاحه.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبي خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

«الوحدة» الليبية تتابع ملف الهيشري الموقوف لدى «الجنائية الدولية»

قالت سفارة ليبيا في هولندا إن «القسم القنصلي سينظم زيارات دورية للمحتجز الهيشري، ضمن اختصاصاته ومسؤولياته القنصلية تجاه المواطنين الليبيين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

تيتيه تتهم الزعماء الليبيين بـ«التقاعس» عن تنفيذ «خريطة الطريق»

اتهمت هانا تيتيه، أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في ليبيا بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

علي بردى (واشنطن)

روبيو يكثّف الدعوات لهدنة في السودان

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
TT

روبيو يكثّف الدعوات لهدنة في السودان

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

وضع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تضع فيها واشنطن مواقيتَ أمام طرفي النزاع، الجيش و«قوات الدعم السريع».

وذكر روبيو في تصريحات، الجمعة، أنَّ «هدف واشنطن الفوري وقف الأعمال القتالية في السودان قبل بداية العام الجديد»، في تكثيف للتحرك الأميركي من أجل الوصول إلى هدنة إنسانية.

وقال إنَّ بلاده منخرطة «بشكل مكثف» مع أطراف إقليمية عديدة، لافتاً إلى محادثات أجرتها واشنطن مع مسؤولين في السعودية والإمارات ومصر، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، للدفع نحو هدنة إنسانية تسمح بتوسيع عمليات الإغاثة.

وقال روبيو: «99 في المائة من تركيزنا ينصب على هذه الهدنة الإنسانية والتوصل إليها في أسرع وقت ممكن». وأضاف: «نعتقد أنَّ العام الجديد والأعياد المقبلة تُمثل فرصة عظيمة لكلا الجانبين للاتفاق على ذلك».


10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

TT

10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)
روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

وضع وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل، وهي المرة الأولى التي تحدد فيها الإدارة الأميركية مواقيت زمنية أمام طرفي النزاع؛ الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ إعلان تدخل واشنطن بقوة في هذا الملف.

وذكر روبيو في تصريحات صحافية، الجمعة، أن «هدف واشنطن الفوري وقف الأعمال القتالية في السودان قبل بداية العام الجديد». وقال إن بلاده منخرطة «بشكل مكثف» مع أطراف إقليمية عديدة، لافتاً إلى محادثات أجرتها واشنطن مع مسؤولين في السعودية والإمارات ومصر، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، في إطار الدفع نحو هدنة إنسانية تسمح بتوسيع عمليات الإغاثة.

روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب)

وأكد روبيو في مؤتمر صحافي أن «99 في المائة من تركيزنا ينصب على هذه الهدنة الإنسانية والتوصل إليها في أسرع وقت ممكن». وأضاف: «نعتقد أن العام الجديد والأعياد المقبلة تمثل فرصة عظيمة لكلا الجانبين للاتفاق على ذلك، ونحن نبذل قصارى جهدنا في هذا الصدد».

وقال روبيو إن كلا الجانبين انتهك التزاماته، وأعرب عن قلقه إزاء التقارير الجديدة التي تفيد بتعرض قوافل مساعدات إنسانية لهجمات. وأضاف: «ما يحدث هناك مروع، إنه فظيع». وتابع: «سيأتي يوم تُعرف فيه القصة الحقيقية لما حدث هناك، وسيبدو كل من شارك في الأمر بمظهر سيئ».

ضغوط على السودان

وفي هذا الصدد، قال مصدر سوداني مطلع لــ«الشرق الأوسط»، إن رئيس «مجلس السيادة»، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، اطلع خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض على دعوة عاجلة للامتثال لخريطة الرباعية للموافقة على تهدئة القتال، وإنه طلب أسبوعاً للرد عليها بعد إجراء مشاورات مع حلفائه في الداخل.

وأوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الخطة التي طرحت على البرهان، لا تخرج عن إطار خريطة الرباعية المتفق عليها بين الدول الأربع؛ الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر. وفي حين لم يشر وزير الخارجية الأميركي إلى أي خطة جديدة، لكنه ألمح إلى أن الإدارة الأميركية قد تلجأ لممارسة المزيد من الضغوط من أجل الوصول إلى المرحلة الأولى، التي تشمل الهدنة الإنسانية، وربطها في الوقت نفسه بإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في مناطق النزاع.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

وربط المصدر السوداني حديث روبيو في هذا التوقيت، بزيارة البرهان إلى السعودية، وتزامنها مع وجود كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، الذي عاد إلى واشنطن بعد جولة طويلة شملت السعودية والإمارات ومصر.

تدخل سعودي حاسم

وصعد ملف الحرب في السودان إلى سلم أولويات الإدارة الأميركية، بعد التدخل السعودي الحاسم، وطلب ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان من الرئيس دونالد ترمب التدخل لوقف الحرب. ووفقاً لوزارة الخارجية السودانية، أكد البرهان خلال زيارته إلى الرياض الأسبوع الماضي، حرصه على العمل مع السعودية والرئيس دونالد ترمب ومبعوثه للسلام مسعد بولس لوقف الحرب في السودان.

وبحسب المصدر نفسه، تعكس تصريحات البرهان تحولاً كبيراً في موقف الحكومة السودانية التي سبق أن رفضت مقترح «الآلية الرباعية» بهدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، مشيراً إلى أن دول الرباعية أكدت مراراً وتكراراً التزامها بالعمل في إطار هذه المبادرة لوقف الحرب عبر الحل السلمي المتفاوض عليه.

من جهته، قال مستشار «قوات الدعم السريع»، محمد المختار، إن «موقفنا المبدئي هو الترحيب بأي مبادرة لوقف الحرب ومعالجة جذور الأزمة في السودان». وأضاف أن «الدعم السريع وتحالف تأسيس (المرجعية السياسية لحكومة السلام) في نيالا، على اتفاق تام بالتعاطي مع أي جهود أو تسوية تؤدي إلى إحلال السلام في البلاد... وظللنا منذ اندلاع الحرب نستجيب لكل المساعي الإقليمية والدولية في هذا الصدد».

التحركات الأميركية

وقال دبلوماسي سوداني سابق، إن الإدارة الأميركية لا تلجأ في العادة لتحديد سقف زمني لأي ملف تتحرك فيه دون مؤشرات واضحة أو حصولها على ضوء أخضر، مضيفاً: «صحيح أن القيد الزمني الذي وضعته ضيق جداً، لكنها قد تنجح في اقتلاع موافقة نهائية من طرفي الحرب بخصوص الهدنة الإنسانية في الأيام القليلة المقبلة».

وأشار الدبلوماسي السوداني إلى أن وقف إطلاق النار يتوقف على كلا الجانبين، من حيث الوفاء بالتزاماتهما في تنفيذ المقترح المطروح من قبل «الآلية الرباعية». وأضاف الدبلوماسي، الذي طلب أيضاً عدم ذكر اسمه، أن إدارة ترمب تركز في الوقت الحالي على جمع الطرفين في مفاوضات مباشرة للاتفاق على تنفيذ المرحلة الأولى للهدنة الإنسانية التي تمهد الانتقال إلى مرحلة إيقاف دائم لإطلاق النار، يعقب ذلك تنفيذ الرؤية المضمنة في خريطة الرباعية بخصوص العملية السياسية والانتقال إلى الحكم المدني.وتوقع الدبلوماسي أن تتسارع وتيرة تحركات الرباعية بكثافة في الأيام المقبلة، بعد حديث روبيو، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع طرفي الصراع للالتزام بتنفيذ الهدنة فوراً دون تأخير.

وتنص خريطة «الرباعية» على التنفيذ السريع لمقترح الهدنة الإنسانية لمدة 3 أشهر، وإيقاف فوري لإطلاق النار دون قيد أو شرط، وتطويره إلى وقف إطلاق نار دائم، ثم البدء في مفاوضات سياسية.

ترحيب إماراتي

من جهته، جدّد الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، التأكيد على أن الوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، وضمان وصول إنساني آمن من دون عوائق إلى المدنيين، يمثلان أولوية قصوى في ظل تفاقم الاحتياجات الإنسانية واتساع دائرة المعاناة في السودان.

ورحّب الشيخ عبد الله بن زايد بتصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بشأن السودان، التي شدد فيها على أن الهدف العاجل لواشنطن يتمثل في وقف الأعمال العدائية مع دخول العام الجديد بما يسمح للمنظمات الإنسانية بإيصال المساعدات إلى مختلف أنحاء البلاد.

الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي (وام)

وأثنى وزير الخارجية الإماراتي على ما تضمنته التصريحات الأميركية من تركيز على دفع مسار التهدئة الإنسانية والتخفيف من وطأة الأزمة، مؤكداً أن أي تقدم عملي يبدأ بوقف إطلاق النار على نحو عاجل، بما يوفر حماية للمدنيين ويؤسس لتهيئة بيئة سياسية أكثر قابلية للحل.

كما رأى أن تثبيت الهدنة الإنسانية وفتح الممرات أمام الإغاثة «يمهدان الطريق» لمسار سياسي يفضي إلى انتقال مدني مستقل يحقق تطلعات السودانيين إلى الأمن والاستقرار والسلام.

وفي هذا السياق، أكد الشيخ عبد الله بن زايد التزام دولة الإمارات بالعمل مع المجموعة الرباعية بقيادة الولايات المتحدة، ضمن جهود تستهدف دعم مسار سياسي مدني مستدام يضع مصلحة الشعب السوداني فوق كل اعتبار.

إدريس إلى نيويورك

من جهة ثانية، توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك، السبت، للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية ووقف محتمل لإطلاق النار، وفق ما أفاد مصدران في الحكومة السودانية.

وتأتي هذه الزيارة في ظلّ احتدام المعارك بين الجيش السوداني و«قوّات الدعم السريع» في جنوب كردفان، ما يثير مخاوف من فظائع جديدة شبيهة بتلك التي ارتكبت في مدينة الفاشر في أواخر أكتوبر (تشرين الأول). وترافقت سيطرة «قوّات الدعم السريع» على آخر معقل للجيش في إقليم دارفور (غرب) مع تقارير عن عمليات قتل جماعي واغتصاب واختطاف.


مصر: رفع اسم علاء عبد الفتاح من قائمة «منع السفر»

علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)
علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)
TT

مصر: رفع اسم علاء عبد الفتاح من قائمة «منع السفر»

علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)
علاء عبد الفتاح (حسابه على «فيسبوك»)

رفع النائب العام المصري، محمد شوقي عياد، السبت، اسم الناشط علاء عبد الفتاح من قوائم «منع السفر»، استجابةً لطلب قدمه محاميه في وقت سابق.

وبموجب قرار النائب العام الذي ستجري مخاطبة الجهات المختصة به، سيكون من حق علاء عبد الفتاح، الحاصل على الجنسية البريطانية بجانب جنسيته المصرية، القدرة على مغادرة البلاد بعد نحو 3 أشهر من الإفراج عنه بعفو رئاسي استجابة لمناشدات عدة قدمتها أسرته، ومخاطبة قدمها «المجلس القومي لحقوق الإنسان» في مصر.

وصدر حكم قضائي على علاء عبد الفتاح في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بالسجن 5 سنوات بتهمة «الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، ونشر وبث أخبار وبيانات كاذبة داخل وخارج البلاد، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها».

وجاء الحكم بعد أكثر من عامين على توقيف الناشط، الذي أُلقي القبض عليه في سبتمبر (أيلول) 2019.

وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قررت رفع اسم علاء عبد الفتاح من «قوائم الإرهاب» في القضية رقم 1781 لسنة 2019 في يوليو (تموز) الماضي، مستندة إلى التحريات التي أفادت بـ«عدم استمراره في أي نشاط لصالح جماعة إرهابية»، وهو القرار الذي ترتّب عليه إنهاء جميع الآثار القانونية المترتبة على الإدراج، بما في ذلك المنع من السفر وتجميد الأموال وغيرهما من العقوبات.

وحصل علاء عبد الفتاح على الجنسية البريطانية خلال وجوده في السجن، بعدما تقدمت شقيقتاه بطلب للسلطات البريطانية على خلفية حصول والدته على الجنسية لولادتها هناك، وهو ما جعل موقفه القانوني محل نقاش مستمر بين المسؤولين المصريين ونظرائهم البريطانيين خلال السنوات الماضية.