التقارب التركي مع الشرق الليبي… مصالح اقتصادية وترتيبات عسكرية

على وقع ترقّي نجلي حفتر بالقيادة العامة لـ«الجيش الوطني»

حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)
TT

التقارب التركي مع الشرق الليبي… مصالح اقتصادية وترتيبات عسكرية

حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)
حفتر مستقبلاً رئيس الاستخبارات التركية كولن في بنغازي منتصف الأسبوع الماضي (إعلام القيادة العامة)

حظيت زيارة خاطفة ومتزامنة لوفدين؛ عسكري واستخباراتي، تركيين إلى شرق ليبيا باهتمام مراقبين، خصوصاً أنها تزامنت مع تصعيد رتبة الفريق أول صدام، نجل المشير خليفة حفتر، لمنصب نائب القائد العام لـ«الجيش الوطني»، وشقيقه خالد رئيساً للأركان العامة.

طيّ صفحة الخصومة

قد تُفهم هذه الزيارة، حسب مراقبين، على أنها إعلان ضمني عن طيّ صفحة الخصومة، التي ارتبطت بدعم تركيا لقوات حكومة «الوفاق» في مواجهة «الجيش الوطني» خلال حرب طرابلس (2019-2020)، لكنها تثير في الوقت نفسه تساؤلات حول ما إذا كانت تمهّد لتوافقات في الملفات العسكرية والأمنية والحدودية، أم أنها تشكّل نقطة انطلاق لنفوذ تركي متنامٍ في شرق ليبيا؟

مدير صندوق إعمار ليبيا بلقاسم حفتر ورئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم كولن خلال لقاء في بنغازي (الصفحة الرسمية للصندوق)

ولا تبدو مسارعة أنقرة للتقارب مع سلطات بنغازي، بعد التغييرات الأخيرة في هرم القيادة العسكرية الليبية، مثاراً للدهشة من منظور دوائر سياسية في شرق ليبيا. وهي وفق وصف الدبلوماسي وسفير ليبيا السابق لدى سوريا، محمد شعبان المرداس، «براغماتية سياسية، وذكاء استراتيجي متبادل من الطرفين الليبي والتركي تحكمه المصالح»، نافياً أن تكون «نقطة بداية لنفوذ تركي في شرق ليبيا».

والملاحَظ أن أول نشاط رسمي لصدام حفتر في منصبه الجديد، نائباً لوالده، كان مباحثاته مع وفد عسكري تركي، زار بنغازي برئاسة مدير عام الدفاع والأمن في وزارة الدفاع التركية، الجنرال إيلكاي ألتنداغ، على متن البارجة التركية «جزيرة الحنّة»، وبعد ساعات قليلة من تنصيبه في البرلمان الليبي. وعقب هذا اللقاء بيوم واحد، جاءت مباحثات رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم قالن، مع حفتر ونجليه صدام وخالد في بنغازي.

هذا التسارع التركي نحو توطيد العلاقات مع شرق ليبيا، عزاه المرداس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «ضغوط سابقة مارستها المعارضة التركية على الرئيس رجب طيب إردوغان ضد سياسات التدخل الخشن في دول الإقليم، ومن بينها ليبيا».

رئيس الأركان التركي خلال زيارة سابقة لمركز قيادة العمليات التركي - الليبي في طرابلس (وزارة الدفاع التركية)

وإذ يعيد الدبلوماسي الليبي التذكير بـ«خبرة رئيس الاستخبارات التركية بالملف الليبي، أخذاً في الاعتبار عمله السابق مستشاراً لإردوغان؛ فإنه يعتقد «بقناعة أنقرة بغياب الشريك الفاعل في غرب ليبيا، مع تعدد الرؤوس الحاكمة، وتناحر الميليشيات، في مقابل السعي لتوطيد العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع شريك قوي يتمركز في بنغازي».

وبعد أكثر من 5 أعوام من تدخل تركي أخرج قوات «الجيش الوطني» خارج الحدود الإدارية للعاصمة طرابلس، تتزاحم الإشارات نحو هذا التقارب، الذي يوصف بـ«البراغماتي»، والذي قد يتخذ شكل تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة. ويتزامن ذلك مع تقارير عن احتمال تمرير مجلس النواب في بنغازي الموافقة على مذكرة ترسيم حدود بحرية في البحر الأبيض المتوسط، سبق أن وقعتها حكومة «الوفاق» السابقة، برئاسة فائز السراج في 2019.

ومن شأن تمرير البرلمان هذه المذكرة أن يمنح أنقرة «شرعية أكبر» لأنشطة استكشاف نفطي بين ليبيا وجزيرة كريت في البحر المتوسط، وهو ما يثير اعتراضات من اليونان والاتحاد الأوروبي، فيما لم تُبدِ الجارة مصر ردّ فعل على هذا التطور.

توافُق تركي مع شرق ليبيا

يشير الباحث الليبي حافظ الغويل، وهو زميل أول ومدير تنفيذي في مركز «ستيمسن» الدولي بالولايات المتحدة، إلى إدراك أنقرة «حتمية حدوث توافقات مع السلطات المسيطرة في شرق ليبيا، لكن تحت سقف محكوم بمعادلة أمنية وعسكرية دقيقة». ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «توافقات تركيا مع حفتر غير آيديولوجية، كما أنها ليست دبلوماسية بالمعنى الكامل»، مفسّراً ذلك بأن أنقرة «لا تعترف بالمنطقة الشرقية كياناً منفصلاً عن الحكومة المركزية في طرابلس، وتتعامل معها على أنها قوة أمر واقع على الأرض».

صدام حفتر في لقاء مع كولن في بنغازي (إعلام القيادة العامة)

ويلحظ الغويل أن تركيا «تتعامل بجدية مع البرلمان الليبي، حتى وإن كانت تدرك أنه فقد شرعيته، لأنها تريد أن يوافق على مذكرة ترسيم الحدود البحرية، حتى يكون لها واقع قانوني حقيقي في المجتمع الدولي».

وفي المعسكر الآخر من المشهد الليبي، تلتزم حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الصمت لكن نشطاء في غرب البلاد شنّوا حملة انتقادات لاذعة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ذكّرت بتصريحات لحفتر في عام 2019، تحدث فيها عمّا يوصف بـ«المستعمر التركي».

من جهته، يوضح الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، أن «زيارة رئيس الاستخبارات التركية إلى بنغازي، من دون أن يتوقف في طرابلس، إلى جانب استضافة رئيس جهاز المخابرات الليبية، حسين العايب، مؤتمراً استخباراتياً في بنغازي، تظهران ازدياد الضغوط على الدبيبة».

ومع ذلك، لم يغب الاهتمام بالملف التركي عن دائرة اهتمام الجهات الرسمية في طرابلس، إذ كان الاحتفال بيوم «القوات المسلحة التركية» في مقر سفارة أنقرة بطرابلس مناسبة لظهور مسؤولين من غرب ليبيا.

وكان لافتاً لأنظار متابعين للاحتفال، الذي أُقيم منتصف الأسبوع الماضي، الظهور النادر والمفاجئ لرئيس المجلس الرئاسي السابق، فائز السراج، بصحبة نائبه السابق أحمد معيتيق في الاحتفال التركي. علماً أن السراج، الذي غاب عن المشهد السياسي منذ مغادرته منصبه في عام 2021، يوصف بأنه «مهندس» الشراكة الأمنية القوية لسلطات طرابلس مع تركيا قبل 6 أعوام.

بدوره، يرى الباحث والمحلل السياسي التركي، جواد جوك، أن «أنقرة تنتهج اليوم مقاربة تدفع نحو توحيد المؤسسات الليبية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن سياسات إردوغان «تميل إلى ترسيخ العلاقات العسكرية والأمنية مع بنغازي، بالتوازي مع الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع طرابلس».

يشار إلى أن بيان وزارة الدفاع التركية، الذي أعقب مباحثات أعضاء الوفد العسكري التركي مع نظرائهم الليبيين على متن فرقاطة تركية في ميناء بنغازي، بيّن أن المحادثات تناولت سبل تعزيز التعاون العسكري تحت شعار «ليبيا واحدة... جيش واحد».

مصالح اقتصادية

لم تغب أوراق المصالح الاقتصادية المتصاعدة بين شرق ليبيا وأنقرة، عن تقديرات دبلوماسيين ومحللين، خصوصاً في ضوء ما عُدّ «تنافساً محموماً» بين تركيا ودول عربية على الظفر بعقود مشروعات الإعمار، التي يشرف عليها «صندوق تنموي»، يقوده بلقاسم حفتر.

وفي هذا السياق، كانت زيارة رئيس الاستخبارات التركية بصحبة بلقاسم حفتر إلى جامعة بنغازي وملعبها، اللذين خضعا لأعمال تطوير بنيتهما التحتية، عبر شركات إنشاءات تركية، مثل «ليماك» و«سلحدار أوغلو» و«أنكامينا».

ولا تتوفر أرقام رسمية حول إجمالي قيمة مشاريع الإعمار التي تنفذها شركات تركية في شرق ليبيا، لأنها تخضع لـ«صندوق تنمية وإعمار ليبيا» البعيد عن سلطة الأجهزة الرقابية، بنصٍّ قانوني وضعه البرلمان.

إردوغان خلال لقاء سابق مع عقيلة صالح بحضور رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش في القصر الرئاسي (الرئاسة التركية)

لكن الثابت أن الشركات التركية استعادت حضورها القوي في المشهد الإنشائي واللوجيستي في شرق ليبيا، بعد سنوات من الغياب، أعقبت «ثورة فبراير (شباط)»، مع توقيع عقود لتنمية مطارات ومستشفيات ومشاريع كهرباء، وملاعب في بنغازي والبيضاء وشحات وطبرق (شرقي ليبيا). وتتوقع مصادر في بنغازي لـ«الشرق الأوسط»، «الانخراط في مزيد من المشروعات بين تركيا والسلطات في بنغازي خلال الفترة المقبلة».

ووسط زخم زيارات المسؤولين الأتراك، وتوطيد حلقات الاتصال الأمنية والعسكرية، يرصد باحثون، من بينهم المحلل الليبي محمد الأمين، مفارقةً مفادها أن «ليبيا حاضرة في حسابات الإقليم والعالم أكثر مما هي حاضرة في مشروع وطني داخلي يقوم عليه الليبيون».


مقالات ذات صلة

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

شمال افريقيا عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

أدى التصادم المسلح بين تشكيلين في مدينة الزواية غرب ليبيا إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

النيابة العامة تحقق في قضية تزوير «أوراق وطنية»

قال مكتب النائب العام الليبي إن التحقيقات انتهت من فحص تسعة قيود عائلية وتبين للمحقق تآمر موظف بمكتب السجل المدني مع تسعة أشخاص غير ليبيين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً المبعوثة الأممية في مكتبه بطرابلس الأربعاء (مكتب الدبيبة)

محادثات أممية - كندية حول سبل تنفيذ «خريطة الطريق» الليبية

ناقشت المبعوثة الأممية إلى ليبيا مع الدبيبة آليات تطبيق «خريطة الطريق»، بما في ذلك إطلاق «الحوار المهيكل» وقضايا أخرى تتعلق بتطورات العملية السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا على الرغم من قبول البعض بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية (مفوضية الانتخابات)

كيف يرى الليبيون إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل؟

رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية.

علاء حموده (القاهرة )
شمال افريقيا محادثات صدام حفتر وقائد «أفريكوم» (الجيش الوطني)

«الجيش الوطني» الليبي يناشد واشنطن رفع «حظر التسليح»

دعا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الولايات المتحدة عبر قيادتها العسكرية في أفريقيا «أفريكوم» لرفع حظر التسليح المفروض دولياً منذ 2011

خالد محمود (القاهرة )

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».


بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».